الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنت تشرق ....أنت تضيء

رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)

2023 / 10 / 25
الادب والفن


تسير على حافة التاريخ دون أن تتكيء عليه، وإنما تستلهم منه ما يثري السرد بالتشويق، هذه هي الباحثة المصرية في تاريخ الفن، والروائية المبدعة رشا عدلي، تنقل شغفها بالفن وتاريخه للقارىء بشفافية، فتجده متابعا للتفاصيل حين تتنقل عبر مرحلتين تاريخيتين. هكذا كانت في روايتها "شغف"، وهكذا أطلت على القراء بروايتها موضوع هذه المقالة "أنت تشرق ...أنت تضيء" الصادرة عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" عام 2022 والتي فازت بجائزة كتارا عن الروايات المنشورة لعام 2023.
يتناول موضوع الرواية في ظاهره اهتماما من المعنيين بالآثار في العديد من المتاحف حول العالم بقضية عدد من "المومياوات" التي تم اكتشافها في منطقة الفيوم، والتي تعود إلى القرن الميلادي الأول، وتشكلت هيئة للبحث في شأن هذه المومياوات، وكانت"رنيم" وهي بطلة هذه الرواية، إحدى الباحثات ضمن هذه الهيئة التي تشكلت ، وهي مصرية الأصل والإنتماء "كما عبرت عن ذلك بقوة في لقائها مع إحدى العائلات المصرية التي زارتها أثناء وجودها في القاهرة" منتصر ووالده"
لمحت "رنيم"بعين الخبير وهي أمينة أحد أشهر المتاحف في إيطاليا سمات مشتركة بين اللوحات الملصقة بالمومياوات، وقد تم رسم أصحاب هذه المومياوات بعيد وفاتهم وفقا لعادة متبعة في ذلك الزمان، وقادها هذا إلى أسئلة متتابعة تحاول الكشف سر هذه اللوحات، وشكلت هذه الجهود العديد من حبكات الرواية.
تتنقل الكاتبةعبر فصول الرواية بين حقبتين تاريخييتين؛ القرن الميلادي الأول، والقرن الحادي والعشرين، وبينما تشكل مصر وإيطاليا مسرح الأحداث المعاصرة، فإن أحداث القرن الميلاد الأول بقيت محصورة ما بين اسكندرية والفيوم. وفيما يتابع القارىء أنشطتها وسعيها للحصول على إجابات لتساؤلاتها، يجدها القارىء تلتجىء إلى الماضي في محاولة لقراءة الظروف المحيطة بإنجاز هذه اللوحة والنظم السياسية والاجتماعية ذات العلاقة، وما ساد فيها من عدالة و رخاء، أو ظلم وبطش وتجبر.
وفي الوقت الذي مضت فيه أراء الكثيرين من المشاركين في الهيئة المختصة للبحث في القضايا الفنية المتعلقة بتلك اللوحات مثل أنواع الطلاء المستخدمة، والمواد الداخلة في تركيبها وتصنيفها من حيث الجودة، وأنواع الخشب، وغير ذلك من التفاصيل الفنية التي أفاضت الكاتبة في شرحها ربما من شدة شغفها بهذا الموضوع. إلا أن بطلة الرواية والشخصية الرئيس فيها "رنيم" مضت للبحث في دلالات هذه الصور، وشكل العيون، والأزياء المستخدمة واستعانت بالمختبرات الحديثة بحثا عن إجابات لتساؤلاتها إلا أنها لم تُضَمِّن الرواية صراحة ما وصلت إليه من استنتاجات، بل تركت للقارىء مساحة للتفكير والبحث عن الإجابة بنفسه، وقد عمدت إلى نفس الأسلوب في روايتها "شغف" و مصير لوحة الفتاة المصرية التي وصلت إليها من أحد المتاحف للترميم.
وأيا كان مضمون ذلك الإستنتاج الذي تركت الكاتبة للقارىء أمر التفكير فيه فإنها تمكنت من إرسال العديد من الرسائل ذات دلالات مهمة في سياق سردها لأحداث الرواية. ويأتي في مقدمة هذه الدلالات ما يؤديه البحث في تاريخ الفن من إضاءة معرفية حول الظروف المتعلقة باللوحات، والآثار، وغيرها من القطع الفنية، وما يشكله ذلك من إثراء للجوانب الثقافية من الفن.
ويأتي في هذا السياق أيضا ما تعرضت له مصر من ظلم إبان حكم الإمبراطورية الرومانية، والذي لا يعدو عن كونه شكلا مبكرا من أشكال الإستعمار، وما يقوم عليه من نهب لثروات الشعوب ومقدراتها، إضافة إلى اتجويعهم وترويعهم والإستعلاء عليهم ثم قمعهم بأشد الوسائل وحشية إذا ما ثاروا. وهذا ما شكل حافزا للروائية لتهدي الرواية "إلى كل الوجوه رمزا لتلك الأرواح المناضلة" وما أشبه اليوم بالبارحة ونحن نرى ما نرى من وحشية الاحتلال الإسرائيل في عدوانه على غزة في هذه الأيام.
وفي الرواية أيضا إشارة واضحة لمخاطر تتهدد الآثار كثروة قومية، حيث يجدها البعض وسيلة للإثراء الفاحش والكسب غير المشروع، وطالما كان هذا شأن الآثار بين سرقات على مستوى الأفراد وأخرى على مستوى الدول، وهذا ما أدى بالكثير من القطع الثمينة إلى متاحف العواصم الأوروبية. "حجر رشيد" الذي يستقر في المتحف الوطني البريطاني مثالا.
ورنيم وهي الطالبة المجدة المجتهدة التي كافحت في سبيل التخلص من لقب "لاجئة" أثناء سنواتها الدراسية الأولى فحققت نجاحا أوصلها المتاحف الأوروبية، أما حكاية اللجوء فمشهد من مشاهد الظلم الحديث الذي قادت إليه سياسة الإنفتاح، وكان والدها الصحفي وعائلته بعض الضحايا.
علاقة المرأة بالرجل أيضا كانت محل إضاءة عبر العديد من المواقع عبر السرد، ومن خلال نموذجين أولهما علاقة "سرينا" المصرية بنائب الإمبراطور الروماني، والأخرى علاقة رنيم بالثري اللبناني، وما آلت إليه هذه العلاقات من مصائر بفعل عوامل متباينة تبعا لتباين طبيعة هذه العلاقات فأي مآل وصلت إليه هذه العلاقات؟ وأي رسائل أرادت الكاتبة إرسالها من خلال المقابلة غير المباشرة بين العلاقتين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل