الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل التنمية الشاملة ممكنة؟ أم أنها مجرد سراب؟

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق

2023 / 10 / 30
الادارة و الاقتصاد


منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم تعد التنمية الشاملة (الاقتصادية – الاجتماعية) هدفاً رئيساً لكل أمة فحسب، بل أصبحت دراسة مقومات التنمية ومناقشتها عملية تثري النظرية الاقتصادية وأصبح بوسع الاقتصاديين النظر لعملية التنمية على أنها عملية مجتمعية هادفة وواعية ولابد لتحقيقها من وسائل محددة وهذا يعني أنها (التنمية) لا تتم بشكل عفوي أو تلقائي، بل مخطط ومدروس.
التنمية الشاملة ليست عملية سهلة ولا أوتوماتيكية ولكنها ممكنة، وأقوى شهادة، على ذلك ما حققته بعض الدول كاليابان والنمور السبعة في جنوب شرق آسيا، وبعض دول أمريكا اللاتينية، وبخاصة المكسيك والبرازيل. فالتنمية التي حدثت في هذه الدول تعد حجة قاطعة على إن التنمية الشاملة ممكنة.
لا يمكن للتنمية أن تولد إلا بعمل واع ومدروس ومنسق لتحقيق السيطرة الاقتصادية والاجتماعية على الموارد المحلية وتسخيرها لخدمة التنمية، وينبغي لهذه السيطرة أن تكون قبل كل شيء حصيلة إرادة وطنية فلا يمكن للتنمية أن تفرض من الخارج، أو تحقق بواسطته لأنها في الأساس تغيير عميق في العمل والوجود والتفكير. إن التعاون الدولي أو التعاون الإقليمي يمكن أن يسهل مهمة حكومات الدول النامية ي تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، لكنه لن يغنيها عن العمل الجاد والفعال. ومن خلال هذا المنظور فإن كل دولة مدعوة إلى أن تختط طريقها بنفسها لتنجح عملية التنمية.
كل من يحاول التفتيش عن أية مظاهر أو ملامح للتنمية الشاملة في البلدان النامية الأخرى سيجد أن جهود التنمية تتعرض للخيبة والإحباط والانتكاس أحياناً كثيرة. فخلال الخمسين سنة الأخيرة لم تحدث تنمية شاملة وحقيقية كافية في كثير من دول العالم الثالث، بل حدث أحياناً تدهور وتراجع إلى الخلف في بعض البلدان بدلاً من التنمية المنتظرة، لقد كانت معدلات النمو السكاني المرتفعة في كثير من البلدان المتخلفة حجر عثرة في طريق التقدم والتنمية الشاملة.
التنمية لا تتم عن طريق التقليد للخبرات التي حصلت عليها البلدان المتقدمة. أو إتباع نفس الخطوات التي مرت بها اقتصاداتها. بل تشكل القدرة على تنظيم الخبرة والمعرفة عنصراً أساسياً من عناصر التنمية، إن عدم توفر الخبرات الكافية يؤخر حدوث التنمية مراحل وسنوات. فالتنمية ممكنة ولكنها تحتاج إلى عمل ومتابعة.

ولعل مفهوم الموازنة بين الحاضر والمستقبل وتحقيق التنمية الشاملة يتسع ليشمل إتباع إستراتيجية أعمال توازن بين السعي لتحقيق مردود تجاري واقتصادي والنهوض بمسؤوليات تجاه المجتمع والبيئة. كاستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة ودعم الاقتصاد الوطني بمشروعات ومبادرات تعتمد مبدأ التنمية المستدامة وتحقيق التوازن بين الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. حيث أن استخدام مصادر الطاقة النظيفة والبديلة من أهم مقومات العمل التجاري الناجح للحفاظ على التوازن بين استمرارية النمو الاقتصادي والحد من آثاره السلبية على البيئة في نفس الوقت.
كان التقدم المحرز في تنفيذ التنمية الشاملة مخيبا للآمال بشكل شديد منذ مؤتمر القمة المعني بالأرض لعام 1992، إذ تفاقم الفقر وازداد تدهور البيئة. وذكرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن العالم لا يحتاج إلى مناقشات فلسفية أو سياسة جديدة. بل يحتاج إلى عمل ونتائج.
مع إصدار أول تقرير للتنمية البشرية من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1990ظهر مصطلح التنمية البشرية. وتم تحديد مفهوم التنمية البشرية في التقرير كما يلي: (التنمية البشرية هي عملية توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس. ومن حيث المبدأ، فإن هذه الخيارات بلا حدود وتتغير بمرور الوقت. أما من حيث التطبيق فقد تبين أنه على جميع مستويات التنمية، تتركز الخيارات الأساسية في ثلاث هي: أن يحيا الناس حياة طويلة خالية من العلل، وأن يكتسبوا المعرفة، وأن يحصلوا على الموارد اللازمة لتحقيق مستوى حياة كريمة. وما لم تكن هذه الخيارات الأساسية مكفولة، فإن الكثير من الفرص الأخرى سيظل بعيد المنال. كما أن هناك خيارات إضافية يهتم بها الكثير من الناس وهي تمتد من الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى فرص الخلق والإبداع، واستمتاع الأشخاص بالاحترام الذاتي، وضمان حقوق الإنسان).
تتطلب عملية التنمية الشاملة التوافق بين السياسات المختلفة. الاقتصادية والاجتماعية والسكانية وهذه مسألة هامة جداً ولا تتحقق بسهولة. لذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الموارد البشرية هي أغلى ما تملكه الأمة. وأن رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه للمجتمع هي أهم الأهداف التي تسعى لتحقيقها التنمية كما أن أي تغيير يطرأ على معدلات النمو السكاني يؤدي بدوره إلى تغير مباشر في الطلب على الحاجات الأساسية للفرد واستهلاكها. بينما نلاحظ أن أي تغير يحصل في معدل النمو السكاني لا يؤثر في حجم قوة العمل والمساهمة في التطور الاجتماعي والاقتصادي. إلا بعد مرور أكثر من 15 سنة من تاريخ حدوث ذلك التغير. وهي الفترة بين تاريخ الولادة وتاريخ إمكانية القيام بعمل منتج.
دلت تجربة الإنسان التاريخية دوماً على أن في وسع الموارد البشرية حين تنمو وتزدهر أن تتغلب على نقص الموارد المادية الأخرى اللازمة لعملية الإنتاج بفضل العلم والتقانة. وعلى سبيل المثال، ما تكاد تنفذ طاقة حتى يحل الابتكار البشري محلها طاقة جديدة. والواضح أن أفضل استثمار هو الاستثمار في العقل البشري. لذلك نظر بعض الباحثين إلى الهوة بين البلدان المتقدمة والبلدان المتخلفة على أنها هوة في تنظيم العقل البشري وتوظيفه التوظيف الأمثل.
مثال التنمية الناجحة: كانت الجزر اليابانية قبل قرن ونصف من الزمان تخضع لنظام إقطاعي متسلط فوضوي، وكانت من أفقر الدول وأكثرها تخلفاً من الناحية الاقتصادية. وكانت في نفس الوقت من أكثف دول العالم سكاناً، وخلال فترة زمنية لم تتجاوز نصف قرن استطاعت اليابان الانتقال من حالة التخلف إلى حالة التطور وأصبحت دولة كبرى يعد اقتصادها ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ولهذا تعد اليابان نموذجاً جيداً يؤكد لنا أن عملية التنمية الشاملة ممكنة.
ولا بد من الإقرار بأهمية بناء التضامن الإنساني، والحث على ترقية الحوار والتعاون بين حضارات العالم ودوله وشعوبه بلا اعتبار للعرق أو الدين أو اللغة أو الثقافة أو التقاليد. مع الإشارة إلى أهمية تمكين المرأة في المجتمع الإنساني ودورها الرئيسي في النهوض بالتنمية المستدامة. تحرير المرأة والمساواة بين الجنسين ينبغي أن يدمجا في جميع الأنشطة التي يشملها جدول أعمال القرن الواحد والعشرين، والأهداف الإنمائية لإعلان الألفية والتزام جوهانسبرغ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24


.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و




.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست