الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة تاريخ من الحروب وجغرافية المقاومة

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2023 / 10 / 21
القضية الفلسطينية


تعد غزة واحدة من الأكثر المناطق الفلسطينية التي شهدت تاريخًا طويلاً من الحروب والاشتباكات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال (الإسرائيلي). بالإضافة إلى ذلك، فإن جغرافية غزة مكنتها من أن تقوم بدورًا هامًا في تسهيل ودعم عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل أكثر فعالية.
في الحقيقة يأتي هذا الحديث عن غزة في ظل وجود تأكيدات (إسرائيلية) بدخول غزة خلال المرحلة القادمة؛ بغية تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية، وذلك بعد عملية طوفان الأفصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية في 7 اكتوبر 2023م، وهذا الأمر يدفعنا إلى طرح مقولة تقول بأن غزة : تشكل تاريخ من الحروب وجغرافية داعمة للمقاومة.
وتاسيسًا على ذلك، سوف أحرص في هذه المقالة على تفكيك عناصر هذه المقولة وإزالة بعض العتمة المضروبة حولها دون الولوج إلى تفاصيلها؛ من أجل فهمها وإدراكها، وصولًا إلى الإجابة على تساؤل هذه المقالة وهو: هل تستطيع إسرائيل احتلال غزة والبقاء فيها ؟
غزة تاريخ من الحروب الفلسطينية – ( الإسرائيلية)
يعود تاريخ الاحتلال (الإسرائيلي) لقطاع غزة إلى عام 1967، عندما تم ضمها إلى (إسرائيل) خلال الحرب العربية (الإسرائيلية). منذ ذلك الحين، شهدت غزة سلسلة من الحروب والاشتباكات، تتراوح بين العمليات العسكرية الكبيرة والاشتباكات المحدودة. وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006م، وتوليها السلطة في قطاع غزة في عام 2007، شهدت العلاقات بين حركة حماس والاحتلال (الإسرائيلي) تاريخا من الحروب العنيفة في السنوات التي تلت ذلك، فهناك حرب غزة 2008-2009، وحرب غزة 2012، وحرب غزة 2014م.
غزة جغرافية دعم المقاومة الفلسطينية
تحظى غزة بوضع جغرافي استراتيجي يساهم في تسهيل ودعم عمليات المقاومة الفلسطينية. حيث تقع غزة على الساحل الغربي لفلسطين، وتحدها المستوطنات (إسرائيلية) من الشمال والشرق، ومصر من الجنوب. وتستفيد المقاومة الفلسطينية من الحدود البرية والبحرية لغزة لتهريب السلع والأسلحة، وتنفيذ العمليات العسكرية ضد القوات الاحتلال (الإسرائيلية). فهناك عدة عناصر تتعلق بجغرافية غزة جعلتها تسهل وتدعم حركة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال (الإسرائيلي)، ومن بين هذه العناصر الرئيسة:
• استخدام الأنفاق والممرات السرية للتسلل والتحرك بشكل آمن للمقاومة ولنقل الأسلحة والمعدات، وهذا يعزز القدرة على تنفيذ هجمات غير متوقعة والبقاء في الخفاء.
• استخدام المناطق الزراعية والريفية كملاذ آمن للمقاومة ومكانًا لتخزين الأسلحة والتدريب، فمثلا يمكن للأزقة الضيقة والمباني المتلاصقة تعقيد عمليات الاحتلال وتوفير ملاذ آمن للمقاومة.
• استخدام السواحل البحرية لتهريب الأسلحة والمعدات.
• كما تتيح الحدود الجغرافية مع المستوطنات (الإسرائيلية) للمقاومة فرصًا للتسلل وشن هجمات عابرة للحدود للتحرك وتنفيذ عمليات ضد القوات الاحتلال (الإسرائيلية).
ربما يكون القارئ قد أدرك من التحليل السابق بأن تاريخ الحروب بين الجانبين الفلسطيني و(الإسرائيلي) قد أثر على تراكم المعرفة والخبرة في إدارة الحروب والتعامل فيما بينهما. حيث أصبح لكل جانب تكتيكاته واستراتيجياته المكتسبة عبر الزمن. كما تم تطوير آليات التعامل والتفاوض في بعض الحالات لتحقيق هدف معين مثل التهدئة أو التوصل إلى اتفاقات هدنة. كما سمحت تلك المعرفة والخبرة في تطوير آليات الحماية، والهجوم بين الجانبين. فمثلا تمكنت حركة حماس في 7 أكتوبر 2023م، من الهجوم على المستوطنات (الإسرائيلية) بشكل غير اعتيادي. كما مكنت جغرافية غزة السماح للمقاومة الفلسطينية بتنفيذ عملياتها بشكل فعال وسريع، فضلا عن زيادة قدرتها على التكيف مع التغيرات العسكرية (الإسرائيلية)، وهذا الأمر يدفعنا إلى البحث عن أهم مفارقات تلك الحروب وجغرافية المقاومة.
بالرغم من كون المجال لا يتسع للحديث عن جل المفارقات الخاصة بالحروب وجغرافية المقاومة، إلا أنه سيتم التركيز على أهمها، ولعل إحدى المفارقات الرئيسة في تلك الحروب هي التوازن الهش بين القوة العسكرية (لإسرائيل) والمرونة والصمود للمقاومة الفلسطينية. فعلى الرغم من التفوق العسكري الكبير (لإسرائيل)، إلا أن المقاومة الفلسطينية استطاعت تحقيق انتصارات محدودة وإلحاق خسائر بقوات الاحتلال (الإسرائيلي) من خلال استخدام تكتيكات حرب العصابات والهجمات الصاروخية . وهناك أيضا مفارقة بين هدفي الجانبين في الحروب، حيث تسعى قوات الاحتلال (الإسرائيلية) للوقوف ضد حركة حماس وتقويض قدرتها العسكرية وتدمير بنيتها التحتية، وتهدف أيضًا إلى تحقيق الأمن والاستقرار للمستوطنات (الإسرائيلية) المحاذية لقطاع غزة. بينما تسعى حركة حماس إلى تحقيق أهداف سياسية أوسع وأعمق، وهي إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية. وهناك أيضًا توجه للمقاومة الفلسطينية لاستخدام الجغرافيا والتضاريس في صالحها، بما في ذلك الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية وإقامة المخابئ والأنفاق للحماية وتنفيذ العمليات العسكرية بشكل أكثر تأثير وفعالية.
إن إدراك هذه المفارقات وتحليلها يمكن أن يساعد في فهم الديناميكيات المعقدة للنزاع الفلسطيني (الإسرائيلي) وتأثيرها على الاستراتيجيات والتكتيكات المستخدمة من قبل الجانبين. وهذا يدفعنا إلى طرح تساؤل هذه المقالة وهو : هل تستطيع اسرائيل دخول غزة والبقاء فيها ؟
إن من يحسن التأمل ويدقق النظر يستطيع أن يدرك بسهولة بأن قوات الاحتلال (الإسرائيلية) تمتلك القدرة على دخول غزة رغم المفارقات الجغرافية الموجودة لصالح المقاومة الفلسطينة، بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية (لإسرائيل) سيقوم بدورًا هامًا في قوة الاحتلال وقدرته على الاستمرار في تنفيذ عملياته العسكرية. كما أن الدعم السياسي والعسكري يمنح (إسرائيل) الموارد والتأييد اللازمين لتوسيع نطاق عملياتها وتعزيز تكتيكاتها. لقد شاهدنا عبر الفضاء الرقمي قوات الاحتلال (الإسرائيلية) وهي تقوم بتنفيذ غارات جوية من خلال الطائرات الحربية والصواريخ والأنظمة الذكية على أهداف متنوعة في غزة سواء أكانت مباني سكنية، أم مدارس، أم مساجد، أم كنائس، أم مستشفيات. كما أنها قد تستخدم التكنولوجيا والاستخبارات والقدرات العسكرية المتقدمة للتعامل مع التحديات الجغرافية.
على الرغم من ذلك، يمكن القول بإن ردات الفعل الآنية لقوات الاحتلال (الإسرائيلية ) في جل حروبها على غزة لم تصنع لها أيّ انتصار حقيقي، فالاحتلال (الإسرائيلي) لغزة لفترات طويلة يعد تحدًا صعبًا لها، وهذا يعني بأن تكلفة الاحتلال تشمل عوامل عديدة مثل التكاليف البشرية والاقتصادية والسياسية. حيث ستحتاج (إسرائيل) مثلا : إلى نشر قواتها ومواردها العسكرية بشكل دائم في الحدود الجغرافية لغزة؛ وذلك للتحكم في الأمن والحفاظ على السيطرة، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الاحتلال سيؤدي لا محالة إلى زيادة التوتر والمقاومة من قبل الفلسطينيين، وبالمقابل فإن المقاومة الفلسطينية تعي جيدا بأن التخلي عن أسلحتها كما تريد أسرائيل هو موت لها.
كذلك فإن، استمرار وبقاء الاحتلال (الإسرائيلي) في غزة سيؤدي لا محالة إلى توترات في المنطقة العربية والإسلامية. فالمسألة الفلسطينية تحظى بمكانة مقدسة في العالم العربي والإسلامي، واستمرار الاحتلال والمعاناة الفلسطينية في غزة سيؤدي إلى زيادة الغضب والاحتجاجات الشعبية في تلك البلدان. كما أن التظاهرات والاحتجاجات الشعبية قد تمتد لتشمل مختلف دول العالم العربي والإسلامي، وهذا سيضع الدول العربية والإسلامية المطبعة مع (إسرائيل) في موقف محرج أمام شعوبها. وهذا يعني بالضرورة بأن قادة تلك الدول سيواجهون ضغوطًا داخلية كبيرة للتعبير عن رفضهم للاحتلال والتضامن مع الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الغارات (الإسرائيلية)، على الأحياء السكنية، ومعاناة السكان الفلسطينيين في غزة سيؤدي إلى زيادة فتوق الصورة (الإسرائيلية) أمام الرأي العام الدولي.
كما أنه من المفيد التذكير بأن الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) ليس معزولا عن التجاذبات الإقليمية والدولية. فدول مثل إيران وروسيا قد تستغل أي تصعيد عسكري في غزة لدعم المقاومة الفلسطينية من خلال تقديم الدعم العسكري أو اللوجستي أو السياسي. فمثلا قد تقدم إيران بشكل خاص دعمًا لحركة حماس، وهي تعتبرها جزءًا من المحور المقاوم في المنطقة، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تعزيز موقف إيران وزعزعة الأنظمة العربية المطبعة مع (إسرائيل). حيث ستستغل إيران هذه الفرصة لإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني والترويج لأجندتها السياسية في المنطقة.
أما بالنسبة للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، فإن التوترات والتصعيد في غزة قد يؤدي إلى وضعهم في وضع محرج أمام شعوبهم نتيجة لدعمهم المستمر (لإسرائيل). وقد يواجهون انتقادات داخلية ودولية بسبب هذا الدعم، خاصةً في ظل استمرار الانتهاكات الحقوقية والإنسانية التي تقوم بها قوات الاحتلال (الإسرائيلي) في غزة وقصفها للمباني السكنية والمستشفيات والمساجد والكنائس.
وعمومَا، فإن استمرار الاحتلال والتوترات في غزة سيزيد من الضغوط الدولية على (إسرائيل) وحلفائها، ويمكن أن يؤدي إلى تصعيد الصراع في المنطقة العربية والإسلامية. كما قد يبرز المحور المصري الأردني بدعم من السعودية ودول الخليج في المرحلة اللاحقة للضغط على (إسرائيل) لإنهاء حالة الحرب وتقديم المعونات لسكان غزة، وفتح باب الحوار مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لاستئناف مفاوضات السلام برعاية أمريكية. وفيما يتعلق بالمعركة في غزة، فقد تنتهي في أي وقت، ولكن الصراع بين حركة حماس و(إسرائيل) قد يستمر.كما قد يكون وجود الأسرى (الإسرائيليين) لدى حماس والملفات المهمة التي تم الاستيلاء عليها من المعسكرات (الإسرائيلية) عوامل تزيد من استمرار الصراع والتوتر.وأخيرًا فان هذه الحرب قد تدفع بحركة المقاومة الفلسطينية إلى عميات مراجعة وتطوير آليات عملها مستقبلا من أجل إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو