الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب وتحديات الداخل والمحيط

إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)

2006 / 11 / 16
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


تعيش الدول العربية أوضاعا داخلية صعبة بفعل تضافر مجموعة من العوامل والمشاكل المركبة (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..)؛ الشيء الذي يجعل البحث عن حلول ناجعة للخروج من هذه الوضعية أمرا في غاية الصعوبة.
ولعل الساحة الدولية وما تشهده من تحولات متسارعة على مختلف الواجهات، تفرض على الدول الضعيفة التي تندرج الدول العربية ضمنها؛ الأخذ بزمام التغيير باتجاه إيجاد مكانة بين الأمم؛ في ظل التحديات والمخاطر الجسام التي أضحت تفرضها العولمة بكل تجلياتها.
أولا: التربية والتعليم
إن طريق التطور والتقدم يبدأ بتحصين جسم المجتمعات العربية بالاستثمار في العنصر البشري عبر بوابة التربية السليمة للنشء، وتفعيل قنواتها باتجاه بلورة تنشئة اجتماعية منسجمة ومتكاملة تقوم على الاتصال والتفاعل الإيجابي، وفق أرضية تربوية قارة وموحدة وصلبة تقدر حجم وجسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقها في هذا الشأن؛ وتنمي شخصية الفرد، وبخاصة وأن هذا الأخير في مختلف البلدان العربية يجد نفسه محاطا ومطوقا بمختلف القنوات التي تسهم في نشأته وتربيته ( الأسرة، الشارع؛ الجمعيات؛ المدرسة؛ الإعلام؛ الأصدقاء والرفاق...) بواسطة "منتجات" تربوية عديدة متباينة تصل إلى حد التناقض أحيانا؛ مما يولد لديه نوعا من الاضطراب والانحراف في سلوكه.. ومن المؤكد أن هذه القنوات إذا لم تطور أساليبها واستراتيجيتها ولم تتدخل بفعالية، فالتربية هي في آخر المطاف تتشكل؛ لكن بعشوائية وانحراف أحيانا.
والتربية المنشودة هي تلك القادرة على إعداد جيل يرفض الظلم والخنوع والاستبداد، ويستطيع إبداء الرأي ويطرح السؤال بحرية وطلاقة؛ ويؤمن بالاختلاف والعمل الجماعي؛ وكفيلة بتحفيزه على الإبداع والتفاعل والفعل والتطوع والتضحية؛ ومساعدته على تنمية شخصيته جسديا ونفسيا وفكريا وروحيا، إنها تربية تنبني أيضا على الثقة في النفس واحترام حقوق الإنسان ومعرفة الذات وقدراتها ومعرفة الآخر والتعامل معه بنجاح، تربية ديناميكية وحيوية تتم وفقا لأساليب ومنهجيات واعية وحديثة بعيدة عن الارتجال والعشوائية، تتوخى في أبعادها تربية النشء على الإيمان بالتعددية وروح التسامح والقيم الدينية الإسلامية السمحة والمواطنة والديموقراطية.
إن الاهتمام بجانب التربية التي تعد رهانا رابحا في ظل الإكراهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يطرح بشكل ملح وجدي أكثر من أي وقت مضى مع تنامي إكراهات العولمة التي أضحت تهدد قيم وثقافة مجتمعاتنا عبر تكريسها لنوع من التسلط المادي والتنافس الاحتكاري غير الشريف، وبخاصة في ظل تدفق المعلومات والقيم والأفكار المتباينة بشكل حر من خلال قنوات الاتصال المفتوحة التي لا حدود لها ولا رقيب عليها.
وضمن هذا السياق؛ ينبغي إعطاء الأولوية الكبرى لقطاع التعليم والثقافة(للإشارة؛ فإنفاق العرب على البحث العلمي لا يتجاوز 0,2 بالمائة من مجموع الناتج القومي، مقابل 3 بالمائة في إسرائيل) من خلال رصد اعتمادات مادية وتقنية مهمة في هذا السياق؛ أسوة بالعديد من البلدان الرائدة والنموذجية في هذا المجال؛ وبخاصة وأن "المستقبل سوف يعرف سباقا بين التعلم والكارثة" كما قال أحد المفكرين البريطانيين.
ثانيا: مطلب الإصلاحات الديموقراطية
يتم ربط الديموقراطية في الغالب بتداول السلطة بشكل مشروع وسلمي، واحترام حقوق الإنسان ونهج الديموقراطية مع القدرة على تدبير الاختلاف.. وباعتماد هذا التعريف ومقاربة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأقطار العربية، يتبين من الوهلة الأولى أن هذه الدول تعيش أزمة ديموقراطية حقيقية.
فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وما تلاه من نهاية للحرب الباردة، هبت رياح التغيير الديموقراطي لتعصف بمختلف الأنظمة التي كانت تسبح في فلك موسكو بدول أوربا الشرقية، قبل أن تنتقل إلى مختلف أقطار العالم بإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وقد كانت الأقطار العربية من ضمن الدول التي دخلت معترك هذه التغيرات بنسب متفاوتة، خصوصا وقد أصبحت قضية الديموقراطية وحقوق الإنسان قضية عالمية.
وهكذا بادرت معظم الأنظمة العربية إلى نهج إصلاحات سياسية باتجاه الديموقراطية وتعزيز وضعية حقوق الإنسان العربي. غير أن مجمل هذه التغيرات بدت بطيئة وغير شاملة، ولا تعكس في العمق تطلعات الشعوب، بقدر ما ظهرت وكأنها تستهدف تحسين صور وسمعة هذه الدول في الخارج، الأمر الذي ولد مجموعة من الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية..؛ وفي ظل هذه الظروف تزايدت المشاريع الدولية الداعية لإعمال إصلاحات ديموقراطية في البلدان العربية..
إن هذه المعطيات تفرض إعمال إصلاحات حقيقية كفيلة باستحضار إرادة الشعوب في صناعة القرار.. والجدير بالذكر هنا أن هذه الإصلاحات الداخلية تفرض نفسها بحدة على الدول العربية؛ قبل أن تبادر جهات أجنبية بفرضها عليها بشكل قد يتعارض وخصوصيات وإرادة شعوبها، وبخاصة بعد أن أضحت الأوضاع المزرية بالمنطقة العربية في مختلف الميادين مسؤولة عن إنتاج ظواهر لا تخلو من تداعيات دولية كالهجرة(حسب بعض التقديرات بلغت خسائر الدول العربية من هجرة العقول البشرية تحت إكرهات الفقر والحاجة من مهندسين، أطباء، جامعيين، تقنيين.. إلى بعض الدول الغربية كفرنسا، بريطانيا، ألمانيا، كندا والولايات المتحدة الأمريكية حوالي 200 مليار دولار) والتطرف والاضطرابات الداخلية..
ثالثا: التكتل في عالم المخاطر
أضحى التكتل في عالم اليوم أمرا ضروريا تفرضه التحديات الدولية التي تجعل من التجمعات الإقليمية وسيلة للاحتماء من المخاطر الخارجية المتزايدة في أبعادها العسكرية والاقتصادية والسياسية..
وهكذا؛ ففي الوقت الذي حققت فيه مجموعة من الدول إنجازات اقتصادية واجتماعية وسياسية.. كبرى في كل من أوربا(الاتحاد الأوربي) وأمريكا(الأنديز) وآسيا(النمور الأسيوية)، فإن الدول العربية وعلى الرغم من الإمكانيات البشرية والموضوعية المتاحة؛ فشلت في بناء تنظيم إقليمي قوي وقادر على رفع التحديات الداخلية والخارجية. مما يجعلها ضمن أكثر الأنظمة الإقليمية عرضة للتأثر السلبي بالتحولات الدولية الحاصلة على الصعيدين السياسي والاقتصادي والعسكري بعد الحرب الباردة.
فالجامعة العربية التي تأسست قبل ظهور الأمم المتحدة والمجموعة الأوربية؛ وصلت إلى حالة حرجة من التردي وعدم الفعالية، وتعكس في العمق الأوضاع المزرية التي تعيشها الدول العربية داخليا على مختلف الواجهات.
فاتخاذ القرار بداخل الهيئة يغلب عليه الطابع المركزي؛ وحتى القرارات المتخذة تظل في غالبيتها حبيسة الرفوف ولا تتاح لها إمكانية التنفيذ. ففي أواسط الخمسينيات من القرن الماضي برزت فكرة إنشاء سوق عربية مشتركة تسمح بحرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال وتبادل البضائع وحرية الإقامة والعمل وتنسيق خطط التنمية ورفع خطاب اقتصادي موحد في مواجهة التحديات الدولية، وبالفعل صدر سنة 1964 قرار عن الجامعة بهذا الخصوص، غير أن مظاهر التجزئة وغياب إرادة سياسية حقيقية؛ أفرغت كل هذه الطموحات من محتواها. فالتجارة العربية البينية مثلا، لا تتجاوز 10 بالمائة من حجم التجارة العربية الخارجية، في حين وصلت في أوربا ما يربو على 65 بالمائة، وهو ما يبرز حجم الخسارة التي تصيب الاقتصاد العربي برمته.
والجامعة العربية ما هي في واقع الأمر إلا تجسيد وتعبير مصغر عن الواقع المرير الذي تعيشه الدول العربية من نزاعات بينية وصراع على المصالح الضيقة؛ وغياب لممارسة ديموقراطية حقيقية وتفضيل للاحتماء بمظلة الأجنبي…
إن إصلاح هذه المؤسسة باعتباره أمرا ملحا وحيويا في عالم لم يعد فيه مكان للدول القطرية بمفردها؛ يظل مرهونا بإدخال مجموعة من الإصلاحات القاضية بدمقرطة اتخاذ القرارات فيها وتفعيلها؛ وباعتبار الدول الأعضاء الانتماء للجامعة ضرورة استراتيجية تفرضها التحديات الداخلية والدولية لا ترفا مكلفا تقتضيه المجاملات الدبلوماسية؛ والتركيز أيضا على التعاون والتنسيق في مختلف المجالات وبخاصة الاقتصادية منها أسوة بالاتحاد الأوربي الذي انطلق انطلاقة سليمة ومعقولة ومتدرجة تنبهت إلى أهمية التنسيق والتعاون في المجال الاقتصادي؛ بالإضافة إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية باتجاه تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان والرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطن العربي..
ويمكن القول أن تطوير عمل هذا الجهاز أمر ممكن؛ وذلك بالنظر إلى الإمكانيات العربية المتاحة ( اللغة والدين والتاريخ المشترك، الإمكانيات البشرية والجغرافية والخيرات الطبيعية والموقع الاستراتيجي..) والتي لم تجتمع لأي تنظيم إقليمي آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا