الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب الكبير: بين تغييب البعد الأمازيغي واللعب على وتر العداء بين العرب والأمازيغ

عبداللطيف هسوف

2006 / 11 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


المغرب الكبير: بين تغييب البعد الأمازيغي واللعب على وتر العداء بين العرب والأمازيغ

يشكل البحث في تاريخ البربر، حسب بعض الأنظمة العربية، تهديدا لسياستها المتبعة منذ سنوات خلت. أنظمة ‏عروبية ترى في المتعلم المنسلخ من حاشيتها فتنة، وفي العالِم المبتعد عن مداحيها خطرا جسيما، وربما وصمت ‏المثقف الأمازيغي البعيد عن جوقتها بالكافر والمتمرد. أما الذي يسعى إلى كتابة التاريخ الحقيقي، فلا يسعها إلا أن ‏تصفه بالمجرم والمرتد الذي يقام عليه الحد. لذا ووجه التواجد الأمازيغي في الهيئات العليا للدول المغاربية ‏العروبية بكثير من الحيطة والمراقبة. ومن ثم، فإننا نصادف دوما أحكاما مسبقة ترتبط بمحاولة الزج بالذين ‏يتداولون هذا النقاش في خانة الخيانة أو العنصرية أو الانفصالية، وذلك بدعوى التعامل مع قوى محرضة خارجية ‏أو قوى رافضة داخلية. ‏
والحق يقال، إن هناك فعلا، وهم قليلون طبعا، من يسعون للتمسك بتلابيب الأجنبي الغربي في استنجاد يكاد ‏يصل حد الاستعطاف أو الاستصراخ لتخليص البلدان المغاربية من كل ما يتعلق بالإسلام والعروبة والرجوع بها ‏إلى العهد الاستعماري الروماني القديم. أليس هناك من يدعو العرب إلى حزم أمتعتهم والخروج من بلاد البربر؟ ‏ضرب من الوهم، إن لم نقل مس من الحمق والجنون. طرهات لا تستند إلى أي مبرر عقلي أو إنساني أو ‏سوسيولوجي أو تاريخي. إن من يقول مثل هذا الكلام، لم يعرف من تاريخ الشعوب شيئا، لأن عنصريته المقيتة ‏تجعله يتمسك بكلام محمض زائف. ‏
لكن فيما يخص أغلبية الأمازيغ الشرفاء الأحرار، فإنهم لا يطمحون لأكثر من جلي الحقائق، بناء على ‏المعطيات التاريخية والأنتروبولوجية والاجتماعية والثقافية... حتى يتيسر لشعوب منطقة المغرب الكبير الاستفادة ‏من الرصيد الأمازيغي لتطوير الوضع المتردي القائم اليوم. لقد عاصر الأمازيغ أقوى دول العالم القديم، وتفاعلوا ‏معها ثقافيا وعسكريا. كما نهل الأمازيغ من الثقافة العربية-الإسلامية وأخرجوا للوجود رجالات يضرب بهم المثل ‏في الدود على الموروث الحضاري الإسلامي-العربي، بل والمساهمة فيه. بالإضافة إلى أنهم، أي الأمازيغ، أقاموا ‏إمبراطوريات إسلامية على أرض المغرب الكبير كان فيها الإشعاع أمازيغيا-عربيا متناغما، وكانت فيها الكلمة ‏موحدة والقوة ترهب العالم أجمع. ‏
الأمازيغ، كانوا وسيظلون دائما متسامحين مع الآخر الوافد عليهم، بل إنهم ينتحلون مذاهبه ويبرعون في ‏تطوير ثقافته. أكثر من ذلك، إنهم يصبحون جزءا من حضارة مشتركة تتقوى بالتقارب وتضعف بالتباعد بين ‏مكونات المجتمع المغاربي. بالفعل، كان دائما هناك صراع بين البربر والعرب حول السلطة، كان هناك دائما شد ‏وجدب، وتلون للعلاقات بين الإخاء والجفاء، لكن لم يكن أبدا تشكيكا في التعايش أو رفضا للدين الإسلامي والثقافة ‏العربية، خصوصا حين تمثل البربر لأفكار الدين الحنيف. وحسب تصورنا، يجب على المغاربيين جميعا أن ‏يعتزوا بانتمائهم الأمازيغي وثقافته الشفهية التي ترجع إلى آلاف القرون، كما يجب عليهم أيضا أن يعتزوا ‏بحضارتهم العربية-الإسلامية العالمة. ولأننا لا نرى تناقضا في الجمع بينهما، نسعى إلى دحض المزاعيم التي ‏تسرف في الاعتداد بالانتماء الإثني في هذا الجانب أو ذاك، مؤكدين منذ البداية أننا بمنأى عن أي تصور ‏إيديولوجي يفضي إلى عنصرية ظالمة تفرق بين الإخوان البربر والعرب الذين أصبحوا يشكلون تمازجا واقعيا، ‏إن لم نقل تمازجا جميلا يغني ثقافة البلدان المغاربية ويميزها عن باقي دول الشرق العربي. ‏
لا مفر إذن، أمام الترهات التي نصادفها في بعض المقالات العنصرية، من قراءة متأنية لتاريخ البربر، قبل ‏وبعد الإسلام، لإظهار أن الوعي بالهوية المغاربية، هي مسألة تمثل ذهني لتاريخ يضرب بجذوره في القدم. تاريخ ‏لا يروم الزج بالأمازيغ في متاهات سياسية متطرفة أو في مدح ذاتي يرتكز على معطيات عنصرية، بل إن المراد ‏من قراءة التاريخ الأمازيغي هو التأكيد على أن لشمال أفريقيا سكان أصليون حافظوا حتى اليوم على لغتهم ‏وثقافتهم، لذا فهم يطالبون، بعيدا عن إقصاء للآخر، بالاعتراف بالبعد الأمازيغي كمكون أساسي لثقافة سكان ‏المغرب الكبير. ‏
إن الحركة الثقافية الأمازيغية ببلاد المغرب الكبير أضحت اليوم واحدة من أهم الهموم الملحة التي تطرح ‏للنقاش وتستوجب أجوبة عميقة. وإن اعتبر إلى وقت قريب أن الحديث عن الأمازيغية من المحرمات لأسباب قد ‏نتلمسها في سعي بعض (القومجيين) العرب أو بعض المتعصبين العروبيين إلى طمس معالم كل اختلاف قد يخلق ‏خلافا ويضيع عليهم أو على أبنائهم المناصب السياسية وكراسي الحكم الوثيرة، فإن هذا لن يحول دون انبعاث ‏مغاربي جديد يسعى لإبراز التعدد والاختلاف ويرفض سياسة الهيمنة وانتهاج منهج القولبة الأحادية البعد. هناك ‏من لازال يعتبر الكلام عن البربر باللغو المحرم. لكن هيهات، ثم هيهات‏‎!‎‏ قد تقطع وتجز وتبتر الأوراق والثمار ‏والأغصان والجذوع، وتبقى الجذور ضاربة في الأعماق لا تفتأ تنبث بعد حين، خصوصا إن كانت قد عمرت ‏آلاف السنين. ‏
نعم، التاريخ ذاكرة الشعوب، ومن ثم فهو أهم عوامل وعي هذه الشعوب بذاتها وأقوى محرك يوجهها نحو ‏مستقبلها. وربما كان هذا هو السبب في سعي القوى العدائية - القوى المخطئة - إلى التعتيم على تاريخ الشعب ‏المغاربي، إما بالعمل على طمسه وتزييفه والاستخفاف بمضامينه ووصفه بالتاريخ الذي مات وقبر وانتهى أمره ‏إلى الأبد، وإما بالنفخ فيه، لحد أن البعض كاد يجعل من العرب كلهم شرفاء من سلالة النبي عليه الصلاة والسلام، ‏والبعض الآخر كاد يجعل من البربر شعب الله المختار فوق أرضه. وعوض الدفاع عن أصل إثني طاهر، سواء ‏من جهة المتعصبيين البربر أو المتعصبين العرب، يجب أن نقبل بأن المغاربيين شعب متوسطي تميزه خصائص ‏سوسيو-تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية موسعة أكثر من الخصائص الإثنية أو حتى اللغوية، كما أنه يشترك ‏في الاعتقادات والعادات والتقاليد. والمهم الآن، بالنسبة لنا كمغاربيين، بربرا وعربا على حد السواء، هو ضرورة ‏التعرف على تاريخ أرضنا وتاريخ جزء كبير من شعبنا حتى لا نخطئ المرمى في المستقبل ونعيد أخطاء الماضي ‏التي همشت جزءا من ثقافتنا عبر تهميش وإلغاء دور جزء من شعوبنا لقرون من الزمن. ‏
وبعيدا عن كل اعتداد مفرط بالنفس الأمازيغية، بعيدا عن كل توجه عنصري يرتكز على التمييزات الإثنية، ‏بعيدا عن أية نزعة دينية أو إيديولوجية أو عرقية، حان الوقت ليتعرف المغاربيين، عربا وبربرا، على تاريخ ‏المغرب الكبير الضاربة جذوره في القدم. ونركز هنا على تاريخ البربر لما عرفه من تهميش ننأى بأنفسنا عن ‏الخوض في مسبباته، لأننا لا نسعى إلى إذكاء الأحقاد بقدر ما نسعى إلى تثبيت فكرة تفيد بأن جميع المغاربيين هم ‏بربر وعرب في ذات الآن. من حقك، أو بالأحرى، من المفروض عليك، أيها العربي الهلالي أو السليمي أو ‏المعقلي القادم من الصحراء العربية، من حقك أيها الموريسكي النازح من الأندلس، من حقك أيها البربري الحر، ‏ولنقل من حقكم أيها المغاربيون، من حقكم أن تتعرفوا على تاريخ بلدان تسكنونها، تاريخ بدأ قرونا قبل الفتح ‏الإسلامي، ثم أحيي من جديد وترعرع وازدهر في ظل الحضارة الإسلامية المجيدة. ‏
يجب سبر أغوار المسكوت عنه والتقريب بين الثقافتين الأمازيغية والعربية، وليس المباعدة بينهما. إن التاريخ ‏لا يعجن من جديد، أو قد يعجن في قراءة مغايرة، لكن ليس بمواد جديدة، ومسار الأمم لا يعود إلى الوراء، لذا ‏يجب جلي الغبار عن بعض جوانب تاريخنا المغاربي المجيد من دون الشعور بالاستعلاء أو تكريس الشعور ‏بالضعف أو الدونية. وإننا نعتبر صادقين، لسد بعض الأفواه التي تردد كلاما ملغوما مأزوما يستوردونه من ‏الخارج، أن لا وجود لشعب يخلو من خطيئة، كما لا وجود لشعب مختار أو شعب شريف منزه. ومتى اعتبر ‏المغاربيون أنفسهم جميعا أمازيغيين لأنهم بأرض احتضنت حضارة البربر لقرون، ومتى اعتبر المغاربيون أنفسهم ‏جميعا عربا لأنهم عاشوا حضارة عربية-إسلامية قبلوها طيلة ردح من الزمن، ثم صنعوها بأفكار رجالاتهم بمنأى ‏عما كان يدور في الشرق، أصابوا قسطا من راحة البال، وتوجهوا إلى بناء المغرب الكبير بعيدا عن التهافت ‏المقنع وهرطقات بعض المزق هنا وهناك الداعية للتفرقة والمسرفة في الدعوة إلى تبني فكر الاختلاف الإثني ‏العقيم المتناسي لاختلاط الدماء والأفكار والأحلام. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا تعتبر الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة خطوة تم


.. الناتو يعلن عن خطة شاملة لتسليح وتمويل الجيش الأوكراني




.. نافذة إنسانية.. شبح الجوع يعود إلى شمال غزة مع استمرار إغلاق


.. وزير الإعلام السعودي: دور الحكومة أصيل في تنظيم الحج ولا أحد




.. -عن روح أبي-.. طفل من غزة يوزع التمر صدقة عن والده الشهيد