الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بين (الاحتواء والاستقواء)

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2023 / 10 / 22
القضية الفلسطينية


منذ اليوم لاندلاع الحرب، كان الموقف الأردني من أكثر المواقف العربية تحركاً على الساحتين العربية والدولية، فقد ظهرت صور التناغم بين الموقف الرسمي الأردني ودبلوماسية الملك المكوكية في المنطقة والعالم، وبين الموقف الشعبي العام الذي عبّر عن رأيه من خلال سلسلة مظاهرات واعتصامات شهدتها المملكة منذ أسبوع، حيث نظّم عشرات الآلف من الأردنيين مظاهرات حاشدة في وسط العاصمة عمان ووقفة قرب السفارة الإسرائيلية، ومظاهرات عمّت كافة محافظات ومدن وقرن المملكة، للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتنديدا بالعدوان الإسرائيلي الهمجي على السكان وقتل الأطفال والمدنيين الأبرياء.
كما حمل العاهل الأردني على عاتقه مسؤولية الدفاع عن أهل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني، حيث حذر الملك، مراراً وتكراراً، من خطورة فشل مشاريع التسوية وحل القضة الفلسطينية بشكل عادل، وتعنّت حكومات الاحتلال تجاه حقوق الشعب الفلسطيني.
ومنذ إعلان الحرب على غزة في السابع من أكتوبر الحالي، حذر العاهل الأردني، في مختلف المواقف واللقاءات، من أن العدوان الإسرائيلي على غزة دخل مرحلة خطيرة ستجرّ المنطقة إلى كارثة لا تحمل عقباها"، وأجرى الملك سلسلة اتصالات عربية دولية بهدف وقف العدوان، وقام بجولة أوروبية لحشد موقف دولي يؤيد خفض التصعيد وإنهاء العدوان وتخفيف الأزمة الإنسانية على الشعب الفلسطيني في غزة.
كما حذّر الأردن بشدة من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة، أو التسببّ في نزوحهم، وأكد وزير الخارجية "أيمن الصفدي" على ضرورة عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار، و"مفاقمة قضية اللاجئين".
وفي أعقاب مجزرة مستشفى المعمداني في غزة، أدان الأردن بأشد العبارات "المجزرة البشعة التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفى.."، واعتبرها جريمة حرب نكراء تتنافي وقيم الإنسانية وقواعد القانون الإنساني الدولي، ودعا الأردن المجتمع الدولي لوضع حد لسفك الدماء الذي يشكل استمراره وصمة عار على الإنسانية.
كما كان من المقررّ أن يعقد الأردن في عمّان قمة رباعية يوم الأربعاء الموافق (18 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي) بمشاركة الرئيس الأميركي "جو بايدن" والرئيسين المصري "عبد الفتاح السيسي" والفلسطيني "محمود عباس"، إضافة إلى الملك عبد الله الثاني، وذلك لمناقشة سبل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وفك الحصار عن الشعب الأعزل وإنهاء معاناته، قبل فوات الأوان.
لكن الاحتلال كان له رأي آخر، فقد رفضت حكومة الحرب الإجرامية فتح قنوات اتصال دبلوماسي بين الأردن والإدارة الأمريكية، وعمدت إلى ارتكاب مجزرة دموية وهولوكوست مستشفى المعمداني، لتحقيق مآربها المكشوفة في إفشال عقد هذه القمة، وقطع الطريق على الجهود الأردنية والمصرية لوقف شلال الدم ومشاريع الإبادة والتهجير التي تمارسها اليهودية الصهيونية منذ (75) عاماً !
لذلك، وعلى إثر هذه المجزرة، قررّ الأردن إلغاء القمة الرباعية، وذكر وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" أن المملكة قررت إلغاء القمة، بعد مجزرة المستشفى، وكذلك إلغاء زيارة الرئيس الأمريكي للأردن، "لأننا نريد منها إذا عُقدت أن تنتج مخرجاً واحداً لا ثاني له وهو وقف الحرب واحترام إنسانية الفلسطينيين وإيصال ما يستحقون من مساعدات..".
كما أشار الملك عبد الله الثاني في كلمته في قمة القاهرة للسلام (السبت 21 أكتوبر 2023) إلى أن “التهجير القسري أو الداخلي للفلسطينيين يعتبر جريمة حرب"، ودعا الى وقف الحرب بشكل فوري وإدخال مساعدات للمدنيين.
كما شددّ الملك على ضرورة أن يتعامل المجتمع الدولي في الحرب على قطاع غزة وفق معايير دولية محددة وواضحة تطبّق على الجميع بعيداً عن الانتقائية والتمييز، وأكّد أن حياة الفلسطينيين لا تقل قيمة عن حياة غيرهم.
ويبدو أن السياسة الأردنية التي تعاملت مع خيارات محدودة في سياقها الخارجي، منذ عقدين، فقدت هوامش للمناورة في ضوء شح البدائل الحقيقية أو عدم استغلالها بشكل مناسب، فالاعتماد على رسم علاقات في اتجاه واحد مع الغرب، وتجاهل خيارات بدائل السياسة الخارجية مع القوى المؤثرة في العالم، ساهمت في تقييد مستويات الخفض والتصعيد في السياسة الخارجية الأردنية في ظروف وأوقات الأزمات والنزاعات، وهو ما انعكس اليوم بوضوح في ضبابية مشهد إدارة الأزمة الإقليمية الراهنة.
لذلك، فإن خيارات الأردن وهامش المناورة السياسية اليوم محدودة ضمن خيارات احتواء الداخل واستقواء الخارج، بين غضب الشارع الأردني العام الذي يطالب بقرارات حاسمة لا تمثّل مصلحة عليا في الظرف الرهن للأردن، بل وتشكّل خطراً على أمنه الوطني، وبين ممارسات وسياسات حكومة الاحتلال العنصرية التي تستقوي بالدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وهي الدول التي أغلقت في وجه الأردن والعرب عموماً، أبواب أنصاف الحلول ودبلوماسية احتواء الموقف وضبط النفس وخفض التصعيد ..الخ.
لقد أعلن الغرب، بقيادة إدارة البيت الأبيض، موقفه الصارم من العدوان على غزة، بدعم الاحتلال بشتى السبل وتهديد كل من يؤيد أو يدعم المقاومة الفلسطينية في غزة، أو حتى من يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، هي تحولات نوعية خطيرة في السياسة الأمريكية والغربية، تؤشّر بلا شك لمرحلة تصعيد غير مسبوقة، قد تهددّ كل دول المنطقة، وقد تفتح الباب على مصراعيه لحرب إقليمية وكارثية، لا قدر الله.
وعليه، فإن سياقات الموقف الأردني من تطورات الحرب في غزة منذ عملية طوفان الأقصى وحتى العدوان الهمجي على غزة، خلال الأسبوعين الماضيين، مّرت في عدة مراحل: الأولى بالزيارات الملكية المكوكية لدول الغرب والاتصالات مع إدارة البيت الأبيض لوقف العدوان وتهدئة التصعيد، ثم في مرحلة المشاركة في المؤتمرات ومحاولة عقد قمة رباعية في عمّان، فشلت بسبب السياسة الصهيونية مجزرة المستشفى، ثم مرحلة تحوّل الخطاب الرسمي من دبلوماسية المهادنة إلى دبلوماسية المكاشفة والتنديد الصريح بسياسات الغرب الانتقائية والتحيّز الواضح ضد المصالح والحقوق الفلسطينية.
خاصة وأن الملك والأردن الرسمي، قررّا بشكل مباشر ودون مواربة وضع المجتمع الدولي أمام حقائق القضية الفلسطينية وحصار غزة، ومدى خطورة هذه القضية على واقع ومستقبل الأردن، شعباً وقيادة.
فقد لاحظ المراقبون مدى التحوّل الجلي في لغة الخطاب الرسمي الأردني تجاه إسرائيل والغرب، بعد أن أبدى الملك غضبه وانزعاجه مما يحدث في غزة من جرائم تندى لها الجبين، وكأن حال لسان يقوله للغرب المتحيز "باسم شعبه" : (كفى صمتاً وآن الأوان لوقف هذا الاعتداء السافر على حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وقادمة دولته، أسوة بكل شعوب العالم الحر) !!
لذلك، فإن خيارات الموقف الأردني وجهود الملك تجاه العدوان وآليات وقف العدوان، تسير اليوم ضمن هامش مناورة محدود يتحرّك فيه الأردن بالتعاون مع عدد محدود من الدول العربية المؤثّرة في القضية، خاصة مصر وقطر، وهو موقفٌ لا يحسد عليه بين معادلة صعبة جداً قوامها (الاحتواء والاستقواء)، احتواء الداخل واستقواء الخارج!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال