الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرضى المحاكم

خالد خالص

2006 / 11 / 15
دراسات وابحاث قانونية


لا معنى للقاعدة القانونية إلا إذا كانت إمكانية استعمالها متوفرة لدى المتقاضين. فالنزاعات القضائية تنتج بالطبع عن الحق في استعمال القاعدة القانونية ويبقى حل هذه النزاعات موكول للمحاكم. والمفروض ان اللجوء إلى القضاء يفترض ان كل فرد يعرف حقوقه ويعرف الوسائل للدفاع عن هذه الحقوق وان النتيجة المحصل عليها هي خلاصة الحق الممارس.
لذا اوجب المشرع على المتقاضي ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية حسب الفصل 5 من قانون المسطرة المدنية لتخليق الفضاء القضائي ولتجنب الممارسة العمدية الخاطئة لبعض الحقوق.
إلا ان بعض المتقاضين يمارسون حقوقهم خلافا لمقتضيات هذه المادة ويذهبون بعيدا في التعسف في استعمال الحق و في التعسف في استعمال المساطر.
وهؤلاء هم ما يمكن تسميتهم بمرضى المحاكم. فهم كابوس القضاة وكابوس المواطنين لأنهم لا يكفون عن اللجوء إلى القضاء ولأتفه الأشياء بل يتفننون في مضايقة خصومهم لدفعهم إلى الدفاع على أنفسهم. ويكفي إحصاء العدد الهائل من الإنذارات التي يوجهونها لهم وعدد المعاينات والإنذارات الاستجوابية وطلبات الخبرة والمقالات والمذكرات التعقيبية الطويلة والمستنتجات والطعون والشكاوى إلى حد الإيمان بان هؤلاء يستعملون القضاء كشغلهم اليومي لمضايقة المواطنين ولإحراج القضاة بمساطر لا ترتكز على أي أساس قانوني. ويكفي كذلك الاطلاع على مقالاتهم ومذكراتهم المستفيضة ليتبين للقارئ ان هدفهم هو استعمال المحاكم كحلبة صراع أو كوسيلة لابتزاز المواطنين لا كفضاء للحصول على حق ضائع.
وهؤلاء المرضى يبذلون قصارى جهدهم لتسميم حياة مستهدفيهم الذين عادة ما يفضلون الصمت حتى بعد كسب المساطر والدعاوى على الرجوع بالتعويض على هؤلاء المرضى.
ويمكن معرفة هؤلاء ببعض المواصفات كالتالية :
- انهم يبرهنون على التعنت وعلى النرجيسية،
- هم دائما مدعون وليس مدعى عليهم،
- يكررون الدعاوى الكيدية،
- رغم فشلهم فإنهم يعيدون الكرة مرارا وتكرارا وبناء على نفس الأسباب،
- دفوعاتهم من نسج خيالهم وبليدة في غالب الأحيان،
- يطعنون دائما في الأحكام والقرارات التي تصدر ضدهم.
وظاهرة مرضى المحاكم ظاهرة عالمية لا تهم بلدا دون الآخر أو مدينة دون الأخرى أو محكمة دون غيرها وهؤلاء معروفون لدى الخاص والعام إلى حد دفع بعض الدول ككندا مثلا الى خلق لائحة سوداء بأسمائهم ومنعهم من اللجوء إلى المحاكم إلا بعد الحصول على إذن لجنة مختصة ومكونة لهذا الغرض.
وكممارس بهيئة المحامين بالرباط منذ ما يفوق العقدين فإنني تعرفت على البعض من هؤلاء. وكان يلقب احدهم" بالجوع" حيث كان لا يبرح ساحة المحاكم ويتردد على جميع مرافقها وبجانبه ابنه. وكان مالك آخر مريض و مشهور بمدينة الرباط وكان جميع من يتعاملون معه من مكترين وغيرهم مهددين بإيجاد أنفسهم أمام المحاكم لأتفه الأسباب ولمرات متعددة. ولن أتكلم عن المريض الآخر الذي كان يحتل منصبا مهما في السابق ويحرج المحامين بمطالبتهم بتحرير شكاوى لا ترتكز على أي أساس وبتسجيل دعاوى هو الوحيد الذي يؤمن بها و يستعمل الصحافة للضغط على القضاء ويحرج المسؤولين على قطاع العدل كذلك بهدف التوسط له بغية نسف استقلال القضاء وحياد القضاء ونزاهة القضاء.
والإشكال القانوني الذي يتطلب الوقوف عنده قليلا أمام مثل هاته الحالات المرضية يكمن في إيجاد توازن ما بين حرية ممارسة حق أساسي وهو الحق في اللجوء إلى القضاء وبين إيقاع العقاب على من يمارس هذا الحق بطريقة تعسفية.
وهو ما يمكن ان يكون موضوع دكتوراه في الحقوق، وعلى المهتمين أنادي... !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية