الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2023 / 10 / 27
الادب والفن


تسمع ( وفاء ) جرس الباب يرن .. تتجه اليه بخطوات هادئة وتفتحه ، تدخل العمة .. تستقبلها ( وفاء ) بالأحضان والقبل في حب ومودة ، وأثناء سيرهما في الممر يقع نظر العمة على ثلاث حقائب كبيرة ممتلئة تكاد تسد الطريق .. تهتف مندهشة ، وهي غارقة في تفكيرها :
— ما هذا ، هل أنتم مسافرين ؟
— ابداً عمتي ..
— ماذا حدث .. ؟ هل رمزي في البيت .. ؟
— لا شيء .. رمزي خرج ولن يعود إلا بعد منتصف الليل ، ويا ليته يعود صاحٍ بل مخموراً على الآخر ..
— نعم .. ؟!
— مثلما سمعتي ، عمتي .
— أكيد فيه مشكلة ..
— لم اتصلت بكِ اذن ؟ دعينا نجلس أولاً ، ودعيني أضيفك ثانياً ..
— نجلس .. ها نحن جلسنا ، أما عن الضيافة ، فلا داعي لها .. لست غريبة ..
تبدأ ( وفاء ) بعد صمت قصير تخلله تقديم مشروب الضيافة :
— أنتِ تعرفين عمتي حكاية رمزي ، وخيانته لي مع صديقتي ( سهاد ) ..
— لست الوحيدة التي تعرف .. الكل يعرف .. ( تبتسم .. ) .. عدا المغفل زوجها ، طبعاً .. !
— خلينا في المهم .. كل امرأة في مكاني كانت لا تكتفي بأقل من الطلاق لأن السكوت على الخيانة ، واعادت تدوير الحياة من جديد مع زوج خائن .. وهم وخرافة .. عندها كل الحق من تطلب الطلاق وتبدأ حياة جديدة مع رجل آخر يعرف قيمتها ، ويكون أميناً على العهد المتفق عليه بينهما .. أما أنا .. ماذا فعلت ؟ خرجت عن الاجماع ، و ( سامحته ) .. نعم سامحت رمزي على طعنة الغدر التي سددها الى خاصرتي بعد عشرة طويلة تحت سقف واحد ، لأني كنت أعتبر الطلاق ليس حلاً ، وأوهمت نفسي بمبررات تافهة تدعم قراري هذا .. مثل : أني أحب زوجي ، ولا أريد أن أهجم بيتي بيدي ، وهي نزوة وذهبت لحالها .. الى آخر اسطوانة العجائز المشروخة .. حتى أصبحت موضوعاً مسلياً للتنكيت والتندر بين النساء في جلساتهن ، واتهمني البعض منهن بأني بموقفي المتسامح هذا مع زوجي كأني أشجع الرجال على الخيانة .. !
إنها حماقة مني عندما تصورت بأن الغفران مجرد كلمة نطلقها هكذا ببساطة ، وينتهي الامر بلمسة سحرية ، وتعود الحياة الى طبيعتها ، ولا كأن شيئا قد حدث .. لكن الذي حصل بعد ذلك عمتي نسف كل شيء .. استيقظت من غفوتي فجأةً على أعقد مشكلة أمر بها في حياتي ، ولا أعرف لها حلاً .. لهذا أنا بحاجة الى مشورتك لتساعديني .. ( تتوقف .. تتناول جرعة ماء وتُكمل .. )
مؤكد أن كل امرأة تعرضت الى ما تعرضت اليه ، وتطلقت وبدأت حياة جديدة كانت على صواب .. لان الخيانة الزوجية عمتي لا مساومة عليها البتة .. تصوري بدأت منذ فترة أدرك هذه الحقيقة ، وأعترف بيني وبين نفسي بأني أخطأت .. حتى بدأت أعيد محاكمة رمزي من جديد وأتسائل .. لماذا خانني هذا الجاحد ؟ ما الذي عند سهاد غير موجود عندي ؟ أنا أجمل منها وأرقى بإجماع الكل .. طيب لماذا خانني معها اذن .. ؟ هل هي ساخنة وأنا باردة ، مثلاً ؟ هل هي لحظة ضعف عابرة مرت به ، أم أن الخيانة متأصلة عنده تسري مسرى الدم في شرايينه ؟ هل أحبها وفضلها علي ، أم أنه مجرد قناص فرص .. شهيته مفتوحة تستقبل كل أنواع النساء .. ؟
ثم من يضمن لي أن لا يخونني مع امرأة أخرى مازال عنده زوجة غبية مثلي تغفر له زلاته .. لم لا يفعلها ثانية وثالثة ، وحتى عاشرة .. ؟ أتصدقين عمتي .. بدأت أشعر بأني أعيش مع لص .. نعم لص ومجرم بعد .. ممكن أن ينسل كالثعبان في أية لحظة ، ويسطو على شرف رجل آخر .. من أقاربي ، أو من أصدقائي ، أو حتى من جيراني .. لا لا لا .. لقد أخطأت عندما سامحته .. هذا مؤكد . كان يجب أن أنفصل عنه الى الأبد .. نعم .. لقد بدأت أفكر جدياً في تصحيح هذا الخطأ ، وأطلب من رمزي الطلاق ، وليذهب كل واحد منا في طريقه مازال المانع كالأطفال غير موجود ، بدلاً من هذا العذاب الذي نعاني منه كلانا !
تُصغي العمة في ذهول كأنها لم تفهم شيئاً من هذا الهذيان ، وتطلب من وفاء أن تدخل في صلب الموضوع .. !
— لا أدري عمتي ما الذي أصابني .. منذ أن بدأنا نستعيد حياتنا أنا ورمزي الخائن حتى بدأ يخيل الي أني أرى سهاد تشاركني إياه الفراش .. نعم .. سهاد الخائنة بلحمها وشحمها ووجهها الكالح القبيح تتقلب معنا على نفس السرير ، وعارية أيضاً .. ( تبتسم العمة .. ) .. تصوري .. ! .. تنتابني رعدة .. أهب من تحته مفزوعة أكاد أصرخ .. تتقطع أنفاسي ، وتتبلد مفاصلي ، وتبرد رغبتي .. يقبلني .. يداعبني .. يحركني .. لا فائدة .. أتخشب تحت لمساته ، ولا أستجيب ، ثم أراه .. يتبرم .. ينفخ أنفاسه يكاد أن ينفجر ، وفي النهاية .. يرميني على جنب كأني فضلات لا فائدة منها .. ثم يستدير ويعطيني ظهره ، ويغط في نومه كحيوان طريد .. ( تعض شفتيها ، وتغالب دموعها ، ثم تُكمل .. ) .. !
آه كم أنا تعيسة ، عمتي .. ! أكاد أموت في مكاني من الاحباط .. تصوري بدأت أتهرب من المعاشرة رغم شوقي لها .. أتظاهر بالنوم الى أن أطمئن بأن رمزي قد ترك الفراش ، وغادر المنزل ، فأجدها فرصة لأقوم الى شأني .. حتى بدأ يغضب ويثور ، وفي يوم قذف بها في وجهي حزمة تهم باطلة .. بأني مجنونة رسمي ، وباردة كالثلج ، وبأني لا أحبه .. نزلت كلماته كالسياط تلهب جسدي المنهك وروحي المعذبة .. أحبه عمتي رغم ما فعله بي .. انه زوجي وقدري على أي حال ، وفي شوق دائم اليه كشوق السمكة الى الماء ، لكني أريده لي وحدي لا تشاركني فيه العاهرة سهاد هذه .. !
تحدق فيها عمتها في دهشة .. مصدومة مما تسمع من غرائب ، ومما ترى من انفعالات هستيرية غريبة على وجه بنت أخيها .. كأنها بدأت تشكك بسلامة قواها العقلية ، وتحتار في الرد :
— أتعرفين عزيزتي وفاء أن حكايتك هذه أغرب حكاية أسمعها في حياتي على الاقل لحد الآن .. لماذا تعذبين نفسك ، وتعذبين زوجك ، ونحن معكما .. ؟ اهدئي أرجوك .. لا توجد في الفراش لا سهاد عارية ولا غيرها .. انها محض هلوسات .. حرري عقلك ورغبتك من أسرهما .. تفاعلي مع زوجك ، وأعطِ المعاشرة حقها كما تعطين أي نشاط آخر حقه ، ولا تبخلي على زوجك بشيء أنت قادرة عليه ، وأديري ظهرك الى سلبيات الماضي ، وابدأي من جديد ، وأوفي بعهدك له ما دمتي سامحتيه وعيشا حياة طبيعية ، وتمتعا بها ..
يبدو أن كلمات عمتها لم تستأثر باهتمامها ، فتقاطعها بشيء من الاستنكار والملل :
— سامحيني عمتي لا يوجد ما هو أسهل من هذه الكليشة التي ترددينها علينا دوماً .. اعذريني إن أسأت التعبير .. أتريدين مني أن أنسى الماضي ، وأعيش حياة طبيعية بكبسة زر .. مثلاً ؟ كيف ذلك ؟ توجد أمور قاهرة خارجة عن سيطرتنا لا نملك معها حول ولا قوة .. ثم ماذا عساني أنسى ، عمتي ؟ أأنسى أثر أظافرها مغروز في ظهره ، أم رائحته التي أشم فيها رائحة عطرها الرخيصة المبتذلة التي أحفظها .. ؟!
— عزيزتي وفاء ، يا بنت أخي ، يا حبيبتي .. سأكون صريحة معكِ .. يبدو لي من كلامك - عذراً - المشوش هذا أنك لم تخرجي بعد من صدمة الخيانة الزوجية الفظيعة ، وما محاولاتك في الظهور بمظهر الزوجة السعيدة المتماسكة إلا محض هراء .. ( تبسط العمة ذراعيها ، وتحيط بهما كتفي وفاء الضيقين وتقول بعطف .. ) : حبيبتي .. أنا لا أفرض عليك رأياً قاطعاً في أن تواصلي حياتك مع رمزي ، أو تتركيه .. الخيار متروك لكِ .. أنت امرأة ناضجة ، وعليك أن تقرري مصيرك بنفسك !
— لا أدري عمتي .. معكِ حق في كل ما تقولين .. أنا فعلاً مشوشة .. الأمر لم يكن هيناً علي .. كانت صدمة قاسية غير متوقعة .. صدمةُ حياتي كلها التي كادت أن تُطيح بعقلي .. خيانة مزدوجة .. تصوري عمتي .. زوجي يخونني مع صديقتي ، وصديقتي تخونني مع زوجي .. كلاهما خائن والضحية واحدة .. كدت أموت فيها .. حتى حرمت أصادق بعد ذلك .. أشعر أني فعلاً فشلت في تجربتي الأولى هذه ، ولم أعد قادرة على مواصلة الحياة مع هذا الزوج الذي أهانني ، وأخل بقسم الحب والوفاء حتى نهاية العمر الذي أقسمناه سويةً أمام الله وأمام أنفسنا .. خيبة أمل كبيرة ، عمتي .. ! أحيانا أتطلع فيه ، وأتذكر تفاصيل خيانته لي واتسائل : هل كان ينظر اليها في طمع ورغبة واشتهاء من وراء ظهري ، وهي تزورني ؟ هل أتفقا وخططا على نار هادئة لارتكاب جريمتي الخيانة والفاحشة معاً ، وأنا غافلة ؟ هل يا ترى كان يهمس في أذنها ، وهي بين ذراعيه أثناء العلاقة نفس كلمات الغزل التي اعتاد أن يهمسها في أذني ؟ مالذي قدمَته من نفسها أكثر مما أقدمه أنا ؟ هل كان جسدها أكثر حياةً من جسدي الذي ياما اتهمه بأنة ميت أو شبه ميت .. ؟ يا الله .. ! ( ترتجف ويشحب لونها .. ) .. كيف لي أن أواصل الحياة مع هكذا انسان خسيس ملوث بجرثومة الخيانة ؟ جرح عميق عمتي ترك ندبة في قلبي وروحي لا يمكن ازالتها مهما أبديت من التحمل والوداعة والتسامح ! .. كل هذا وهو لم يظهر ندماً حقيقياً يبعث الطمأنينة والأمان في نفسي .. يبدو أنه يرى فيَّ الزوجة الضعيفة المستكينة الخانعة الغير قادرة على حسم الأمور .. صدقيني عمتي .. انه لا يستحق ذرة مما تحملته من أجله من عذاب لا يعلم به إلا الله .. !
كأن العمة فهمت قرار وفاء النهائي ، فأرادت أن تنهي الحديث :
— وما سر هذه الحقائب المطروحة في الممر ؟
تجيب وفاء موضحة بعد أن تتوقف قليلاً لتمسح العرق من على جبينها ، وتتناول رشفة سريعة من ماء بارد ترطب بها بلعومها الذي يكاد أن يجف ويتشقق :
— انها لتصحيح المسار كما قلت لكِ .. سأعود معك الى بيت أبي دون رجعة .. لأني لم أعد قادرة على مواصلة الحياة مع هكذا زوج خائن .. لقد فقدت الثقة به ، وبكل الرجال تماماً ..
ترد العمة مستدركة :
— به .. قد أتفهمها ، أما بكل الرجال ، فعندي تحفظ عليها .
وعند منتصف الليل يعود رمزي الى البيت ، وهو يتمايل مخموراً .. مثقلاً بالهموم :
— وفاء .. وفاء .. يا وفاء ..
لا يسمع إلا تردد صدى صوته .. يطوف بين الغرف .. لا يجد لها أثراً .. ينتهي به المطاف في غرفة النوم .. يرى الدواليب مشرعة وخالية من الملابس .. يلقي بجسده المتعب على الأريكة .. يريح رأسه بين راحتيه ، ويطرق تتقاذفه الأفكار .. كأنه فهم انها لحظة النهاية .. !!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل