الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل تحت الثراب..(1)

عبد الغني سهاد

2023 / 10 / 22
الادب والفن


رسائل من تحت التراب..

الفصل الاول
(في البئر... تحيى سلحفاة عاشقة..)
عادة ما كان ياتيني هذا الطيف الجميل.. من بعيد متو جسا من صراحتي وشكوكي في وجوده.. كان الطيف لا يزال شابا.. وسيما ولذيه اجوبة تناسب كل الاسئلة المناوشة في الزمان والمكان... اسئلة عن عروش الماء واعماق الناس و.و عن اسرار هذا العالم.. يخرج الطيف عندما ترسم الشمس اشعتها علي الحافة او تحط خيوط نورها على جنبات بهو منزلنا القديم... يجرني الطيف اليه بعنف الي عمق البئر.. الى قاع البئر نتدحجرج معا.. لاسباب لا افهمها... وغير بعيد.. تصيح جارتنا العجوز.. بوتكرة.. بوتكرة.. (السلحفاة)... وهي مفزوعة الكيان.. وكانت تخشي من السلاحيف.. الموجودة بقاع اابئر.... وهي تكرر (بوتكرة.. بوتكرة.) مصممة علي صراخها الذي لايخيفني.. وحين لا ينفعل خاطري مع بلهها.. تدخل قوسها المجانب البئر وهي منحنية الظهر متوسدة عصاها الغليظة. ثم تغيب.. كان اسمها( زاينة..) وهي جدة حبيبتي فاطمة بنت الجراد....!!!...يقال ليس للاشباح اصوات ولا اجسام الا ان الطيف في عمق البئر يمتلك همسا حسيسا وكيانه مجرد دخان ابيض لا يخيفني ابدا..تعودت عليه بل امسيت احبه وكلما دبت الحياة في البيت يلزم الصمت كانه يتصنت لغو البشر..وكلما هبط الليل بظلامه تصاعد دخانه الابيض كانوا شيء محدد في عمق الارض يحدث بهدوء..وكان صوت فاطمة يشكل قطب الرحئ في هذه السمفونية الرخوة المنبعثة من اعماق البئر..على حافة البئر تمدد فاطمة بنت الجراد..جسدها القمحي الساحر..وهي تفترش كرساتي..المبعثرة على الارضية..لون وجهها الكاسح ينافس التراب تنبعث منه روائح الاساطير القديمة..لم اكن حينها اعرف شيئا عن عشتار..ولا عن ديهيا..روائح البهارات الممتعة تتقادفها الريح من داخل قوس الجدة زينة..التي تلود بالصمت في داخله..هناك ظلمتان كان علي وانا الصغير ان افك اسرارهما..وكشف كينونتي بهما اولهما هذا البئر..وثانيهما ذلك القوس..وكنت حينها ابحث عن اللذة في الغوص في جسد فاطمة..والنوم مضغوطا فوق مؤخرتها المكتنزة...روائح المياه الراكدة..والزعل والطين والبلل كانت تنعشني وهي تعلو المكان وانت تعلو فوق ظهر فاطمة..وددت لو تحملني من هناك الى مكان ما خارج اسوار المدينة..حيث ترتفع في الاجواء صرخات الانداد..وعويل الصبيان والصبيات وهناك يتعرضن الى الاغتصاب..من طرف صعاليك هذا الحي القديم الفاسد.حزمة.اغتصابات وهتك اعراض في حفر عميقة من رماد ممزوج ببقايا رميم البشر..لفقت لهم يوما تهم العمل مع المستعمر ..كان.الوالد حينها وطني اكثر من الوطن..حين تطوع لجر العربة كالبهيمة..يحمل الجثت المقتولة ظلما وعدوانا في الحي والاحياء المجاورة..لتحرق في تلك الحفر..والناس تهلل وتكبر..وهي تقدف بالخشب وسعف النخيل لتتأجج النار..كنت حينها محمولا في بطن امي فاطنة..وهي تصيح وترفع الشعارات وتقود التظاهرات النسائية في الحي.دوختها المشاعر.الوطنية وتهتف بلوعتها لعودة السلطان من منفاه.. بداخلها كنت نسيا منسيا..كنت اكاد اختنق...ولادتي لم تكن عادية كنت صبيها مولودها ذو الراس الغليظ..وبطني منفوخ بالهم وبالدم المغذور ومؤهلا لان اكون مجنونا..عاد السلطان وشبع الشعب فرحان بالاستقبال لدرجة الاقتتال مع بعضه...كنت اجر فاطمة من اسمالها وهي تبتسم لي ابتسامتها الرهيبة..لم تكن تعرف شيئا عما افكر فيه..اجرجرها هذه المرة ليس الى البئر.. ولكن الى المرجة العميقة التي التي خلفتها امطار طوفانية وسط تيران الخائنين..قريبا قريبا جدا من حفر وخطارات الرماد البشري...امسد من حين لاخر سوالفها السوداء ازيل عنها بعض الغبار .اطمئنها حتى لا تظن بي شرا .وهي لا تزال تبتسم ابتسامتها الغامضة.في وجهي..!!!...تردد امها على مسامع الجيران..هذا الصبي دوما بصحبة ابنتي لانه زوجها في المستقبل ..ولا اشك في حبها له..فهي تهذي باسمه في يقظتها وفي نومها..وتصيح كلما استيقظت من كوابيسها...الماء...الماء..كانها كانت تغرق..في بركة ماء ولا استطيع ان افعل شيئا لاجلها..فهي تحبه ولا اشك في حبه هو لها..لم يكن يعنيني كلام امها.هذا .ولا تهامسها مع الجيران..ولم اكن ابحث عن الاعذار لهم جميعا هم يفكرون بحسب اهوائهم ..وكنت امنح الاولوية لأفكر بحسب هوائي..ان الانسان يعيش اولا راجل نفسه..وان وجد من يحبه عاش لاجله..وعندها ينتهي ينتهي كل في هذا العيش..تستطيع حينها رفع الجرار الكبير على قارعة الطريق الترابية المؤدية الى الحي الحسني الجديد..ذلك الجرار الضخم الذي بستعمله شراويط في صناعة الحبال..ادفع الجرار الى اليمين والى اليسار كلما كان السيد الكهل الذي يشتغل عليه نهارا..ويحرس السيارات انطلاقا من عشته ليلا...قلت اكتر الجرار الى اليمين والى اليسار..وكانو فاطمة بعيونها الواسعة تراقب مجيء السيد درويط..وهي في نفس الوقت تتحسس وتعاين حركاته لتخبرني ان كان مخمورا..فكلما كان شرويط مخمورا كان عديم الشفقة بخصومه..وكنت لا اهتم به ولا اخشاه...فكان كلما صادفني في الساحة الترابية قرب جراره ...يطأطئ راسه..ويسألني...عن احوال الوالد..( قلت كيف هو حال الوالد...سلم لي عليه كثيرا...)والظاهر ان صداقته الوالد كان جواز لي لفعل ماشئت في اغراضه..هناك..وتصيح في فاطمة...(انتبه...عنداك...عنداك....شرويط جاي...!!!)٠٠٠وتبتعد عندي لتغوص باقدامها الصغيرة مياه الدرجة الكبيرة تتحرك بمهل بل بغناج الى وسطها حيث يزداد عمق الماء..وتنحني كانها تقيم الصلاة لتجمع كثيرا من الحصى..كانت تعشق قذف الماء الراكد بالحجارة وتتأمل تلك الدوائر التي تزداد كبر كلما ابتعدت عنها..كانت تراقب تموجات الماء وهي تسير الى التلاشي...كنا معا لا نخشى شيئا هنا في هذا المكان..الذي كان لنا..لا نرتعد عند مرور الصعاليك بنا..ولا نهتم حين يصيح الحماس. في الصبيان المتسلقين النخيل..ولا نخاف من الثيران والابقار التي تعبر المكان وهي تتوجه الى مطرح النفايات..في نهاية السور...قرب الباب المسمى باب الرخا والريباخا..لا نخشى من المعارك بالمديات..وقنينات الخمر مابين بائعي الخضر.. قئ ريبا من مستودع شرويط صاحب الجرار العملاق المنصور جنب الساحة..كان شيئا ما بداخلنا. يزودنا بالقوة والشجاعة...كثيرا من الوقت نقضيه فوق تلك الكديات المطلة..على كوفات الرماد..نقلب في الحجارة والاتربة..او ننظر بعيدا لاي شيء يتحرك في ارض الساحة المتربة الى حدود الطريق المعبد بالزفت التي تعبره شاحنات نقل المعادن .او كنا نبني منزلا من الحجارة.والحصئ.بغرفه ومطبخه ومرحاض..وتقضي فاطمة وقتا طويلا في تنظيف غرفة النوم تترتبها وتكنسها وتعيد الكنس...وانشغل انا بعزل الحجارة وابعاد الرماد....احيانا تسخرني لاحضار دلو مملوء بالماء من المرجة القريبة..بسرعة كنت اعود بالماء في دلو مثقوب يسيل منه الماء ..ومادام هو كذلك كنت ابحث عن وسيلة بديله ابحث طويلا لاجد طارو من القصدير اللامع الصلب كان لاحتواء الزيت لا ازال اذكر جيدا هذا الشارة ..عليه رسم رمز التعاون والاعانة الامريكية للدول الصديقة الغارقة في الفقر..والحاجة.. رسم العلم الامريكي وصورة اليد في اليد..لكي نصل مع امريكا الى الغد الاسعد...كنت اقوم باوامر فاطمة بطاعة و بسرعة ودون جدال..احرس على عدم اثارة مشاعرها النبيلة وبذلك كنت متيقنا اني..اجيد دور الاب الذي لا يجيده ابي وكانت..هي من جانبها تتفنن في القيام بدور الام...الذي لم تحسنه امها ...ولا داعي اذكر الكثير من التفاصيل القادرة علي تشويه سمعة القصة...!!٠٠٠
في الصباح الباكر ليوم تزامن مع عيد المولد النبوي..استيقظت وتوجهت صوب البئر كالحالم النائم..ادخلت راسي في فم البئر..واخدت اناديها باسمها...ولا مجيب...!!!..الاول مرة لا تجيب..يرد علي صدى غريب يشبه خفيف سعف النخل في يوم ريح شديد..ازيد من الانحناء في عنق البئر..ويزيد الحفيف ارتفاعا..وكانه كان استجابة غامضة لندائي اين هي الان كنت اسأل نفسي..الجرادة الصغيرة حبيبتي..لعلها استفاقت مبكرا ..اكبر منئ وسارت في الدرب الى ساحة. النخيل..لعلها الان تنشذ اناشيدها الرهيبة على ضفة المرجات الواسعة..تلم الماء وتغسل اسمالها المزركشة..وتنتظرني هناك..كررت النداء بصوت غاضب..ولا راد لندائي..حينها ايقنت..انني تركت لوحدتي...فاخدت ابكي على حافة البئر..لوقت طويل..بل اطول..وغيرت ظنوني وقلت لنفسي ان تعتمد على نفسها..وتتخلى عن الانتظار لشيء بعيد..غيرت مساري..واتجهت خارج السور هذه المرة توا الى مطرح الزبالة الكبير...كانت اصوات خفية..تلاحقني..لا تفعل فانت صبي صغير..وقطعان البقر الضالة..تجوب تلك الاماكن..وليس لك من مساعد ومعين...!!!...فكرت انها خدعة او تضليل..من شخص غريب..ليقضي امرا لم يكن مفعولا...بل لا يقبله عقلي...جنب الاسوار الخربة..تنتشر روائح غائط البشر الذين اكلوا في الساحة كثيرا ثم تغوطوا..وركمات الازبال القديمة الشديدة التعفن لدرجة اشتعال النار بها والدخان الابيض يتصاعد فوق الكلام.الصاغب لشباب يبحث عن لقمة لاتزال طاجزة وسط الازبال...وحوار بقر علال جارنا..يتختل في كل اتجاه...ماذا كنت افعل هنا...هل فعلا كنت ابحث عن الجرادة الضائعة..ام كنت اطارد شبح البئر المجهول...كانت يزا..العجوز تحكي لنا عن شيوخ البئر التي تسكن القوس المظلم.وكنت اسخر منها ولا اؤمن بخرافاتها المملة...وهي لا تمل من سردها علينا بل تكرارها لعدة مرات...عن عمها القنفوذ..والذئب..وشيخ البئر..والفكرون اي السلحفاة الساحرة...الى اخر القائمة...
عبد الغني سهاد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية