الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة متعجلة في قصيدة-أنا العاشقة-للشاعرة التونسية السامقة أ-نعيمة المديوني (رسم بالكلمات..وأناشيد-صوفية-على ايقاعات العشق)

محمد المحسن
كاتب

2023 / 10 / 24
الادب والفن


"أ-نعيمة المديوني..شاعرة عاشقة متمردة وثائرة توشوش الغيم وتغني للسماء..
تكتب الشعر بانفاس حارة واسئلة عميقة عن ماهية الجسد والروح..
طفلة مصلوبة على حافة الشوق تشتعل كشعاع الشمس في خمرة البحر،تبوح في الحب رغم الغلاف التابوي المسلط على عناق الحب بسيف الخطيئة والقبيلة.."(الناقد)

مقدمة : إنّ الحبّ كالموت..هكذا قلت سابقا في احدى مقارباتي..
والآن بعد أن قرأت هذه القصيدة الرائعة "أنا العاشقة" للشاعرة التونسية السامقة أ-نعيمة المديوني تأكّدت أنّ الحبّ يولد مع الإنسان،قدره يرافقه في كلّ مراحل حياته،وإن كان يخبو أحيانًا،أو يختفي من حياتنا،لكن تبقى هناك قصّة تطفو على سطح الذاكرة،تفيض الأقلام بها شعرا خلابا،فنسجّلها في دفاتر الحياة لنا مرجعًا وهوية..بالحبّ نحيا،ونتحرّك.
ومن هنا يحق لي أن أقول :إنّ الحبّ مظلّة واسعة مترامية الأطراف،تضمّ تحتها مختلف أنواعه،الحبّ الإنسانيّ الذي يميّز الإنسان عن باقي المخلوقات،ذلك الحبّ الذي يسرقنا من نفوسنا،ويطير بنا نحو سماوات أخرى،يفتح أبواب الحياة على مصاريعها،لنرى كلّ ما هو جميل فيها.
إنّ الحبّ يدعونا أن نتأمّل تلك العلاقات الإنسانيّة،وكم من المرّات اختفى العشق تحت مسمّى الصداقة،دون أيّ علم منّا أو بإذننا،شغف الكلام وتلعثم الحروف،رجفة الشفاه،انتفاضة القلب..
أليست كلّها علامات عشق في ثوب صداقة؟ نخفي عن أرواحنا ما يراه الكلّ عدانا..
أليس هذا عشقًا؟ يسأل الشاعر: أين كنت من قرع الأجراس هذه،وتلألؤ الماس في العيون،والتأمّل في الآخر؟!
نكتشف الإجابة في قصيدة الشاعرة التونسية الفذة أ-نعيمة المديوني من خلال قصيدتها العذبة "أنا العاشقة"
واذا ناديتك يا تائه في جنان بلا شذى
تعال هنا نجدد بنود الهوى
نسقي حدائقا سكنها البوم ونعق بها
نزرعها حبّا ووفاء
تعال اني بدونك ضائعة
ذبلت أزهاري وجفّ نبعها
فأضحت خالية من الحياة
لا تغري بالقبل ولا النّقر على الجمر
إن تعال هنا نزرع الحبّ في كلّ مكان
نبني لنا وطنا أركانه عُمدا
تعال
نشيّد صُروخا للأمل
نعلّي أسوار المدائن
تحضن أبناء الوطن
تحميهم من غدر الزّمن
تقيهم من شر أنفسهم
أنا العاشقة لك
أدقّ أجراس مدينتك
أهمس داخل روحك
تعال هنا
نبني لنا مسكنا
تحت سنابل القمح في البيدر
على أغصان الشّجر
مسكن يضمّنا والهوى رفيق لنا
مسكن صغير صغير بحجم السّماء
نأوي إليه كلّ مساء
باقة سندسن يفوح شذى مسكها
تعطّر الفضاء وتلهب الجوى
نجتمع هنا…على بساط الحنان
نشرب ما طاب لنا من أقداح المُدام
نثمل..ننشد مقاطع الهوى
تؤثّث شهرزاد ليالينا بمواويل الجوى
السّاهرُ بسحر الكلام يفتن قلوبنا
ألثم الحبّ من قلب هوى
والهوى بين أحضانك جنة ومبتغى
أسكنك
تسكنني
تناديني صبحا ومساء
أنيري دربي وعلّقي قناديل الجوى
ففي غيابك غاب القمر واكفهرّت السّماء
افتقدت البسمة والفرحة
يسمع السّعيد النّداء
يخفق طربا
أجيئك عروسا في ليلة دخلتها
أرتمي في أحضانك
أنهل من غرامك ما طاب لنا
أترشّف من كأسك شهدا زلالا خالص الصّفاء
أدفن أحزاني بين ذراعيك وانسى من انا
انا العاشقة لقلب
متيّة به لحد الفنا
يطول سكوني في حضنه فيخيّل إليّ
أنّ نبضي توقّف
أنّ رمسي منّي اقترب
آه من قلب سكنه الغرام فأضحى به مُبتلى
عشقت الليل
عشقت السّماء
عشقت الهوى
لأنّه الليل اذا استوى
لانّه المطر اذا تكرّم وسخا
روى الأراضي العطشى فتفتّحت أزهارها
هو أنا اذا جثم السّكون وولجت عالم الهناء

(أ-نعيمة المديوني)

إذا اعتبرنا الخيال عند افلاطون هو الجنون العلوي وان الشعراء متبعون وان الارواح التي تتبعهم قد تكون خيرة او شريرة،لكن أرسطو هو الذي اعترف لصاحب الحرف في قوة الخيال وبالمكانة اللائقة به واثنى على قدرته في المجاز واعتبر الخيال قوة وطاقة ضرورية في القول الشعري فحين نتعمق في النص الذي امامنا نحن اما ثنائية المجاز والعشق الذي دل عليه عنوان القصيدة فالشعر النثري لا يعتمد على التوصيل فحسب بل يسعى الى الجمالية اذ ترتفع بالذات الشاعرية عند معالي مصاروه بلغة رشيقة،وصور رامزة،وايحاءات كامنة في دلالات لا تخلو من فيض الاحاسيس والرؤى والخيالات القلقة التي تشير ولا تفصح والمدرك منها يكفي لفهم ابعاد الرؤيا وتحسس ما هجست به وعنه في معادلة بالغة العمق جوهرية الدلالة
..عاشقة متمردة وثائرة توشوش الغيم وتغني للسماء..
تكتب الشعر بانفاس حارة واسئلة عميقة عن ماهية الجسد والروح..
طفلة مصلوبة على حافة الشوق تشتعل كشعاع الشمس في خمرة البحر،تبوح في الحب رغم الغلاف التابوي المسلط على عناق الحب بسيف الخطيئة والقبيلة..
نعم نص حار بلغته وبأسئلته الكبرى والجريئة (أجيئك عروسا في ليلة دخلتها..أرتمي في أحضانك..أنهل من غرامك ما طاب لنا..أترشّف من كأسك شهدا زلالا خالص الصّفاء" وحرف حفيف ومشتعل كاشعة الشمس..
لغة متقنة وبلاغة صاخبة تزف الهوى على اجنحة الغمام،تكتب بضوء القمر ما تعثر من وجد في طوق اليمام وتغزل من سنابل وطنها( تعال..نشيّد صُروخا للأمل..نعلّي أسوار المدائن..تحضن أبناء الوطن..تحميهم من غدر الزّمن..)
ومن هذا السكون قصائد عشق صامتة رغم بوحها في اوردة الروح فيسيل الحبر الأحمر على قراطيس العشق المباح في الخطى السماوية ويحكي للعابثين بالحب وللراقصين على الجمر بان العشق كذب ان لم أمن بمن سواك..
هي لا تريد ان تدفن هذا الحب في طين الجاهلية في التوابيت فهي لا تخجل من ضوء الشمس وتغزل القمر لحنا وتطرز المغيب وردا..
على غرار رواد القصيدة الحديثة كأدونيس و أمل دنقل و صلاح عبد الصبور و محمود درويش وغيرهم،اقتحمت الشاعرة التونسية القديرة أ-نعيمة المديوني عالم الغياب و التشظي كمفهوم اكثر اتساعا وعمقا في شعرها وربطته بحياتها الواقعية،كدلالات تعبيرية ومكونا اساسيا وبعدا محوريا للأنثى من نسيج العالم الواقعي الحديث او المعاصر،واضحى وجودها الانساني كالاشباع الروحي مثلا،يمتاز بكونه حاجة ملحة،حاضرة،مبعثرة،متشظية وممزقة الأوصال ومشحونة بالتناقضات والمفارقات..وكذا أحكام المجتمع الذكوري،والقبلي..وهي بالتالي -كشهرزاد-لا تسكت عن الكلام المباح..إلا عند الصباح..(تؤثّث شهرزاد ليالينا بمواويل الجوى..)
فالشاعرة رسمت بالكلمات والعبارات صورا مخالفة لأسطر تعودنا قراءتها مما تؤدي إلى التأمل البصري التشكيلي الذي يستدعي وقوفا امام النص/ القصيدة مدة أطول،لتعيد القراءة مرات و مرات،لتجعل من القارئ شاعرا،يعيد رسم صور إن لم نقل تناصا خياليا،والهاما لإعادة صياغة قصيدة أو بيت على طريقته..
انطباعي الأولي أن الشاعرة أ-نعيمة المديوني مفعمة بالاحاسيس المرهفة والصادقة والمعبرة، وأحاسيس الحب الصادق،وللحب مصاديق كثيرة،قد نفصح عنها ونحن نقف في بعض محطات الحياة،وقد نكتم..الإنسان الرجل والانسان المرأة يسيران في هذه المحطات متقاربين أو متباعدين،فهما جناحا الحياة،وهما محور الحب في جميع درجاته،قد يسيران متحالفين متعاونين متحابين،وقد يكونان متعاندين أو متخاصمين،وقد يكون التعامل بينهما وفق معيار المالك والمملوك والسيد والعبد،فقد تدفن امرأة حيّة مع زوجها المتوفى كما في بعض البلاد الأفريقية،وقد يتكلمان ويتفهمان أو يلزمان الصمت،وأحيانا يعطي الصمت إشارات أبلغ من الكلام،وقد يكون الصمت قاتلا.
يشكّل موضوع الحبّ محوراً أساسيا في هذه القصيدة بحيث يتجلّى بأبهى صوره وتبدو المرأة إطاراً لهذا الحبّ،وتقارب الشاعرة علاقة المرأة بالرّجل على أنّه حمايتها وهي تقدّم له الحضن الدافئ الّذي يدحض هذه القوّة الّتي لطالما طبعت صوره بها.فالمرأة هنا هي الأمّ والابنة والطفلة..والعاشقة حد التصوف.من هنا يتدرّج الوعي عندها عبر المراحل الزّمنية أو العمريّة.
كما تقدّم الشاعرة قصيدتها انطلاقاً من رؤية جماليّة تعبّر عن حياة شخصية "امرأة متخيلة" تعيش حالات عشق في قصيدتها وحضوراً للذات فيها.وتتدرّج القصيدة من الواقع المعاش إلى تخيّل الشعور بالامتلاء من اللحظات الفارغة،وعلى هذا النحو،يصبح العشق بالنسبة إلى الذات صلاة مدرسة وتعليماً وتواضعاً وامتلاء يغطّي الجزء الناقص من الإنسان وهو حرّيّة بل هو نور وسراج.
أ-نعيمة المديوني بلغتها الشاعريّة وألفاظها القريبة إلى الأذهان كقصيدتها استطاعت أن تميّز قلمها للتعبير عن هذا الزّخم من المعاني بطريقة إبداعيّة مجسّدة تصوّراتها وأحاسيسها الّتي انطلقت من الذات إلى العالم في سياق شعريّ جميل.وقد عمدت إلى السرد الّذي تطرز بالشعريّة العالية الّتي صنعتها الاستعارات.
يبقى من الحقّ أن نقول"أنا العاشقة"هي قصيدة الأثر الجميل على نرجس القلب..في زمن تكلست فيه المشاعر..بل هي رسم بالكلمات..وأناشيد-صوفية-على ايقاعات العشق..
تحياتي للشاعرة التونسية المبدعة أ-نعيمة المديوني.
أدعو لها إلى مزيد من الإبداع،الإشعاع والتألق..
وأخيرا أهدي لشاعرتنا أبياتا جميلة للشاعر أبو الطيب المتنبي،أرى أنها قريبة المعنى والمقصد من قصيدتها:
أبلغ عزيزا في ثنايا القلب منزله أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه"
وإن طرفي موصول برؤيته وإن تباعد عن سكناي سكناه
ياليته يعلم أني لست أذكره وكيف أذكره إذ لستُ أنساه
يامن توهم أني لست أذكره والله يعلم أني لست أنساه
إن غاب عني فالروح مسكنه من يسكن الروح كيف القلب ينساهُ؟"
ولنا عودة إلى تجلياتها الشعرية الخلاقة عبر مقاربات نقدية مستفيضة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا