الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوبو آبي في رواية ( المعلّب )

محمود يعقوب

2023 / 10 / 22
الادب والفن


كوبو آبي في رواية ( الرجل المعلّب ) ،
العلاقة بين الرواية والتصوير الفوتوغرافي
إعداد محمود يعقوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( المعلّب ) ، كوبو آبي ، ترجمة مجدي خاطر ، دار العين للنشر ، القاهرة ـ مصر ، الطبعة الأولى ٢٠٢٢ .

( الرجل المعلّب ) ، واحدة من الروايات التجريبية الغريبة ، التي درج الكاتب الياباني الكبير ، كوبو آبي ، على نهج تأليفها . نُشِرَت باللغة اليابانية عام ١٩٧٣ . ويبدو أن المؤلف أنجزها قبل هذا التاريخ ، ولكنه لسبب ما ، ركنها ، ولم يدفع بها للنشر . وهي رواية طليعية ، ساخرة ، تنطوي على نظرة غريبة للمجتمع المعاصر .
وصف الكثيرون الرواية بأنها غامضة ، والبعض منها غير مفهوم . وهي تصوّر رجلاً اختار أن يعيش داخل علبة من الورق المقوّى ، يرتديها على ظهره ، كما الرهبان البوذيين في العصور الوسطى ؛ وهو يراقب ما يجري في المجتمع ، ولكنه يحتقر أي تفاعل مع العالم ، الذي هجره باعتباره عالماً مجنوناً . اختار الرجل أن يعيش داخل العلبة ، ويعزل نفسه عن بقية العالم ، من أجل حمايته . في داخل هذه العلبة يستطيع الرجل مراقبة العالم الخارجي ، من غير أن يتعرّض للخطر المتصوّر نتيجة مراقبة الآخرين له . طموح الاختفاء يحدّد مسار الرواية بشكل عام ، إضافة إلى صراع البطل مع الإغراء والفضول . وغالباً ما يتم تفسير الرواية على أنها قصة رمزية لمجموعة من القضايا الحديثة ، بما في ذلك المراقبة ، والاغتراب ، وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي .
تبدأ الرواية بإرشادات دقيقة لصناعة علبة الكرتون . يعدّد الكاتب الخامات المطلوبة أولاً ، ثم يعرج على طريقة صنعها ، وعمل الفتحات ، والمنافذ ، والرفوف الداخلية ، بتفنّن يوحي وكأن كوبو آبي هو من اخترعها ، أو هو من بادر إلى تجريبها ، على أقلّ تقدير . كما يبدو الكاتب حادّ الملاحظة ودقيق حين يقول : " للعلب الجديدة منها بريق كأنها مدهونة بالزيت ، لكن يبدو أنها تُصدر كهربائية ساكنة بسهولة ، فتمتص التراب ، وتتغطّى بالغبار سريعاً " ص٢٠ من الرواية . ثم يعود ليؤكد : " صناعة العلبة وحدها عملية بسيطة جداً ، وهي تستغرق أقل من ساعة " ص٢٣ من الرواية . ولكن طرحها على الرأس كي تغدو معلّباً هو ما يتطلّب شجاعة معقولة . ومهما يكن من أمر ، بمجرد الدخول في هذه الحجيرة الكرتونية المتواضعة ، والمنفرة ، والخروج بها إلى الشوارع يتحوّل الرجل إلى شبح ، لا هو برجل ولا هو علبة . وهؤلاء المعلّبون ، أناس سريّون ، غامضون ، يحيون في كتمان ، بينما يتعمّد العالم الصمت المطبق حيالهم بشكل مقصود . وكل منهم " لا يملك بطاقة هوية ، ولا مهنة ، ولا مكاناً ثابتاً للإقامة ، ولا إشارة للاسم ، أو العمر ، أو مكاناً أو توقيتاً محدّدين للأكل والنوم . ومن ثم أنهم لا يقصّون شعرهم ، أو يغسلون أسنانهم ، وهم نادراً ما يستحمون " ص٣٥ من الرواية .
تبدأ الرواية برسم تخطيطي لرجل العلبة ، بعد أن قرّر عزل نفسه عن الحياة الطبيعية ؛ يعيش الآن في علبته ، الذي يصفها أحياناً بأنها " غرفة مقاومة للماء " . وقد تم لصق العلبة فوق جسده بمزلاج على ظهره . وفيها معظم المؤن التي يحتاجها في حياته اليومية ، من طعام وملبس . تبدو العزلة الذاتية لرجل العلبة بمثابة أداء غريب الأطوار ، وغير مألوف ؛ فهو ينسحب من العالم ، ومع ذلك فإن نواياه هي تجنّب الحب والجنس وما يُعرف بالبارانويا ( جنون الارتياب ، الذي ينجم عنه فقدان الثقة بالناس ، والريبة منهم ، والاعتقاد بوجود تهديد ما .. ) فهو ينظر إلى العالم من حوله كمكان لا عقلاني ، لذا يؤكد أن العيش في داخل علبة هو الشيء المعقول الوحيد الذي يجب فعله .
يدّعي الرجل بأنه تعرّض إلى المضايقات ، حتّى أنه تم الاعتداء عليه بواسطة بندقية رَش . تنتقل أغلب لقطات الرواية بين مستشفى ومبنى سكني مجاور ، حيث تعيش ممرّضة وطبيب يعتني بالرجل المعلّب . وسرعان ما يتضح أن المعلّب مفتون بالممرّضة ، ولكنه يحاول مقاومة إغراء الجنس . ويروي أنه كان في السابق مصوّراً فوتوغرافياً ، ملمّحاً إلى أن الطبيعة المتلصّصة للتصوير الفوتوغرافي لا تختلف عن العيش داخل العلبة . ويقدّم المعلّب شخصية طبيب معلّب بدوره أيضاً ، بصورة غامضة ، بحيث تتلاشى الحدود بين الشخصيات ، ويصبح من غير الواضح ما إذا كان المعلّب هو أحد الأطباء أو كليهما .
عرضت عليه فتاة مجهولة مبلغاً قدره ( خمسون ألف ين ) مقابل التنازل عن علبته ، وكان المبلغ مغرياً له تماماً في أول الأمر ، ولكنه في النهاية بات يفكّر : " خمسون ألف ين . لَكَمْ أحب أن أقول لها منفردين أن أي معلّب لن يرى في هذا المبلغ إلّا مبلغاً زهيداً لا يستحق القبول ، حتّى وإن اعتبرته هي إفراطاً . لا يعرف العاديون في الغالب إلّا أقل القليل عن المعلّبين ، كما أنهم لا يتوقفون إلّا بشكل عابر جداً أمام المغزى الذي تمثله العلبة للمعلّب " ص٦٢ ـ ٦٣ من الرواية . وهنا يتجلّى التأثير الكافكوي واضحاً تماماً : " هكذا يفشل المعلّب في خلع علبته والعودة ببساطة إلى العالم العادي ، وهو حين يخلعها إنما يفعل ذلك لكي يطلّ على عالم مختلف تماماً كأنه حشرة تتحوّل " ص ٦٣ من الرواية .
يتخلّى المعلّب عن علبته ، ويعترف للممرّضة بحبه لها ، ولكن الممرّضة ترفضه ، ومع ذلك فإن تجربة الضعف تعيد إلى ذهن الرجل ذكرياته عن الحياة قبل العلبة ، سواء كانت إيجابية أم سلبية . في نهاية الرواية يتراجع المعلّب كرّة أخرى إلى علبته ، ومن غير الواضح ما إذا كان سيبقى هناك ؛ ممّا يشير إلى أن هناك معركة نفسية وأخلاقية كبيرة تكمن وراء وجوده المحكم .
ويستخدم المعلّب لقطات فوتوغرافية لأجل أن يدعم الحقيقة في ادعاءاته " في الحقيقة ، كنت مصوّراً فوتوغرافياً حرّاً ، قبل أن أغدو معلّباً " ص٤٢ من الرواية .
وعلى كل حال ، فأنا هنا لا أصبّ اهتمامي على ما تنطوي عليه هذه الرواية الكبيرة من أحداث أو رؤى ، بقدر ما أريد تسليط الضوء على العلاقة بين التصوير الفوتوغرافي والرواية ، وهو نوع من الإبداع الذي يجمع بين هذين الفنّين ، وحيث تقترن هذه الرواية مع التصوير الفوتوغرافي أيضاً . وقبل أن أنتقل إلى هذا الحديث أودّ أن أشير إلى أن بعض الدراسات التي تناولت رواية ( المعلّب ) كانت تصرّ على وصفها بأنها رواية بوليسية ! وأعتقد أن هذا الوصف مبالغ فيه كثيراً ، فإن وجود محاولات القتل في الرواية أو ظهور البوليس في بعض صفحاتها ، وما شابه ذلك ، لا يعزّز بالمرّة محاولة تصنيف الرواية على أنها بوليسية ، فالكثير من القصص والروايات تتضمن مثل هذه الأمور . مع ملاحظة أن للروايات البوليسية هيكلها الواضح ، وقوانينها الخاصة ، ونسقها المميّز ، سواء كانت روايات بوليسية كلاسيكية ، أم كانت روايات بوليسية ميتافيزيقية في أدب ما بعد الحداثة .
ᵜᵜᵜᵜᵜᵜᵜ
في هذا الصدد ، أود أن أستعين بمُؤلّف مهم للغاية ، في تبيان العلاقة بين فن الرواية والتصوير الفوتوغرافي ، وهو كتاب الباحثة سيليفيا البرتازي ، المعنّون ( الأدب والتصوير الفوتوغرافي ، من النص إلى الصورة ، ومن الصورة إلى النص ) ، الصادر في روما عام ٢٠١٧ . وسيليفيا البرتازي أستاذة دراسات ما بعد الاستعمار وتاريخ الثقافة الإنجليزية في جامعة بولونيا . وقد أصدرت مجلدين في الأدب والتصوير الفوتوغرافي . وقد تم عرض القسم الأول من الفصل الرابع من الكتاب بواسطة موقع ( Photocaptionist ) الإلكتروني ؛ وهذه بعض المقتطفات البالغة الأهمية منه :
" من المعتاد أن نشير إلى رواية ( بروج الميتة ) المنشورة عام ١٨٩٢ للروائي والشاعر البلجيكي جورج رودنباخ ( ١٨٥٥ ـ ١٨٩٨ ) ، كمثال أول رواية مصحوبة بصور فوتوغرافية ( ضوئية ) ، وعلى الرغم من وجود أعمال سردية في السابق تتضمن الصور الفوتوغرافية ؛ على سبيل المثال The Marble Faun لهوثورن ، ورومولا لجورج إليوت ، الكتابان اللذان تم نشرهما على التوالي عامي ١٨٦٠ و ١٨٦٣ ، وهما مصحوبان بصور فوتوغرافية فخمة ؛ وهي تعد اليوم مقدمة لمجموعة كاملة من النصوص الأدبية المصوّرة ـ من ( نادجا ) عام ١٩٢٨ لبريتون ، إلى ( فيرتيجو ) ١٩٩٠ لسيبالد ، و( اسطنبول ) ٢٠٠٣ لباموق ..
رواية ( بروج الميتة ) ، قصة رجل يتجوّل بلا هدف ، في مدينة طيفية ، مزّقها موت زوجته ، تضمّنت خمساً وثلاثين صورة ، تمثّل مناظر كثيرة للمواقع التي يعبرها ، أو التي تسكن ذاكرته . وهكذا تظهر المدينة كمكان شبحي ، تساهم ظلاله الرمادية المتقلّبة في خلق جو مثير للقلق . نرى مدينة بروج من خلال عيون الزوج اليائس ؛ وتتيح الصور للقارئ أن يتبنّى منظور الرجل الذي أصبحت المدينة بالنسبة له صحراء ، وشوارعها تلخّص الحضور المفقود لمحبوبته .
تختلف حالة الكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز (١٨٦٦ ـ ١٩٤٦ ) ، وهو روائي وكاتب قصص قصيرة ، دعا في عام ١٩٠٨ المصوّر الأمريكي ألفين لانغدون كوبورن الذي كان يُعتبر في ذلك الوقت أعظم مصوّر فوتوغرافي العالم ، لدعم مجموعة قصصية بصور فوتوغرافية ، اختار الكاتب والمصوّر معاً ثماني قصص قصيرة نُشرت عام ١٩١١ بعنوان " الباب في الجدار ، وقصص أخرى " ، مصحوبة بعشرة صور فوتوغرافية لكوبرن ، حيث يؤكد كوبرن في عروضه على العنصر الخيالي القوي في قصص ويلز ، إن لعبته في الأضواء والظلال تجعل المناظر الطبيعية أكثر غموضاً وإثارة للقلق ، ممّا يستدعي من المراقب استجابة عاطفية مماثلة لتلك الموجودة في النص .
أقرب إلى رودنباخ ، وبعيداً عن أجواء ويلز وكوبورن الغامضة هو أندريه بريتون ، الذي نشر في عام ١٩٢٨ رواية ( نادجا ) ، وهو عمل تستخدم فيه الصور الفوتوغرافية في المقام الأول لأغراض وثائقية ، وتكون بمثابة موازنة لألغاز النص ، والتي تظهر في كلمات المؤلف باعتبارها لغزاً مناهضاً للأدب بشكل حقيقي . إذا اختار ويلز ورودنباخ صوراً فنية بطريقة حاسمة فإن بريتون يفضّل جانبها الوثائقي . وإن كان مفهوماً بالمعنى السريالي كحامل لغز غير قابل للحلّ : الصور التي تظهر في النصوص مبتذلة ومسطًحة عمداً ، وفقاً للمؤلف ، غرضها الأساسي هو استبدال الأوصاف ، أو بالأحرى إزالتها ، علاوة على ذلك يطوّر بريتون في هذا العمل فكرته عن اللغز ، ذلك الشيء أو الحدث غير القابل للتفسير والذي يؤدي بالتالي إلى " جماله المتشنّج " و منع إطالة الأنشطة اليومية ، والحياة البرجوازية العادية التي توقع في شرك ، وهكذا فإن ألغاز القصة تتناقض مع تفاهة الصور ، تلك التي التقطها المصوّر ، وكذلك الصور المجهولة التي عثر عليها بريتون في الوكالة التجارية ، أو المتاحف ، وكذلك الصور التي رسمها هنري مانويل ... لا تحتوي الصور على أدلة تساعد في توضيح قراءتنا للنص ، كما أنها لا تحتوي على عناصر رمزية أو استعارية ، إذا كان هناك أي شيء ، فالأمر يمثّل مساهمة غير حرفية في الجغرافية النفسية للحياة اليومية . وهكذا فإن النثر والصورة يتناقضان ، وربما يكون هذا التناقض بين عدم الكشف عن هوية الصور والتطوير الفريد للقصة هو الذي يجعل ( نادجا ) عملاً سريالياً حقّاً .
بعد مرور عشر سنوات على صدور كتاب بريتون ، نشرت فرجينيا وولف ، في بريطانيا كتاباً بعنوان ثلاثة غينيين ( Three Guineas ) المناهض للحرب ، عام ١٩٣٨ ، وأرفقته بخمس صور فوتوغرافية ، سوف تختفي في الطبعات اللاحقة . هذه الصور للسلطة الأبوية ـ جنرال ، وأسقف ، وجنود ، وقضاة ، وأكاديميون ـ وهم يرتدون رموز المكانة الخاصة بهم . تستنكر وولف ، مثل الطفلة في قصة أندرسون الخيالية ، العري الفاحش المخفي تحت الملابس الرسمية الفارغة . تصوّر موضوعات الصورة الثابتة في أوضاعها الصارمة ،التي تميّز العشائرية في السلطة ، التي تمت مناقشتها في النص ، مّما يؤكد عدم القدرة على فصل النظام الأبوي عن الفاشية . وإذا كانت فرجينيا وولف اعتمدت على تداول صور المذبحة الإسبانية لخلق علاقة تعاطف مع قرّائها واستنهاض الوعي المقاوم للفاشية والعسكرية ، فإن روائيين آخرين استخدموا الصور الفنية لأغراض سردية بحتة .
ثمة أعمال أدبية معاصرة ، مستوحاة من صور فوتوغرافية . نذكر على سبيل المثال لا الحصر : رواية ( القادم من خلال المذبحة ) لمايكل أونداتجي . هذه الرواية مستوحاة من صورة وُضعت على غلاف الرواية ؛ في حين أن أبحاث بول أوستر وتخميناته وتأملاته ، في الجزء الأول من ( اختراع العزلة ) ، مستوحاة من صورتين فوتوغرافيتين ، كلاهما مطبوعتان في الكتاب . وهكذا بالنسبة لكتاب يطول الحديث عنهم .
كذلك يعمل التصوير الفوتوغرافي على تضخيم التقاطع بين الخيال والحقيقة في رواية ( أوسترليتز ) الألمانية الصادرة عام ٢٠٠١ ، للكاتب الألماني وينفريد جي سيبالد ، وهي رواية تتحدّث عن ضحايا النازية . وتساعد الصور الفوتوغرافية في الرواية على خلق تعايش زمني بين الأحياء والأموات ، بين الشخصيات الحقيقية والخيالية ، والوصول إلى زمن شفّاف .
في رواية ويليام بويد ( Sweet Caress ) أو عناق دافئ ، عام ٢٠١٥ ، تُشرك القارئ في لعبة سردية تكون فيها الصور تأكيد صدق القصة ـ وهي قصة خيالية تماماً ـ لمصور فوتوغرافي من برلين . يتم هنا نبذ الاستخدام الوثائقي للتصوير الفوتوغرافي بشكل علني : الصور المطبوعة في النص ، والتي يتم تقديمها على أنها ملتقطة من قبل الشخصية الرئيسية ، أو من البوم العائلة ، هي في الحقيقة من مجموعة المؤلف الواسعة للقطات قديمة ؛ بمعنى آخر ، هذه الصور " تم العثور عليها " وهي مجهولة المصدر ، لدرجة أن بويد اعترف بأنه كان يأمل أن يجد أحد قرّائه نفسه فيها ، أو يتعرّف على أحد غيره ، ومع ذلك ، في البداية على الأقل ، فإن التأثير على الحقيقة جدير بالملاحظة ؛ أولئك الذين يقتربون من الكتاب دون معرفة خلفيته يقودون إلى الاعتقاد بأنهم يقرؤون السيرة الذاتية الحقيقية لمصوّر كان موجوداً بالفعل ؛ وبناءاً على ذلك ، تظهر الصورة كمجرد رسوم توضيحية ، وبالتالي تصبح تلك الصور " التي تم العثور عليها " بمثابة قطع أثرية .
ᵜᵜᵜᵜᵜᵜᵜ
رواية ( المعلّب ) والتصوير الفوتوغرافي :
writing with images ، في الموقع الإلكتروني ملخّص لما ورد في مقالة بعنوان ( كوبو آبي ، المعلّب )

من بين مواهب كوبو آبي أنه كان مصوّراً فوتوغرافياً ، وكان هناك معرض واحد على الأقل لأعماله في مدينة طوكيو عام ١٩٦٦ ؛ ويبدو أن هذا المعرض سافر إلى مركز دونالد كين للثقافة اليابانية بجامعة كولومبيا الأمريكية . ومن الممكن أن يكون كوبو آبي أيضاً قد قام بتصوير التفاصيل المهووسة والمثيرة للغثيان بنفسه ، التي ذكرها رواته في هذه الرواية . وفي الواقع هناك القليل نسبياً مكتوباً عن الصور الموجودة في رواية ( المعلّب ) . يحتوي الكتاب على صورة "نيجاتيف" مقاس ٣٥ ملم، وهي مستنسخة بالحجم الطبيعي تقريبًا، وثماني صور فوتوغرافية مع تعليقات موضوعة على خلفيات سوداء، وصفحتين من التقارير الصحفية. تم نشر الصور الثماني على الإنترنت في عام ٢٠١٤ تقريبًا، من النسخة اليابانية الأصلية .
الصورة الأولى هي دليل على نقطة مركزية في السرد : يظهر رجل يحمل بندقية رش وهو يهرب عقب إطلاقه النار على الرجل المعلّب . كانت صورة خلفية لشخص منشغل بالصعود على الطريق المنحدر، وهو يخفي بندقية من خلال محاولته وضعها على طول جسده تحت ذراعه. طريقة قص شعره، والبذلة الجديدة المصممة خصيصاً له ، والملائمة لأكتافه المستديرة، والكسرات الواضحة في بنطاله، رغم أنه من أجود الخامات، والأحذية المنخفضة المميزة التي تشبه النعال. كل شيء من هذا يمكن مشاهدته ، وفي فقرة أخرى يتم وصف المشهد بطريقة لا تتطابق كذلك مع الصورة . من الممكن أن يتوقع من القراء أن يأخذوا هذا على أنه إحدى الطرق العديدة التي لا يمكن الاعتماد على الراوي فيها. إن إشارات آبي إلى الأشياء الموجودة في الصورة تميزها عن الصور المشابهة في رواية ( أوسترليتز ) لسيبالد وغيرها التي تكون صغيرة جدًا ، أو محبّبة ، أو داكنة ، بحيث لا يمكن رؤيتها بوضوح . تعمل هذه الصورة الأولى كدليل ، فهي تطلب أن يتم تصديقها. لكن السرد يقوضها باستمرار من خلال تقديم أوصاف للأحداث لا تتوافق مع ما نراه .
على النقيض من ذلك، تعمل الصور الثماني الأخرى كشهادة، وتطلب منا اعتبارها عينات من ممارسة الراوي (أو الرواة) الفوتوغرافية، أو كأمثلة للأماكن التي يفضلها الرجال المعلّبون ، أو كعينات من الحياة في طوكيو . بصرف النظر عن هذه الصورة الافتتاحية ، فإن الصور في رواية ( المعلّب ) مثيرة للاهتمام لسببين. أولاً، الصور الثماني والنصوص المختصرة المصاحبة الموزعة عبر النص لا تتناسق بسهولة أو بوضوح مع السرد. إنها ليست غير متوافقة ، لا توضح النص. علاقتها المائلة بالسرد هي شيء غير عادي في الكتاب . السبب الآخر هو الطبيعة البصرية المكثفة للسرد، والتي تقترح أنواعًا عديدة من الأشياء المرئية . العديد من الصور الموجودة في الكتالوج تبدو مناسبة للكتاب ، على سبيل المثال إحدى ساقي المرأة. هناك عدد من الأوصاف المتلصّصة – والمتحيزة جنسيًا – لأرجل النساء والرجال في الكتاب. والعديد من الصور للمشردين، وهم أيضًا موضوع متكرر في الكتاب. ومن المثير للاهتمام بشكل خاص صورتان تحتويان على علب من الورق المقوى - وهي مادة العلبة . في إحدى الصور، يتم استخدام الورق المقوى المطوي كسرير لشخص بلا مأوى؛ هذه الصورة منشورة في نفس الصفحة التي تظهر فيها صورة رجل ينام تحت الصحف . وفي صفحة أخرى توجد صورة لعلبة على الرغم من أنه لا يمكن استخدامها لبناء نوع العلب الموصوفة في الكتاب. ليس لأنها مكسورة ، بل لأنها صغيرة جدًا . حتى أن إحدى الصور تظهر حزمة غريبة المظهر، والتي قد تذكرنا بالجسد المجمّع والملقى فوق منحدر في منتصف الرواية . وبسبب التلصّص والاستعراض المستمرين في الكتاب، من المثير للاهتمام أيضًا رؤية الصور الإباحية مجعّدة ومن الواضح أنها تم التخلّص منها .
هناك أيضًا أوجه تشابه أكثر عمومية بين بؤس الكتاب وبعض صور آبي ، ومن الناحية الوجودية ، بين فكرة الراوي بأن العالم يمكن رؤيته ممتلئًا من داخل عالم العلب . الصور الثماني التي تتبع الصورة السلبية، ولكل منها عنوانها وخلفيتها السوداء ، مرتبطة ومنفصلة عن السرد بشكل مختلف. يمكن فهمها على أنها نتاج حياة الراوي المهنية كمصور واهتماماته البصرية. لكن الروابط إلى النص متفاوتة . الصور الفوتوغرافية متباعدة بالتساوي في الكتاب، والتي أفترض أنها قد تكون نتيجة الطباعة الأصلية ، إذا كان الأمر كذلك، فلن يكون هناك أي تطابق بين الصور والسرد على الصفحات المتقابلة ، أو حتى في الفصول المحيطة. لكن النصوص المصاحبة تشير إلى أوجه تشابه مختلفة .
تحتوي النصوص على العديد من نقاط الصدى، لكنها أيضًا تقدم نفسها على أنها كتبت خارج الكتاب نفسه ، وربما قبله. ولا يمكن اعتبار هذا الانفصال مجرد مرافقة للرواية ، بل كقوة مستمرة تجذب انتباه القارئ بعيدًا عن الرواية - مما يجعلنا نفكر إما في حياة الراوي السابقة التي ربما تكون أكثر معيارية كمصور، أو في الأشياء التي قد يتخيلها الرجال بشكل معقول. إنها تتحرك باستمرار بعيداً عن القصة ، ومن حيث أنها مثيرة للاهتمام، وتختلف تماماً عن الصور الفوتوغرافية في بريتون، ورودينباخ، وسيبالد، ومعظم الروايات الأخرى التي تحتوي على صور فوتوغرافية. الجانب الأكثر إثارة للفضول في استخدام الصور في رواية ( المعلّب ) هو التناقض بين ما يظهر والعبارات المفصّلة بصرياً في النص . وهنا بعض الأمثلة على ذلك :
١ـ يبدأ الكتاب بعبارات موسعة عن كيفية بناء العلبة. غالباً ما تكون دقيقة جداً وسهلة التصور. قد يتساءل القارئ الذي يواجه هذا الأمر لأول مرة عن سبب عدم وجود أي وسيلة إيضاح لذلك. إنه نوع من الاعتبارات التي تصر على صحتها المطلقة وتفاصيلها البصرية في نفس الوقت الذي تشير فيه إلى خياليتها برفضها أن تصبح بصرية.
٢ـ في بداية الرواية ، يسأل الراوي القارئ فيما إذا كان قد رأى معلّباً ، ثم يقول لا بد أن القارئ قد رأى واحداً يمكن للقرّاء تصفح الكتاب في هذه المرحلة لمعرفة ما إذا كانت هناك صورة لرجل معلّب . يضع آبي صورة المعلّب بالقوة قدر استطاعته في ذهن القارئ، لكن صُوَرِه ترفض تمثيل واحدة منها .
٣ـ ثم هناك المقطع المجنون حينما يرسم الرجل المعلّب وجهه : يرسم شفتيه باللون الأخضر، وبعد ذلك يرسم ، في دوائر تتوسع تدريجياً ، ألوان قوس قزح السبعة، بدءاً باللون الأحمر، حول عينيه ، والألوان المبهرجة تشكل تناقضاً قوياً مع التصوير الفوتوغرافي الواقعي .
٤ـ في جميع أنحاء الكتاب هناك أوصاف مفصّلة وغير متوقعة للتفاصيل الحميمة والمثيرة للاشمئزاز في بعض الأحيان - الإفرازات، والجرب، وشعر العانة. يبدو أن هذه الأشياء يراها الرجل المعلّب جيداً للغاية. إنها تتناقض، كما أشرت، مع صور المسافات المتوسطة من خلال افتقارها إلى التفاصيل.
٥ـ في إحدى الندوات، أشار جاي إيتان إلى أن صاحب العلبة ، أو شخصيته المصوّرة ، يبدو أنهم يكرهون أو يخشون تصوير السماء. في الصفحات الافتتاحية من الكتاب، أُخبرنا أن رجال الصناديق يجب أن ينظروا إلى الأسفل (لكي لا يتعثروا) ، ويحتوي الكتاب على العديد من الأوصاف للأرجل. هذه الرؤية الموجهة للأسفل ، والتي تذكرنا أيضاً بطريقة الطفل في ملاحظة الأشياء التي تكون في ذروتها ، تتناقض أيضاً مع الصور. هناك عشرات الأمثلة الأخرى، لكن هذا يكفي للإشارة إلى مدى قوة وإثارة الكتابة في الكتابة ، ومدى صمت بعض الصور وغموضها . وفي هذا الصدد، فإن "الرجل المعلّب" يشبه أطروحة حول عدم كفاية التصوير الفوتوغرافي في مواجهة الوصف المكتوب. تدور التخيلات المركزية في ( المعلّب ) حول التلصّص، حيث يتم تجسيد النساء بطريقة طفولية وبلا هوادة. العديد من المشاهد الحاسمة هي خيالات استمنائية بشكل علني. على مدار الكتاب، كان تأثير مثل هذه المشاهد مزعجاً للغاية. لو كان آبي قد فكر في هذا الوضع على نحو مثير للسخرية، أو إذا قدمه على أنه انحطاط للعلاقات الطبيعية، فربما نجح : ولكن عندما كتب هذا الكتاب، كان عالمه الخيالي على ما يبدو ذبلاً للغاية، ومسمّماً للغاية بسبب انغماسه . في استراق النظر، أنه لا يمكنه إلا أن يتخيّل النساء كأشياء تخلع ملابسها بينما يتم النظر إليها من داخل علب من الورق المقوى. ليست لدي مشكلة مع المواضيع العنيفة، أو الكارهة للبشر، أو المختلة، أو الطفولية، أو غير القابلة للإصلاح ، لكن هذا الموضوع أيضاً غير تأملي. وتنعكس مرارته ، بطريقة مشوهة ، في الصور الفوتوغرافية ، التي تشعر بالمرارة تجاه اليابان المعاصرة ، وفقرها، والمواد الإباحية ، والاغتراب. إن الخيال الأنطولوجي للرجل المعلّب، الذي نكون فيه جميعاً رجال معلّبين ، ومجتمعنا يعاني ويتمتع بإخفاء هوية مزرية ، لا يتم توضيحه بشكل مباشر من خلال الصور، لكنها تفعل شيئًا مشابهاً تماماً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب