الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاتورة المستعمر

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2023 / 10 / 28
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


ظل الاستعمار الاوروبى مسيطرا ومهيمنا وقابعا على قلب الدول العربية والأفريقية والأسيوية لفترة طويلة من الزمن. كانت بريطانيا تحتل دول مثل مصر ونيجيريا والسودان وكينيا واوغندا وزمبابوى والخليج العربى والهند، وكانت فرنسا تحتل دول مثل تونس والجزائر والمغرب والسنغال وغينيا وساحل العاج ومالى، وإيطاليا قامت باحتلال ليبيا واثيوبيا واريتريا والصومال. أما البرتغال فكانت تحتل انجولا وغينيا بيساو وموزمبيق. وكان الهدف-- غير المعلن-- من هذا الاحتلال الأوروبي هو الاستيلاء على خيرات هذه البلاد. ولعله من المفيد أن نشير إلى الاستراتيجية التى لجأ اليها الاستعمار بشكل عام والاستعمار الفرنسى على وجه الخصوص بغية البقاء لأكبر فترة ممكنة. لقد كانت هذه الاستراتيجية تتمثل فى نقل ثقافة ولغة المستعمر لمواطنى الدول المحتلة ليصبح مواطنو الجزائر وتونس والمغرب والسنغال قادرين على التحدث باللغة الفرنسية بكل طلاقة، فى حين تعلم مواطنو نيجيريا وجنوب السودان والهند اللغة الإنجليزية. أما مواطنو أنجولا وموزمبيق فباتوا يتحدثون اللغة البرتغالية. وهذه الظاهرة تحدث عنها مفكرو ما بعد الاستعمار مثل ادوارد سعيد فى كتابه "الاستشراق" وهومى بابا (ناقد أدبى أمريكى من أصول هندية) فى بحث مهم عن موقع الثقافة وغاياترى سبيفاك (ناقدة أمريكية من أصول هندية) فى بحث عن مدى قدرة المهمشين والمطحونين التعبير عن ما فى أنفسهم.

ولعل سبيفاك كانت تتوقع أن المهمشين والمقهورين سوف يبقون غير قادرين على إيصال أصواتهم وصرخاتهم فى الفضاء لأنهم لن يجدوا من يستمع إليهم أو يلبى رغباتهم. من الواضح أن هذا الطرح لم يعد صحيحا؛ لأن المهمشين والمطحونين باتوا قادرين على التعبير والدفاع عن أنفسهم بقوة وصلابة. من سخرية القدر أن الاستعمار نفسه هو الذى قدم لتلك الشعوب المقهورة الأدوات والوسائل التى تستطيع بها رد "الصاع صاعين" والانتقام لسنوات الاحتلال والقهر واستغلال الموارد، وبعبارة أخرى فإن ذلك يعكس عدالة السماء التى تقدم لنا درسا لا ينسى: لن ينتهى الكون قبل أن يسدد كل منا فواتير الأعمال والمميزات المجانية التى حصل عليها دون وجه حق فى هذه الحياة.

لسنا فى حاجة إلى أن نتحدث عن الأعمال والمميزات التى حصل عليها الاستعمار الأوروبي فى كل البلدان التى خضعت للاحتلال؛ لأن كتب التاريخ تتحدث باستفاضة عن تلك الخيرات التى استولوا عليها من هنا وهناك. السؤال المهم الذى ينتظر اجابة هو هل هنالك فاتورة باهظة دفعها أو سوف يدفعها الاستعمار نتيجة الجرائم التى ارتكبت؟ الإجابة: نعم. ندرك الآن أن الكل قد بدأ فى دفع الفاتورة. صحيح أن الاستعمار قد رحل عن معظم البلاد المحتلة تاركا الشعوب لكى تقرر مصيرها، لكن ما لم تتوقعه هذه الدول الاستعمارية هو أن مواطنى الشعوب المحتلة الذين تعلموا لغة المستعمر وثقافته قد اكتشفوا أن الخيرات قد سلبت والدولة التى خرجت توا من براثن الاستعمار غير قادرة على توفير حياة كريمة لمواطنيها فلجأوا إلى الدول التى يتقنون لغة وثقافة شعبها، فهاجر مواطنو المغرب العربى ومواطنو بعض الدول الأفريقية إلى فرنسا. لقد بلغ عدد المواطنين الذين هاجروا إليها من شمال أفريقيا أكثر من مليون مواطن. أما عدد المواطنين من أصل أفريقي(جنوب الصحراء) فى فرنسا فقد بلغ حوالى ثلاثة ملايين مواطن، وأما مواطنو نيجيريا والسودان والصومال فقد هاجروا إلى انجلترا (أكثر من مليون مواطن)، وكذلك الحال بالنسبة للمواطنين البريطانيين ذوى الأصول الهندية إذ بلغ عددهم حوالى اثنين مليون فى السنوات الاخيرة. أما مواطنو انجولا فقد شدوا الرحال إلى البرتغال (بلغ عددهم اكثر من ١.١% من اجمالى السكان).

اللافت للنظر أن هؤلاء المواطنين سرعان ما اكتشفوا أنهم مواطنون من الدرجة الثانية فى تلك البلدان التى هاجروا إليها، وهذا دفع معظم هؤلاء المواطنين، وخاصة الشباب، الى التعبير عن تذمرهم وغضبهم من حين إلى آخر، تماما كما حدث فى فرنسا مؤخرا حيث أدى مقتل شاب من أصول جزائرية لا يتجاوز عمره سبعة عشر عاما إلى الاضطرابات وأعمال العنف التى سرعان ما انتشرت كالنار فى الهشيم فى جميع أنحاء فرنسا. لقد بلغت الخسائر التى اعلنتها الجهات الرسمية فى فرنسا أكثر من مليار دولار حيث تعرضت آلالاف السيارات إلى الحرق والتدمير الكامل، والمحلات التجارية إلى السلب والنهب، والبنوك إلى الرشق بالحجارة. ويعزى الكثير من الكتاب واساتذة علم الاجتماع هذه الأحداث إلى فترة الاستعمار حيث تعرض موطنو الدول المستعمرة إلى القهر والاستعباد، وبانتهاء هذه الفترة وهجرة مواطنى هذه الدول إلى فرنسا فإن الفرنسيين لم يتوقفوا عن ممارسة نفس أساليب القهر التى اشتهروا بها فى العهود السابقة.

خلاصة القول إن الاستعمار كان يعتقد أنه لن يدفع الثمن، ثمن نهب الثروات وقهر الشعوب لسنوات طويلة، وإنه لن يدفع فاتورة مجمعة عن مجمل أعماله. الغريب أن المستعمر فى النهاية اضطر أن يترك البلاد التى احتلها لكن أصحاب هذه البلاد اختاروا بمحض إرادتهم إلى الهجرة إلى أرض المستعمر، مطالبين المساواة والعدالة مع مواطنيها الأصليين، وإذا لم يتم تحقيق ذلك فإن الجحيم ينتظر الجميع. ولو كانت الدول الاستعمارية تعلم ما سيحدث على أرضها فى المستقبل لما فكروا او أقدموا على احتلال البلاد العربية والأفريقية والأسيوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل