الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مآلات الحرب على غزة

علاء عدنان عاشور
محامي وكاتب وباحث في السياسة والأدب والفلسفة والإقتصاد والقانون .

(Alaa Adnan Ashour)

2023 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


مآلات الحرب على قطاع غزة

المقدمة :
تستمر دوامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قائمة ، ولا حل جذري لها ، يُجنب المنطقة تبعات التصعيد وتوسع الصراع ليعم المنطقة بأكملها .
فها هي إسرائيل ترتكب المجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة ، أمام مرآى العالم أجمع وبدعم غربي صريح ، جسدته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون بدعم سياسي وعسكري لا محدود للكيان الصهيوني الغاصب .
وكل هذا الإنتقام الوحشي الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة لكي تغطي هزيمتها المدوية في السابع من أكتوبر على أيدي أبطال المقاومة الفلسطينية ، الذين جسدوا أروع صور النصر والعزيمة والتحدي في مواجهة آلة الحرب الصهيونية المدعومة من الغرب .
فلقد رأينا هذا الوهن في الجبهة الداخلية الإسرائيلة التي تشبه بيت العنكبوت ، ورأينا إذلال ما يسمى بالجيش الذي لا يقهر ، هزمته تنظيمات فلسطينية مقاومة بعدة وعتاد متواضعين ،
أمام جيش كبير ومدجج بأفضل أنواع الأسلحة الأمريكية والغربية .
وبعد أن إستوعبت دولة الإحتلال الضربة القاصمة التي تلقتها ، أخذت تضرب بطائراتها المتطورة بيوت المدنيين في قطاع غزة مما أسفر عن آلاف الضحايا بين شهيد وجريح
، في عقاب جماعي لأهل غزة بحثاً من قيادة الإحتلال عن إنجاز ونصر معنوي يعيد هيبتها التي مرغت بالتراب .
وقيام دولة الإحتلال بتهجير السكان في قطاع غزة من شماله إلى جنوبه في محاولة للتهجير القسري للفلسطينيين إلى صحراء سيناء كما تحدثت القيادة المصرية بهذا الشأن والذي رفضته مصر بشكل قاطع جملة وتفصيلاً .
لكن رغم ذلك أثبت الشعب الفلسطيني وخلفه فصائل المقاومة بقوته وبسالته وتمسكه بأرضه وعدالة قضيته .
وبناءً على هذه المقدمة ،سأقدم بعض المعطيات التي سأحللها بالتفصيل ، والتي سنصل منها إلى نتائج توضح لنا ماهية النزاع ، والسبيل لمعاجته وإنهاؤه من جذوره .





المعطى الأول : التوازنات الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط :

بعد وصول الديمقراطيين للحكم في الولايات المتحدة وعلى الأخص تولي جو بايدن منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية ، أصبحنا نرى توازنات جديدة في منطقتنا العربية والإقليمية ، وقد تجلى ذلك بالمصالحة بين محور قطر وتركيا ومحور السعودية ومصر والإمارات ، وذلك على ما يبدو رغبة جادة من هذه الدول للوصول إلى توافق وتصفير للمشاكل فيما بينها ، وتحسين العلاقات بهدف تحقيق مصالح هذه الدول الإقتصادية والسياسية والأمنية عبر ترتيبات جديدة تحقق التوازن والإعتبارات الجيوسياسية لهذه الدول ، وإعتمادهم على أنفسهم في إدارة شؤون المنطقة وذلك بسبب وجود إنكفاء أمريكي عن المنطقة وتركيزه على النزاع في أوكرانيا والصراع في بحر الصين الجنوبي لمواجهة التمدد الروسي والصيني في العالم .





المعطى الثاني : تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران :

إن ما حصل من تطبيع للعلاقات بين السعودية وإيران برعاية ووساطة صينية ، كان مفاجئاً على الساحة الإقليمية ، وأحدث تحولات وتوازنات جديدة في الإقليم ، تجلت إنعكاساته على الأفق الجديد للعملية السياسية في اليمن بعد سنوات طويلة من الحرب هناك .
إن هذا التمدد الصيني في المنطقة ، أزعج امريكا التي أدارت مفاوضات للتطبيع بين السعودية وإسرائيل لإقامة تحالف جديد في المنطقة يكون تابعاً وخاضعاً للهيمنة الأمريكية ، بإعادة تفعيل إتفاقات أبرهام التي عقدت في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب .
لكن هذه الصفقة فشلت بإنتصار السابع من أكتوبر الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات الدولية وفق مبدأ حل الدولتين .
والذي أرى أنه سيعيد المبادرة العربية للسلام من جديد وفق المعطيات الحالية للصراع .




المعطى الثالث : الدور القطري المثير للجدل :

إن ما تلعبه قطر من دور في المفاوضات من أجل تحرير الرهائن الذين أسرتهم حماس ، وما تمخض عن ذلك بإطلاق سراح أربع رهائن لحد الآن ، يبين أن هناك ضوء أخضر أمريكي لقطر بأن تمارس هذا الدور الدبلوماسي ، بالنظر إلى علاقتها الجيدة مع حركة حماس ، ووجود المكتب السياسي للحركة في الدوحة ، وبناءً على هذا أعتقد أن هناك مفاوضات غير مباشرة تدور بين حماس والقوى الغربية في نطاق أوسع من إطلاق سراح الرهائن ، وإني أقرأ هذه المعادلة وفق ما يجري في المنطقة من حراك سياسي كبير لإنهاء الحرب على غزة .
وإني أحيل هذه الفرضية لما حصل سابقاً من تفاوض بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية على أرض الدوحة ، وما ترتب عليها من عودة طالبان للحكم في أفغانستان بعد إنسحاب أمريكي فوضوي منها .





المعطى الرابع : المشروع النووي الإيراني :

إن أهم معضلة تواجه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ، هو مسألة الملف النووي الإيراني والتموضع والنفوذ الكبير لإيران في المنطقة ، وإني أرى ملامح إنفراجة في هذا الملف ، إذا وضعنا في الحسبان إتفاقية تبادل السجناء بين البلدين والإفراج عن بعض الأموال المجمدة لصالح إيران والتي تبلغ قيمتها ستة مليارات دولار سيتم إيداعها في دولة قطر ، هو حسب قراءتي جزء من مفاوضات أوسع تتعلق بالمشروع النووي الإيراني ونفوذ وعلاقات إيران مع دول المنطقة .
وإن ما يجري في غزة من حرب ، والتي قد تمتد إلى لبنان أيضاً هو رسالة من إيران ومحور المقاومة للغرب والدول العربية المطبعة بأنكم لا يمكنكم تجاهل وجودنا ونفوذنا في المنطقة ، وأعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تعي ذلك وهي في طريقها لحل كل هذه التناقضات الجيوسياسية وفق رؤيتها ومصالحها الإستراتيجية .




المعطى الخامس : الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في شرق آسيا :

الجميع بات يرى ما يجري من حرب باردة بين الصين وروسيا من جهة وامريكا وحلفاؤها من الجهة المقابلة
، وإن الحرب في أوكرانيا والتوتر بين الصين وتايوان التي تدعمها أمريكا هو تجلي لهذا الصراع بين الغرب والشرق ،
ولا نهمل الصراع الإقتصادي بين البلدين ( الصين وامريكا ) على الهيمنة الإقتصادية على مقدرات العالم .
وبالتالي إن ما يجري في غزة من صراع له إنعكاساته على مشاريع الولايات المتحدة في المنطقة ، ومن ضمنها مشروع إقامة ممر إقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ، ويمر هذا الممر من الهند والسعودية والامارات والاردن واسرائيل وينتهي الى أوروبا ، لمواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني .
ولذلك نرى الفيتو الصيني والروسي في مجلس الأمن ضد القرارات الأمريكية المنحازة لإسرائيل بشأن الحرب في غزة .


الخاتمة :

قد أكون متفائلاً وربما أكون أشبه بمن يكتب رواية فانتازية ، لما أتوقعه لمستقبل المنطقة برمتها ، وخاصة فيما يتعلق بالحرب على غزة ، وإنني قد بنيت تحليلي على وقائع سابقة في حرب أكتوبر عام 1973 وما أعقبها من إتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل ، فربما تكون الظروف متشابهة إلى حد ما والشيء المشترك فيها هو وجود رئيس من الحزب الديمقراطي في البيت الأبيض ممثلاً بالرئيس جو بايدن ،
الذي أعتقد أن إنحيازه الكامل لإسرائيل في هذه الحرب وإرسال حاملات الطائرات للمنطقة رسالة للدولة العميقة في الكيان الصهيوني ، أن إسرائيل لا يمكن أن توجد من دون الدعم الأمريكي والغربي ، فقوة إسرائيل نابعة من علاقاتها العميقة والإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين ، لذلك أتوقع أن تكون نهاية الحرب من شعور امريكا أن إسرائيل قد حققت نصراً محدوداً يعيد هيبتها إقليميا ودولياً ، وهنا سيتدخل الأمريكي ويضع حداً للصراع لأنه أحدث أزمة أخلاقية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم ، ولتململ حلفاء أمريكا في المنطقة من مصر والاردن وقطر وتركيا التي أبدى رئيسها رجب طيب أردوغان غضبه الشديد عما تركتبه إسرائيل من مجازر ، وتلويح إيران وحلفائها بالتصعيد في المنطقة إن إستمرت المجازر بحق المدنيين وخاصة الأطفال والنساء في غزة .
كل هذا سيدفع الولايات المتحدة إلى إنهاء الصراع في غزة
وسيتمخض عن ذلك كله أفق سياسي جديد في المنطقة قائم على مبدأ حل الدولتين ، يُمَكِنْ أمريكا من إنتزاع تنازلات معينة من إسرائيل الضعيفة قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية وفق ترتيبات وآليات معينة سيتم الإتفاق عليها .
وسيكون هذا إنجاز دبلوماسي كبير لجو بايدن ونحن على أبواب إنتخابات الرئاسة في أمريكا .



بقلم الكاتب
علاء عاشور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط