الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطفال غزة: المجهولين رقم كذا

محمد الأمين

2023 / 10 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


الكثير من الأطفال في غزة اليوم كُتب على صدورهم " مجهول رقم كذا". أطفال لم يرضعوا بعد وقد فُطموا باكراً وبقسوة تم سلخهم عن أمهاتهم بسلاح عدو إسرائيلي بغيض. قُتلوا ولم يسألوا سؤال الوجود بعد " أمي/ أبي، كيف ولدنا" بل سبقهم الجواب "هكذا سنموت".
قبل ولادتهم كانوا تصورات تسبح في مخيلة والديهم وكان وجودهم طاغي في أحاديث والدين اختاروا أسماءهم وملابسهم التي تم تجهيزها مسبقاً والكثير من الأحلام التي نسجت لحياتهم ومستقبلهم، فكم من أم تحمّلت ألم الحمل و الولادة لأجل حضورهم وتفرح بهم..وتأتي قذيفة تحملهم معها لعالم الغيب والمجهول وتسقط عنهم كل شروط البقاء.
إنّ فقدانهم لأسمائهم أي ما يدل عليهم هو طردهم من طبيعة بنية المجتمع وحرمانهم من الاعتراف بهم كذوات ينتمون لعائلة موجودة لا أعداد للإحصاء فقط. وهذا ما ترمي إليه الاعتداءات الإسرائيلية بشكل يومي ومنذ الإحتلال؛ إبادة الأسر الفلسطينية عن بكرة أبيها ومسحها من السّجل الرمزي للمجتمع.
لا يولد الأطفال في فلسطين وفي أيديهم ألعابهم إنّما حجارتهم وأكفانهم، يولد الطّفل لكي يموت فتقطعُ أشواط العمر من الطّفولة مرورًا بالمراهقة والرّشد حتى الكهولة وصولًا إلى الموت في حيّز زمني لا يتجاوز العشر سنوات. سنوات يمضيها هاربًا، مدافعًا، مقاومًا، ومغترب، اغترابًا لا علاقة له بالبعد المكاني بل إنّه اغتراب على مستوى الهوية، ليجد نفسه في معركة وجوديّة بينه وبين المحتل من جهة، وبينه وبين العالم أجمع من جهة ثانية.
اليوم قد قُلبت الآية، فإنّ الأهل يشيّعون أطفالهم ويشيّعون معهم كل آمالهم التي اندثرت بفعل العدوان. وبدل أن يولد الطفل ليحصل على الرعاية الصحية والأمان واللعب في كنف أسرة حاضنة، يولد بدوره ليدفن أسرته فكم من طفل قد حضن والدته ووالده وانسحب للفراش ساعد والدته بتغطية أخاه الصغير واستسلموا للنوم على أمل أنّ غدًا سيكون كل شيء على ما يرام.
ثم ماذا؟ّ!
يقصف المنزل فيستيقظ مهلوعاً، مرتجفاً وقد امتزج وجهه بالرماد والدماء. عيناه مفتوحتان على وسعها لاستيعاب الواقع الذي سقط فيه وقد خرج جارّاً خلفه دميته المحشوة بحثًا عن بقايا والديه. لعلّه يتمكّن من تجميعها مجدّدًا كما علّمه والده تجميع بقايا لعبة الرجل الحديدي. أو ليحتفظ ببقايا أخاه الصغير في حقيبته المدرسية، فلا درس يعلو على هذا الدرس العملي الذي يعايشه اليوم عن قرب.
إنّه لمشهد غريب! لطالما تعاملت مع رجال ونساء دون أطراف لأسباب عدّة.. لكنّه لمشهد غريب أن تجد طفلا بكل جسمه بدون رأس، بدون قدم، بدون يد، بدون نصف أعلى أو أسفل. ربّما أتحسر على الأطفال لأنهم يفتقرون لنضج آليات الهجوم أو الهرب عند الصدمة، يتجمدون في مكانهم ولا يدركوا ماذا عليهم أن يشعروا في هذه اللحظة الحاسمة.
لكن هذا لا يمنعهم من حراسة أهلهم وهم تحت الأنقاض يمدون لهم تلك اليد الصغيرة، جانب سريرهم في المستشفى أو غرفة الانتظار يطمئنونهم أنهم هنا بجانبهم وبانتظارهم ، كمشهد الطفل الذي لا يفارق ذاكرتي يقف مخذول بجانب والدته المدماة وكأنه ينتظر منها فعل أي شيء وعند نقلها أمسك بثوبها ومشى إلى جانبها.
كطفلة عرفت والدتها من شعرها " أنا بعرفها من شعرها " نعم..لربّما مشطا شعرهما معًا أو كان بينهما جدائل و أكثر.. هذه التفاصيل يذكرها الأطفال جيّدًا إنّها أمور بسيطة لكنها تعني لهم العالم.
عند فلسطين يتعطل الزمن، والحكايات تعيد سرد نفسها مراراً وتكراراً. فلا يعود الماضي قد مضى ولا الحاضر في استمراره سيؤدي إلى مستقبل مختلف.. فالانتفاضة الأولى جرّت معها الانتفاضة الثانية وبعدها الثالثة وبعدها هبة الأسرى وبعدها هبة الأقصى واليوم طوفان الأقصى.. حتى أنّك لم تعد تدرك أهذا مسار جدلي أو لولبي أو تعاقلي، بل إنّه أقرب ليكون عود أبدي، فحيث تبدأ تنتهي لتبدأ من جديد وهو ليس إلّا استمرار في ذات المعركة وعلى ذات الأرض لذات القضية و مع ذات الأشخاص فشاهد جمال الدرة أيقونة الانتفاضة الثانية قد ودّع ابنه محمد من ٢٤ سنة. واليوم مازال هو ذاته يودع إخوانه في غزّة وما أشبه البارحة باليوم واليوم بالغد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - على من يقع اللوم؟؟؟؟؟؟
سهيل منصور السائح ( 2023 / 10 / 25 - 11:28 )
ارجو الاجابة!. هل يجوز القيام ما قامت به حماس بدون اتفاق الجميع وهي تعلم انه ليس هناك تكآفؤ بين الطرفين بالعدة والعتاد وان الحرب لا اخلاق فيها من اي طرف كان؟؟؟. رحمك الله يا ابا الحسن يا علي ين ابي طالب عندما قلت (من استبد برايه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها). زعماء فلسطين في بلهنية من العيش والشعب المظلوم هو الضحية.

اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها