الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاضرات في البلاغة ح6 (من أبواب علم المعاني الإنشاء الطلبي، الاستفهام).

مديح الصادق

2023 / 10 / 27
الادب والفن


الاستفهام: هو أحد أنواع الإنشاء الطلبي في علم المعاني في البلاغة، وقد ذكرنا قبله (الأمر، والنهي)، وقد اتفق علماء اللغة على أنَّ الاستفهام هو طلب العلم بشيء لم يكن معلوماً من قبل وذلك بإحدى أدواته، وهي ثلاثة أقسام:
أولاً- (الهمزة): يُطلب بها التصوّر تارة، والتصديق تارة أخرى.
ثانياً- (هل): يُطلب بها التصديق فقط.
ثالثاً- بقية ألفاظ الاستفهام: (ما، مَنْ، متى، أيَّانَ، كيفَ، أينَ، أنَّى، كمْ، وأيّ): يُطلب بها التصوّر فقط.
...........................
أولاً- الهمزة:
يُطلب بالهمزة أحد أمرين: أ- (التصوّر)، ب- (التصديق).
أ- التصوّر: هو إدراك المفرد في السؤال، نحو: (أفاطمةُ حضرتْ أم سلمى؟) في حال تصورك أنَّ واحدة منهن قد حضرت؛ لكنّك تطلب تعيينها؛ ويكون الجواب بتعيين إحداهما، فيقال مثلاً: (فاطمةُ).
(الهمزة) التي لطلب التصوّر يجب أن يليها المسؤول عنه بها، ويكون له- غالباً- مُعادِل يُذكر بعد (أم) التي تُسمى (أم المُتَّصلة)، وأحياناً يُستغنى عن (أم والمُعادِل)، نحو: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ؟}.
.................................
المسؤول عنه بعد الهمزة يكون:
1- المُسندإليه: (أعليٌّ سافرَ أم أحمدُ؟).
2- المُسند: (أجاهزٌ هو أم متلكِّئٌ؟).
3- الحال: (أمسروراً استقبلتَ ليلى أم مُكتئباً؟).
4- الظرف: (أيومَ الجمعةِ تسافرُ أم يومَ السبتِ؟).
5- المفعول به: (أدعاءَ تقابلينَ أم منيرةَ؟).
.....................
ب- أو يطلب من الهمزة التصديق: وهو إدراك وقوع نسبة تامة بين المسند والمسند إليه أو عدم وقوعها؛ بحيث يكون المتكلم خالي الذهن مما استُفهم عنه في جملته، مصدِّقًا للجواب إثباتاً ب(نعم) أو نفياً ب(لا).
يكون التصديق غالباً في الجمل الفعلية، نحو: (أنجحَ محمدٌ؟)، تستفهم عن ثبوت النسبة ونفيها، وفي هذه الحالة يُجاب إمّا ب(نعم)، أو ب(لا)، ويكون التصديق قليلاً في الجمل الاسمية، نحو: (أعليٌّ مسافرٌ؟).
همزة التصديق لا يجوز أن يُذكر بعدها (أمْ، ومُعادِل)، فإن جاءت (أم) بعدها قُدِّرت (منقطعة) وتكون بمعنى (بل):
"ولستُ أُبالي بعدَ فقديَ مالكاً... أموتيَ ناءٍ أم هو الآن واقعُ".
.................................
ثانياً- (هلْ): يُطلب بها التصديق فقط؛ أي معرفة وقوع النسبة أو عدم وقوعها لا غير، نحو: (هل حقَّقتْ انتفاضةُ تشرينَ أهدافَها؟).
أمور تخصّ (هلْ):
أ- لا يُذكر مع (هلْ) (المُعادِل بعد أمْ المتصلة)؛ لهذا لا يجوز القول: (هلْ أنتَ الفائزُ أم عبدُ اللهِ؟)، وإن جاءت كذلك (أم) هنا فهي منقطعة بمعنى (بل)، للإضراب، وليست متصلة، نحو: (هلْ قابلتَ هنداً أم بثينةَ؟). بمعنى: (بلْ بثينةَ).
"هَلْ يَسْمَعَنِّي النَّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ… أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ؟".
ب- لا يُستحسن استعمال (هلْ) في جملة تقدم فيها المعمول على الفعل، نحو: (هلْ زيداً شكرتَ؟)، أو (هلْ أمامَ الدار انتظرتَ؟).
ج- (هلْ) مثل (السّين وسَوْف)؛ تُخلّص المضارع للاستقبال، فإن قيل لك: (أُقابلُكَ الآنَ) فليس صحيحاً قولك: (هل تصدُقُ؟)؛ بل تقول له: (أتصدُق؟)؛ لذلك قوي اتصالها بالفعل لفظاً أو تقديراً، نحو: (هلْ تفوزُ هدى؟)، أو (هلْ هدى تفوزُ؟).
د- إذا عُدِل عن الفعل إلى الاسم كان هذا العدول أبلغ في إفادة المقصود، نحو: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ؟}؛ فهذا التركيب أبلغ من القول: (هلْ تشكرونَ؟).
...................................
ه- (هلْ) لا تدخل على:
1- المنفي: لا يجوز: (هلْ لا يقدمُ الضيف؟)؛ لأن هل في الأصل بمعنى قد، وهي لا تدخل على المنفي، فلا يقال: (قد لا يقدمُ الضيفُ)، وهي مخصوصة بدخولها على النسب المثبتة، سواء أكانت جملًا فعلية أو اسمية، وعدم دخولها على المنفي لا ينافي أنها لطلب التصديق مطلقاً؛ سواء في الإيجابي أو السلبي.
2- ولا على المضارع الذي هو للحال: لا يجوز: (هلْ تستقبلُ أباكَ وهو داخلٌ؟).
3- ولا على (إنَّ): لا يجوز: (هلْ إنَّ الطوفانَ قادمٌ؟).
4- ولا على الشرط: لا يجوز: (هلْ إذا ناديتُكَ تُسعفُني؟).
5- ولا على حرف العطف: لا يجوز: (هلْ وتحضرُ زهرةُ؟) أو: (هلْ ثمَّ تحضرُ زهرةُ؟)،
أي: لا تقع (هل) قبل الحرف العاطف بل تقع بعده دائماً.
ملاحظة1: الهمزة تدخل على جميع ما ذُكر.
ملاحظة2: (الهمزة، وهلْ) يُسأل بهما عمَّا بعدهما؛ لأنهما حرفان ليس لهما معنًى مُستقلّ.
......................................
ثالثاً- بقية أدوات الاستفهام: وهي تُفيد (التصوّر فقط)، فيُسأل بها عن معناها، ليكون الجواب معها بتعيين المسؤول عنه، وهي:
(ما، مَنْ، متى، أيَّانَ، كيفَ، أينَ، أنَّى، كمْ، وأيّ).
1- (ما): للاستفهام عن أفراد غير العقلاء، ويُطلب بها:
أ- إيضاح الاسم: نحو: (ما المُهنَّدُ؟)، الجواب: (السيفُ).
ب- بيان حقيقة المُسمَّى، نحو: (ما القمرُ؟)، الجواب: (كوكبٌ ليليٌّ).
ج- بيان الصفة، نحو: (ما ليثٌ؟)، الجواب: (شجاعٌ) أو ما شابه ذلك.
............................................
2- (مَنْ): يُطلَب بها تعيين أفراد العقلاء، نحو: (مَن كتبَ قرآنَ النحوِ؟)، الجواب: (سيبويهِ).
.............................................
3- (متى): يُطلب بها تعيين الزمان، الماضي والمستقبل، نحو: (متى انتهتْ الحربُ العالميةُ الثانيةُ؟)، و(متى يزولُ النظامُ الرأسمالي العالمي؟).
...............................................
4- أيَّانَ: يُطلب بها تعيين الزمان المستقبل خاصة، في موضع (التهويل والتفخيم)، دون غيره، نحو: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؟}.
..............................................
5- (كيفَ): يُطلب بها تعيين الحال، نحو: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ}.
"وكيفَ أخافُ الفَقْرَ أو أُحرَمُ الغِنَى... ورأيُ أمير المؤمنينَ جَميلُ؟".
............................................
6- (أينَ): يُطلب بها تعيين المكان، نحو: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ؟}.
...........................................
7- (أنَّى): تأتي لمعانٍ كثيرة:
أ‌- بمعنى (كيفَ)، نحو: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا؟}.
ب- بمعنى (مِنْ أينَ)، نحو: {يَا مَرْيَمُ، أَنَّى لَكِ هَذَا؟}.
ج- بمعنى (متى)، نحو: (أنَّى تتمكنُ من زيارتي؟).
...........................................
8- (كمْ): يُطلب بها تعيين عدد مبهم، نحو: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟}.
...........................................
9- (أيّ): يُطلب بها تمييز أحد المتشاركين في أمر يعمُّهما، نحو: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا؟}.
(أيّ) يُسأل بها عن: (الزمان، المكان، الحال، العدد، والعاقل وغيره)، على حسب ما تُضاف إليه؛ فتأخذ معناها مما تُضاف إليه؛ فإن أُضيفت إلى ما تفيده (ما) أخذت حكمها، وإن أضيفت إلى ما تفيده (متى أو كيف) أو غيرهما من الأدوات السابقة أخذت معناها.
....................................
تخرج ألفاظ الاستفهام عن معناها الأصلي وهو (طلب العلم بمجهول)؛ فيُستفهم بها عن الشيء- مع العلم به- لأغراض بلاغية أخرى تُفهم من سياق الكلام ودلالته، وتزيد المعنى روعة وجمالاً،، وهذا ما يهمنا في بحثنا فيما يخص موضوع (البلاغة في الاستفهام)، وأهم هذه الأغراض البلاغية:
1- الأمر: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟} أي: (انتهوا).
...................
2- النهي: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ؟}.
"أَنَلهو وَأَيّامُنا تَذهَبُ... وَنَلعَبُ وَالمَوتُ لا يَلعَبُ؟".
"وَمَن مِثلُ كافورٍ إِذا الخَيلُ أَحجَمَتْ... وَكانَ قَليلاً مَن يَقولُ لَها اِقدُمي؟".
..................
3- التسوية: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ؟}.
..................
4- النفي: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ؟}.
فَعَلامَ يَلْتَمِسُ الْعَدُوُّ مَسَاءَتِي... مِنْ بَعْدِ مَا عَرَفَ الْخَلائِقُ شَانِي؟".
"إذا محاسني اللاتي أُدِلُّ بها... عُدَّتْ ذنوباً فقُلْ لِي كَيف أعتذرُ؟".
...................
5- الإنكار: {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ؟}. "مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ... إِذا كُـنـتَ تَـبـنـيـهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ؟".
"أفي الحقِّ أنْ يُعطى ثلاثونَ شاعراً... ويُحرمُ ما دونَ الرِّضا شاعرٌ مثلي؟".
...................
6- التشويق: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟}.
..................
7- الاستئناس: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى؟}.
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟}.
.....................
8- التهويل: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ؟}.
.....................
9- الاستبعاد: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ}.
...........................
10- التعظيم: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}.
"أَضاعُوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعُوا؟... لِيَومِ كَريهَةٍ وَسِدادِ ثَغرِ".
...............................
11- التحقير: (أهذا الذي قُلتَ عنه قولاً لا يستحقُّهُ؟).
..............................
12- التعجب: {مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ؟}.
"خَليلَيَّ فيما عِشتُما هَل رَأَيتُما... قَتيلاً بَكى مِن حُبِّ قاتِلِهِ قَبلي؟".
"فَعَلامَ يَلْتَمِسُ الْعَدُوُّ مَسَاءَتِي... مِنْ بَعْدِ مَا عَرَفَ الْخَلائِقُ شَانِي؟".
.................................
13- التهكم: (أضميرُكَ يقبلُ أنْ تسرقَ المالَ العامَّ؟).
"فدَعِ الوعيدَ فَما وعيدُكَ ضائري... أَطنِينُ أجنحةِ الذُّبَابِ يَضيرُ؟".
...........................
14- الوعيد: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ؟}.
........................
15- الاستنباط: {مَتَى نَصْرُ اللهِ؟}، ونحو: (كم حذَّرتُكَ ولم تتَّعظْ؟).
.......................
16- التنبيه على الخطأ أوالباطل: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟}.
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ؟}.
.........................
17- التحسّر:
"ما للمنازلِ أصبحتْ لا أهلُها... أهلي ولا جيرانُها جيراني؟".
.........................
18- التنبيه على ضلال الطريق: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟}.
............................
21- التكثير: " صَــاحِ هَــذِهْ قُــبُــورُنَــا تَــمْـلَأُ الـرُّحْـ. ـبَ فَــأَيْـنَ الْـقُـبُـورُ مِـنْ عَـهْـدِ عَـادِ؟".
............................
أتمنى أنْ أكون قد وُفقتُ في عرض المادة بما يسهِّل تلقيها.
نلتقي في الحلقة السابعة (التمنِّي) من مواضيع الإنشاء الطلبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا