الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقفنا من قضية الإصلاح الدستوري

الحزب الشيوعى المصرى

2006 / 11 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قبل الحديث عن تغيير أو تعديل الدستور في مصر، لابد من البحث عن الأسباب الحقيقية للأزمة السياسية وتحديد من المسئول عنها.. ونحن نرى جوهر الأزمة يكمن في طبيعة نظامنا السياسي وممارساته الاستبدادية التي حولت البلاد إلى دولة بوليسية تنتهك حقوق المواطنين، وتزور إرادة الشعب، وتحاصر الأحزاب والقوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني، وتعادي مصالح الأغلبية الكاسحة من الكادحين والفقراء، وترسخ مناخ غيبي لا عقلاني يصادر حرية الفكر والإبداع؛ مما أدخل المجتمع في النهاية في أزمة عميقة تشمل الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، بل وتشمل المجتمع كله حكاما ومحكومين.
والحلقة الرئيسية في هذه الأزمة تتمثل في التركز الهائل للسلطات في يد رئيس الجمهورية بحكم الصلاحيات الممنوحة له في الدستور، وبحكم الممارسات الواقعية نتيجة التاريخ الطويل من الاستبداد مما كرس هيمنة مؤسسة الرئاسة على كافة المؤسسات والهيئات في الدولة، وتغول السلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية.. وكل ما نحن فيه ونعاني منه إنما يسير وفق توجيهات السيد الرئيس، حتى طلب تعديل الدستور يتم أيضا وفق رغبته وإرادته... ومن هنا فإن أي حديث عن تعديلات دستورية لا تواجه هذا العوار الدستوري إنما سوف تكون مجرد تعديلات شكلية، وعملية ترقيع للثوب المهلهل ستؤدي حتما إلى تكريس ما هو قائم بالفعل.
ورغم أن تقدم وازدهار وحيوية أي مجتمع ديمقراطي يبدأ من احترام الدستور، إلا أنه لم يتعرض أي دستور للانتهاك مثلما يتعرض له دستورنا حسب مشيئة الرئيس، فالسادات عدل المادة 77 لكي يضمن بقائه في السلطة مدي الحياة، والرئيس مبارك يطلب تعديل المادة76 ليضمن بقائه وتوريث الحكم من بعده، رغم استمراره في الحكم لأكثر من25 عاما.
والنظام الحاكم الذي يمثل مصالح الرأسمالية الكبيرة والطفيلية ينتهك مواد الدستور كل يوم، ومن أمثلة ذلك نجد المادة الرابعة من الدستور؛ والتي تحدد الأساس الاقتصادي بأنه (النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم على الكفاية والعدل بما يحول دون الاستغلال، ويؤدي إلى تقريب الفوارق بين الدخول ويكفل عدالة توزيع الأعباء)، ولكن الواقع الفعلي يظهر الفوارق الهائلة في الدخول بين الفقراء والأغنياء، وانتشار المحسوبية والفساد والكسب الغير مشروع.
كذلك المادة 13 من الدستور؛ والتي تؤكد على (أن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة)، إلا أن ما يحدث هو استشراء البطالة بين الشباب والخريجين، وأضيف إليهم أعدادا ضخمة وفقا لسياسات الخصخصة والمعاش المبكر.
نفس الوضع في المادة 17 والتي تؤكد على (كفالة الدولة لخدمات التأمين الصحي ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا)، والواقع هو استيلاء الحكومة على أموال التأمينات التي تجاوزت 220 مليار جنية، وتتجه حاليا لخصخصة التأمين الصحي.
وهناك المادة20 والتي تؤكد على (مجانية التعليم في مراحله المختلفة)، إلا أن كل بيت في مصر يعرف أن ذلك أصبح أكذوبة كبيرة.
كذلك المادة30 من الدستور والتي تؤكد على أن (الملكية العامة هي ملكية الشعب وتتأكد بالدعم المستمر للقطاع العام)، والحاصل الآن هو أن الدولة تبيع القطاع العام جملة وقطاعي وبأبخس الأثمان وتعتمد سياسة خصخصة كل شيء.
والمادة37 والتي تتحدث عن (ضرورة تحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية بما يضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال)، ولكن ما يتم بالفعل هو طرد فلاحي الإصلاح الزراعي بل وعاد الإقطاع ليطل برأسه من جديد وبتواطؤ من سلطات الدولة وأجهزتها.
وأكبر انتهاك دائم للدستور هو استمرار فرض حالة الطوارئ لأكثر من ربع قرن وهي التي تلغي عمليا العديد من مواد وأحكام الدستور التي تتعلق بالحقوق والحريات وسيادة القانون واستقلال القضاء. والحقيقة أنه لا معنى للحديث عن أي تعديلات دستورية ما لم يتم إنهاء حالة الطوارئ، وعدم استبدالها بقوانين دائمة بزعم مكافحة الإرهاب.
يضاف إلى ذلك وجود ترسانة من القوانين المقيدة للحريات (المكملة للدستور) والتي تصادر كثير من الحقوق التي أقرها الدستور مثل قانون الأحزاب وقانون الجمعيات الأهلية وقانون تنظيم الصحافة والنشر وغيرها من القوانين التي يجب النضال من أجل تغييرها حتى يمكن إحياء الحياة السياسية في المجتمع.
إننا بصراحة ننطلق من أن الإصلاح الدستوري هو جزء لا يتجزء من عملية نضالية طويلة تخوضها القوى الوطنية والديمقراطية في المجتمع أحزابا ونقابات واتحادات ونوادي ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات عامة. مع التأكيد على أن هناك حزمة متكاملة من المطالب الأساسية لابد من العمل على تحقيقها حتى يمكن لأي تعديلات دستورية أن تكون فاعلة.
ولقد شاركنا في الفترة الماضية بفاعلية سواء في لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية التي حددت مبادئ ومهام الإصلاح السياسي والديمقراطي، كما شاركنا في لجنة الدفاع عن الديمقراطية التي أصدرت "مشروع تعديل الدستور للحد من صلاحيات رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية وزيادة فاعلية السلطة التشريعية والقضائية".
ولكن المشكلة الأساسية تكمن في الانقطاع وعدم الاستمرارية وعدم قدرة هذه القوى على تعبئة وتنظيم الجماهير للضغط من أسفل لفرض هذا التغيير مما سهل على النظام عدم الالتفات إلى هذه المطالب بل وقيامه بمناورات مستمرة لإرباك قوى المعارضة وإضعاف تماسكها.
وموقفنا من قضية الإصلاح الدستوري يتلخص في ضرورة النضال من أجل إقامة جمهورية برلمانية على أساس دستور جديد تتم صياغته من خلال جمعية تأسيسية تضم الجميع دون تمييز. دستور يؤكد على المبادئ الأساسية التي تكفل قيام دولة مدنية علمانية، ويكرس حقوق المواطنة، والقانون الوضعي، ويحترم إرادة الشعب كمصدر لكل السلطات، ويرسخ مبدأ الفصل بين السلطات، واستقلال السلطة القضائية، ووضع نظام انتخابي يسمح بالتداول السلمي للسلطة مع ضرورة التأكيد على ضمان وكفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأغلبية الكاسحة من الكادحين.
غير أنه لا يمكن الحديث عن تغيير الدستور وتشكيل لجنة تأسيسية إلا بعد فترة انتقالية كافية يتم فيها إلغاء حالة الطوارئ وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وانتزاع الحقوق الديمقراطية وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات والاتحادات والجمعيات، وإجراء انتخابات حرة نزيهة مما يتيح للقوى السياسية أن تمارس صراع سياسي في إطار من الحرية والمنافسة السلمية. وذلك لأن توازن القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع هو توازن مختل بشكل صارخ لصالح قوى اليمين المحافظ بالإضافة إلى التاريخ الطويل من استبداد السلطة وممارسات الدولة البوليسية والذي أضعف الحياة السياسية والديمقراطية في البلاد.
إن تغيير الدستور في ظل هذه الأوضاع دون فترة انتقالية كافية سوف يؤدي إلى تأكيد السلطة الاستبدادية، وترسيخ المصالح السياسية والاقتصادية للرأسمالية الكبيرة الحاكمة.
وفي إطار هذه الفترة الانتقالية لابد من الضغط من أجل إجراء بعض التعديلات الدستورية التي تساهم جزئيا في تطوير المناخ الديمقراطي، رغم تحذيرنا من استمرار محاولات السلطة لشق صفوف المعارضة وإفراغ هذه التعديلات من محتواها الديمقراطي بهدف التوريث. ونحن نتمسك بالتعديلات التي تحد من صلاحيات رئيس الجمهورية (إلغاء تسع مواد من الدستور وتعديل 23 مادة) والتي جاءت في مشروع لجنة الدفاع عن الديمقراطية التي تضم عدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
ونحن نؤكد بشكل خاص وعاجل على ضرورة إلغاء المادة 74 من الدستور وتعديل المادة 76 بشكل يكفل حق المواطنين في الترشيح أحزابا ومستقلين، وتعديل المادة 77 لكي تكون فترة الرئاسة 5 سنوات بحد أقصى فترتين، والتمسك بالمادة التي تضمن الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات مع اقتصار تشكيل اللجنة العليا للانتخابات على القضاة غير القابلين للعزل، وأن تتولى الإشراف على العملية الانتخابية من بدايتها حتى إعلان النتائج وان يتم الأخذ بنظام القائمة النسبية المفتوحة وغير المشروطة في الانتخابات النيابية.
إن الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني مطالبة الآن بأن توحد موقفها في هذه المعركة، وألا تنجرف إلى معارك فرعية فيما بينها، وأن تتفق على الحد الأدنى الذي يجب عدم التنازل عنه، إن البلاد في مفترق طرق فإما أن نفتح الطريق نحو الديمقراطية والمستقبل بنضالنا وتضحياتنا، وإما أن تغرق البلاد لفترة طويلة في مسلسل الكوارث والفوضى والاستبداد والتخلف والظلام.
5 نوفمبر 2006









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟