الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاتل أعداءك بسلاح الحب

أحمد الخمسي

2006 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


"قاتل أعداءك بسلاح الحب"، "وأعد لهم ما استطعت من قوة...". قد يظهر التناقض نوعيا وصداميا بين القولين الأول والثاني. وقد يلتمس المفسرون إعادة ربط كل منهما بمصدره الديني. وعند ذاك، سيغلب ربط الأول بالشريعة المسيحية التي يعمل المبشرون على بسط صورتها السلمية عبر ربط الإيمان بالمسيحية وكأنه يطابق التمسك بالمحبة بين بني البشر....

إن مكرر القول الأول طبيب مصري ما زال يحيا في أمريكا. وهو ممن التقوا بمؤسس تنظيم الإخوان المسلمين حسن البنا. وقد صرح بالقول المذكور، مؤكدا التزام حسن البنا به في معاملة خصومه العقديين والسياسيين. غير أن التنظيمات السياسية المسيسة للدين غالبا ما تستعمل القول الثاني، ملتزمة في ذلك، بقراءة ما لسلوك النبي (ص) تجاه أعداء العقيدة.

وفي جميع الأحوال، ولمواجهة مختلف الأهوال المريعة في ظل العولمة المشجعة على استراتيجية الفوضى البناءة....يقتضي أن يتمسك القادة وأرباب مراكز القرار في الكيانات السياسية المتواضعة بإمكانياتها، المنتمية لأمم ممزقة مثل الانتماء الذي نحسب ضمنه....لا يكفي أن ترتفع معنوياتنا مثل ما سمعنا المثقف المناضل اليساري اللبناني ميخائيل عوض، وهو يعدد مآثر الانتصار اللبناني في حرب الثلاثين يوما..وفائدته من أمريكا الجنوبية إلى آسيا....بل الأفضل، أن نتسلح بالتواضع ونحن نقيس حجمنا في الوضع الحالي. سواء ككيانات قطرية أو كأمة ممزقة، إن على الصعيد العربي أو على الصعيد الإسلامي....

وبعد التمسك بفضيلة التواضع، إذ "عاش من عرف نفسه"....تأتي حكمة "قاتل أعداءك بسلاح الحب" المنسوبة لحسن البنا. لتكمل صورة تجارب أمم...مثل الهند وألمانيا واليابان...منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم...الأمم التي اعتمدت الاختيار الديمقراطي البرلماني في تدبير شؤونها السياسية...ومنها الأمتين اللتين اعتمدتا على الهيكلة الفيدرالية للمواءمة بين نتوءاتها الجهوية لتستكمل الهوية المركزية الهندية والألمانية بما تغتني بتنوعه من جهويات تاريخية وبتنوعاتها الدينية واللغوية، مستعيضة بها عن الطائفية المقيتة...والحال أن الفترة التي تولى فيها رئاسة جمهورية الهند الفيدرالية لم يكن غير عالم مسلم من ضمن الأقليات، لكن الطبقة السياسية الهندية لم تعد تتغنى ب"الهندي الحقيقي" و"الهندي غير الحقيقي" كما نسمع عندنا من أشكال الشوفينية المقيتة.

إن الغرب الذي نجعله على رأس الأعداء، يقاتل النفس الأمارة في كيانه بالسوء، قصد تجاوز نقط ضعفه...وكيفما كانت الشكايات التي أدلى بها سكان منطقة مصب الميسيسيبي ومدينة نيو اورليانز من إهمال لحالتهم بعد الدمار الذي أصابهم به إعصار كاترينا في السنة الماضية، فقد تجاوز الأمريكيون عقدهم النفسية العنصرية، واستحضروا الخسائر المعنوية التي تصيب هويتهم وأنانيتهم القومية بسبب ما كانوا يشرعونه من تمييز "قانوني" ضد الأقلية الإفريقية....لكن نضال الديمقراطيين اليساريين وجمعيات السود بقيادة مارتن لوثر كينغ ومالوم إيكس وأنجليللا ديفز..ومحمد علي....لم يترك الطبقة السياسية الأمريكية لامبالية تجاه التمييز العنصري ونظام الأبارتيد الذي عانت منه الولايات المتحدة الأمريكية ...إلى حدود الستينات من القرن الماضي.....

هانحن اليوم نرى إصرار الطبقة السياسية الأمريكية على ممارسة نوع من النقد الذاتي، عبر تعيين، كل من كولن باول وكوندوليزا رايس، على التوالي كاتبا للدولة في الخارجية الأمريكية من الأقليات التي كانت مطابقة قبل أقل من جيلين لمستوى معاملة الكلاب...عبر المنع المطبق ضد دخولها بعض الأماكن العمومية...مثل الفنادق والمطاعم وقاعات المسرح والسينما....

أما وعينا الشقي فلا يعدو أن ينتقل إلى منطقة " الكسل الطبيعي"...ليبحث عن "هيمنة اللوبي اليهودي" في الإدارة الأمريكية...ليفسر تعيين أمثال مادلين أولبرايت.....أو وولفوفيتز من بعد، في المراكز الحساسة من مراكز القرار الأمريكي أو مراكز مؤسسات مالية تابعة لأمريكا مثل البنك الدولي....

ننسى معارضين كبار للسياسة الأمريكية مثل نصير قضايا المستضعفين في كل الأرض لأكثر من نصف قرن....الباقي قيد الحياة ناعوم ةشومسكي، والذي لو كتب لأي مسلم مؤمن بقضايا خالقه العادلة أن يحلم نفسه في الجنة لرأى تشومسكي رفيقا له هناك...مثله مثل عالم الذرة والنسبية الأكثر شهرة في التاريخ البشري الذي سطر له التاريخ احتجاجه سنة 1948 على زيارة القادة الصهاينة للولايات المتحدة الأمريكية وهو أمريكي الجنسية يهودي الأصل....ومثل العالمة حنه أرندت، التي احتجت نفس الاحتجاج ولها نفس المواصفات.....إن العالم والفيلسوف الفرنسي روجي غارودي، الذي بارز الفكر الصهيوني في الساحة الثقافية بتأليفه الكتاب الفريد حول الأساطير الصهيونية...لم يفعل سوى رد الاعتبار للأمة العربية وقد أصدر مفكر صهيوني قبله كتابا حول الأساطير العربية في السياسة القومية مسفها السياسة المصرية في عهد جمال عبد الناصر...لكن، الميل إلى "الكسل الطبيعي" عند نخبنا تركنا لا ننتبه ولا نعير الأهمية سوى لحروبنا الداخلية.....والحال أن الغرب استوعب مجمل العقلانية في الثقافات المتوسطية من الفرعونية إلى الرسالات السماوية إلى الفلسفة اليونانية، لم يفقد البوصلة في تدبير شؤونه الاستراتيجية مع نفسه ومع غيره.....استوعب التكامل أو لنستعمل عبارة رئيس الحكومة الإسبانية سباطيرو "تحالف الحضارات" بما لا يتنافى خدمة المصالح القومية على قاعدة فكرية تكاد تطابق منهجية "رحماء بينكم أشداء على الكفار"...مع ما يلتزم به النظام السياسي الغربي اليوم حتى تجاه الكفار، من حق الطعن في الأحكام والضمانات للأقليات.... وبالتالي يقتضي أن الالتزام السياسي تجاه قضايا الأمة أن ينضج الالتزام تجاه كل الموروث الإنساني في الكرة الأرضية....والحال أننا ننتمي لديانة تؤمن بكون الإنسانية انتقلت نحو ما بعد الوحي بالنظر إلى اعتبار خاتمة الرسالات السماوية تجلت فعلا في ديانتنا...ثم وضمن السعي نحو الرفعة الحضارية يقتضي وعينا بمسلمات حضارتنا العمل بالدياليكتيك المنتج ما بين التواضع لله والرفعة...ومن باب التواضع....التواضع بين الأديان...بدل الذاتية المقيتة والإنغلاق وكأن كل مؤمن منا إلها لوحده من فرض القطع في الأحكام التي نصدرها....بحيث تنقطع الرحمة من معيشنا اليومي بالأحرى أن نستوعبها ونبدع فيها .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصوت الناخبون يوما لذكاء اصطناعي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ما تداعيات إلغاء إسرائيل -المحتمل- للإعفاءات المقدمة للمصارف




.. الانتخابات الأوروبية.. صعود اليمين | #الظهيرة


.. مارين لوبان تعلن استعداد حزبها لتولي السلطة إذا منحه الفرنسي




.. استقالة غانتس.. مطالبه وشروطه | #الظهيرة