الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تَمَثُّلات الوَجَعِ في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -حديث الروح- قصيدة مقططفة من دوالي الألم والأمل (إطلالة سريعة)ج2

محمد المحسن
كاتب

2023 / 10 / 28
الادب والفن


·

مقدمة :
يواصل الشاعر التونسي القدير(د-طاهر مشي) ترتيب فصوص تجربته الشعرية بأناة واشتغال دؤوب،بوصفه أحد الأصوات الشعرية التونسية الرائدة،ماضيا باتجاه وعد الشعر حيث القصيدة معنية باصطياد الغيوم،والحفر العميق في سراديب الذات الشاعرة،وكشف هجراتها السرية إلى القبض على مفاصل الألم،مستعيدة ارتطامات الذات الشاعرة وهي تختبر أرجوحة الحياة وفتوحاتها وامتداداتها..ولأن وعد الشعر يقيم في المستقبل يجتهد الشاعر في إعادة بناء ثقوب الذات والعالم من حوله،وفق رؤى شعرية تستبعد المعنى الشعري المباشر،محتمية باللغة الإيحائية الإشراقية،غير منحازة،بالمطلق،إلى استعادة الوزن الخليلي،بل تبني أسوار تجربتها بالإيقاع الموازي الذي تؤسسه اللغة والمعنى الشعريان،والنتيجة تجربة شعرية مفتوحة على دهشة الشعر.


یختلف الشعراء في إحساسهم بالکون أو بأنفسهم وما حولها إختلافاً مبعثه العمق والحدّة في الإدراک والنفوذ إلی بواطنهم وبواطن ما یصوّرونه ونری الشعراء تارة یفيض شعرهم باللذة والفرح،وتارة یفيض بالحزن والألم العمیق.
نری في الأدب العربي شعراء ممن نشدوا أشعاراً لبیان ما في حیاتهم من الألم والشعور بالحرمان طوال عصور مختلفة کما نلاحظ إمرؤ القیس في المجتمع الجاهلي یقول عن همومه:
ولیلٍ کموج البحر أرخی سُدوله علیّ بانواع الهمومِ لیبتلي
فقلتُ له لمّا تمطّی بصلبه وأردف أعجازاَ و ناء بکلکل
ألاأیّها اللیل الطویل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منک بامثل
شاعرنا الفذ د-طاهر مشي شاعر يغترف من أوجاعه وأوجاع الناس رثاء عاطفيا منسوجا بصدق الكلمة وجودة الصورة وشجن الإيقاع فهو يكتب بمداد من الدمع الذي يتدفق شلالا من الأسى،فالقصيدة لديه تسبيحة صلاة وترتيلة نغم ورائحة سنبلة وغيمة سَحَر يتنفسها كالصبح إذا تجلى إشراقة مكتملة البهاء ويهدهدها كالصَّبا ريَّانة الرِّواء،إنه الشعر حينما يسري كالغيم رَخاء ويتكلم كالغيث سِقاء ويلقي بكل جماله في هدأة الروح وريب المنون وتعب الحياة..
وفي عدد من قصائد"الطاهر"ثمة وحدة في الصور والقلق والرؤية بإيقاع صوفي حزين.
تابعوا القصيدة التالية..و"لملموا شتاة النبض..في صمود"
حديث الروح
عندما ندرك حقائقنا
ونعلم أن الجراح عميقة
وعميقة جداً،
نستسلم للوجع
ونعاقر الجرح
في صمتٍ مُكتظٍّ حدّ الهذَيان الصاخب
نلملم شتاتَ النبض
في صمود
ونسير على الجمر حفاة
آملين أن يغادرنا الوجع
غير أن الدهر يأبى أن يهادن الروح
لتستكين في خشوع
وورع
طاهر مشي
إذا كانت التقنيات الروائية تساعد المبدع علي الاختفاء وراء شخصياته أو رواته لكي لا نستطيع كشف تضاريس آلامه،فإن الشعر بإصراره علي تمثيل الذات الفردية يضاعف مهمة المبدع في التنصل من تورطه العاطفي.ومهما حاول الشاعر أن ينأي بنفسه عن التجارب التي يسجلها في قصائده،إلا أنها تظل تلقي بظلالها علي شخصيته.فالشعر ضدا علي رغبة المبدعين مرآة عاكسة للتجربة الذاتية التي تنفصل عنه لتصبح تجربة موضوعية إنسانية.فإمساك اللحظات الهاربة المنفلتة،وتسجيلها في قصائد تسيل عذوبة ورقة لا يتم إلا لذات تسامت بألمها وتفاعلت معه تفاعلا إيجابيا خلاقا،لتنسحب هذه التجربة علي كل الذوات الأخرى المنفصلة عنها.
لطالما كان الألم مصدرا للشعراء وينبوعا لا ينضب،فقد غصت بيانات الرومانسيين بعبارات الاحتفاء بالألم وتمجيده.
ألم يقل ألفريد دي موسي: ” لا شيء يجعلنا عظماء مثل ألم عظيم ”
وعلي هذا الوتر عزف الشاعر السامق د-طاهر مشي هذه القصيدة الموغلة في الوجع.
على سبيل الخاتمة :
حين يكون الكلام في حضرة الكبار فهو تعويذة الروح والناطق الصحيح والصادق بآلام الأمة وآلامها..انإنه الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي.
شاعر امتلك ناصية الحرف فشد الوثاق اليه،وامتلك بيان الصورة الشعرية الراقية والتي تكاد ان تكون شخوصا تتكلم نحسها وندركها،شاعر أتت مشاعره طاغية في حروفه ف تغزل فأتى رقيقا عبا إلى حدود التوحد بالحبيبة،اصطحب الحزن أطلقه نشيجا رقيقا ولكنه لم يتسع لأن يكون صامتا،فأتى صوته نداء الضجر حين يستفز الألم،ليزودها بارتعاش الحرف في حنايا الروح،صوت يجيء في الوحدة مطرا ليسقي بها شتات البين ويلملم أصداء الصحبة وأصواتهم..
شاعر أسرج من دموعه قناديل وجعل منها ندامى تضيء عتمة الوهم..شاعر جعل للغياب معاول تحفر قساوة هذا الوهم السقيم بالأمة،فلمن تراهُ يشكو همه ؟
شاعر أثثته فضائلٌ كثيرة فأغنت تجربته بحلم أخضر،أناخ خيالا جامحا في زمانِ تعرى من ثقة الكلمات والأحاسيس،فغفى على يانعات الثمار بيده اليمنى كتب للشعر فروض تتلى إذا ذُكر الكبار وبيده اليسرى عانق محراب الألم ليهدلَ في صميم الجفاف،هطول حرف وذّكاء توهجت في صبح شاخ انتظاره.شاعر شاب يعصر قلبه ليكتب فنتاجه خلاصة روح تطوف أرجاء الألم وتتعامل مع الجراح بالكي وتقوى على ابتلاع حشرجة تعوم في بحر القسوة والمأساة ليوزع شرايينه قصائد حب وألم،فخر واسترجاع ماض،فارس قد أعتق القصيدة الواحدة من عبودية الموضوع الواحد والغرض الواحد فأتت القصيدة متنوعة الأغراض تجوب حسه وتستنطق مشاعره..
وفي انتظار اختمار عشب الكلام..أهديه سلة ورد علها تخفّف عنه أحزانه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا