الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


* من القص الواقعي: دمي أسمَرْ من لون الحريق …

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2023 / 10 / 24
الادب والفن


*كتب:لخضر خلفاوي*
—-
كنتُ أهشُّ على وجع القضية الإنسانية الذي كان يرقص رقصة "الطونغو" أو "السامبا" على نخب دمي الأسمر في ألباب روحي و وجداني و صور بشاعة الإجرام الصهيوني في فلسطين بالضفة و القطاع تَؤُزُّ الجرح العربي في أعماقي أزّاً…
و أنا أحاول تحرير مادة لنشرها تتعلّق بسابقة محاولة اختراق ( سيرفير) صحيفة -الفيصل - من قبل ( فيروسات رقمية شرّيرة ، خبيثة ) و ضارّة الهدف منها زعزعة صيرورة و ديمومة صحيفة ( الفيصل) من باريس …
كنت كعادتي مرابطا داخل (المطعم/المقهى) ، محلّي المعتاد في أحد أركاني، و إنّي أعلمُ كل الأركان هشّة و لا يُعَوّل عليها .. فقد تتهاوى في أيّ لحظة و في أيّ زلزلة غير متوقعة؛ إلا رُكن الإيمان الحقيقي فحصونه منيعة إذا باركتها عناية الرّب! على طاولتي أجهزتي و أغراضي الشخصية و شاشة الجهاز -التُّفّاحي- الأمريكي الصنع مستحوذة على كل اهتمامي و تركيزي ، بينما كان رجلُ ستيني اعتقد أنه في عمر الخامسة بعد الستّين يلتفت باتجاهي .. كان يستدير نحوي بشكل مكرّر أزعج خلوتي نوعا ما ؛ كانت في كل مرة استدارته برأسه نحوي و رشقه لي بنظراته التي فيها نوع من التعفف و التّردّد و الجدية في آن .. كانت توهمني أي تلك النظرات ليست موجهة لي بل إلى وجهة من خلفي .. فأحاول التأكّد من رميات نظره المُضلّل لإدراكي فاستدير أنا بدوري فلا أجد هدفا معينا كأشخاص أو حدث ما من شأنه شدّ انتباه و استدارة هذا الستيني نحوي و نحو كل الفضاء الذي يبدأ من حدود طاولتي مرورا إلى نهايات القاعة الكبيرة خلفا إلى غاية مدخل المطبخ . لم تكن استداراته نحوي التي تحمل شيئا من الحيرة و طلبات تكاد أن تموت أو تُقمع عند حواف شفاهه فلا يجرؤ على التصريح بها و هو ينظر إلى هاتفه الذكي .. يقلّب فيه تارة ثم يتركه تارة متأفّفا بلطف.. يُعيد و يدير رأسهُ يمنة و شمالا دوران الحائر من أمره !.. قلت في نفسي لا يجب أن اهتم بما يريد و يومئ به هذا الستيني من خلال حركاته .. و واصلت في جمع شتات أفكاري للموضوع الذي شرعت فيه …و قد بدأتُ ارهاصات أفكاري بشعب الشتات هناااااك حيث هدّم الدير على رؤوسنا شعب موسى من بني إسرائيل و هم مثلما كانوا متنادّين أندادا لله و لم يدخلوا الباب سُجّدا مثلما أُمِروا و لم يقولوا حطّة تغفر لهم خطاياهم و فسقهم و جرائمهم .. هم قوم يحبون الخطايا و الفساد في الأرض.. يا شعب فلسطين لا تُعوّل على العرب و لا تعتدّ بالخائنين اذهب أنتَ و ربّكَ و قاتلا إنّ بني إسرائيل دخلوها و استعمروها -أبدًا - و أمداً و نحن -هاهنا قاعدون، و إلا لستم بالقوم الجبارين ؛ وسوف تُقطّعُ أو تصفّد أيدينا و أرجلنا من خلاف كالنّعاج أو نُنفَى جميعا من الأرض؛ إنّها القدس حُرِّمت علينا سبعين عاما .. بعضنا تاه قسرا في منافي شتات الأرض و بعضنا الآخر بين تهجير و مخيمات و تقتيل -!
**
و بينما أنا في أوجّ العمل و التركيز ، فإذ بالرجل يأتيني في حركة منتفضة و سريعة و هو يُحَيِّيني بسرعة المضطرّ و يلقي عليّ السلام بلباقة ملفتة جدا و بيده هاتفه منتصبا بمحاذاة طاولتي .. فتوقفت عن الشغل و بادلته التحية ، كان مرتبكا و هو يريني هاتفه و علامات الانزعاج و القلق من مشاكسات تطبيقاته له فكان في حيرة من أمره !..
توغّل هاتفه المحمول الذكي الذي يبدو حديثا و أخذ يريني شارحا معضلته .. كان في اعتقاده أن حسابه البريدي الجديد على جوجل هو سبب اجتياحه بمناشير غير -مرغوب فيها -، مناشير هاتكة للحياء و الحشمة !..
كان يشرح لي حسب اعتقاده أنه مذ أن اشترى هذا الهاتف و فعّل حسابه على "جوجل ماركيت"، باستحداث بريد إلكتروني جديد و هو يعاني سطوة الإعلانات الأيروسية و البورنوغرافية !…
و أنا أحاول استيعاب مشكلته تقنيا كان الرّجل محرجا منّي و يحاول أن يجنّبني -إحراج- محتوى ما يتهاطل عليه من إعلانات ذات الطابع الجنسي و الأيروسي المحض !
احترتُ من أمره و لم أفهم منطقه في الأوّل فأسرّيتُ لا إراديا إلى نفسي باللهجة الفرنسية :"
‏C’est un énorme bordel sans nom!
(إنه ماخور مهول بلا اسم !).
كنتُ أقول في نفسي حسب باعي و تجربتي في المجال؛ لا يمكن لهذا الستيني المغربي تعرضه لهكذا هجومات و اجتياح لملفات رذائلية بمحض الصدفة أكيد هناك تفسير ما لما يحدث له من اغتصاب فضائه الرقمي الخاص ، احتمالين لا ثالث لهما و العلم لله ! ، إمّا أنّه تمّ الولوج عن قصد أو غير قصد -خطأً- إلى هكذا منصّات و تمّت خواريزيمياتها لهذه الجهات الرقمية اقتفاء بصماته و آثاره الرقمية بتسجيل و حفظ ( هويته الرقمية، أقصد هوية جهازه المحمول )، و منه تمّ التركيز عليها بإرسال هكذا ملفات إباحية كشخص مستعمل مستخدم و كمنتوج في آن.. نحن منتوجات تُباع و تُشترى في سوق النخاسة الرقمية و لا ندري أو نتجاهل ذلك ! فهكذا تعتمد و تشتغل جلّ البرامج الرقمية و التطبيقات من خلال برامجها و خواريزمياتها و تسليط ( الكوكيز cookies ) على أجهزة المستخدم للشبكة !
أو -الاحتمال الثاني - أنّ جهازه تعرّض إلى اختراق -عشوائي - دون قصده تحديدا من خلال إرسال و تثبيت خواريزميات دائما بنفس التقنيات و البرامج الخاصة حيث تعمل هكذا برامج التي تشتغل في ظل برنامج الجهاز غير مرئية و لا مُدركة ( مخفية تماما بالنسبة لصاحب الجهاز المتصل على الشبكة ) لكي تحصد ما أمكن من معلومات شخصية للمستخدم و من بعد ذلك تبيع هذه المعلومات لشركات و مؤسسات تجارية افتراضية الوجود في مختلف القطاعات لاستخدامها في إمطاره بالإشهار التأثيري أو لاستعمالها من قبل جهات رقمية مشبوهة لانتحال شخصية كل مستخدم مختار عشوائيا و توظيفها في فتح حسابات بنكية و إلى غير ذلك من السيناريوهات المتعلقة بالجرائم الرقمية …
كنتُ أحاول الولوج لهاتفه من خلال ما أشار لي صاحبه و هو يعتقد بشكل شبه حازم أنّ سبب مصائبه بدأت من خلال عنوانه البريدي المُستحدث على برنامج جوجل و هو يكرر و يعيد مشيرا بسبابته : "هذا ال M هو سبب كل المصيبة هل بإمكانك يا أخي حذفه نهائيا ، لستُ بحاجة إليه ، لديّ علبة بريدية قديمة -دمّر إن استطعت - هذه العلبة نهائيا و اكفِني شرّ هذا الصداع !".
-حرف ( M) كان أعلى الشاشة (العلبة الإلكترونية ) يرمّز بروفايل الرجل كونه أوّل حرف اسمه من خلال العلبة المنشأة تستخدم آليًا الإسم الذي صرّح به (Mohammed ) …
فامتثلت باستحياء كبير حسب رغبة الرجل و بدأت أحاول فهم آلية اشتغال هاتفه ( الأندرويدي) كوني لا استعمل هكذا هواتف بهكذا نظام ، أنا من الأوفياء مذ القرن الماضي لمنتجات ( التفاحة) مكتبية كانت أو محمولة .. ربما تجربتي الإعلامية في بداياتها هي التي أوقعتني في حبّ منتوجات التُفّاحة الأمريكية … في حين في بلادنا العربية عاجزون على انجاز ( شقّ تمرة ) لأمر يخلصنا من تبعية الغرب رقميا و ماديا ! يا الله ماذا لو لم ترزق العرب بالنخيل و التمر! نحن أُمّة مبدعة في الدعاء لا في - العمل - في مسببات استجابة السّماء لأدعيتنا المبتذلة!
-كنتُ أحاول التركيز في إيجاد حيلة تقنية و محو حساب "محمّد" الإلكتروني الجوجلي حتى يطمئن قلبه، و لا تنتهك خصوصيته و حياؤه بصور و فيديوهات تهطل عليه هطولا بأصواتها و إيماءات و تأوهاتها في كل وقت و أنا أحاول أتخلّص من طلبه و لو أنّي كنت أشك في بريده الإلكتروني أن يكون سببا لوصول هكذا غزوات خوارزمية مزعجة و غير مرغوبة .. لم أكن أخفي توتري بعض الشيء ؛ كوني تركت عملا تحريريًا بدأته و عليّ إتمامه ، فورائي التزامات لم تنته فور إنهاء خلوتي الاستراحية . و أنا أحاول فحص تعديلات هاتف الرّجل فإذ بي أسمع صوت من خلفي غنائي.. على بعد طاولتين كان أحدهم و صديقه يتصفح النيت مستمعا لفيديو يوتيوب أو أغنية للعظيم ( عبد الوهاب الدّكالي )… أُغنية ليست ككل الأغاني لأنها اعتبرها رائعة فنية عربية من أروع ما أنجزه الفنان المغربي و هي أُغنية ( مونبارناس /مونتبرناس
‏ Montparnasse).. هي منطقة مشهورة في باريس و كانت و لا تزال وجهة كل الأفكار و المشاريع الفنية السينمائية و الأدبية و هي حاضنة أشهر و أعلى برج باريسي. عندما أمرّ بها أتذكّر عبد الوهاب الدكّالي و أغنية ( مات خويا يا بويا ) .. و أرى على واجهاتها الزجاجية العارجة إلى السحاب وجه أبي و جملته القصيرة المُطلقة من أعماق ماضيه بغصة عظيمة  مونبارناس ! مونبارناس يا حسراه!!).
و كأنّه تمّ اختطافي في ثانية من خلال هذا النغم ، فهذه الأغنية و ما شابها للموسيقار الكبير الدكالي كانت تشكل رفا من رفوف مكتبتي السمعية الفنية في الألفية الفارطة و أنا في ريعان الشباب …
"مونبارناس، الدكّالي" فيهما -بعد تلك اللحظة - ملامح والدي و غصّته … غصّته لم تفارق مخيالي و ذاكرتي أبدًا ..
كنتُ استمع لهذه الأغنية فإذ بأبي يحضر و يقتحم مجال غرفتي ، كان يريدني في أمرٍ ما و بدلا من الإعلان عن حاجته سرقه و أسره مثلي إيقاع و كلمات الدكّالي و سرح بنفسه بعيدا عن فضائنا .. و قد مرت سنينا طويلة على عودته النهائية إلى أرض الوطن من فرنسا و من ضواحي باريس .. ثم يستدرك نفسه و ينظر إليّ بتنهيدة و غصّة تكسر سقف البيت و الغرفة :" إيه ! مونبارناس! يا حسراه ! مونبارناس !!"… أُوقف بعدها جهاز (الراديو-كاسيت) .. و انصت إليه ..
فدون أن أسأل والدي عن حسراته و عن تلك الغصة المرئية على وجهه الذي فجأة اكتسب مسحة حزن تسوّد كل مروج و خضرة حقول (مسكن الكاهنة) بلدتي الصغيرة …كنتُ استقرئ وجه أبي من دون أن يتحدّث ..
-مذ ذلك التفصيل لم أصبح مُحبّاً لأغاني عبد الوهاب الدكّالي فحسب بل أصابني مسّ بتتبع جديده، فكلما استمع مونبارناس -الأهوالية-*أو ( مرسول الحب ) أو القاتلة جدا ( كان يا مكان ).. آه من يا كان مكان ! كنتُ و أنا استمع لها أتخيّل نفسي في قصة الأغنية ذلك العصفور الأخضر الزائر الذي يحط كلّ صباح على تلك الشجرة المتشابكة الأغصان التي نبتت على آخر صورة استشهاد الحبيبين العشيقين على القبر الموحّد الذي وُئدا فيه ظلما و حيفا.. تتلبسني حالة ثانية تجعلني أنا في ( أنوَات و أنّات موازية تتطاير في سماء الخيال كالألعاب النارية في الأعياد الاستقلالية الوطنية) تسبح في عالم ميتافيزيقي أو برزخي .. انتشي بكل أحزاني و أفراحي و أنا أنصت إلى هذا العملاق علماً أنّي لم أدخّن حشيشا يوما في حياتي عندما تسكنني أنغام و كلمات هذا الفنان الشامل أتمنى أن أضرم نفسي في سيجارة " حشيش " طولها بطول الحغرافيا الاستعمارية و الحدود اللي تفصل كلّ من الشعبين الشقيقين .. سيجارة " حشيش أخضر" مغربية أصيلة ، كمنتوج خام من حقول الكادحين من الرّيف المغربي ثم أصاحب إيقاع و قصائد الدكّالي كما كنتُ أفعله في السابق مع إيقاع و قصائد ( ناسْ و -نساء- الغيوان) الفرقتين الغنائية الموسيقية المغربيتين الأسطورتين في ذلك الطابع المغربي المميز .. أتماهى كما السّكران و ما أنا بسكران و روائع و وصلات هذا المبدع . كنتُ أقول كيف يكون حال الخِضر و هو يدخّن حشيشا طبيعيا أصيلا !!؟ حتما سأُزهر و أُثمر مزارعا و سهولا خصبة من أثواب سندسية خُضرٍ استبرقية في وعي الكادحين و المظلومين و عشّاق الحب العذري الطاهر من الفقراء !!
***
*/في مونتبرناس مات خويا يا بويا
برصاص قناص عنصري يا بويا
بالحقد اعمى
- في مونتبرناس مات خويا يا بويا
سال دم أحمر دم أحمر
وبكات طيور الفجر.. طيور الفجر
ودم خويا يا بويا ..انو عربي عربي
ولونه أسمر
شحال يقدني نحكي ونعيد
وفي كل مرة يموت فجر جديد
تغيب الڨمرة تغيب ويتأجل العيد
/
كلماته جعلتني اضطرب و اهتز بشكل عميق و أنا أتظاهر أنّي مركّز مع ترتيبات هاتف الرجل الستيني الذي يريد أن أُخلّصه من غزو ( الصور و الفيديوهات الإباحية بأصواتها و أشكالها المختلفة)
/شحال من مرة يقدني نحكي ونعيد
وفي كل مرة يموت صبح جديد
تغيب الڨمرة و يتأجّل العيد
شحال يقدني نحكي ونعيد
وشوارع الغربة يا بويا تحولت جليد
والعنف يصنع اللعبة
وفي كل ليلة يقتل شهيد
وفي مونتبرناس مات خويا يا بويا..
قطار يا بويا يرمينا لقطار
وفي كل محطة تأشيرة وشك وانتظار
و مطار يودعنا ويستقبلنا مطار
عايشين دائما في حالة فرار
التيه يرافقنا والخوف يطاردنا
يا يمّه يا يمّه غلبني الشوق
يا يمّه وحشني هوى البلاد/
-لا أدري كيف وقعت في فخ و طلسم هذه الأغنية و صارت لي معها خلفية عميقة من شأنها إحالتي إلى كم وجهة تاريخية من سيرتي الذاتية و كنت استمع إليها بقطب من أقطابي الذهنية المتعددة قال عنها أطبائي مختلة و مضطربة و أنا أحاول تخليص الرجل من سطوة
الأجساد العارية ، و الصراخ و الفروج العارية .. لستُ مخطئا لما عمدتُ مذ سنوات على تكثيف غرس و زراعة شجيرات التوت في حديقتي !
رُبّما الوضع المأسوي في قطاع غزة و الأراضي الفلسطينية المحتلة و العداء المتنامي للمسلمين العرب في فرنسا هذه الأيام كثّف من بؤرة الحزن التي تستوطنني مذ عمر بدأ يبلى من بلاوي الدّنيا ؛ فكلانا مستوْطَنان بكيان غاشم لا نرغب فيه و لكننا مجبرون في التعامل معه و التأقلم لوجوده إلى حين إيجاد حيلة لاستئصاله و التحرّر من سطوته و جبروته .. كل كيان خارجي لا يجب مهادنته بل يجب إيجاد وسيلة و حيلة للتخلص منه !
لذا تقتلني -تنغيمة-*( مات خويا يا بويا !)…
/أنا عربي عربي ولوني أسمر شحال يقدني نحكي ونعيد وفي كل مرة يموت فجر جديد
تغيب الڨمرة تغيب ويتأجل العيد!!؟/
**
-هاكْ أَخويا ! تفضّل لقد خلصّتك من هذا الصندوق البريدي الذي تراه سببا في اجتياحك بالصور و الإشعارات الإباحية.. لقد حذفتُ حسابك من ( الجيمايل) عسى أن الأمر لا يعاودك و لا تتعرّض لهكذا اجتياح إباحي يغتصب راحتك النفسية و خصوصياتك ..ثم سلّمته هاتفه و علامات البشرى انزرعت للحظات في وجهه !
-تشكر يا خويا ..الله يبارك في اللي جابك ! اسمحلي اذا عطلتك عن شغلك ! والله هبّلني هذا الهاتف منذ يومين بعد شرائه !..
-إن شاء الله خير ! ربي يسهّل !
و قبل أن ينصرف و يغادر حواف طاولتي و مجال خلوتي، راح الرجل الستيني قبل ابتعاده عني يحاول قطع الشكّ باليقين و يتوغل ثانية مكتب جهازه المحمول ، و يا ليته ما فعل ، فإذ به يُصعق بالجنس البواح ، كأنه كان يحمل ماخورا يدوياً ( و لا أدري ماذا فعل و ماذا نكز هذا الرجل حتى يرفع عنه مرة أخرى الحجب عن حقيقة التفّاحة اللئيمة !) .. قد يكون الفيروس قابع في برنامج أو تطبيق ما جعله يجتاح دون رادع شاشة هاتفه مشهدا آخرا - مُجلجلاً- بصوره و أصواته الجنسية مظهرا بشكل مباشر عملية جنسية، نِكاحية مشتدة الوطيس ، مما جعل من بعض الزبائن القريبين منا ينتبه لأصوات العملية الجنسية المنبعثة من جهاز خويا المغربي الستيني كانت تنقص فقط الرائحة ، رائحة الجنس و تكتمل صورة بهدلتنا العلنية! .. لحظات عصيبة واجهها .. كان كله حرج و ارتباك و مرر إليّ حرجه و ارتباكه ..
-فقد كل السيطرة بسبب صدمته و تفاجئه مما حدث و بدا عليه ذلك الأحراج العظيم فاعتقد أنه كان يتمنى أن تُخسف به الأرض و لا يقع في هكذا اح-راج!.
-يا حفيظ ! الله أكبر ! ما هذا الصّداع تاع الراس !!
لا أدري أي رأس كان يقصد خويا المغربي ! كل ما كنت أعلمه أنه اِلتَهَمَ ثوان طويلة قبل أن يسدّ فم الرذيلة و الإباحية المنبعثة من شاشة هاتفه ( الذكي )!.
-اسمحلي يا ولدي ! اسمحلي يا خويا ! اسمحلي ! حاشاك ! ما أردت أن اقتحم خلوتك و أُقحمكَ في هكذا صْداع الراس ! الله غالب ! ما نعرف واش بيه هذا التيليفون المسخوط ! داباَ نروح لمولْ المحل اللي شريت منو و و نقولو ايْحَيّدْلِي هذا الزّبَلْ حاشاكْ!
-قلت له و أنا أضحك من سخرية التفصيل و اللحظة لا عليك ! لا تحمل همّ ! اعتبره فاصل ( موسيقي) حضر في وقته لقطع حزننا و أَسانا بسبب ما يحدث الآن في الأرض المحتلة الفلسطينية و خاوتنا الرجال و النسا و أطفالهم يموتون برصاص القنّاصة الصهاينة الكفرة ، و إسرائيل تنكح فينا جهارا نهارا و تغتصب شرفنا و تنتهك حرمات أرضنا و القدس و أرواحنا و لا أحد استحى من الأنظمة العربية العميلة ! أليس أفضل و أهون قنصنا بالأثداء و الأرداف و الصراخ الجنسي فلمَ الخجل و نحن ينكّل بكرامتنا كالقرود في أقفاص السيرك و الكلّ يتفرّج ! و لو أنّي أصبحت أشك فقد يكون و محتمل أنّ هذا الهاتف كان مملوكا ً من قبل شخص آخر قبله و لم يتم محو كل الترتيبات و التعديلات و جعله خاليا من أي برامج إضافية .. هاتفك بحاجة إلى تبييض سيرة ! روح يا خويا "محمّد" .. ربي معاك ! عسى أن تجد حلا لهاتفك لدى البائع .. لا تخجل من هاتفك و مما سببته اختراقات الخواريزمات الآثمة له، علينا أوّلاً أن نخجل من إنسانيتنا كعرب و من حالنا يا خويا .. أضعنا كل شيء ، الاوطان ، العقيدة ، الحاضر و المستقبل .. نحن نطاف أمة مشوه كَبُر و نما في مستنقع ثقافات هجينة دخيلة و أصبحنا ككائن ميت الضمير و العقل ! لمَ الخجل إذن !!
عند انصراف الرجل بقيت لوحدي في ركني مشوش و ملتبس المشاعر و الحالة النفسية و أنا أردّد في خلدي استحياء من العامة الموجودين في القاعة ، فلا مبرر للتفوه بالوقاحات العلنية و لا مبرر و لا حاجة لي في ( التبذُّء)* بالقول ) :
-نكْحونا اليهود الصهاينة يا يُويا في العراق ، في سوريا ، نكحونا يا بويا اليهود الصهاينة في لبنان ، في ليبيا ، و نكحونا يا بويا اليهود الصهاينة في القدس ، الضفة و في القطاع .. نكْكْكْحووووونا اليهود الصهاينة غصبا و كل شيئ انتهى و الشرف مات و ضاعْ!!
-أفقتُ من غيبوبتي اليقضوية* و بدأتُ أشكّ في نفسي و أنا أرى أحدهم يسترق النظر إليّ ثم يطأطئ الرأس .. هناَ بدأتُ أسأل نفسي بشيء من الذعر الداخلي المكتوم مُجهداً ذاكرتي بحكم مرضي المزمن الانتكاسي المتعلق بالنسيان : هل كنتُ أردد في خلدي ما كنت أُردده من سخط سفاحي أو خيّلَ إلي من فرط غضبي أنّي أحدّث نفسي لكني كنتُ أتحدث مع نفسي جهراً و بصوت مسموع !!
لقد نسيتُ حتى المادة التي كنتُ قد شرعت في تحريرها و نسيت من أين انتهيتُ حتى أبدأ ، و نسيتُ أفكارًا مهولة متعلقة بتلك المادة التي حضرتني قبل أن يقطع ذلك الرجل الستيني خلوتي !!..سمِعتُ لغط أحدهم و هو يمازح صاحبه عند مخرج المقهى :" يا العارف و الرّاي تَالفْ .. تروحْ حتّى للبحر و تَلْقاهْ ناشفْ!"..
-قتلتني هي الأخيرة من العِبارة الجزائرية المثبّطة في ديار الغُربة و أنا في كل حالات إفلاسي .. هل مُتُّ يا خويا؟! .. هل مُتُّ!!.. كنتُ أُهلوِسُ تطيّراً بمثل ذلك الزبون المنصرف في صمتي قبل مغادرتي الرّكن !!"…
—-
***): هي مصطلحات و استعمالات لغوية سردية خاصة بالكاتب ( حصرية ).
باريس الكُبرى جنوبا
21/10/23








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟