الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسقاط النظام ، أم إصلاحه ؟

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


" النظام البوليسي المخزني ، قطع الكونكسيون على منزلي ، حتى لا ارسل هذه الدراسة ، وسأضطر للخروج لإرسالها من مقهى او من Cyber " .
سؤال وجيه يشغل بال المهتمين بالشأن العام ، والمهتمين بنوع الدولة الديمقراطية التي يحلمون بها . هل حل أزمة النظام السياسي في المغرب ، تكون فقط بالإصلاح ، وايّ اصلاح ، ام ان الازمة العضال المزمنة ، والغير قابلة للإصلاح ، ليس لها من حل غير اسقاط النظام عدو الشعب ، وبناء نظام آخر محله ، يكون نظام الشعب وليس عدوا للشعب ؟
ان هذه الأسئلة ليست وليدة اليوم ، بل هي أسئلة تعود جذورها منذ تأسيس الدولة السلطانية ، أي قبل عهد الحماية عندما جاء به سلطان فاس عبد الحفيظ ، لإنقاذه من ثورات القبائل البربرية ، التي رفضت دولة السلطنة العروبية العلوية الظالمة ، خاصة عندما نظمت غارات عسكرية ، وبتوجيه الجيش الفرنسي ، للحصول على الضرائب ، والسطو على المحاصيل الزراعية عند دورة الإنتاج . فالمعارضة البربرية المغربية ، هي اول معارضة في تاريخ الثورات بالمغرب ، وضعت لها كهدف ، اسقاط الدولة المخزنية السلطانية العلوية التي اعبروها استعمارا دخيلا على بلاد المغرب ، وانشاء محلها تنظيمات جمهورية قبائلية ، أساسها العرف القبائلي بين القبائل الثائرة ضد نظام السلطان عبدالحفيظ بفاس ، وهنا لا ننسى ثورة الجيلالي الزرهوني الرّوگي المكنى ب( بوحمارة ) ، عندما ثار على السلطان ، ودعا الى اسقاط السلطنة ، لفائدة نظام جديد سيكون هو على رأسه . فإذا كانت الثورات البربرية تستهدف السلطنة العروبية العلوية كاستعمار دخيل ، جاء باستعمار افرنجي دخيل ثانٍ ، لإقامة نظام البرابرة في جمهورية بربرية ، فان ثورة الجيلالي الروگي المكنى ب ( بوحمارة ) ، كانت تستهدف كل المغرب بعربه وبرابرته . أي انها كانت ثورة شمولية . لذا فان بزوغ المعارضة ، واية معارضة ، لن يكون تلقائيا ، بل لا بد من وجود نظام شمولي يبرر المعارضة ، ويبرر مطالبها ببناء الجمهورية ، كجمهورية الريف التي انشأها الريفيون ضد نظام السلطان ، الذي ادخل الحماية الفرنسية لحمايته من ثورات القبائل البربرية ، الرافضة للوجود العروبي حزام السلطان ، المهدد من قبل الثورات التي اندلعت بكل الريف ، وبالأطلس المتوسط ، وبالأطلس الكبير . وهي ثورات عرفَتْ أعداءً لمشروعها العام من قبل السلطان ، ومن قبل حلفاءه ، وعلى رأسهم البرجوازية المركانتيلية التي مثلها علال الفاسي ، الذي حكم بموت ثورات القبائل البربرية ، ودعا الى الالتحاق بالسلطان محمد الخامس لمواجهة الحماية ، ليس بالسلاح الذي كان يدينه حزب الاستقلال ، بل بالمطالب التي تؤسس لنوع المغرب بعد خروج الحماية ، حيث تم رفع الشعار اللص " المغرب لنا لا لغيرنا " .. بطبيعة الحال كانت اول جمهورية بربرية تأسست ، هي جمهورية الريف التي استمرت من 1921 الى 1926 ، وكان برنامجها انفصاليا، فتكالب عليها النظام الفاشي الاسباني ، والامبريالية الفرنسية ، والنظام المخزني السلطاني العروبي ، الذي كان مهدد الوجود ، ليس فقط من قبل الريفيين الثوريين ، بل كان مهددا من كل القبائل البربرية التي استلهمت قوتها من نجاح بناء الجمهورية الريفية . وللإشارة فالقبائل البربرية بخلاف جمهورية الريف ، كانت وحدوية ولم تكن انفصالية .
اذن . عندما نكون أمام نظام أو دولة ، أكيد ستنبع هناك معارضة للنظام او للدولة ، وهي معارضة تتخذ كل اشكال المواجهة في وجه النظام ، او في وجه الدولة . فهناك علاقة طردية بين عشائر المعارضات ، وبين النظام او الدولة التي تجثم على المغرب ، لاحتكار ثرواته التي هي ثروات شعوب المنطقة ، لا ثروات الحاكم بأمر الله في دولة الاقطاع السياسي ..
عندما أحرز النظام السلطاني المخزني على اتفاق Aix – les Bains ، لان ما يسمى بالاستقلال ، تم منحه للعلويين وعملاء فرنسا ، الذين ارجعوا فرنسا من الباب الكبير ، وتم التأسيس لنظام طقوسي مخزني ، تقليداني ، نيوبتريركي ، نيوبتريمونيالي ، رعوي ، ثيوقراطي مزيف ، ناهب لثروات الشعب المفقر ... كان لزاما ان تظهر هناك معارضة لهذا النظام ، توزعت الى اشكال من المعارضات ، التي كان منها الإصلاحي ، وكان منها الثوري ، وكان منها البلانكي Ramos Blanco القفز على الحكم من فوق ، او الانقلابي Le putschiste . فهناك من آمن بالإصلاح ، وللإصلاح اوجها متعددة ، وليس له وجه واحد . وهناك من دعا الى اسقاط النظام ، ومنه اسقاط الدولة كدولة مخزنية بوليسية دخيلة ، وبالطبع لكل الفريقين أساليب مختلفة لإصلاح النظام او الدولة ، او أساليب الاسقاط المستعملة آنذاك .
فعند القول بالمعارضة ، في شكلها الإصلاحي او في شكلها الثوري، فهذا يعني ان هناك وسائل وأساليب للإصلاح ، كما ان هناك وسائل وأساليب لإسقاط النظام ، او لإسقاط كل الدولة ، وتعويضها بدولة أخرى ، تستمد قوتها من الشعب ومن التاريخ ، بدل التذرع بمشروعية الإسلام ، لفرض نظام غارق في الدكتاتورية ، نظام شمولي تكون ساكنته مجرد رعايا ، ولن يكونوا ابدا بشعب . وطبعا فان نظام الرعايا يبتكر في تجديد العبودية دون الغائها . فالقول بالرعية أي العبيد ، هو نفي لكل معارضة ، ولكل تغيير يكون في صالح الشعب ، لان الرعية في الدولة الرعوية ، تعيش مع الأمير البتريركي ، البتريمونيالي ، الاقطاعي ، الثيوقراطي المزيف ، وهي حياة العبيد من دون حقوق ، مسودة لا سيدة . ويبقى الحاكم بأمر الله ، وحده المحدد لشروط العلاقة بين الحاكم بأمر الله السلطان ، والرعية التي يختصر دورها فقط في خدمة السلطان ، خاصة عندما تجوع الرعية ، ويشبع وحده مولانا السلطان .اي كأننا نعيش العلاقة بين الإمبراطورية الرومانية وبين عبيدها ، او العلاقة بين شاه ايران محمد رضى بهلوي ، وبين الرعايا الإيرانيين الذي سيتحولون الى شعب ، عندما ثاروا عليه ، واسقطوا نظام العبيد الذي كانت ترفل فيه الإمبراطورية الفارسية ، لصالح دولة الشعب . فالرعايا العبيد الإيرانيين ، كانوا يجسدون دولة الرعايا بكل مفاصلها ، حين ينحنون يقبلون أرجل الشاه الامبراطور ، مثل ان العبيد في الدولة المخزنية الطقوسية ، يركعون الى ما تحت الركبتين ، لتقبيل أرجل الأمير ، الامام ، الراعي الكبير ، الحسن الثاني ، الذي كان يظهر في صورة ملاك ، وابناءه الذين ينزل ضباط الجيش ، لتقبيل أيديهم في منظر مقزز تقشعر له الابدان ، ويشيب منه شعر الصبيان .
فهل الوضع اليوم بالمغرب ، وفي ظل النظام الشمولي والدكتاتوري السائد ، في حاجة الى اصلاح ، أم انه في حاجة الى التغيير ، والتغيير يقصد به كل الدولة الناهبة المفترسة ، وليس فقط نظام ضمن الأنظمة التي تتواتر السيطرة على البلد ، للاغتناء السريع والقصير ، حيث أصبحت ثروة الامة تكدس في الابناك الاوربية ، من دون حياء ولا خجل .
أولا . الإصلاح : هل النظام المخزني ، السلطاني ، البوليسي ، البتريركي ، البتريمونيالي ، الكمبرادوري ، الثيوقراطي ، الطقوسي ، والتقليداني .. ، في حاجة الى اصلاح ، ام انه نظام يستعصي عن الإصلاح ، مما يبرر اللجوء الى وسائل ، سواء لإجبار انزال الإصلاح ، او الدخول في مشروع تغيير النظام الغير قابل للإصلاح . ووسائل التغيير الجذري عديدة وكثيرة سنصل اليها عند بحث التغيير الجذري لإسقاط الدولة ، أي دولة العائلة ، وإقامة أخرى محلّها تكون طبعا بدولة الشعب ، الذي تتغنى به جميع التنظيمات السياسية المهتمة بشأن التغيير ، والمهتمة بشأن الإصلاح الذي لن يكون ، لان الدولة وليس فقط النظام عصية عن الإصلاح ، تكرهه وتكره سماعه ، لان الهدف عند نجاح الإصلاح الحقيقي بالنظام الديمقراطي الحقيقي ، او نجاح التغيير الجذري المنشود ، يكون السيطرة على الثروة ، وعلى الموارد الطبيعية التي يحتكرها وحده الملك ، واسرته ، وعائلته ، وأصدقائه ، والمقربين . وهي ثروة الشعب المغربي المفقر ، المكدسة في الابناك الاوربية ، وبالملاذات الآمنة ..
فعند الحديث عن الإصلاح ، فان اول شيء يتبادر الى الذهن . سؤال الساعة . أي اصلاح نريد ؟ .لأنه ليس هناك نموذج واحد في الإصلاح ، بل هناك نماذج يؤسس بعضها الى المسّ بالسلطات المخولة للملك بدستوره الممنوح ، ومنها حرمانه من الاستفراد لوحده بالثروة التي هي ثروة الشعب ، واخضاعه لمراقبة الشأن العام ، والاغتناء السريع بنهب ثروات الشعب ، وإصدار قوانين ومشاريع تعقلن الممارسة السياسية للحاكم ، التي تكون مراقبة من قبل الشعب ، وليس الرعايا التي تُسلِّم مصيرها بسبب الخوف ، الى الحاكم بأمر الله ، فتغرق هي في حياة المسكنة والدروشة التي تضعها في الوضع الذليل .
فكيف سيكون الإصلاح ، اذا قرر الفرقاء السياسيون الاشتغال عليه ، ونحن هنا نناقش كمثقفين مهتمين بالشأن العام لبلدنا ، الذي هو لنا لا لغيرنا ، كما ردد حزب الاستقلال ، خاصة أهل فاس بزعامة علال الفاسي ، الذين سيطروا على كل المغرب ، بمجرد ابرام اتفاق Aix – les Bains ، الذي منح المغرب للقبيلة العلوية ، التي ادخلته بمعاهدة الحماية الى المغرب ، وخرج بالاتفاق المذكور من النافدة ، ورجع من الباب ، وكأن فرنسا لا تزال تعيش بين ظهراننا منذ سنة 1912 .
فما المقصود بالإصلاح : طبعا درجت نقاشات المثقفين السياسيين الذين اهتموا ودعوا الى الإصلاح ، بتفسير الإصلاح ، وبتحديد نوع المؤسسات واختصاصاتها المختلفة ، المخولة بمقتضى الدستور الذي يجب ان يكون دستور الشعب ، وطبعا سيكون دستور الإصلاح ، لان لا اصلاح دون فرض وتنزيل دستور الشعب ، لا دستور الرعايا ، والراعي الحاكم بأمر الله في اقطاعية الحق الإلهي .
أولا . لم يحظى تفسير وشرح مفهوم الإصلاح ، بنفس النظرة ونفس الفهم للإصلاح . ومرد هذا ، الانتماء الاجتماعي للمطالبين بالإصلاح ، ومكانتهم ضمن النسق السياسي المؤثر في موجة الإصلاح . فالعلاقة التي من المفروض انها منسوجة بين هؤلاء وبين الرعايا ، او الشعب في حالات ضيقة ، هو ما يعطي لمشروع مطالب الإصلاح ، أهميتها ومكانتها ، ضمن الصراع السياسي الذي يمارس ، إمّا سلميا ، او بواسطة العنف . والعنف يستوي فيه العنف المادي كثورة من تحت ، او ثورة من فوق ، وهنا سيكون للجيش كلمته في أي مشروع للتغيير بالقبول او بالرفض ، وستصبح العلاقة بين الجيش وبين الداعين الى الإصلاح ، تتحكم فيها القصوية ، أي قصوية المطالب ، وحجم النازلين الى الشارع ، والشعارات التي سيرفعونها من اجل الإصلاح . وهنا سيكون الصراع السياسي صراعا سلميا لا بالصراع العنيف . وطبعا سيساهم فيه بكثرة ، أقلام المثقفين المهتمين بالشأن العام ، والمطالبين بالديمقراطية في صورتها القصوية ، او في صورتها الادنية ( ادنى ) .
طبعا . اليوم لم يعد من يرفع شعارات الإصلاح بصورته القصوية ، او بصورته الادنية ، لان هؤلاء وباستثناء حزب الطليعة ، وباستثناء مجموعة الأستاذ محمد الساسي ، يكونون قد انقرضوا من الساحة . وقد مَثّل هذا الفريق او المجموعة ، " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، منذ مؤتمر الارتداد والانقلاب على الإرث النضالي للحزب ، في المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 . فقوة الضغط التي كان يوظفها هؤلاء كطبقة برجوازية ، كانت بممارساتها هذه ، لا تهدف قلب النظام ، او السيطرة عليه بالقوة ، لكنها كانت تضغط حتى يتنازل لها النظام عن حصة محترمة بالبرلمان ، للاستجابة لطموحات جماعات وعناصر داخل الحزب ، تبحث وتريد حصتها في الثروة التي يسيطر عليها فقط الملك .
لقد استعملت هذه الطبقة التي تنحدر من المثقفين السياسيين ، دعاوات التحريض للحث على الإضرابات ، لانتزاع حصتها السياسية التي لا علاقة لها بالمطلق ، مع مطالب الشغيلة ، ومطالب الطبقة العاملة . طبعا انّ هذه المجموعة التي انقرضت ، انتهى المطاف بمن ورثوا الحزب كعنوان ، بالارتماء في حضن فؤاد الهمة ، بعد الخدمات التي قدموها بالأمس ، سواء الى القصر ( فتح الله ولعلو ، عبدالواحد الراضي ، عبدالرحيم بوعبيد .... الخ ) ، او قدموها الى وزارة الداخلية ك ( القرشاوي ، ويونس مجاهد ، ادريس لشگر ، والاموي .. الخ ، الذي استدعى وزير الداخلية ادريس البصري لحضور مؤتمر نقابته ، حيث كان المؤتمر مؤتمر وزارة الداخلية ، باسم عنوان التغطية " الكنفدرالية الديمقراطية للشغل " ، التي ارتمت بالكامل منذ مجيء محمد السادس ، وبعد موت الاموي ، برحاب الدولة .
وعدا دعاة الإصلاح الجذري الذي يرتكز على الدستور الديمقراطي ، لتحديد السلطات والاختصاصات المخولة للملك ، والتي يجب ان تكون محدودة مثل ملوك اوربة الغربية ، كان دعاة للإصلاح آخرون ينظرون الى أي اصلاح ، بما يحافظ على قوة المؤسسة الملكية ، محور الدولة العلوية ، وهؤلاء ومنهم حزب " التقدم والاشتراكية " و " جبهة القوى الديمقراطية " " الحزب الاشتراكي " المنفصل عن " منظمة العمل الديمقراطي الشعبي " OADP " انقلابيو فندق حسان " . فما يسمى عندهم بالإصلاح ، لا يجب ان يتعدى سقف دستور الملك الممنوح . وهؤلاء لم يكونوا يطمحون الى أي اصلاح ، بل ان هدفهم من دعوات الإصلاح ، وهي نظرة أحزاب ( الفدرالية قبل تركها من قبل منيب الحزب الاشتراكي الموحد ) ، من خلال مطالب الإصلاح التي يرفعون ، وغير الماسة بالسلطة الدينية للملك ، كأمير ، وراعي كبير ، وإمام ، يعملون من خلال دعوات الإصلاح ، الى الحفاظ على النظام المخزني البوليسي ، كنظام نيوبتريركي ، رعوي ، نيوبتريمونيالي ، ثيوقراطي مزيف . لان أي اصلاح جذري يمس اختصاصات الملك ، سيضعف المؤسسة الملكية ، وسيعود بالربح الوفير على جماعات الإسلام السياسي عدوة الدمقراطية . فاستعمال الديمقراطية الحقة ، لتعيين فريق الحكم المقبل ، سيأتي بهؤلاء الذي يسيطرون على قاعدة الرعايا الجاهلة ، وتتبع شعارات الاسلاموية ، وانْ كان في ترديدها لهذه الشعارات ، خطر سيمس كل المغرب ، وليس فقط النظام الذي سيصبح متعارضا مع من صوتت عليهم الرعايا ، وسيطروا على الحكم الذي منه ستتم السيطرة على الدولة . أي استعمال الديمقراطية ، لقلب الأوضاع ، لصالح الأنظمة الفاشية القروسطوية . وطبعا فالجيش ستكون له الكلمة ، خاصة امام التدخل الغربي الذي يرفض أي تعاون مع منظمات الإسلام السياسي ،انْ سيطرت على النظام بواسطة الانتخابات ، وسيطرت على الدولة عند إقامة نظام الخلافة القروسطوي ..
ان دعاة الإصلاح ضمن المؤسسة الملكية والسلطانية ، يشيرون بالأصبع الى نظام الملكية البرلمانية ، بخصوصياتها المغربية ، التي تعني قوة القصر الحافظ للتوازن ، بين الرعايا ، وبين الشعب ، وبين هذه النماذج في الحكم باسم الإسلام السياسي ( الحل هو الإسلام ) ، والأستاذ العبادي عن " جماعة العدل والإحسان " قالها صراحة ، عندما اكد ان جماعته تشتغل ، وتؤسس لنظام الخلافة بالمغرب .. ومجرد القول بالخلافة ، إشارة الى الفاشية الاسلاموية التي تريد الرجوع بالمغرب ، الى القرون الخوالي التي تزيد عن 1450 قرنا ..
انّ امام التعارض هنا ، هو ان الأهداف المسطرة من خلال الدعوة الى ملكية برلمانية بخصوصية مغربية ، يحافظ فيها الراعي ، الأمير ، الإمام على النفود والجاه والسلطة ، بهدف الى الحفاظ على الملكية المطلقة ، ما دام هؤلاء يعترفون للملك ليس كملك ، بل كأمير للمؤمنين ، بالسلطة الدينية التي يحددها عقد البيعة ، الذي يعط السلطان ، سلطات أزلية خارقة ، تتعدى بكثير سلطات الدستور الممنوح .. ، هو ان دعاة الملكية البرلمانية بخاصيتها الكونية ، وليس الخصوصية ، يُحْسَبون على رؤوس الأصابع ، لان فقهاء القصر ، يعتبرون هذه الملكية من خلال سلطاتها ، ومن خلال المجال الذي سيصبح بيد الاسلامويين المهددين للدولة وللمجتمع ، انّ تحقيق الملكية البرلمانية الكونية ، لن يعرف طريقه الى البناء والتطبيق ، دون إسالة الدم في ذلك . أي من دون ثورة على النظام كنظام فيودالي ، عشائري ، طقوسي ، ثيوقراطي ، بتريمونيالي ، اقطاعي .. ، ومن دون ثورة على المساجد ، يستحيل الدخول الى الملكية البرلمانية الكونية ، لان القول بخلاف ذلك ، ستتحقق عنه نتيجة خطيرة ، هي الاسقاط . أي اسقاط نظم وقيم الغرب ، على بيئة جامدة خرافية وازلية ، ستعطي السبق والفوز للتيار الاسلاموي الذي سيعلن بناء الدولة الفاشية . فلو لم يكن خطر الفاشية باسم الدين الإسلامي ، لامكن القول بصواب صحة هذا الاختيار ، كما الحال في الدول الاوربية الملكية . لكن خطر الاسلاموية ، ان تم فتح الباب بالطرق والوسائل الاوربية ، لن يأتي بأنظمة ديمقراطية ، بل سيأتي بأنظمة معاكسة ، لا علاقة تجمعها بالقيم الديمقراطية ، وسيتحول الجميع ومع مرور بعض الوقت ، الى النظام الفاشي الشمولي كما حصل في الجزائر ، وتسبب في الحرب الاهلية التي دامت حولي عشر سنوات .. إنّ خطورة استعمال قصوية الديمقراطية الغربية ، أنّ الداعين لها من بعض الجماعات الماركسانية ، ومن بعض سياسيي الشأن العام ، انّ الديمقراطية التحتية ، وفي بلاد كالمغرب ، ستكون خطرا على الديمقراطية ، وخطرا على حقوق المعارضة ، لأنه باسم الإسلام ، يهان كل شيء ، ولو بقطع الرقاب ، كما جرى في ايران ، وجرى في الجزائر قبل بدأ العشرية السوداء . ان استعمال الديمقراطية التحتية في الدول الغربية ، مرده بالأساس ، ان قيم المجتمعات الاوربية التي ثارت على الاقطاعية ، وثارت على الكنيسة ، لن تسمح اطلاقا بالتأسيس لأنظمة فاشية باسم الدين ، لان المجتمعات الاوربية في مسيحيتها ، هي مجتمعات لائيكية ، وليست علمانية ، لان اللائيكية ليست هي العلمانية . أي الفصل القاطع بين الكنسية ، وبين شرائح المجتمع الأوربي المختلفة . فالإسقاط العشوائي للقيم ، على مجتمعات لها قيم مغايرة ، خاصة اذا كانت تستمد القوة من الإرث الماضوي ، يشكل اكبر خطر يتهدد الدولة الاوربية ، ومنه يتم تهديد الاستقرار السياسي الذي وصلت اليه اوربة ، بالثورات البرجوازية ، وبقطع رؤوس ملوكها ، وحصر سلطة الكنسية في المجال المتاح لها ككنسية ، لا علاقة تجمع بينها وبين المجتمع او الدولة ، حيث ان الأكثرية يكونها اللاّدينيون والملحدون ، والعقلانيون ، والوجوديون ... الخ .
اذن . ان الدعوة الى الملكية البرلمانية الكونية ، في بلد تقليدي إسلامي ، اغلبية رعاياه جاهلة ، سيكون من باب المستحيلات ، بسبب الخطر المحدق بالدولة وبالبلد . ولا احد سينتحر عن طيب خاطره ، بتسليم الدولة الى الإسلام السياسي ، الذي سيستعمل الديمقراطية للوصول الى النظام الفاشي المتعارض كليا مع أي شكل من اشكال الديمقراطية ، ولو في حدودها الادنية ( ادنى ) ، وليس في حدودها القصوية ، لان الديمقراطية التحتية خطر على النظام السياسي ، وخطر على النظام العام ، اذا كانت الغلبة والأكثرية في ساحة الصراع اسلاموية ..
واضافة الى هذه الحقيقة الراسخة التي لا يتناطح حولها كبشان ، فان الجري وراء الديمقراطية البرلمانية الكونية ، يلزم اسالة الدماء بغزارة للوصول اليها . فالدعوة الى الملكية البرلمانية الكونية ، خاصة اذا كانت وراءها أحزاب سياسية قوية ، تعني تجريد الملك التجريد الكلي من كل مظاهر التمايز عن الشعب ، ليصبح فردا واحدا سائر افراد الشعب . وهنا فان الرقابة الشعبية ستمتد الى الثروة التي يسيطر عليها الحاكم ، وهي ثروة الشعب المفقر والفقير .. فالترشيد يلزم بالضرورة ، المراجعة لكل القرارات والصفقات التي خدمت الملك ، واضرت بالرعية ، حتى اذا نفضت " تلّيس " الرعية عن اكتافها ، وأصبحت حقا شعبا ، فالكلمة الأولى والأخيرة تبقى للشعب وحده ، يعبر عنها بالانتخابات الديمقراطية التي من المفروض ان تجري في ظل دستور الشعب ، وليس في ظل دستور الحاكم الممنوح . كما يعتبر الشعب كونه مصدر كل سلطة بالدولة ، من خلال الاستفتاءات ، حول القضايا الاستراتيجية للشعب .. فمثلا كان على الملك ان يستشير الشعب قبل طرحه لحل الحكم الذاتي ، وقبل اعترافه الصريح ، وامام العالم بالجمهورية الصحراوية . اما وان الملك تصرف من دون الرجوع الى الشعب ، فيكون تصرفه واجراءه ، نوعا من الدكتاتورية المرفوضة ، التي اضرت بالشعب ، رغم ان الشعب ظل بعيدا عن هذه الخرجات التي تعتبر بالخيانة الكبرى للشعب وللجيش . وهذا دليل ان ساكنة المغرب ليست بشعب ، ولا بمواطنين ، وانما رعية مُسخّرة ، تعيش من دون حقوق ، حياة المسكنة والدروشة .. او هم رعايا يستعملهم الحاكم بأمر الله ، لتبرير بعض ( المشروعيات ) ذات الطبيعة الثيوقراطية ، او عند مواجهة الأمم المتحدة مثلا ، خاصة مواجهة الأمين العام السابق " بنْكيمون " ، او مواجهة تغلغل نفود الإسلام السياسي ، كمسيرة الدار البيضاء التي خدمت حزب العدالة والتنمية ، وعلى رأسه عبدالاله بنكيران ، الذي حصد حزبه من المقاعد البرلمانية ما لم يسبق ان حصده أي تنظيم سياسي سابق . فالحزب حصل على 107 مقعدا برلمانيا ، لكن رغم ذلك ، وضع نفسه تحت سلطة الملك امير المؤمنين ، والامام المعظم ، ليتفادى التفسيرات المغرضة ، ويبعد عنه اشاعات جر المغرب الى الفاشية . فعبدالاله بنكيران حين يقول انه لا يحكم ، وان الذي يحكم وحده هو الملك ، يكون قد اغلق بابا على ( صديق ومستشار ) الملك فؤاد الهمة الذي يكرهه ، ويكون قد ابعد عنه اتهام الانقلاب على الدولة من تحت ، ويكون بنكيران قد نجح في التأكيد على ( ملكيته ) وفي انتسابه المطلق الى الدولة العلوية .. ومع كل هذا لم يسلم من الاتهامات ، ولم يسلم من المؤامرات ، كقصة " البلوكاج " التي كانت بأمر من فؤاد الهمة ..
انّ أيّ حديث عن الملكية البرلمانية الكونية ، او الدعوة اليها ، وفي ظل شروط الدولة العلوية كدولة ناهبة للثروة وللدولار ، وفي مجتمع هجين ، مريض، مركب العقد النفسية ، يعيش الدروشة والمسكنة ، وحياة الذل والاهانة ، فانّ أيّ دعوة للملكية البرلمانية الكونية ، سيكون من باب التخفيف عن النفس ، لا غير . فعندما يكون أصل هذه الدعوة هو أصل الحكم ، بملك شكلي دمية على رأسه ، فهذا يعني السيطرة على كل سلطات واختصاصات الملك ، والمؤسسة الملكية . وبما ان هؤلاء سيعتبرون الدعوة ، بالدعوة لانقلاب ابيض على شخص الملك ، فان مجرد التفكير في نظام الملكية البرلمانية الكونية ، ستكون مزايدة من اجل المزايدات السياسوية ضيقة الأفق ، لان لا فرق بينها وبين النظام الجمهوري ، الذي يستحيل الوصول اليه من دون تدخل الجيش . فانتفاضة الجيش الثورية في سنة 1971 و 1972 ، كانت تستهدف كل الدولة ، وليس فقط النظام . فالمشروع كان ، هو بناء جمهورية مغربية ، على طريقة الجمهوريات العربية ، التي جاءت بالانقلابات العسكرية ، ولم تأت بالديمقراطية ، او بالانتفاضات الشعبية والجماهيرية .. وهذا ليس له من تفسير ، غيران الوصول الى الملكية البرلمانية الكونية ، يتطلب ثورات ، وسقوط دماء ، كما حدث في الثورات الاوربية التي ثارت على الاقطاع ، وثارت على الكنسية .. فهل بالمغرب ، وبجل البلاد العربية ، هناك شعوب ستتحرك ، وستفرض بالقوة الثورية ، نظام الملكية البرلمانية الكونية .. وهل بالبلاد العربية ومنها المغرب ، توجد جيوش تحبذ الملكية البرلمانية الكونية ، وترفض ملكيات البلاد التي تعيش فيها ..
والسؤال . من هي القوى السياسية التي تدعو الى الملكية البرلمانية الكونية ، رغم اختلاف المجتمعات ، واختلاف القيم والأصول الخاصة والعامة ..
وباستثناء " حزب النهج الديمقراطي العمالي " ، الذي يدعو الى الدولة الديمقراطية ، دون ان يركز على نوع هذه الدولة . هل ستكون ملكية برلمانية كونية ، وهو خيار محبب عند العديد من اطره ، أو ستكون نظاما جمهوريا ، وهو يحن الى تجربة منظمة الى الامام التي انقرضت ، فلا احد من التنظيمات التي انقرضت ، وتركت بعض الفلول من وراءها الغير منظمة ، دعا او يدعو الى الملكية البرلمانية الكونية .. لان الاسقاط سيؤدي الى تأزيم العمل السياسي ، بسبب الاختلاف الجذري بين قيم المجتمعات الاوربية ، وقيم المجتمع المغربي الذي به رعايا لا تستطيع العيش ، دون حياة الدروشة والمسكنة ، والمُتديّنة ولو نفاقا ، لأنه باسم الإسلام المفروض بواسطة الارث ، ستصبح الدعوة الى الملكية البرلمانية الكونية ، نوعا من الانتحار السياسي للجميع ، لأنه في غياب الثقافة السياسية ، وسيادة الجهل والامية ، يكون المجتمع ينحدر الى الأناركية L anarchisme ، الفتنة التي يصعب التحكم فيها ، لتنتهي الموجة بالدمار الشامل والكامل ، وليس بالإصلاح السياسي كالملكية الديمقراطية الكونية ..
اذن السؤال . بما انه يستحيل ويصعب تصور المغرب ، او أي بلد عروبي ، تحكمه ملكية برلمانية كونية ، أولا لانعدام المطالبين بها ، وثانيا لرفض المجتمعات التقليدية القيم الغربية ، بسبب أصفاد الدين الإسلامي الغارق في الماضوية ، ويحن الى المازوشية ، لان حياة الدروشة والمسكنة ، وحياة الذل هي السائدة ، وثالثا ، لكون هذه المجتمعات ترفض الاسقاط من فوق لقيم ليست بقيمها ، رغم ان ما يسمى بقيمها يقزز الابدان ، فان الخلاصة لهذا النوع من الحكم ، يستحيل التنزيل والتطبيق في المغرب ، كما عند الجيران .. ويبقى الخلاص ، او الخرجة من هذا القفص ، البحث عن نظام اخر ، في صورة ملكية برلمانية ليست كونية ، بل ملكية برلمانية بخصوصيات مغربية .. أي الجمع بين الإرث الثقافي الشعبوي السائد في المجتمع ، وبين عصرنة النظام السياسي باسم الملكية البرلمانية ، وهي في الواقع ليست ولن تكون ملكية برلمانية بخصوصيات مغربية ، لان الجمع بين الماضوية الشعبوية ، وبين العصرنة المشوهة ، يبقى من ضروب المستحيلات ، لان القول بالملكية البرلمانية المغربية ، هو قول بالحفاظ على الملكية المطلقة ..
وعندما يقتنع دعاة اصلاح النظام ، ان تنزيل الملكية البرلمانية الكونية بالمغرب ، هي قبيل المستحيلات ، لان الوصول اليها لن يقع بالسلمية ، بل بالثورات على غرار الثورات الاوربية ، التي ثارت على الاقطاع ، وقطعت رؤوس ملوكها ، وثارت على الكنسية المجسدة للتقليدانية المتعارضة ، مع مجتمع اللائيكية الديمقراطي ، فهل معنى هذا ان الإقرار بعدم الوصول الى الملكية البرلمانية الكونية ، هو اخر حلقة من حلقات الصراع السياسي ، بين الفاعلين السياسيين بمختلف ميولاتهم السياسية والأيديولوجية ، و ان النظام المخزني ، السلطاني ، الطقوسي ، البوليسي .. يكون قد ربح الرهان ، وضمن له السيطرة على الدولة ، وعلى ثرواتها ، واصبح آمنا من أي خطر يتهدد نظامه ويتهدد وجوده ؟ ام ان الصراع السياسي محكوم بالديمومة ، ومحكوم بالمصالح المتناقضة ؟
كان للنظام المخزني ، السلطاني ، البوليسي ، ان يفرح بهذا الانتصار عندما أصبحت جميع الأحزاب الصدفيات تحتاجه لا هو من يحتاجها . لكن هذه الوضعية أصبحت مهددة اليوم اكثر من الامس ، بقضية الصحراء الغربية ، التي تشكل بالنسبة له خطرا محدقا ، ان اضاعها وهي في طريق الضياع ، فان التغيير الجذري يبقى منتظرا ، لان سقوط النظام من دون الدولة ، او سقوط الدولة ، يكون فاعلوه والساهرون عليه ، من خارج المغرب لا من داخله . وهم الممسكين بنزاع الصحراء الغربية ، يستعملون هذا الصراع لتركيع النظام المخزني ، الحلقة الأضعف بالمنطقة ..
لكن قبل تحليل هذا النص الذي يحتاج الى تحليل شامل ودقيق ، لان الخطر المهدد للنظام وللدولة لا يزال قائما ، ووصل الى الرقم الأخير من العد العكسي .. ، فان اصل الصراع الذي اقبر مطلب الملكية البرلمانية الكونية ، سيعوضه نوع من الصراع المتهافت ، الذي تقوده أحزاب اصبح مرتبطة بالدولة المخزنية ، بعد ان كانت في نضالاتها تشتغل على اسقاطها . وهنا فان المقصود ، دعاة الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية ، مع الاحتفاظ للسلطان الأمير ، الراعي الكبير ، والامام باحتكار لوحده السلطة الدينية ، عن طريق عقد البيعة الذي يعطي للمخزني الأول سلطات استثنائية تفوق بكثير السلطات التي شرعنها في دستوره الممنوح ، وتجعل منه هو الدولة ، والدولة هي السلطان ، دون الإقرار بالمعارضة الحقيقية ، التي تربط الدولة ، وتربط اصل الحكم بالدستور الديمقراطي ، الذي يجب ان يكون بدستور الشعب لا بدستور الحاكم بأمر الله في اقطاعية الحق الإلهي .
ان هذه المعارضة وما هي بالمعارضة ، التي تدعو الى الملكية البرلمانية ذات السمات والخصائص المغربية ، عند اعترافها للملك كأمير ، وسلطان ، بطريركي بتريمونيالي ، ثيوقراطي ، إقطاعي ، بالسلطة الدينية ، وهي سلطة مطلقة غير محددة المهام ، لان الملك يضع نفسه مرتبة الخليفة الفاشي أيام الحكم الراشدي ، ولم يكن راشدا البتة .. ، أنّ هذه المعارضة المزيفة ( نبيلة منيب ) " الحزب الاشتراكي الموحد " ، ويتامى هذا الحزب ( الفدرالية ) ، عندما هجرتهم ( نبيلة منيب ) البرلمانية ، وهم حزب الطليعة ، ومجموعة الأستاذ محمد الساسي ، بإقرارهم بالسلطة الدينية للملك ، يكون إقرارا واعترافا بالملك ، كأمير للمؤمنين ، وراعي كبير من الطراز الأول . أي اعترافا بالدولة المخزنية ، السلطانية ، الطقوسية ، التي لا علاقة تجمعها بالدولة الديمقراطية . ويكون هذا المخرج المتداخل والغير واضح ، من قبل هؤلاء ، عملا يستهدف البقاء على الدولة / الملكية المخزنية السلطانية ، ولا علاقة له بالديمقراطية الحقة ، التي هي ديمقراطية الشعب النابعة منه والراجعة اليه ..
فالفرق بين دعاة الملكية البرلمانية ذات الخصائص المغربية ، وغيرها ، ومنها الاعتراف التام بالسلطة الدينية للملك ، هو نوع من السكيزوفرانية ، التي في شقها المقابل ترفض وتذم الأنظمة والنظام الديمقراطي ، عندما ترتمي في أحضان المخزن ، بالمشاركة في استحقاقاته السياسية ، لان الانتخابات هي انتخابات الملك ، قصد الدخول الى برلمان الملك ، وتلهفهم للسماع للأمر اليومي الذي يوجهه الملك كأمير وكسلطان وثييوقراطي لخدامه البرلمانيين عند افتتاح دورة الخريف التشريعية ، من كل ثاني أسبوع من شهر أكتوبر ، طبعا باللباس المخزني الاجباري.. وعندما يتهافتون للدخول الى برلمان الملك ، وقد يصبح بعضهم وزيرا في إدارة الملك ، فسواء كانوا يتصرفون كبرلمانيين ، او كوزراء ، فحقيقتهم الحقيقية ، لا تتعدى دور الموظفين السامين بإدارة الملك ، يتولون من خلال المناصب الجديدة ، لتنزيل برنامج الملك ( الانتخابوي ) الذي لم يشارك في الانتخابات ببرنامج ، ولم يصوت عليه احد . مقابل رمي البرنامج الانتخابي لهذه المجموعة في المزبلة ، لأنه لا يعقل الاستمرار في الترويج للمغالطات السياسية باسم النضال الديمقراطي ، ووضعهم في نسق النظام ، يتصرفون كموظفين سامين ، وهذا ليس له من فهم او تفسير ، غير الشعور بالهزيمة ، التي جعلتهم يفقدون بوصلة الاتجاه الصحيح ، اتجاه الدولة الديمقراطية ، من خلال العمل وسط الشعب لا من خارجه ..
لكن يبقى السؤال . هل من إمكانية لجعل دعاة الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية ، مؤهلين لإنجاح ( مشروعهم ) ، لان الجميع استسلم بعد الهزيمة ، ام ان هذه الدعوة لا تخرج عن نطاق البوليميك ، والاستغلال السياسي المتعارض مع الترشيد لنظام طغى وتجبر ، ويردد " أنا ربكم الأعلى فأطيعون " ..
ان النظام المخزني السلطاني المتحكم في الدولة ، كما انه ارتاح من دعوات الملكية البرلمانية الكونية ، فان لا شيء سيفرض عليه مطلب الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية . من جهة ، انه رغم ان حقيقة هذه الدعوة ، تنشد استمرار الملكية الاقطاعية المخزنية ، فهو لا يريد السماع لأصواتهم المبحوحة .. ، ومن جهة ، النظام على معرفة بحقيقة قوتهم الشعبية التي يتغنون بها ، وهي القوة التي افتضحت في انتخابات الملك التي شاركوا فيها ، والدستور الديمقراطي غير موجود ، وافتضحت بالنتائج الانتخابوية المحصل عليها ، حيث لم يصوت عليه احد ، ولم يحصلوا على نتيجة تعطي لهرولتهم نوعا من المصداقية التي انعدمت ..ومن جهة حين يلزم النظام المخزني الصمت ، ولا يجيب عن مطالب الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية ، فالأمر جد عادي ، لان الملك السلطان ، الأمير ، الراعي الامام ، لا يجيب خدامه ورعيته ، لانهم بالنسبة اليه ، تابعون لا متبوعون ، مسودين لا سادة ..

فحتى مطلب الملكية البرلمانية ذا الخصوصية المغربية ، ظل في الهامش ، لان الداعون اليه مخزنيون سلطانيون ، من النظام لا من خارجه ..
ثانيا . التغيير الجذري : ان المقصود بالتغيير خاصة الجذري ، لا يشمل ضفاف الحكم او حواشيه ، بل يشمل كل النظام او كل الدولة . والدخول الى مجال التغيير يكون باعتماد الأساليب الثورية في اشكالها المختلفة ، سواء بانقلاب الجيش باسم الثورة التي عجز المدنيون عن القيام بها ، وتدخل الجيش يحصل عند تأزيم الوضع السياسي ، ويصبح مستعصيا عن الحل . وطبعا سيتحدد نوع تدخل الجيش ، بنوع ومستوى الاحتجاجات في كل الدولة ، وليس فقط في منطقة من مناطقها ، وبعد ان يصبح هناك تهديد لمصالح الدول المعنية بالشأن المغربي ، كفرنسا والولايات المتحدة الامريكية ، وبعد اخذ الضوء الأخضر منها .. ولنفترض ان الشعب كل الشعب نزل الى الشارع ، واعلن العصيان المدني ، واستمر العصيان من دون انقطاع ، فتدخل الجيش هنا لا يرقى الى مجازر 23 مارس 1965 ، ويونيو 1981 ، ويناير 1984 ، وشتنبر 1999 ، لان اطلاق رصاصة واحدة ضد الشعب ، سيحرك المجتمع الدولي ، من مجلس الامن ، الى الجمعية العامة ، الى الاتحاد الأوربي الرافض لأية علاقة مع شخص ونظام محمد السادس ، الى الاتحاد الافريقي ، وطبعا المحكمة الجنائية الدولية . فتدخل الجيش ، وامام التحول العميق الذي اصبح عليه النظام الدولي الجديد ، والمعطيات المتحكمة في ساحة الصراع ، سيجعل من تدخل الجيش ، في غاية الخطورة . وهنا قد يتخذ الجيش نفس المسافة من المتصارعين ، لكن اذا اصبح الجميع مقتنعا بحتمية سقوط النظام ، فالجيش الذي هو ابن الشعب ، سينضم الى جانب الشعب ، لاستمالة زعماء الحراك ، بالوعد بالنظام الديمقراطي ، لكن دون المساس بتركيبات وبأدوات الدولة ، لأنها ملك للشعب .. وهنا ، ومع درجة الحرارة التي سيبلغها الحراك ، سيكون للجيش وبعد استجلاب جزء من المعارضين الى صفه ، دور حسم الصراع ، بأبعاد شخص محمد السادس ونظامه المعزول . وبالسرعة القصوى سيشرع الجيش ، طبعا مع رموز الانتفاضة ، قبل ان تتحول الى ثورة عارمة تعكس الحالة الإيرانية ، الى تنصيب ملك جديد ، شرط ان يتوفر على شروط النزاهة والجدية ، ملك مثقف ثقافة غربية ليبرالية ، وثقافة مجتمعية مغربية ، وليس بأمي ، وضعيف الشخصية والتكوين ، يبدع فقط في نهب ثروة الشعب ونقلها الى الملاذات الآمنة ، والى سويسرة ولليكسمبورج Luxembourg ، والابناك الاوربية ، في حين ان الشعب صاحب الثروة ، يعيش فقيرا ومفقرا، محروما من ابسط وسائل الحياة اليومية .
لكن اذا تبين للجيش ان الوضعية أضحت جد خطيرة ، وستنتهي بالتدمير الشامل . هنا سكون تدخل الجيش بالانحياز الى جانب الشعب الذي هو منه .. لكن هنا ، فان التعويض ، سيكون بنفس الشخص الذي اجمع عليه الغرب قاطبة .. ضمن احترام مصالح القوى أصحاب الفيتو بمجلس الامن ، وبالضبط فرنسا والولايات المتحدة الامريكية ..
الى جانب الجيش ، قد يصبح التحول والتغيير الجذري للدولة ، عند اندلاع ثورة جماهيرية ، قد تحصل بغتة وبشكل مفاجئ لم يكن في الحسبان . وهنا فان الجيش سيكون تابعا للشعارات التي ستردد ، وطبعا ستكون النتيجة ليس اسقاط النظام ، بل اسقاط كل الدولة ، والاعلان عن دولة جديدة ، ولن تكون غير دولة جمهورية ، لكن بعد ان يكون نظام محمد السادس قد أضاع الصحراء ، وأصبحت بجوار حدود المغرب ، حدود الجمهورية الصحراوية ، وتصبح الحدود الموريتانية بعيدة عن الحدود المغربية ، وتكون موريتانية قد أمّنت سلامتها من الاطماع الإمبراطورية التي ستكون قد تلاشت .. وطبعا فان السبب في حصول أي من هذه السينورهات ، شخص محمد السادس ، ونظامه الذي قد يصبح في خبر كان ..
ان التغيير الجذري للنظام المخزني العلوي ، والبوليسي ، سيكون من خارج المغرب ، لا من داخله . وطبعا فان بابه هو الصحراء الغربية الخطر الوحيد الذي يهدده ، ويهدد نظامه المعزول دوليا .. فعندما تصبح علاقتك مع مَنْ مِنَ المفروض انهم اصدقائك ، كفرنسا ، ويميل الموقف الدولي الى جانب المشروعية الدولية في حل نزاع الصحراء الغربية ، ورغم انّ الجميع متيقن اليقين الكامل ، ان نتيجة الاستفتاء في الصحراء ، وبإشراف الأمم المتحدة ، ستكون لصالح الاستقلال .
ورغم العلم اليقين للمنتظم الدولي ، والاتحادات القارية ، كالاتحاد الأوربي ، بان استقلال الصحراء ، حتمية سقوط النظام ، ومع ذلك يتمسكون فقط بحل الاستفتاء وتقرير المصير .
فهذا الموقف ليس له من تفكير وفهم ، غير ان محمد السادس كشخص ونظامه ، اصبحا مرفوضين وغير مقبولين ، ولا نقول غير مرحب بهما .
وبما ان العلاقات الدولية تبنى على مدى الالتزام ، واحترام القانون الدولي ، فان انزال حل الاستفتاء وحق تقرير المصير ، وتجاهل حل الحكم الذاتي في قرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحتى الاتحاد الأوربي ، وقرارات محكمة العدل الاوربية ، والمحكمة الافريقية ، مع التذكير بنص القرار الذي خرجت به محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 .. مع الازمة الخانقة التي يعاني منها الرعايا / الشعب ... كلها مؤشرات على انتظار ليس الإصلاح ، لان الدولة المخزنية الناهبة والمفترسة عصية عن أي اصلاح ، بل انتظار التغيير الجذري للدولة قبل النظام ..
ففي جميع الأحوال ، اذا سقط النظام ، فالجيش سيحاول الاحتفاظ بالدولة ، بمكانيزمات جديدة ، وصور واشكال اجد .. فهدم الدولة دفعة واحدة ، ستكون له مخاطر على المغرب كبلد وكشعب . وثقافة الهدم لا علاقة لها بثقافة الثورة ، حيت تسود الاناركية L’anarchisme الفتنة ، التي ستقضي على الأخضر واليابس .
طبعا فان من تسبب في اضعاف المغرب على المستوى الدولي ، وعلى المستوى العروبي ، والمستوى الجغرافي ، محمد السادس شخصيا ونظامه المكون من اصدقاءه ، الذين سلمهم المغرب على طبق من ذهب ، فنظروا الى المغرب نظرة السرعة الفرط صوتية للاغتناء الغير مشروع ، ولم ينظروا الى المغرب البلد ، والى المغرب الشعب الذي افقروه واذلوه .. فحين تسلم الدولة الى فؤاد الهمة ، والى مدير البوليس السياسي المدعو عبداللطيف الحموشي ، فيبرعون في تزوير المحاضر البوليسية لرمي الناس ظلما في سجون الملك ، وباسم الملك المغلوب على امره بسبب مستواه المتدني ، امام هذه الشرذمة من المجرمين التي تنتظرها المحاكمات عن جرائمها المقترفة ، وهي جرائم من مستوى الجنايات ، وليس الجنح .. فدولة الظلم لا تحتاج الى اصلاح ، لأنها عصية عنه . فالدولة الظالمة ليس لها من حل غير الاسقاط الذي يقترب ، وكما قلت بابه نزاع الصحراء الغربية ، وبتدبير من دول أصحاب الفيتو بمجلس الامن . المغرب الى اين ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل