الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواجع الحرف..وأوجاع الكلمة..في ابداعات القاصة/الشاعرة التونسية القديرة-سعاد عوني- لديك..فائض من الرؤى-نموذجا-

محمد المحسن
كاتب

2023 / 10 / 24
الادب والفن


قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ الشاعرة والقاصة التونسية سعاد عوني تمتلك مفهوماً خاصاً للقصة،النص القصصي بنظرها هو عالم مكتمل قائم بذاته،مكانه وزمانه وقوانينه الخاصة به التي تحكمه،كما يمتلك فن القصة أطراً ومحدِّدات تتميز بها عن باقي الأجناس الأدبية،فأساس القصة هو فكرة تتناول اللحظة المعيشة وتحكي أفكار أبطالها وهواجسهم ومخاوفهم في لحظتهم تلك بلغة مرنة بسيطة سلسة متدفقة خالية من التعقيد،معتمدة في هذا على أسلوب التداعي الحر أو المونولوج لصياغة حوار الأرواح وترجمة الأفكار إلى كلمات،أما نهاية القصة فتكمن وراء انتهاء اللحظة التي يعيشها البطل،وما بعد ذلك يُترك للقارئ أن يختمها بنهاية تتفق ورؤيته الخاصة به،فالقصة لا تسرد واقعاً معيشاً تقودنا أحداثه إلى نهاية نتلهَّف إلى معرفتها.
القصة القصيرة جداً،تراها الأديبة التونسية القديرة-سعاد عوني-لهاثاً لكل شهقة تليها ومضة تترك أثرها حبراً على الورق،ولم يدفع الكاتبة شيء محدَّد إلى فن القصة القصيرة جداً،فتقول في مقابلة شخصية معها "لا أتخذ قراراً أني سأكتب الآن عن كذا..بطريقةٍ تسمى كذا..أو أرسم موضوعاً قد استقرّ بفكري مسبقاً،هي الكلمة تختار طريقتها بإرادتها الخالصة،كي تصل إلى روحي أولاً،لتتبلور في عقلي فكرةً ثانياً،ثم تأخذ بعد ذلك شكل الكلمة على الورق،فالكلمة هي سيف العقل وجسد الفكرة،وهي وعي وحياة توهب من خلالها،وهي القادرة على التغيير،والكلمة هي بذرة نزرعها في قلب الإنسان وروحه،نرعاها لتنمو وتغدو شجرةً تثمر أفكاراً،تتحوّل بالعمل وبالجهد وبالمثابرة إلى حقائق تغيّر واقع حياتنا إلى ما يناسب حياتنا الآن".
والجدير بالرصد كذلك أن اللحظة البؤرة أو الموقف الدرامي الواحد يمثل النبع الحيوي الذي تُستمد منه طاقة الحكي.حيث تتكاثف العبارات تدريجياً باحتشاد لغوي ودلالي،وتصعيد متدرج محسوب،وبإيقاع سردي نشط حتى تصل للحظة الكشف الباهرة،والتي هي لحظة الإفصاح كما تتجلى في العبارة الختامية في نهاية الشذرة،التي تومض كأنها لغز يغامز ذهن القارئ.وهي خصيصة تسخرها القاصة لتأثيث نصوص ذات طبيعة وصفية ومشهدية،حيث تتم مراكمة الجمل مع تفعيل عنصر الحذف الضمني،ليقوم بوظيفة مزدوجة حيث يعمل على حشد الحكاية في بؤرة مركزة،والدفع بعجلة السرد،مع إبقاء خيط السرد مشدوداً إلى نقطة مركزية مفردة.
في الختام تمنياتي لهذه القاصة والشاعرة المتميزة -سعاد عوني-مزيد التوفيق والسداد في نتاجها المقبل،و أنْ تُبصر بحكمة حرفها ووعيها الثقافي وخيالها الإبداعي هذا الوجود والفضاء الرحيب..لتثري المكتبة بمؤلفاتها القيّمة،وتدهش القارئ أكثر لتذيب صقيع بعض العقول لتُعاد عملية انصهارها الخاطئة،كي تتخلص من كلِّ ما هو شائب وإنْ كانت مستحيلة هذه التنقية التامة.
لنتأمل معا-بعين بصيرة-اللوحة القصصية التالية بإمضاء القاصة/الشاعرة سعاد عوني ولكل منا حق التفاعل والتعليق:
لديك..فائض من الرؤى
خلف سياج الذاكرة توسلت لأمي كي تصف تفاصيلي عندما كنت صغيرة
قالت :
كنت تبكين في كل عرض تلفزي حزين وتدندنين مع عابري السبيل والمتسولين
لله ما تعطي وبالله ما نأخذ..وفي الله ما تسأل
كنت ترقصين مع الفراشات وتغضبين من هروبها عنك،وعندما لا تترك أثرا فوق ازهارك وبخاصة زهرة التوليب المحبذة لديك..كنت تفتحين ذراعيك للمطر وتبللين رؤوسنا..وتطلبين منا ان ندعو لك ولأخويك..
كنت تدونين في دفاترك أسماء البلدان وحكامها شعرائها كتابها وتواريخ الحروب..
كنت تحبين درس التاريخ وتطلبن مني ان أراجع معك أهم الحقبات..وتقولين لماذا يخسر العرب كل المعارك و هم أسياد وشجعان..لماذا تنقلب الموازين ضد العرب فقط...؟!
وتمطرينني بالأسئلة الشفيفة..
ماذا لو ننتصر..ماذا لو نحكم العالم من جديد..ماذا لو نعيد ترتيب الخرائط..ونقود من جديد.ماذا لو يحكمنا أبو الطيب،ويرتب أفكارهم ومن ثم سياساتهم مثل ما يفعل معك..
كنت تستيقظين باكرا وترسمين كلمات طويلة وتضعين لها عينين حتى لا تسقط في معنى وهي في طريقها إلى معانيك الحالمة..
كنت تكسرين خاطرك وترفضين أي مجاملة ولا "أجر" عن كل انجاز تتقنينه في البيت او خارجه..
كنت تخشين اليقين التام والاحكام المسبقة والكلام الغامض.. وأيضا الأخبار المؤلمة..
مرة وانت نائمة كنت تقولين لكلبك :
خذ هذه النقود واشتري سمكا ونقانق لك..ولديانا كلبتك..ولجراك...
والباقي اشتري لي بها حلوى..
كنت دوما ترددين..نكون أحرارا..أبطالا..ولا نكون طغاة او ضحايا..
كنت تسبقين أقرانك
بكثير من الرؤى والاحلام..ولديك إلى الآن فائض من الرؤى لازال أمنيات..
سعاد عوني
ندرج هذه القصة ضمن ما اصطلح عليه بالأدب الوجيز فهي في نظري قصة قصيرة جدا لأنها استجابت لكل خصائصها وشروطها المتفق عليها بدْءًا بالعنوان واختتاما بالقفلة النهائية. وضعت الكثير من المقاييس والشروط للقصة القصيرة جدا يمكن أن أشير إلى أهمها.فهي جنس أدبي سردي يقوم على أركان جوهرية أهمها: الثنائية والمفارقة وتتمثل في وجود عالمين متقابليْن أو حالتيْن تقومان على التضاد والتقابل.كالحلم واليقظة أو تبنى على المعنى وضده إلى غير ذلك مما تتسع له الصور الحقيقية أو المجازية.كما يتطلب هذا النوع من القص التكثيف واجتناب الشرح والتفصيل مع انزياح المعنى والقصد إلى الإدهاش والمباغتة النهائية دون نسيان الاتكاء على التلميح والرمز الخاطف واللغة المحفزة للمتلقي على التفكير والبحث. والمتتبع للقصة القصيرة جدا ” لديك..فائض من الرؤى” للكاتبة المبدعة سعاد عوني سيتبين ذلك فهي قد أولت قصتها أقصى العناية منذ العنوان فهو لبنة مستقلة بتركيبه اللفظي عما ورد في النص من مفردات إذ لم يتكرر لفظا ولا اشتقاقا ولم يكشف مضمون النص بل تركت للمتلقي حق الاكتشاف ومتعته..
ختاما أقول : سعاد عوني قاصة مختلفة وحرفها له عطر مميّز.تضطلع برسالة الخطاب السردي الحداثي على أحسن وجه فبوّأها مكانة لافتة ويُشهدُ لكتاباتها بطابع القدرة الفائقة على التبليغ بأجمل الأساليب التي أثثتها بالتشويق ورصعتها بأجمل الصور.لغتها مشفرة تستفز المتلقي وتدعوه إلى تجميع ما تفرّق وإعادة تركيب صورة ساهم في بنائها وتذوق ما التمع من آيات الجمال بين سطر وسطر وفكّ رموز ما دسته من شيفرات بين مقصد وإيماءة أو تلميح حتى لا يكون القارئ مجرد وعاء يفرغ فيه الباث ما لديه من بوح،بل إن القاصة سعاد عوني تؤمن بما للمتلقي من قدرات على الاستيعاب ومشاركة قلمها التحليق في فضاء سردىٍّ رصّعته بشعريّة لغويّة عالية الجودة.
هذا ما تبينته من خلال اطلاعي على بعض إبداعاتها المختلفة،وفي هذا المقام حاولت استنطاق قصة ”لديك..فائض من الرؤى ”لعلها تجود بكنوزها المخبوءة..وتداعب بالتالي الذائقة الفنية للمتلقي الكريم.
وأخيرا..القاصة سعاد عوني تحمل في أعماقها هاجس الإبداع،تحاول بكل ما لديها من جهد وحنكة إبداعية،أن تأتي بالجديد المدهش الصادم لوجدان و فكر القارئ..
في جوفها قلق أدبي تحاول تسكينه بجرعات متتالية من حبر قلمها المتدفق..تجتهد في صياغات أدبية راقية دون الوقوع في تقليد الآخر..
لها مني باقة من التحايا مفعمة بعطر الإبداع في تجلياته الخلاقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا