الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب قادمة: صفقة القرن 2023م من الناعم إلى الخشن

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 10 / 23
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


إذا كنا في لحظة تاريخية مأزومة تبحث عن مسارات للفهم والحل، بعد عملية 7 أكتوبر العسكرية التي قام بها الفلسطينيون ورد الفعل الغربي و"الإسرائيلي" المنفلت بإرسال حاملات الطائرات النووية ونشر الدروع وقصف غزة قصفا كانسا يزيح سكانها للجنوب.. فإنه علينا أن نرجع للوراء قليلا لنرصد المسارات التي تطور بها وجود الكيان الصهيوني ودولة الاحتلال وكيف فرضها الغرب على العرب، وهل تُشكل تلك المسارات ما نسميه علميا "نمطا" متكررا يمثل ظاهرة يمكن القياس عليها، وتوقعها، من ثم وضع التصورات والمقاربات البديلة لمواجهتها عربيا؟
الإجابة الصادمة: نعم، اتبعت الصهيونية ودولة الاحتلال "نمطا" علميا متكررا يمثل ظاهرة تعيد نفسها بكل وضوح ودون مواربة، في فرض وجودها على العرب والفلسطينيين عبر سنوات الصراع الطويلة، وهو النمط الذي كشفت عنه في دراستي المعنونة: "دفاعا عن القدس وهوية الذات العربية.. نقد خطاب الاستلاب العربي للصهيونية في ظل الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن والمروجين العرب لهما"، وقد أسميت النمط الذي كشفت عنه الدراسة باسم "نمط الحرب وصدمة الوعي الجمعي" (انظر الكتاب من ص 56:45).
حيث اكتشفت الدراسة أنه بتحليل مسار الصراع، وجدت أن الصهيونية كانت تقفز دوما للأمام عن طريق الحروب وصدم الوعي الجمعي العربي، وبعد أن تنتهي كل حرب تتحرك الصهيونية للأمام وتنفذ جزءا من مخططها، ومن هنا سميته "صدمة الوعي الجمعي" لأنه كان يقوم على فكرة الصدمة التي تخلفها كل حرب وأثرها في الوعي الجمعي العربي، والبناء على هذه الصدمة والتحرك للأمام.
ويمكن أن نرصد تكرار ظاهرة النمط المتمثلة في "الحرب وصدم الوعي العربي"، حيث سنجد لدينا حروب: 1948- 1956- 1967- 1973- 1990-2003، مع الوضع في الاعتبار وجود حروب صغيرة بينهم في لبنان في 1982- 2006 وفلسطين 1987- 2000م (الانتفاضة الأولى والثانية).

أولا: نمط الحرب وفرض الوجود والتوسع

وعند تتبع النمط وحركته منذ البداية؛ سنحدد إطارا للحروب الثلاثة الأولى في السنوات: 48-56-67 من القرن الماضي، وسنقول أن التكرار النمطي لصدم الوعي العربي وفرض "إسرائيل"، كان في هذه التواريخ الثلاثة، وكان بينهم تاريخان مميزان للصدمة هما "النكبة" و"النكسة"، في عامي 1948، و 1967، حيث كانا أبرز آثار تكتيك أو "نمط الحرب وصدمة الوعي الجمعي"، لفرض وجود "إسرائيل" والصهيونية بالمنطقة، إذ ارتبط الحربان بالوعي العربي بالذات وضرورة كسره بالقوة وفرض الأمر الواقع، ففي 1948 تعرض الوعي العربي لصدمة باحتلال فلسطين وانكسار الجيوش العربية ضعيفة التسليح فقيرة التدريب، لكنها أنتجت حالة من المقاومة المضادة تجاه الغرب/ الصهيونية، استمرت حتى وصلت لذروتها فيما قبل 1967 مع تمدد مشروع المقاومة المصري والمد القومي الناصري.
لتأتي الحرب في عام 1967م لتقدم صدمة جديدة للوعي العربي، وتفرض عليه تخفيض السقف والانتقال بمجموعة أهدافه من الفعل والمقاومة للصهيونية، إلى رد الفعل والدفاع عن الذات العربية ووجودها، ليبدو وكأن النمط بدأ يهدينا أول محدداته بأن الحرب دائما لصدمة الوعي عند الآخر/العربي، وإجباره على تخفيض سقف طموحه الجمعي والانتقال من حالة المبادرة إلى حالة رد الفعل باستمرار، تجاه الصهيونية ودولتها.

ثانيا: نمط الحرب وفرض التعاهد والمصالحة

ثم ننتقل بعد ذلك لتتبع نمط الحرب وصدمة الوعي فيما بعد 1967م، تحديدا في عامي 1973م وحرب أكتوبر، وفي عام 1990م وحرب الخليج، في عام 1973 فرغم المفاجأة العربية على الجبهة المصرية والسورية، إلا أن الحرب بعد الضغط الأمريكي السياسي والحربي، انتهت بالجولان محتلا وسيناء شبه منزوعة السلاح، والأهم وأبرز نقطة للنمط ككل كانت اعتراف مصري بدولة الاحتلال، وغياب فلسطين عن مائدة المفاوضات وكسر الحصار الأفريقي والأسيوي على "إسرائيل" بعد الخطوة التطبيع السياسي، وتحول النمط بالصدمة عبر الحرب إلى العلنية وظهور التطبيع السياسي.
وفي حرب 1990م والتي تم فيها غزو العراق وتفكيكه، دخلنا في مرحلة أخرى من كسر الإرادة والصدمة وقبول الأمر الواقع وفرضه على الفلسطينيين فيما عرف باتفاقية أوسلو التي أنتجت ما عرف بـ "السلطة الفلسطينية"، بل ارتبطت بتقديم إسرائيل كنموذج واضح لقيادة دول المنطقة عبر تفكيك معلن للوعي العربي عُرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير، غير أن النمط تعرض للتحول هنا حيث رفض الإسرائيليون أنفسهم وليس العرب مشروع التعايش كحل للتدافع الحضاري، ورفضوا الاكتفاء بما تم تحقيقه بالفعل من مكاسب وأرادوا للتدافع الحضاري أن يستمر في حالة الصراع، وتم اغتيال القيادة السياسية الإسرائيلية (إسحاق رابين) التي كانت تقود توجه دمج إسرائيل كنموذج أعلى على العرب، في أبرز دليل إدانة ضد تيار الاستلاب لرواية تقدمية الصهاينة ورغبتهم في السلام.

ثالثا نمط الحرب والانتقام الرمزي

ثم عاد نمط الحرب وصدمة الوعي مرة أخرى، لخلخلة الإرادة العربية بتنشيط الملف العراقي 2003م عندما سقطت بغداد، بعدها تم إعدام صدام حسين شنقا في صبيحة عيد الأضحي في أقصي أشكال صدم الوعي وتفكيكه، تأكيدا على محاولة كسر الإرادة العربية وصدمها عبر نمط الحرب، ليتبعه دخول مصر التطبيع الاقتصادي والتجاري مع الصهيونية واتفاقية الكويز عام 2004، ومنذ ذلك الحين مررنا ببعض الحروب الصغيرة في الملف اللبناني والفلسطيني، أنتجت نوعا من الثبات في الإرادة الفرعية هناك تجاه المخططات الأمريكية والصهيونية..

رابعا: الثورات العربية ونمط خطاب الاستلاب الناعم: تفجير تناقضات مستودع الهوية وإدارته

جاءت الثورات العربية مع مطلع هذا العقد لتقدم متغيرا جديدا في الظاهرة وعلاقة العرب بالصهيونية، حيث قدمت صدمة مضادة للوعي الغربي باستعادتها لخطاب المبادرة وإسقاط كل ذاكرة القهر وفرض الإرادة عبر حروب القرن الماضي، ووصل هذا النمط المضاد إلى ذروته باقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ولم يستطع الغرب والصهيونية اتخاذ أي رد فعل (وخرج نتانياهو في تصريحات توضيح تهدأ المستوطنين وأن المنطقة تشهد تغيرات قوية)..
هنا سوف يتحول النمط مرحليا من الخشونة إلى النعومة لتفكيك حالة المد العربي والصعود الشعبي، حيث سيظهر دونالد ترامب مقدما نوعا جديدا من فرض الهيمنة وصدمة الوعي بالطريق الناعم مع صفقة القرن والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتختلف التكتيكات التي تم استخدامها لفرض خطاب الاستلاب للصهيونية والاتفاقيات الإبراهيمية ومحاولة كسر إرادة الجماهير العربية، عن الأسلوب القديم لنمط الحرب من أجل صدم الوعي العربي وفرض وجود إسرائيل وتطبيع وجودها، إذ سننتقل من الحرب الخشنة ليظهر عندنا نمط "تفجير تناقضات مستودع الهوية وإدارته" لتمرير همينة "إسرائيل" وفرضها عبر تفجير التناقضات الداخلية بين الدول العربية، وبين محيطها الإسلامي (إيران وتركيا) والأفريقي أيضا (سد النهضة أنموذجا).
وعلى مستوى الإعلام العربي تم استخدام طبقة أو نخبة ثقافية مأزومة تجاه ذاتها العربية، ولديها من الأسباب والدوافع الشخصية ما يجعلها في حالة "استلاب للآخر" ولمتلازمات "المسألة الأوربية" وقيمها الثقافية التي صدرتها للعالم، في تواكب بين تفجير مستودع الهوية العربي ضغطا على الأنظمة العربية، كسياسة خارجية يطبقها الآخر الأمريكي ممثلا عن الذات الأوربية القديمة و"المسألة الأوربية" بتعاليها وعنصريتها، وبين خروج بعض العرب ليعلن انسلاخه تماما عن مستودع الهوية العربي ذلك وفساده كلية.
وعلى مستوى الدول يحق هنا للتاريخ أن يسجل واحدة من أبرز التكتيكات السياسية في القرن الجديد، وهي تكتيك "تفجير تناقضات مستودع الهوية" وتوظيفها، فقد نفذ ترامب التكتيك ببراعة يحسد عليها حقا، نفذه مع مصر دولة المركز وحجر الزاوية القديم، حين فجر لها كافة الجبهات الخارجية المحيطة في الملف الغربي في ليبيا، والملف الجنوبي الأهم مع سد النهضة، وكذلك في الشمال مع تركيا، وفي الشرق والجماعات المسلحة والجبهة التي كانت مشتعلة أيضا، وفي عهد بايدن تم تفجير الجنوب القريب بالاقتتال السوداني/ السوداني والتهديد بتفكيكه (لتسقط بوابتا العالم العربي البريتين، حيث كانت العراق الحارس البري على الشرق العربي من جهة آسيا، وكانت السودان الحارس البري على الجنوب العربي من جهة الجنوب الأفريقي.)
وقبل ذلك نفذ ترامب تكتيك تفجير التناقضات وتوظيفها مع السودان لتخضع للصفقة، عبر التلويح برفعها عن قائمة الإرهاب، ومنحها الدعم عبر ما عرف باسم "الصندوق الإبراهيمي" الذي ساهمت فيه الإمارات، وقبل أن يرحل ترامب استطاع تفجير وتوظيف المزيد من تناقضات "مستودع الهوية" العربي، حينما رعى تصالحا بين قطر وبين دول الخليح ومصر، من أجل أن يُعد اصطفافا ضد إيران ويخترع عدوا جديدا، وفي السياق نفسه أعلن "الحوثيين" جماعة إرهابية في اليمن، لينفجر التناقض السني الشيعي داخل الحاضنة العربية، لصالح "إسرائيل" والصهيونية. وكانت آخر ضرباته المدوية قبل أن يرحل بفترة قصيرة مع المغرب، حينما فجر التناقض القديم الذي تركه الاستعمار الأوربي بها، عن الصراع حول الصحراء الغربية، وحينما ساوم المغرب على الانضمام لصفقة القرن والتطبيع مع إسرائيل، في مقابل الاعتراف بأحقية المملكة المغربية في الصحراء الغربية .

خامسا: الحرب وعملية 7 أكتوبر وعودة النمط لأصله الخشن

كانت عملية تفجير تناقضات الدول العربية الداخلية والبينية وفي محيطها الإقليمي على أشدها، وكانت صفقة القرن مستمرة في اتجاه السيطرة على مدينة القدس والمسجد الأقصى تحديدا تمهيدا للهيمنة التامة عليه، حيث سيظهر متغير جديد وهو العملية العسكرية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في غزة، واستطاعت كسر الصورة النمطية للقوة المطلقة والإنسان السوبر المستوطن "الإسرائيلي" الذي يمثل الحضارة الغربية، حين نجح بضع مئات من الجنود باستخدام تكتيكات مبتكرة تماما وغير مألوفة، القضاء على كافة التدابير العسكرية والنقاط الحصينة حول قطاع غزة بالأرض الفلسطينية المحتلة.
وحدثت الصدمة المضادة مجددا للعقلية الغربية واحتشدت حاملات الطائرات والبوراج من كل حدب وصوب، وضربت دولة الاحتلال غزة بقصف مستمر، وأعلنت صراحة أنه على الفلسطينيين أن يهاجروا أو يهجروا إلى سيناء المصرية كما كانت تقول صفقة القرن، وعادوا لتكتيكات إدارة التناضات المباشرة ملوحين بأن ذلك سيكون في مقابل شطب ديون مصر وخروجها من الدوامة الاقتصادية التي تكاد تبتلعها، وضربت دولة الاحتلال معبر رفح مرارا وتكررا، ومؤخرا قصفت برج حراسة مصري جنوب رفح مدعية أنه تم عن طريق الخطأ، واعترضت أمريكا وبوراجها صواريخا أطلقتها جماعة الحوثي في اليمن التي تمولها وتدعمها إيران، وأعلنت إيران انها لن تقف متفرجة على اجتياح غزة ودخل حزب الله على خط المواجهة بقواعد اشتباك جديدة.

خاتمة: ترجيح احتمال الحرب

والخلاصة التي تريد هذه المقالة البحثية أن تطرحها هي عودة صفقة القرن في نسخة ديمقراطية مع بايدن؛ وأن نمط الحرب وصدمة الوعي العربي هي المسار التكراري والذي يمثل ظاهرة واضحة في العلاقة بين دولة الاحتلال والغرب وبين البلدان العربية، ولابد من وضعه في الحسبان وأنه بكل أسف القادم يميل بقوة لأن يكون موجة جديدة من التمدد الصهيوني الخشن بمعاونة الغرب وأمريكا، وللأسف هذه الحرب سوف تفرض فرضا على مصر وعلى دول الطوق القديمة وتطولها بنيرانها في الغالب المعظم.

وما توصي بها هذه الدراسة القصيرة أن تستعد مصر والبلدان العربية لإدارة المرحلة الراهنة وفق مبدأ إدارة التناقضات التي تفجرت، لصالح حشد الجهود السياسية والدبلوماسية على كافة المستويات لمواجهة "نمط الحرب وصدمة الوعي الجمعي" الذي تستخدمه العقلية الغربية/ الصهيونية، وذلك وفق سيناريوهات عدة تتراوح أهدافها ما بين:

- الترويج لعدالة القضية الفلسطينية وروايتها التي يجب أن تسمع.
- الردع العسكري تجاه القوى الغربية الحاضرة والوقوف الند للند.
- حشد الرأي العالمي منعا لتكون رأي عام ورواية عالمية تدعم إزاحة الفلسطينيين لسيناء بحجج إنسانية.
- بناء تحالفات دولية قوية تدعم القوة العسكرية وتوزانها تجاه الغرب.
- الاعتماد على دبلوماسية إدارة التناقضات" وفق الأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية مع كافة الأطراف العربية والإقليمية والدولية، وتشابك الملفات المطروحة.
- مع الإشارة إلى أن وجهة نظر أبعد في دراسة "نمط الحرب وصدمة الوعي الجمعي" ترى أن الهدف وأفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، بهدف إحداث صدمة جماعية مضادة، ثانية وثالثة لدى الغرب ودولة الاحتلال تجعله يقبل بوجوده المحدود، ويتخلى عن وهم التفوق والتوسع باستمرار، ويقبل بوجود دولة للفلسطينيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة