الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عناق الدب

ثائر أبوصالح

2023 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


عندما ننظر الى المنظومة الإقليمية الشرق أوسطية، نلاحظ ظاهرة مهمة تستوجب الوقوف عندها، والمتمثلة بغياب مؤسسة الدولة العربية كلاعب أساسي عن ساحة الصراع، ودخول المنظمات المسلحة كلاعب يحسب له حساب مكانها، فلا أحد يذكر دولاً مثل لبنان، سوريا، العراق، أو اليمن كلاعبين أساسيين في الصراع العربي الإسرائيلي، وإنما يذكر حزب الله والمليشيات الشيعية في سوريا والعراق والحوثيون في اليمن، وكلها أذرع عنوانها دولة إقليمية واحدة وهي ايران، أما باقي الدول العربية ليست طرفاً في هذا الصراع، فهي؛ إما وقَّعت معاهدة سلام مع إسرائيل، أو في طريقها لذلك. أي أن النظام العربي الرسمي غائب تماماً عن المنطقة، ويكاد لا يكون له أي تأثير في ساحة الصراع الإقليمي، الذي يدور بين ثلاثة قوى اقليمية مركزية وهي إسرائيل، إيران وتركيا، أما السعودية ومصر، ورغم محاولتهما ايجاد مكاناً لهما في هذا الصراع كممثلين للعرب، لكنهما لم تنجحا حتى الأن، بلعب أي دور إقليمي يحسب له حساب.

بالمقابل، يحتدم الصراع الدولي على المشرق العربي بين ثلاثة قوى دولية أساسية وهي، الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتموضع عسكرياً وسياسياً في دول عديدة من المنطقة، وروسيا التي لم يبق لها أي موقع قدم في الشرق الأوسط عدا بعض المناطق والموانئ في سوريا، والصين التي تحاول التموضع اقتصادياً عن طريق إيران حيناً والسعودية حيناً آخر. هذا الصراع المحتدم بين القوى الكبرى الثلاث على خيرات المنطقة العربية وعلى موقعها الاستراتيجي والذي يشكل نقطة وصل بين الشرق والغرب بشكل عام، والمتمثل بطرق التجارة ونقل المواد الأساسية مثل النفط والغاز وغيرها، حوَّل المنطقة العربية الى نقطة صراع بين القوى المذكورة، وخصوصاً الصراع على مناطق النفوذ بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، ومحاولة امريكا الضغط على روسيا اقتصادياً وعسكرياً لإضعافها في المواجهة مع الغرب في أوكرانيا من جهة أخرى.
بناءً على ما تقدم، من الطبيعي أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لاستغلال أي فرصة مؤاتيه لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة العربية بما يضمن لها مصالحها ومصالح حلفائها. ومن المعروف أن أمريكا برؤيتها الاستراتيجية تقسم المنطقة الى محورين: الأول، والذي تسميه المحور المعتدل، يضم إسرائيل ودول الخليج ومصر والأردن، والثاني: والذي تسميه المحور المعادي أو كما تطلق عليه احياناً "محور الشر"، الذي تتزعمه إيران والمليشيات التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولا شك ان الحرب بين إسرائيل وحماس تشكل أحد الفرص السانحة لترتيب الساحة الشرق أوسطية وفقاً للرؤية الأمريكية، خصوصاً أن الرئيس بايدن على عتبة انتخابات رئاسية جديدة وبحاجة الى انجاز ملموس ليقدمه للناخب الأمريكي لضمان فوزه في الانتخابات القادمة.

ان هذا الاحتضان غير المسبوق لإسرائيل، وفتح الخزينة، ومخازن الأسلحة الأمريكية أمامها بهذه الطريقة أمر مستهجن يستحق التمعن فيه ولو قليلاً، محاولين التفتيش عن المصالح الأساسية التي تقف وراء هذه السياسة، خصوصاً أن إسرائيل خاضت العديد من الحروب مع دول ومنظمات عسكرية على مدار سنوات الصراع الطويلة مع الجانب العربي، ولم تتحرك امريكا بهذا الزخم العسكري والمادي والمعنوي وحتى العاطفي كما يحصل اليوم. فلا شك أن وراء الأكمة ما وراءها، فهناك من أطلق على هذا الاحتضان اسم " عناق الدب" والذي لا تخفي الإدارة الأمريكية ملامحه من خلال حديث الرئيس بايدن عن إقامة دولة فلسطينية كحل للصراع العربي الإسرائيلي.

إن المحاولات الأمريكية الأخيرة للتوسط بين السعودية وإسرائيل من اجل ابرام اتفاق سلام بينهما اصطدمت بإيجاد حل، ولو بالحد الأدنى، للقضية الفلسطينية، والتي شكلت عائقاً امام انجاز هذه المهمة، بالرغم من التقدم الكبير الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي ونتنياهو في هذا المضمار. ثم جاءت الأحداث الأخيرة بين حماس وإسرائيل، لتثبت للجانب الأمريكي أنه لا يمكن احداث اختراق جدي في المصالحة العربية الإسرائيلية الشاملة الا من خلال وضع حد للمحور الإيراني، وذلك يمكن أن يتم بمرحلتين متتاليتين: الأولى عسكرية، من خلال نصر ساحق لإسرائيل على حماس والجهاد الإسلامي، والثانية سياسية من خلال مصالحة عربية إسرائيلية شاملة متوازية مع إقامة دولة فلسطينية، وذلك لسحب ذريعة المقاومة من "محور المقاومة" وافراغه من مضمونه.

من الواضح، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة قادرة أن تفسر لنا التواجد العسكري المكثف للأسطول الأمريكي في البحر المتوسط والخليج العربي، من خلال أهم وأقوى حاملات الطائرات الأمريكية، لردع إيران وحلفائها، وعلى وجه الخصوص حزب الله، ومنعها من التدخل بالحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، لتمنح الأولى فرصة القضاء على منظمتي حماس والجهاد الإسلامي، وخلق واقع جديد في الأراضي الفلسطينية، يسمح للسلطة الفلسطينية ببسط السيطرة التامة على قطاع غزة والخلاص من سيطرة حماس والجهاد الإسلامي، على أمل أن لا تتدخل ايران وحلفائها بهذه الحرب، الا بالحد الأدنى المقبول أمريكيا واسرائيلياً كما يحدث حتى الأن، من خلال عمليات محدودة لا يمكن أن تتطور الى حرب شاملة بين الطرفين. ولكي تردع أمريكا احتمال دخول إيران الحرب عن طريق حزب الله أرسلت رسالة واضحة، على لسان رئيسها عندما كرر في خطابيه في أمريكا واسرائيل ثلاث مرات "Don t " كتلميح على إمكانية تدخل عسكري امريكي في حال قررت إيران وحلفائها دخول الحرب.

من البديهي، أن نجاح أمريكا وإسرائيل في انجاز المرحلة الأولى، يشكل شرطاً اساسياً لا بد منه للانتقال للمرحلة الثانية، وهي حل القضية الفلسطينية، كتمهيد لمصالحة عربية إسرائيلية شاملة بقيادة سعودية، عبر إقامة دولة فلسطينية، على الأغلب منزوعة السلاح، على قسم من الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال تبادل بعض المساحات في النقب، للتعويض عن المساحات التي تشغلها المستوطنات الإسرائيلية التي لا ترغب إسرائيل من الانسحاب منها، وحل جزئي لقضية اللاجئين. وهذا ما يفسر لنا هذا التضامن غير المسبوق مع إسرائيل من خلال زيارة بايدن الى إسرائيل، والتي صرح من خلالها: انه ليس بالضرورة أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً. وقد سبق هذه الزيارة لقاءات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لقادة الدول العربية، التي يصنفونها بالمعتدلة، للتنسيق معها على هذه الخطة، أي القضاء على حماس والجهاد الإسلامي، والذي يشكل أيضاً مطلباً ضمنياً سعودياً ومصرياً وأردنياً والذي يدغدغ أيضاً مشاعر السلطة الفلسطينية.

من المرجح، أنه بحال نجاح بايدن بتنفيذ خطته، فسيقوم بترتيب الأوراق من جديد في منطقة الشرق الأوسط، في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ويسحب من المحور الإيراني حجة الممانعة، لأنه لن يتبقى هناك قضية فلسطينية ليتذرع بها هذا المحور، وهكذا سيضمن نجاحه في الانتخابات القادمة. وسيقطع الطريق على الصين اقتصادياً، ويحد من النفوذ الروسي العسكري ويمنعها من التمدد في هذه المنطقة، ويضمن السيطرة الأمريكية المستقبلية لعقود من الزمن.

ان نجاح السياسة الأمريكية هذه مرهون بعاملين: الأول، مدى نجاح إسرائيل بالقضاء على حماس والجهاد الإسلامي في غزه من جهة، وقدرة أمريكا على ردع إيران وحلفائها، وبالذات حزب الله من الانضمام لهذه الحرب، من جهة ثانية، حيث أن الفشل سيكون مكلفاً جداً، لأن المنطقة ستدخل في دوامة حرب إقليمية طويلة الأمد لا يمكن توقع نتائجها. أما العامل الثاني فمرهون بمدى استعداد وقبول الشعب الفلسطيني وقياداته بحل الدولة الفلسطينية المجزئة والمنزوعة السلاح. والسؤال الكبير هنا يبقى: هل ستنجح أمريكا في مسعاها هذا؟ وهل تستطيع شعوب هذه المنطقة أن تتحمل نتائج الفشل؟ هذا السؤال يوضع برسم صانعي القرار في أمريكا والدول الإقليمية في المنطقة العربية والتي ستدفع هي وشعوبها ثمن هذا الفشل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو