الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية ماو تسى تونغ حول حرب الشعب

شادي الشماوي

2023 / 10 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الحزب البروليتاري لبربا بنغلا ( البنغلاداش) / مجلّة " عالم نربحه " عدد 7- 198

http://www.bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1986-7/AWTW-07-Mao-PW.pdf


بإعتبار تشكيلتها الإقتصاديّة - الإجتماعيّة و مستوى تطوّر نمط إنتاجها و مظاهرها الجوهري ، يمكن تقسيم بلدان عالم اليوم عموما إلى مجموعتين : حفنة من البلدان الرأسماليّة و الإمبرياليّة ، و غالبيّة عظمى من البلدان المضطهَدة من قبل الإمبرياليّة . و من ضمن القوى الرأسماليّة - الإمبرياليّة ، القوّتين الإمبرياليّتين العظيمتين ، الولايات المتّحدة و الإتّحاد السوفياتي ، العدوّيتين الرئيسيّتين لشعوب العالم . هذا من جهة ، و من جهة أخرى ، البلدان المتخلّفة أو الأقلّ تطوّرا تضطهدها الإمبرياليّة و تربطها بنظامها الإستعماري الجديد ( او شبه الإستعماري ). و رغم أنّ هذه البلدان هي شكليّا مستقلّة و الحكومات المحلّية فى السلطة ، فهي لا تتمتّع بإستقلال حقيقيّ . و الحكومات المحلّية هي فى الواقع عميلة لمختلف الإمبرياليّين ( أو لكتلة إمبرياليّة ). و بالرغم من الإختلافات فى نمط الإنتاج ، و تطوّر قواها المنتجة و مرحلة أو مستوى تطوّرها ، إلخ ، فإنّ لهذه البلدان المستعمرة الجديدة أو ( شبه المستعمرة ) جوانب جوهريّة مشتركة :

- بإستثناء قلّة منها ، تحافظ هذه البلدان تقريبا على الإقطاعيّة فى الفلاحة لكن فى غالبيّة الحالات ، لا توجد الإقطاعيّة فى شكلها الكلاسيكيّ القديم . بالأحرى ، نظرا لنوع من تطوّر الرأسماليّة نتيجة سير الإمبرياليّة ، و لتعزيز التدخّل الإمبريالي بصورة أعمّ ، تداعت الإقطاعيّة وهي تتداعى .

- و بالنتيجة ، صارت الفلاحة شبه إقطاعيّة . لا يملك الإقطاعيّون سلطة الدولة بأنفسهم . إنّهم عملاء الإمبرياليّة و هم أحد أهمّ ركائز النهب الإمبرياليّ المتواصل .

- ليست الرأسماليّة التى تطوّرت ( و هي تتطوّر ) فى هذه البلدان راسماليّة وطنيّة مستقلّة ؛ بل بالأحرى هي رأسمال مشوّه تابع للإمبرياليّة و كمبرادوريّة و بيروقراطيّة . هذه الرأسماليّة الكمبرادوريّة -البيروقراطيّة المشوّهة هي واحدة من أهمّ دعائم الإستغلال الإمبريالي .

- تمثّل حكومات هذه البلدان الراسماليّة الكمبرادوريّة - البيروقراطيّة و الإقطاعيّة وهي دمى بأيدى الإمبرياليّين تخدم مصالحهم .

- يعرقل التدخّل الإمبرياليّ فى هذه البلدان و الهيمنة عليها تطوّر الرأسمال الوطنيّ والبرجوازيّة الوطنيّة .

- و الحواجز الأساسيّة فى هذه البلدان أمام تحرّر جماهير الشعب و التقدّم الإجتماعيّ هي الإمبرياليّة الأجنبيّة إلى جانب الرأسماليّة الكمبرادوريّة - البيروقراطيّة و الإقطاعيّة فى تحالف مقيت مع الإمبرياليّة و بالإعتماد عليها .

و تحدّد هذه المميّزات أن طبيعة هذه البلدان هي عموما إستعماريّة جديدة ( شبه مستعمرة ) و شبه إقطاعيّة . و مرحلة الثورة فى هذه البلدان ديمقراطيّة - برجوازيّة ، أي ، وطنيّة - ديمقراطيّة و هدفها ، كما وضع ذلك ماو تسى تونغ ، هو " القيام بثوة وطنيّة من أجل وضع حدّ للإضطهاد الإمبرياليّ الأجنبيّ ، و بثورة ديمقراطيّة من أجل وضع حدّ لإضطهاد ملاّك الأراضي الإقطاعيّين في الداخل ."(1) و هتان الثورتان تتداخلان و تترابطان و هما مرتبطتان الواحدة بالأخرى - ليس من الممكن تحقيق واحدة دون إتمام الأخرى . و طريق الثورة فى هذه البلدان هو طريق الثورة الديمقراطيّة الجديدة و حرب الشعب الذى خطّه و طوّره الرئيس ماو تسى تونغ و دلّل على صحّته فى أتون الثورة الصينيّة العظيمة . و من خلال مشاركته الشخصيّة فى الثورة الصينيّة و من خلال تطبيقه الخلاّق للحقيقة العالميّة للماركسيّة – اللينينيّة على الظروف الملموسة للثورة الصينيّة ، طوّر الرئيس ماو طريق حرب الشعب هذا و الثورة الديمقراطيّة الجديدة و النظريّة الثوريّة المرتبطة بها ، الإستراتيجيا و التكتيك . و هذه المساهمات الهامة العظيمة فى الثورة البروليتاريّة العالميّة و فى الماركسيّة - اللينينيّة لم تكن مجرّد تطبيق على الثورة الصينيّة ؛ بل بالأحرى ، مثلما ورد بدقّة فى " بيان الحركة الأممية الثورية " :

" و لا تزال النظرية التى بلورها ماو تسى تونغ خلال السنوات الطويلة للحرب الثورية فى الصين تمثل المرجع الأساسي لصياغة الإستراتيجيا و التكتيك الثوريين فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة أو المستعمرات الجديدة . " (2)

منذ إنتصار الثورة الصينيّة و منذ الحرب العالميّة الثانية ، حدثت عدّة تغيّرات ذات دلالة فى النظام الإمبرياليّ و الوضع العالميّ ككلّ . و تشمل هذه التغيّرات :

- عوّض الإستعمار الجديد النظام الإستعماريّ القديم . وفى تقريبا كافة البلدان المستعمرة القديمة ، ظهرت ما تسمّى بالدول " الوطنيّة المستقلّة ".

- فى ظلّ النظام الإستعماري الجديد ، سرّعت الإمبريالية التطوّر الرأسمالي فى تقريبا جميع البلدان المتخلّفة ، بهدف إخراج هذه البلدان تدريجيّا من منتهى التخلّف ؛ حتّى فى الفلاحة ، رغم أنّ كلّ هذا يجرى بطريقة مشوّهة . و الآن جرى تركيز جهاز دولة قويّ مركزيّ بيروقراطيّ – عسكريّ .

- خلال الحرب العالميّة الثانية و مباشرة بعدها ، كسبت الثورات الإشتراكيّة و الديمقراطيّة الجديدة بقيادة البروليتاريا النصر فى عدد من البلدان ، و هكذا ظهرت كتلة إشتراكيّة . لكن بفعل التحوّل إلى التحريفيّة و الرأسماليّة أوّلا فى الإتّحاد السوفياتيّ و تاليا فى البانيا و الصين ، لا يوجد فى عالم اليوم أي بلد إشتراكيّ . ونتيجة لهذه الردّة من قبل التحرفيّين و نظرا للتأثير الحتميّ لجميع هذه العوامل ، فإنّ حركات التحرّر الوطني المناهضة للإمبرياليّة قد حرمت من أيّ دعم تقدّمي عالميّ .

و منذ 1960 ، تطوّر الإتّحاد السوفياتي التحريفيّ إلى بلد إمبرياليّ - إشتراكيّ و تقدّم إلى مسرح السياسة العالميّة كقوّة عظمى إمبرياليّة جديدة . و هكذا تتجمّع البلدان الإمبرياليّة فى كتلتين متنازعتين بقيادة القوّتين الأعظم - تجد الإمبرياليّة الأمريكيّة و الإمبريالية السوفياتيّة فى نزاع شرس ، و حتّى صراعات حياة أو موت من أجل إعادة تقسيم الكوكب ، بغاية الإستغلال و التوسّع المستمرّ لمجالات التأثير . وتزداد حدّة هذا النزاع بصورة متصاعدة . و لهذا شرع الإمبرياليّون الإشتراكيّون السوفيات فى إستعمال حركات التحرّر الوطني المناهضة للإمبرياليّة فى عديد البلدان لخدمة مصالحهم الخاصة . و كذلك يستعمل الإمبرياليّون الأمريكان حركات التحرّر المناهضة للسوفيات لغاياتهم الخاصة . و من هنا ظهر الشكّ و الإضطراب حول ما إذا كان نضال التحرّر ضد كتلة إمبرياليّة يمكن أن يحرز الإنتصار دون مساعدة الكتلة الأخرى .

فى إطار هذه التغيّرات ، و نظرا للهجمات على ماو تسى تونغ و تشويه مساهماته و التنكّر لها ، أثيرت منذ سقوط الإتّحاد السوفياتيّ و خاصة الصين فى ايدي التحريفيّ ة ، أسئلة متعلّقة بلزوم طريق حرب الشعب للثورة فى المستعمرات الجديدة و شبه المستعمرات، و إمكانيّة تطبيقه . و بوجه خاص ، ينشر التحريفيّون الموالون لموسكو و الموالون لدنك سياو بينغ و الموالون لخوجا الإضطراب و يدافعون عن خطوط تحريفيّة و رجعيّة متنوّعة بإسم ما يسمّى " طريقا بديلا " و يتسبّبون فى ضرر لا يمكن إصلاحه للحركات الثوريّة . و من الطبيعيّ تماما أنّ هؤلاء عملاء الإمبرياليّة المتخفّين و التحريفيّين سيقومون بهجمات وحشيّة و يحاولون تشويه و ذمّ و فى الأخير إستبعاد أرقى تطوّر للماركسيّة - اللينينيّة ، أي فكر ماو تسى تونغ . سيقدرون على مواصلة هذا طالما أنّ الثوريّين الماركسيّين الحقيقيّين لا يقدّمون أمثلة حروب شعبيّة ظافرة . و قد أيقظت بعدُ حرب الشعب فى البيرو فى ظلّ قيادة الحزب الشيوعي البيروفي بهذا الصدد آمالا وطموحات جديدة لدي الشعوب المضطهَدة حول العالم.

و فى هذا المقال الحالي سنسعى للردّ على الهجمات على مبادئ حرب الشعب ونفضح مغالطات ما يسمى ب " الطريق البديل " . سنبيّن أنّه بالرغم من التغيّرات فى العالم منذ الحرب العالميّة الثانية ، فإنّ طريق حرب الشعب التى صاغها و خطّها ماو تسى تونغ ، تظلّ لها دلالة حيويّة فى البلدان المضطهَدة للقيام بالثورة الديمقراطيّة الجديدة المظفّرة . ليس الأمر ببساطة أنّ مبادئ و دروس ماو حول حرب الشعب مفيدة بالأحرى ، من غير الممكن فى هذه البلدان كسب الإنتصار دونها .

طريق حرب الشعب فى البلدان المضطهَدة هو طريق إفتكاك سلطة الدولة من قبل الشعب الثوري فى ظلّ قيادة البروليتاريا - لهذا هي مسألة إستراتيجيا عامة و خطّ سياسي للثورة الديمقراطيّة الجديدة .

حرب الشعب : مجرّد تكتيك أم إستراتيجيا و خطّ سياسي شامل ؟

هناك عدد هام من القوى المنخرطة فى الكفاح المسلّح فى مختلف البلدان و تدّعى أنّها ماركسيّة ، و حتّى تتحدّث عن أخذ من دروس من ماو ، بيد أنّها فى الواقع لا تفعل سوى تثمين مساهماته فى مجال الشؤون العسكريّة ، لا سيما حرب الأنصار . و بعض هذه القوى عناصر موالية لكوبا ، و بعضها موالي لموسكو ، و بعضها خوجيّة و أخرى يساريّة ثوريّة برجوازيّة صغيرة . و يزعم البعض أنّهم حتّى ماويّون . و رغم أنّ تقريبا كافة هذه القوى تعارض فكر ماو تسى تونغ ، فهي تتحدّث عن مساهماته فى المجال العسكريّ - و السبب هو أنّ مساهمات ماو فى مجال الحرب و خاصة حرب الأنصار لا مثيل لها فى التاريخ . و هكذا ، منذ إنخراطها هي ذاتها فى الكفاح المسلّح ، و هي مضطرّة لدراسة و تطبيق لإستراتيجيا العسكرية ، ليس بوسعها إلاّ أن تعترف بمساهمات ماو فى هذه الحقول . و مع ذلك ، دعاة وجهات النظر المختلفة هذه إمّا لا يفهمون أو يرفضون أو يشوّهون الجوهر الإستراتيجيّ و السياسيّ لنظريّة حرب الشعب فى مصلحة مواقفها الطبقيّة الإنتهازيّة . و يسيء الكثيرون تأويل نظريّة ماو لحرب الشعب على أنّها مجرّد تكتيك حرب الأنصار .

المسألة الأساسيّة فى النقاش مع هذه القوى هي طريق إفتكاك السلطة من قبل الشعب فى ظلّ القيادة البروليتاريّة فى البلدان المضطهَدة ، و لماذا ؟

إلى حدّ النضالات الثوريّة للشعب الصني بقيادة ماو تسى تونغ ، لم يكن فى علم الماركسيّة و مخزن ثروته سوى مفهوم واحد لإفتكاك السلطة : طريق ثورة أكتوبر الإشتراكيّة الروسيّة . إفتكاك السلطة بطريقة ما أخرى عدا طريق أكتوبر - هذه فكرة كانت حينها غائبة عن القيادات الماركسيّة . ماو تسى تونغ هو الذى لأوّل مرّة قام بدراسة مقارنة للظروف ما قبل الثوريّة الإقتصاديّة الإجتماعيّة لكلّ من روسيا و الصين و بيّن أنّ الطريق الروسي ، أو طريق أكتوبر لإفتكاك السلطة غير قابل للتطبيق فى البلد الذى تهيمن عليه الإقطاعيّة مثل الصين التى تضطهدها الإمبرياليّة . شرح ماو :

" ظروف الدول الرأسماليّة ، حين لا يسوها الحكم الفاشستي أو لا تكون في حالة حرب ، هي : في داخل البلاد لم يعد للنظام الإقطاعي وجود ، فالنظام المطبّق فيها هو النظام الديمقراطي البرجوازي ؛ و في المجال الخارجي لا تعاني هذه الدول الإضطهاد القومي ، بل هي التي تضطهد أمما أخرى . و نظرا لهذه الخصائص ، فإنّ مهمّة الأحزاب البروليتاريّة في الدول الرأسماليّة هي تثقيف العمّال و تجميع القوى عبر فترة طويلة من النضال الشرعيّ إستعدادا للإطاحة بالرأسماليّة نهائيّا ...

و إنّ الحرب الوحيدة التي تريد هذه الأحزاب خوضها هي الحرب الأهليّة التي تعدّ لها العدّة . إلاّ انّه يجب ألاّ تشنّ الإنتفاضة و الحرب الأهليّة قبل أن تصبح البرجوازيّة عاجزة بالفعل ، و قبل أن تعقد أغلبيّة البروليتاريا عزمها على القيام بالإنتفاضة المسلّحة و خوض الحرب ، و قبل أن تصبح جماهير الفلاّحين مستعدّة لتقديم المساعدة إلى البروليتاريا بمحض إرادتها . و عندما يحين الحين لشنّ الإنتفاضة و الحرب ، يجب الإستيلاء على المدن أوّلا ثمّ الزحف على الريف ، و ليس العكس . و على هذ النحو عملت الأحزاب الشيوعيّة في الدول الرأسماليّة ، كما أثبتت ثورة أكتوبر ( تشرين الأوّل ) في روسيا صحّة ذلك .

بيد أنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى الصين . فخصائص الصين هي أنّها ليست دولة ديمقراطيّة مستقلّة ، بل هي بلد شبه مستعمر و شبه إقطاعي لا يوجد فيه نظام ديمقراطيّ بل إضطهاد إقطاعي ، و لا يتمتّع في علاقاته الخارجيّة بالإستقلال الوطني ، بل يتعرّض للإضطهاد من قبل الإمبرياليّة . و تبعا لذلك ، لا يوجد في الصين برلمان نستطيع الإفادة منه ، و لا حقوق شرعيّة تسمح لنا بتنظيم العمّال من أجل الإضراب . فمهمّة الحزب الشيوعي هنا ، من الناحية السياسيّة ، ليست هي إجتياز فترة طويلة من النضال الشرعي ثمّ الإنتقال إلى شنّ الإنتفاضة و الحرب ، و ليست هي الإستيلاء على المدن أوّل ، ثمّ إحتلال الريف ، بل العمل على النقيض من ذلك . " (3)

لقد بيّن ماو أنّ فى البلدان الفلاحيّة فى الغالب مثل الصين التى كانت تضطهدها الإمبرياليّة ، و المتميّزة بالإقطاعيّة و يشكّل فيها الفلاحون المكوّن الأساسي للقوى الثوريّة ، و لهذا كان الريف محور عمل الحزب ، و يجب إفتكاك السلطة أوّلا فى الريف و تاليا فى المدن . و قد تمّ إفتكاك السلطة فى بلد شاسع عبر مراحل فى السيرورة الطويلة من حرب الشعب الطويلة الأمد بالتعويل أساسا على جماهير الفلاّحين لأجل تركيز مناطق محرّرة أو قواعد إرتكاز و تطويرها و نشرها ، ثمّ إفتكاك السلطة فى المدن . لهذه الأسباب جميعها الشكل الرئيسي للنضال فى الثورة الصينيّة سيكون الكفاح المسلّح منذ البداية و ليس الحركات الجماهيريّة و النضالات القانونيّة لفترة طويلة تنتهى بإنتفاضة عبر البلاد ، مثلما حصل فى روسيا . سيكون الشكل الرئيسي للمنظّمات هو التنظيم المسلّح - الجيش الثوري ، و مثل هذا الجيش ستقوده البروليتاريا و ينضوى ضمنه أساسا مقاتلون من الفلاّحين . و هكذا حدّد ماو المظاهر المميّزة لطريق إفتكاك السلطة فى الثورة الصينيّة التى كان مغايرا لذلك فى الثورة الروسيّة .

لذا بديهي جدّا أنّ مسألة النضال المسلّح أو مسألة حرب الشعب ليست مشكلة تكتيك معيّن ، بل هي بالأحرى مسألة أساسيّة للخطّ العام وثيق الإرتباط بعدد من المسائل السياسيّة ذات الدلالة : أهميّة مسألة الفلاّحين ، و المركز المحوريّ لعمل الحزب ، وسائل و أشكال إفتكاك السلطة إلخ . لو كان الأمر أنّ الثورة فى الصين ( و بصورة أعمّ فى البلدان التى تضطهدها الإمبرياليّة و المتميّزة بالإقطاعيّة ) كان بإمكان الحزب أن يقرّر أن يكون أو لا يكون النضال المسلّح المهمّة المركزيّة و أنّ إفتكاك السلطة يمكن أن يتمّ الإنطلاق إمّا من الريف أو من المدن ، عندئذ فإنّ الحزب سيقلّص النضال المسلّح إلى مجرّد مسألة تكتيكيّة . لكن ليس هكذا جرت معالجة المسألة فعلا فى الصين إذ حاول وانغ مينغ و لي لي سان و ممثّلون آخرون مثلهم لخطوط " يسارية " و يمينيّة فى الحزب الصيني ، حاولوا مرارا و تكرارا وضع المسألة على هذا النحو فقد دافعوا عن خطّ الإنتفاضة المتمحورة فى المدن و وضعوا العمل فى صفوف الجماهير و الكفاح المسلّح فى المصاف الثانويّ . و نظرا لتأثير هذه الخطوط العسكريّة الخاطئة كذلك بالإنحرافات السياسيّة من اللون " اليساري" أو اليميني .

هل أنّ النضال المسلّح و التنظيم المسلّح هما الشكلان الرئيسيّان للنضال و التنظيم ، على التوالي ، يعنى أنّ تنظيم الجماهير و الحركات الجماهيريّة مرفوضة ؟ لا . قول إنّ النضال المسلّح هو الشكل الرئيسيّ للصراع و إنّ النضال المسلّح هو الشكل الوحيد للنضال ليسا الشيء ذاته . و قد لاحظ ماو أهمّية كلا النوعين من النضالات فى الثورة الصينيّة :

" على أنّ التشديد على أهمّية النضال المسلّح لا يعنى أنّه يجوز لنا الإعراض عن النضال بالأشكال الأخرى ؛ بل الأمر على النقيض من ذلك ، فإنّ النضال المسلّح لا يمكن أن ينتصر إذا لم تدعمه نضالات بأشكال أخرى . كما أنّ إيلاء إهتمام خاص للعمل في القواعد الريفيّة لا يعنى أنّه يجوز لنا التخلّى عن عملنا في المدن و في المناطق الريفيّة الواسعة الأخرى التي لا تزال تحت سيطرة العدوّ ؛ بل الأمر على النقيض من ذلك ، إذ أنّ قواعدنا الريفيّة ستصبح معزولة و أنّ الثورة ستتعرّض للهزيمة إذا لم نقم بالعمل في المدن و في المناطق الريفيّة الأخرى . و فضلا عن ذلك ، فإنّ الهدف النهائيّ للثورة هو الإستيلاء على المدن التي تشكّل القواعد الرئيسيّة للعدوّ ، فلا يمكننا بلوغ هذا الغرض إذا لم نقم بما يكفى من عمل في المدن . " ( 4)

أمّا فى ما يتّصل بالعلاقة بين النضال المسلّح و الحركات الجماهيريّة ، قال ماو :

" الحرب هي الشكل الرئيسيّ للنضال في الصين ، كما أنّ الجيش هو الشكل الرئيسي للتنظيم . أمّا الأشكال الأخرى ، كتنظيمات الجماهير الشعبيّة و نضالاتها ، فهي أيضا ذات أهمّية بالغة و لا يمكن الإستغناء عنها أو تجاهلها في أيّ حال من الأحوال ، إلاّ أنّ الغرض منها هو خدمة الحرب . إنّ الهدف من كلّ التنظيمات و النضالات قبل إندلاع الحرب ، هو الإستعداد للحرب ... أمّا بعد إندلاع الحرب ، فيجب أن تتعاون جميع التنظيمات و النضالات مع عمليّات الحرب بصورة مباشرة أو غير مباشرة ..." ( 5)

الجوانب الأساسيّة لحرب الشعب :

و إن كنّا عامة قد ناقشنا خطّ حرب الشعب ، من الضروريّ إجراء نقاش خاص لجوانبها الأساسيّة هنا . و هذه الجوانب الأساسيّة تتضمّن :

1- قيادة البروليتاريا ؛
2- المهمّة المركزيّة : حرب الأنصار ، مسألة الشروع فى النضال المسلّح بالضبط منذ البداية ؛
3- الخطّ الجماهيريّ و مبدأ التعويل على الذات ؛
4- " محاصرة المدن إنطلاقا من الريف " و مسائل عسكريّة أخرى ذات الصلة ، أي قواعد الإرتكاز ، الحرب الطويلة الأمد ، إستراتيجيا و تكتيك حرب الأنصار إلخ.

قيادة البروليتاريا :

هذا أوّل و أهمّ مبدأ إستراتيجي لحرب الشعب ، إنّه مفتاح النصر. فقط القيادة البروليتارية بإمكانها أن تنجز الثورة الديمقراطية الجديدة إلى النهاية - إلى الثورة من أجل الإشتراكية و الشيوعية . و من خلال تلخيص تجربة تاريخ العالم المعاصر ، جاء عن حقّ فى " بيان الحركة الأممية الثورية " ( لسنة 1984 ) :

" بيّنت التجربة التاريخيّة أنّ " جبهة معادية للإمبرياليّة " ( أو "جبهة ثوريّة " أخرى من هذا القبيل ) لا يقودها حزب ماركسيّ - لينينيّ - ماويّ لا تؤدّى إلى نتيجة حتّى إذا ما كانت هذه الجبهة ( أو بعض القوى المكوّنة لها ) تتبنّى خطّا " ماركسيّا " معيّنا أو بالأحرى ماركسيّا كاذبا . و بالرغم من أنّ هذه التشكيلات الثوريّة قد قادت أحيانا معاركا بطوليّة بل و سدّدت ضربات قويّة للإمبرياليّة ، فإنّها أظهرت أنّها عاجزة على المستوى الإيديولوجيّ و التنظيميّ ، عن الصمود أمام التأثيرات الإمبرياليّة و البرجوازيّة . و حتّى فى الأماكن التى تمكّنت فيها هذه العناصر من إفتكاك السلطة ، فإنّها بقيت عاجزة عن تحقيق تغيير ثوريّ كامل للمجتمع فإنتهت جميعا ، إن عاجلا أم آجلا ، بأنّ قلبتها الإمبريالية أو أنها تحوّلت هي نفسها إلى نظام رجعيّ جديد يعمل اليد فى اليد مع الإمبرياليّين . " (6)

و هذا بالضبط ما حدث فى بلدان مثل كوبا و أنغولا و أثيوبيا و زمبابوى و نيكاراغوا إلخ. و كوبا ذاتها صارت محرّضة و شريكة الإمبرياليّة الإشتراكيّة . و باتت بقيّة هذه البلدان مستعمرات جديدة لهذه الإمبرياليّة أو تلك . و كلّ هذه الأحداث تدلّل على أنّه دون قيادة بروليتاريّة حتّى الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة لا يمكن إتمامها ، حتّى لا نتحدّث عن المرور إلى الثورة الإشتراكيّة .

لخوض الكفاح المسلّح تحت قيادة جبهة من اليسار البرجوازي الصغير المعادي للإمبرياليّة أو الثوريّين البرجوازيّين بينما يتمّ نبذ ضرورة القيادة البروليتاريّة ، و رفض ضرورة تشكيل حزب بروليتاريّ و تطويره ، و نبذ طريق حرب الشعب و تقليص مسألة الكفاح المسلّح من خطّ عام إلى مجرّد تكتيك ، و نبذ الخطّ الجماهيريّ الثوريّ أي خطّ و مبدأ الإعتماد على الجماهير فى خوض الحرب المسلّحة و خطّ مساهمة الجماهير فيها ، و خوض الكفاح المسلّح فى عزلة عن الجماهير و ببساطة الإختفاء فى مناطق جغرافية مواتية لأجل خوض الكفاح المسلّح وفق خطوط نوعا ما إرهابيّة - كلّ هذه مظاهر ممّا يدعى " الخطّ البديل " المتعارض مع فكر ماو تسى تونغ و طريق حرب الشعب . و كوبا هي المدافع الأساسيّ عن هذا " الطريق البديل " . و مهما كان مؤلما ، فالواقع هو أنّ هذا الخطّ " اليساري التحريفي المسلّح " كانت و لا تزال له تأثيرات هائلة فى بلدان أمريكا اللاتينيّة .

و فى السنوات الأخيرة " طريق بديل " آخر معروف بنموذج الساندينيّة قد ظهر ، و له عديد أوجه التشابه مع السابق . و من أوجه التشابه الهامة هو أنّهما يمزجان كافة مراحل الثورة فى واحدة و يرفعان شعار الثورة " الإشتراكية ". و هكذا يتجاهلون المهام الفعليّة للثورة الديمقراطيّة الجديدة : يعزلون الطبقة العاملة عن حلفائها، لا سيما الفلاّحين ، و يعيقون جدّيا قدرة الطبقة العاملة على القضاء على الإمبرياليّة والإقطاعيّة قضاء مبرما . و تتخّذ هذه التحريفيّة المسلّحة شكلا " يساريّا " . و الثوريّون البرجوازيّون الصغار الذين يتّبعون هذا الخطّ هم نوعا من الوسائل التى تضلّل من خلالها الإمبرياليّة – الإشتراكيّة السوفياتيّة حركات التحرّر الوطنيّ للبلدان المضطهَدة و تتحكّم فيها و تستخدمها و تحرفها عن أهدافها .

إثر تفسّخ الإتّحاد السوفياتيّ و تحوّله إلى بلد رأسماليّ ، تقدّم الخبثاء التحريفيّون السوفيات بنظريّة أنّه نتيجة لظهور دولة سوفياتيّة " إشتراكيّة " قويّة و " كتلة إشتراكيّة " قوية ، ضعفت الإمبرياليّة و ضعف الإستعمار الجديد و ميزان القوى بين الإمبرياليّة والإشتراكيّة قد تغيّر نهائيّا . و حاججوا بأنّ هذا التغيّر فى ميزان القوى جعل من الممكن التحوّل السلمي إلى الإشتراكيّة ، و حينها ، عارضوا النضال المسلّح للتحرّر الوطنيّ لمختلف البلدان . و بعد إكتسابهم قوّة كإمبرياليّين- إشتراكيّين ونموّ شهيّتهم ، إدّعوا أنّهم يتعاطفون مع حركات التحرّر الوطنيّ ضد الإمبرياليّة الأمريكيّة ، فى محاولة للتسرّب و إستعمالها و نفخوا أنّه نظرا للقوّة المتزايدة للكتلة " الإشتراكية " ، فإنّ القيادة البروليتاريّة لحركات التحرّر الوطنيّ لم تعد ضروريّة و أنّ حركات التحرّر الوطني تستطيع أن تكسب النصر فقط بالتعويل على المساعدات الماليّة و العسكريّة و غيرها من البلدان " الإشتراكية " ، و صار من الممكن لها المضي مباشرة إلى الإشتراكيّة ( من نوع التحريفيّة السوفياتيّة ) .

و بطبيعة الحال ، لقيت هذه النظريّة الكثير من القبول فى صفوف الثوريّين اليساريّين البرجوازيّين و البرجوازيّين الصغار الذين شرعوا فى الميل بصورة متنامية نحو المساعدة الماديّة السوفياتيّة . و هزيمة الإشتراكيّة فى الصين ، و النبذ التام للثورة و الهجوم عليها من قبل زمرة المرتدّ دنك سياو بينغ ، و غياب قيادة بروليتاريّة قويّة فى حركات التحرّر الوطنيّ ، و غياب حرب شعب قويّة مخاضة فى ظلّ خطّ صحيح - كلّ هذه التطوّرات هي أيضا عزّزت هذا الخطّ .

و اليوم التحريفيّة المسلّحة " اليساريّة " المشار إليها أعلاه تصبح أكثر فأكثر إختلاطا مع التحريفيّة اليمينيّة لأنّ جذورها الإيديولوجيّة واحدة . رفض القيادة البروليتاريّة و خطّ التعويل على الذات و بدلا عنه التبعيّة التامة للمساعدة الأجنبيّة ( أي الإمبرياليّة الإشتراكيّة ) تحت راية المرور مباشرة إلى " الإشتراكيّة ". فى كلمة ، ينبذ خطّهم نظريّة ماو لحرب الشعب .

و لون آخر من ألوان نفس " الطريق البديل " هو أن بعض ما يسمّى بضباط الجيش اليساريّين ( عامة الأصغر سنّا منهم ) ، فى عزلة عن الجماهير و هم أحيانا يتلاعبون بمشاعر الناس ، يفتكّون سلطة الدولة عبر إنقلاب عسكريّ . ثمّ يشكّلون حزب " شيوعيّا " أو " إشتراكيّا " أو حتّى " عمّاليّا " و يزعمون أنّ حركتهم ثورة . و تاليا ، يزعقون حول تركيز الإشتراكيّة من خلال مراسيم رسميّة . و أثيوبيا و أفغانستان مثالان لهذا اللون ، شأنهم فى ذلك شان ليبيا إلى درجة كبيرة . و عموما فى مثل هذه الحالات ، يعارض قادة الإنقلاب الكتلة الأمريكية و يسرعون فى الإحتماء بالسوفيات ، و هكذا يحوّلون بلادهم إلى مستعمرة جديدة للإمبرياليّة الإشتراكيّة . و أحيانا يقود السوفيات حتّى بأنفسهم الإنقلاب على غرار ما حصل فى أفغانستان . و هذا الطريق أيضا ينبذ القيادة البروليتاريّة و التعويل على الجماهير الشعبيّة و يرهن ذاته بالآمال الحالمة لمجموعة من الأشخاص و بالمساعدة الأجنبيّة ، و كلّ هذا يعنى النبذ التام لحرب الشعب . و مثل هذا الطريق ينزع إلى الدفع نحو الخضوع لهيمنة إمبرياليّة أو أخرى .

لقد لخّص ماو مسألة القيادة البروليتاريّة في الثورة الديمقراطيّة الجديدة على النحو التالي :

" إنّ الديكتاتوريّة الديمقراطيّة الشعبيّة تتطلّب قيادة الطبقة العاملة ، لأنّها هي الطبقة الوحيدة النافذة البصيرة ، و أكثر الطبقات إنكارا للذات ، كما أنّها أكثر الطبقات حزما في الثورة . و يبرهن تاريخ الثورات بأكمله على أنّ الثورة تفشل إذا كانت بدون قيادة الطبقة العاملة و أنّها تنتصر إذا قادتها هذه الطبقة . و في عصر الإمبرياليّة ، لا يمكن لأيّة طبقة أخرى ، في أيّ بلد كان ، أن تقود أيّة ثورة حقيقيّة إلى النصر . و الدليل على ذلك أنّ الثورات العديدة التي قادتها البرجوازيّة الصغيرة و البرجوازيّة الوطنيّة في الصين فشلت جميعا . "( 7 – و التشديد للحزب البروليتاري لبربا بنغلا )

و اليوم يتدخّل الإمبرياليّون و تتدخّل قوى أخرى فى المنطقة هيمنيّة وتوسعيّة ، بصفة متنامية فى مختلف نضالات التحرّر الوطني و يحرفونها عن مسارها و يضلّلونها بالمسمّاة مساعدة ماليّة و عسكريّة وغيرها . و زيادة على ذلك ، تحاول القوى العظمى الإمبرياليّة ، فى نزاعها المحتدّ حول إعادة تقسيم الكوكب و توسيع مناطق نفوذها ، بإستمرار إستعمال نضالات التحرّر الوطنيّ الموجّهة ضد منافسها لأغراضها الخاصة ، و هكذا تركّز كلّ الموالين لها على رأس هذه الحركات . و فى مثل هذا الوضع العالمي ، من الضروريّ بوجه خاص أن ينشر الماركسيون - اللينينيّون الحقيقيّون على نطاق واسع فهم لزوم قيادة البروليتاريا فى الثورة الديمقراطيّة الجديدة .

ما معنى قيادة البروليتاريا ؟

كثير من هذه القوى التى تسمّى نفسها إشتراكيّة أو ماركسيّة – و التى رأينا أنها ليست سوى إشتراكيّة مزيّفة و ماركسيّة مزيّفة - ترفض أو لا تعطى أهمّية مناسبة لتشكيل حزب سياسيّ بروليتاريّ مستقلّ . و قيادة حزبها هي فى الواقع أكثر المظاهر دلالة على قيادة البروليتاريا . إنّها الطريقة الوحيدة التى يمكن للبروليتاريا من خلالها أن تمارس قيادتها فى الحركات الثوريّة ( أو فى سلطة الدولة و الإدارة ). من غير الممكن إرساء قيادة الطبقة البروليتاريّة للحركة الثوريّة بتقويض ، و إنكار أو معارضة تركيز حزب بروليتاريّ مستقلّ أو قيادته للحركة .

لقد تحدّث ماو عن هذه النقطة بلغة شديدة الوضوح :

" يجب أن يكون هناك حزب ثوريّ ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوريّ ، حزب مؤسّس وفق النظريّة الماركسيّة اللينينيّة الثوريّة و طبق الأسلوب الماركسي اللينينيّ الثوريّ ، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب إلى الإنتصار على الإمبرياليّة و عملائها . " (8)

و يجب أن يكون مثل هذا الحزب البروليتاريّ ، مرّة أخرى بكلمات ماو ، " حزب قويّ النظام مسلّح بالنظريّة الماركسيّة – اللينينيّة ، يستخدم أسلوب النقد الذاتي و يرتبط بجماهير الشعب ." (9) و القاعدة النظريّة العامة التى تقود إيديولوجيا البروليتاريا هي الماركسيّة – اللينينيّة – فكر ماو تسى تونغ [ الماويّة ] .

كيف يعبّد إنتصار الثورة الديمقراطيّة الجديدة الطريق أمام الثورة الإشتراكيّة ؟

لقد لاحظ ستالين و ماو بصفة متكرّرة أنّ الثورة الديمقراطيّة الجديدة فى ظلّ قيادة الطبقة العاملة لم يكن جزءا من الثورة الديمقراطيّة العالميّة القديمة ( وهدفها إرساء رأسماليّة و دكتاتوريّة البرجوازيّة ) ، و إنّما بالأحرى جزء لا يتجزّأ من الثورة الإشتراكيّة البروليتاريّة العالميّة و هدفها النهائي هو الإشتراكيّة و الشيوعيّة . و قد جعل ماو المسألة جليّة حين قال : " الثورة الديمقراطيّة هي التمهيد اللازم للثورة الإشتراكيّة ، و الثورة الإشتراكيّة هي النتيجة الحتميّة للثورة الديمقراطية . " (10) و قيادة الطبقة العاملة هي التي تجعل ممكنا التقدّم بالثورة عبر و أبعد من الديمقراطيّة الجديدة نحو الثورة الإشتراكيّة . وكما قال ماو :

" إنّ ثورة الديمقراطيّة الجديدة هذه جزء من الثورة الإشتراكيّة البروليتاريّة العالميّة ، فهي تناهض بكلّ حزم الإمبرياليّة أي الرأسماليّة الدوليّة . إنّها تسعى ، في المجال السياسي ، إلى تحقيق دكتاتوريّة مشتركة لعدّة طبقات ثوريّة على الإمبرياليّين و الخونة و الرجعيّين ن وهي تعارض تحويل المجتمع الصينيّ إلى مجتمع تمارس البرجوازيّة فيه الدكتاتوريّة . و إنّها تهدف ، في المجال الاقتصادي ، إلى تأميم رؤوس الأموال الضخمة و المشروعات الكبرى التابعة للإمبرياليّين و الخونة و الرجعيّين ، و توزيع الأراضي التي في حوزة ملاّك الأراضي على الفلاّحين ، مع الإبقاء على المشروعات الرأسماليّة الخاصة بصورة عامة ، و عدم إلغاء إقتصاد الفلاّحين الأغنياء . و هكذا رغم أنّ هذه الثورة الديمقراطيّة من الطراز الجديد هي ، من جهة ، تمهّد السبيل أمام الرأسماليّة ، إلاّ أنّها ، من جهة أخرى ، تخلق أيضا الشروط الأوّليّة للإشتراكيّة . إنّ المرحلة الحاليّة من الثورة الصينيّة هي مرحلة إنتقال بين إنهاء المجتمع المستعمر و شبه المستعمر و شبه الإقطاعي و بين إقامة مجتمع إشتراكي ..." (11)

و هناك عوامل أخرى يجب الإشارة إليها :

أوّلا ، تجعل سيرورة الثورة هذه ممكنا بناء حزب البروليتاريا الذى تصلّب عوده الإعصارات الثوريّة فى هذه البلدان ، و تقوّيه و تصبح له قاعدة جماهيريّة و على نطاق وطنيّ . و يمكن للحزب أن يكسب ثقة الشعب حتّى يبادر لاحقا بالثورة الإشتراكيّة و يقودها . و شدّد ماو غاية التشديد على هذا .

و ثانيا ، أثناء كامل مرحلة الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة التى هي بالطبيعة و عموما طويلة الأمد ، للحزب فرصة القيام بالعمل الدعائيّ و خلق رأي عام ضمن الجماهير لصالح الماركسيّة - اللينينيّة و الإشتراكيّة و الشيوعيّة . و من ثمّة ، يستطيع الحزب أن يعدّ الشعب إيديولوجيّا لإنجاز الثورة الإشتراكيّة . و كذلك أولى ماو أهمّية كبرى لهذا .

ثالثا ، يخلق إتمام الثورة الديمقراطيّة الجديدة بنجاح فى ظلّ قيادة البروليتاريا نوعا من القاعدة الماديّة للإشتراكيّة .( أشار إليه ماو أعلاه على أنّه " الشروط الأوّليّة للإشتراكيّة " ) بالقضاء المبرم على الإمبرياليّة والرأسماليّة الكمبرادوريّة – البيروقراطيّة و تأميم كافة ثرواتهما و رأسمالهما ، تقطع خطوة كبيرة نحو التحويل الإشتراكيّ للجزء الكبير من رأسمال البلاد و صناعتها لأنّه فى مثل هذه البلدان ، يملك الإمبرياليّون والرأسماليّون البيروقراطيّون الأغلبيّة . و فى نفس الوقت ، خلال السيرورة الطويلة من حرب الشعب الطويلة الأمد ، يتمّ تنظيم غالبيّة جماهير الفلاحين فى عدد لا يحصى من أنواع التنظيمات القاعديّة و العليا ، بما فى ذلك التعاونيّات و كذلك فى مثل هذا التنظيم المتقدّم و عالي الإنضباط ، أي الجيش الثوريّ ، و يكسبون قدرا هاما من التجربة . فيتطوّر بسرعة وعي الجماهير التى كانت فى السابق فلاّحين متخلّفين ، تحت ضغط الحرب ، و خاصة التغيّرات السريعة و الممارسة الخلاّقة لحرب الأنصار . و كلّ هذا جزء أيضا من القاعدة الماديّة للتقدّم نحو الثورة الإشتراكيّة .

المهمّة المركزيّة : حرب الأنصار

أن نكون من أنصار " ما العمل ؟ " فى هذه البلدان يعنى الشروع فى النضال المسلّح منذ البداية و إستيعاب حرب الأنصار كمهمّة مركزية .

لبناء التنظيم و النضال فى البلدان المضطهدَة و تطويرهما ، المهمّة المركزيّة هي الكفاح المسلّح و الشكل الخاص منه هو حرب الأنصار . و هكذا مهمّة مركزيّة لبناء التنظيم والنضال هي حرب الأنصار . و هذه المسألة مرتبطة مباشرة بالأهمّية الأولى للعمل ضمن الفلاّحين فى الريف .

" ما العمل ؟ " - كيف و متى يتمّ الإنطلاق ؟ فى فترة تأليفه الكتاب ، قدّم الرفيق لينين الحلّ لهذا المشكل فى الظروف الملموسة و زمن الثورة الروسيّة . و بيّن أنّ فى المراحل الأولى من بناء الحزب فى روسيا ، المهمّة المركزيّة لتشييد التنظيم والنضال هي تطوير منظّمة سياسيّة لعموم روسيا . وحاجج أنّ السياسة الثوريّة ، أي ، سياسة إفتكاك السلطة ، و ليس السياسة الإصلاحيّة و الإقتصادويّة ، ينبغى أن تحمل إلى الطبقة العاملة بالضط منذ البداية ، و أنّ أفضل وسيلة لهذا تتطلّب منظّمة سياسيّة فعّالة عبر روسيا كلّها . بالنسبة للينين السياسة الثوريّة علم . و لهذا لا يمكنها أن تبلغ الطبقة العاملة عفويّا وآليّا عبر حركاتها ذات الأهداف الإقتصادويّة والإصلاحيّة ؛ بالأحرى ، يجب أن تحمل من الخارج ، من حزب من الثوريّين المحترفين درّب العمّال بمنظمة سياسيّة مركزيّة . ومثل هذه المنظّمة عملت كذلك كمركز للعمل التحضيري للإنتفاضة و الحرب الثوريّة فى المستقبل . و أرسى لينين هذا الخطّ للمنظّمة الحزبيّة المركزيّة كمهّمة مركزيّة عبر النضال النظريّ و الممارسة الثوريّة ؛ و بيّنت ثورة أكتوبر صحّته ، و هو يظلّ مرشد الثورة فى البلدان الرأسماليّة .

لكن فى البلدان المضطهَدة ليست المنظّمة الحزبيّة هي المهمّة المركزيّة ، بل المهمّة المركزيّة هي حرب الشعب. و بالفعل ، إستنتاج أنّ حرب الأنصار هي المهمّة المركزيّ ة ينبع من خطّ " ما العمل ؟ " ذاته لأنّه إذا أردنا إتّباع إيديولوجيا " ما العمل ؟ " فى البلدان المضطهَدة ، علينا أن نحمل السياسة الثوريّة إلى الريف و إلى الفلاّحين . و يجب توحيد الفلاّحين و تنظيمهم و تدريبهم على السياسة الثوريّة ، أي سياسة إفتكاك السلطة . و تنظيمهم بطريقة أخرى مثلا على أساس مطالبهم الإقتصاديّة و إلى جانب ذلك تدريبهم على السياسة ليس هو الأسلوب اللينينيّ . تنظيم الفلاّحين فى نقابات ليس مهمّة الشيوعيّين الثوريّين . لتربية الفلاّحين و تنظيمهم على أساس السياسة الثوريّة بالضبط منذ البداية – هذه و هذه فقط هي ، حسب لينين ، السياسة " الإشتراكيّة –الديمقراطيّة " أي الماركسيّة – اللينينيّة .

و المشكل إذن هو كيف يمكن تربية الفلاّحين وتنظيمهم على أساس سياسة ثوريّة و منذ البداية . و القيام بذلك ، مثلا ، بمنظّمة سياسية مركزيّة ، أو أيّة وسائل أخرى ، مثل الحركات الإقتصاديّة إلخ ، القائمة على تربيتهم لفترة طويلة على نوع من الطريق السلميّ ، غير ممكن فى هذه البلدان ذلك أنّ الفلاّحين فى البلدان المضطهَدة عادة ما يعيشون فى ظلّ حكم أوتوقراطيّ و عموما إستبداد إقطاعيّ . ليست لديهم حتّى أدنى الحقوق الديمقراطيّة . لذا من غير الممكن الإنخراط فى تربية طويلة على السياسة الثوريّة بالطريقة نفسها . و قبل أن يحصل مثل هذا الشيء ، من الأكيد أن الفلاّحين ستسحقهم الهجمات العسكريّة للطغاة الإقطاعيّين . وفى عديد الحالات حتّى مجرّد تحركات إقتصاديّة للفلاّحين تعامل بيد من حديد - فما بالك بالحركات المعتمدة على سياسة ثوريّة . و علاوة على ذلك ، ينخرط الفلاّحون فى إنتاج على نطاق ضيّق . و ليسوا مجمّعين بأعداد كثيفة فى أماكن عمل كبرى . و إنعزالهم عن بعض حاد وهو يزداد بفعل تخلّفهم الثقافيّ النسبيّ . ومن هنا ، مقارنة بتنظيم و وحدة العمّال و صراعهم ، تنظيم و وحدة الفلاّحين و صراعهم ينزعون إلى إتّخاذ طابع محلّي أكثر . و كذلك لأنّهم منعزلون و متفرّقون ، يمكن لوعي الفلاّحين أن يرفع على نحو شديد التفاوت .

لهذه الأسباب جميعا وعي فلاّحي منطقة ما و نضالهم يمكن أن يتطوّر إلى مرحلة أرقى على أساس محلّي ، بينما فى بعض المناطق الأخرى ، لا يمكن أن يتطوّر بالمرّة . لذا بينما فى بعض المناطق يمكن لمستوى وعي الفلاّحين أن يكون متخلّفا جدّا ، فى مناطق أخرى ، يمكن أن تكون الظروف ناضجة للشروع فى النضال المسلّح . فى مثل هذا الوضع ، عدم الإنطلاق فى النضال المسلّح فى المناطق المناسبة هو بحكم التخلّى عن الثورة ذاتها . إن كان الحزب يجرى تربية الشعب عبر منظّمة حزبيّة كمهمّة مركزيّة فإنّ حالات التخلّى عن الظروف المناسبة للشروع فى الكفاح المسلّح تنزع إلى الظهور كثيرا و عاجلا أم آجلا من الأكيد أنّ هذا سيحوّل الحزب البروليتاريّ إلى حزب إنتهازيّ .

لقد بيّن ماو أنّ فقط حرب الأنصار هي التى بوسعها أن توقظ الفلاّحين المسحوقين تحت عجلة الطغاة الإقطاعيّين و توحّدهم و تنظّمهم و تجعلهم واعين لسياسة إفتكاك السلطة . فقط حرب الأنصار بإمكانها أن تزرع فيهم الثقة فى قدراتهم و تسمح بمساهمتهم فى النضال المسلّح من أجل السلطة . و فقط عبر حرب الأنصار تستطيع الطبقة العاملة ، من خلال قيادة الحزب و عبر مشاركتها هي فى حرب الأنصار ، أن توحّد و تبني التحالف الثوريّ مع حليفها الأساسيّ ، غالبيّة الفلاّحين . فى كلمة ، فقط حرب الأنصار بوسعها أن تربّي الفلاّحين و تنّظّمهم على أساس سياسة ثوريّة . هذا بالفعل تطبيق ل " ما العمل ؟ " فى هذه البلدان .

و على العكس ، إذا جرى القيام بالعمل حول منظّمة سياسيّة كمهمّة مركزيّة ، فإنّ العمل بطريق الحتم سيؤول ممركزا فى المدن و بالأساس ضمن مثقّفي الطبقة الوسطى المدينيّة و إلى بعض حدود العمّال ما سيفرز إنعزالا عن جماهير الشعب . و علاوة على ذلك ، فى غياب أيّ رابط مع حرب الأنصار فى المحافظات الريفيّة ، فإنّ العمل فى صفوف العمّال فى ظلّ هذا الخطّ ينزع فى النهاية إلى السقوط فى حفرة الإصلاحيّة و الإقتصادويّة .

يتحدّث العديد من الناس عن طريقة أخرى لتوحيد الشعب فى هذه البلدان ، طريقة " تطبيق الخطّ الجماهيريّ ". منهجهم هو القيام بحركات إقتصاديّة فى صفوف الفلّاحين ، و بناء منظّمات جماهيريّة ضمنهم لهذا الغرض و إتّخاذها بمثابة العلاقة المفتاح . حسب سياسة " ما العمل ؟ " هذه المهمّة المركزيّة المفرغة من السياسة الثوريّة لا تعدو أن تكون فهما إصلاحيّا ، تحريفيّا للخطّ الجماهيريّ . كافة التحريفيّين القانونيّين الذن نبذوا النضال المسلّح منخرطون فى هذا البحث غير المثمر .

مجمل القول ، عندما يتمّ التخلّى عن حرب الأنصار ، سيكون الحزب إمّا معزولا عن جماهير الفلاّحين أو إذا تمكّن من ربط علاقات معهم ستكون علاقات قائمة على الإصلاحيّة و الإقتصادويّة لا صلة لها بالسياسة الثوريّة و الإفتكاك الثوريّ للسلطة .

و هناك أيضا أولئك الذين يثيرون المسألة على هذه الطريقة الدارجة : نعم ، حرب الأنصار هي بلا شكّ المهمّة المركزيّة لكن هل يجب الشروع في النشاط الأنصاريّ بالضبط منذ البداية ؟ ألن يكون النضال المسلّح الذى يشرع فيه منذ البداية معزولا عن الشعب ؟ بل ألن يكون من الأفضل أن نطوّر أوّلا بعض القوّة التنظيميّة عبر صنوف شتّى من الحركات الجماهيريّة الإقتصاديّة و غيرها القائمة على مواضيع و مطالب و هكذا نقوم ببعض التقدّم فى التحضيرات و حينها فقط نشنّ النضال المسلّح ؟ المدافعون عن هذه النظرة يخدمون فعلا خطّا إصلاحيّا و إقتصاديّا ، غير أنّهم يفعلون ذلك بطريقة دائريّة . عمليّا ، يتهرّبون من الموقف اللينيني ل " ما العمل ؟ " ؟

قول إنّ النضال المسلّح يجب أن يبدأ منذ البداية لا يتجاهل ضرورة بعض الإعدادات . و النقطة الحقيقيّة للنقاش هنا ليست حول الإعدادات و إنّما هي حول أيّ خطّ يقود : السياسة الإصلاحيّة أو السياسة الثوريّة . هذا هو بالضبط بيت القصيد فى " ما العمل ؟ " . حسب الظروف الخاصة بالبلاد ، التحضير الأدنى مثل بناء قاعدة تنظيميّة أوّلية ، وخلق رأي عام ، إلخ يجب إنجازه ، لكن على أساس سياسة ثوريّة ؟ و لا يمكن أبدا إتمام هذه التحضيرات بالإعتماد على الإصلاحيّة و الإقتصاديّة أو عبر الحركات الجماهيريّة المعتمدة على مثل هذه السياسات ؛ حتّى الرأي العام الثوريّ لا يمكن بناؤه بهذه الطريقة .

و العديد من القوى التى تقدّمت بمثل هذه النظرات و التى تهاجم خطّ حرب الأنصار منذ البداية على أنّها " مغامراتيّة " و " إرهابيّة " هي قوى ثوريّة سابقا تفسّخت و صارت إنتهازيّة نتيجة مصائب السبعينات ، و إتخّذت خطوطا وسطيّة موالية للصين أو موالية للصين / السوفيات ، إنّها غير معنيّة بالنضال المسلّح إلاّ انّها تجادل بأنّ " هذه ليست طريقة البداية " . و يركّز آخرون أيضا هجومهم على مسألة بداية النضال المسلّح و حرب الأنصار . لكن مهما كان تنوّع الأشكال التى تكتسيها الهجمات ، فهي جميعها تتلخّص فى التالي : إنّ الشعب عبر الحركات الإقتصاديّة العفويّة ، سيدرك آليّا سياسة النضال المسلّح و إفتكاك السلطة فى صباح جميل سيرفع السلاح نتيجة تمرّدات عفويّة . بإيجاز ، يدّعون الإعداد للثورة ، لكن دون سياسة ثوريّة .

و هكذا فى هذه البلدان غير كاف بالنسبة للماركسيّين – اللينينيّين أن يقبلوا نظريّا ضرورة حرب الشعب . يجب أن يولوا ببساطة أقصى الأهمّية لمعالجة مشكل كيفيّة الإنطلاق و ما هي المهمّة المركزيّة . السياسة الثوريّة هي النقطة الحيويّة . و خطّ أنّه مهما كانت الأشكال التى تتّخذها التحضيرات ، فإنّ النضال المسلّح يجب أن ينطلق بالضبط منذ البداية و المهمّة المركزيّة هي حرب الأنصار - هذا ما يجب التمسّك به بشدّة و صلابة . هذا ما يتطلّبه طريق ماو لحرب الشعب و تتطلّبه اللينينيّة أيضا .

نقاط بصدد " الشروع فى النضال المسلّح بالضبط منذ البداية " :

1- أحد أهمّ الحواجز أمام الإنطلاق فى النضال المسلّح و حرب الأنصار بالضبط منذ البداية هو نزعة تضخيم قوّة العدوّ . فى الممارسة العمليّة تخفق هذه النزعة فى تقييم الوضع الحقيقيّ لهذه البلدان . فبفعل الإمبرياليّة و الإستعمار الجديد ، يطغى وضع من الأزمة طوال الوقت فى هذه البلدان ، و عليه عموما يوجد وضع ثوريّ دائم ( و لو أنّه يشهد مدّا و جزرا ) . لهذا فإنّ شرارة صغيرة من النضال إن إشتعل حتّى فى ركن بعيد يمكن أن تنتشر و تشتدّ . و فرضيّة ماو أنّ " ربّ شرارة أشعلت سهلا " قابلة عموما للتطبيق فى هذه البلدان . و هذا كذلك سبب إمكانيّة أن يتّخذ النضال الثوريّ شكل النضال المسلّح بالضبط منذ البداية فى هذه البلدان .

2- لا يعنى الشروع فى النضال المسلّح بالضبط منذ البداية الإنطلاق فى حرب الأنصار من اليوم الأوّل من بناء الحزب . فبعض العمل التحضيريّ الأدنى واجب . و لإستيعاب المظاهر النظريّة للماركسيّة - اللينينيّة - فكر ماو تسى تونغ [ الماوية ] ، الصيغ النظريّة - السياسيّة للمواضيع الأساسيّة للتحليل السياسيّ الأساسيّ و الإقتصاديّ -الإجتماعيّ ، و الدعاية للنظريّة و المسائل الإيديولوجيّة و السياسيّة ؛ و تدريب عدد أدنى من الكوادر ضروريّ للتطوّر الأولي للتنظيم و النضال ؛ و تربية عدد من الثوريّين المحترفين و الشروع فى ممارسة الحياة المحترفة، أساس تنظيميّ أدنى ضمن المثقّفين الثوريّين و العمّال و الفلاّحين ؛ و تشكيل بضعة وحدات أنصاريّة ؛ و إنجاز تحليل طبقيّ ماركسيّ - لينينيّ و تلخيص الحركات و النضالات الثوريّة للشعب - هذا شيء من العمل التحضيريّ . و هذا يجب القيام به فى نفس الوقت ، أو على الأقلّ بشكل منظّم – لذا ، بطبيعة الحال ستوجد أو يمكن أن توجد فترة إعداد أو فترة تطوّر " سلميّ " فى حياة تقريبا كلّ حزب ثوريّ .

أحيانا نواجه هنا مشكلا محدّدا . فبتعلّة " ضرورة " الإعداد الذاتيّ ، تبدأ الأمور أحيانا تستغرق وقتا أطول ، و تظهر خطوط حول الحاجة للإعداد الواسع لشنّ حرب الأنصار بين ليلة و ضحاها ، و ربّما عبر البلاد بأسرها ، و ما إلى ذلك ، و كلّ هذا تأجيل غير ضروريّ للإنطلاق فى الحرب الثوريّة . و تبنّى مثل هذه الخطوط يسقطنا فى طريق الإصلاحيّة و على الماركسيّين - اللينينيّين أن يعارضوا بصرامة نزعة الإنحراف اليمينيّ هذه داخل الحزب . و جذور هذه النزعة هي تهويل قوّة العدوّ و الإخفاق فى إستيعاب جوهر صيغة ماو " ربّ شرارة أشعلت سهلا " ؛ و هي كذلك تخفق فى إستيعاب تطبيق " ما العمل ؟ " . أحيانا يسترسل منخرطوها فى أحلام ذاتية للإنطلاق فى نضال واسع النطاق و تجاوز الطريق الملتوي لحرب الشعب الطويلة الأمد .

3- و رغم أن وضعا ثوريّا يوجد عموما فى البلدان المضطهَدة ، فهو يعرف مدّا و جزرا . و من هنا ، و لو أنّ المهمّة المركزيّة هي عامة الشروع فى النضال المسلّح منذ البداية ، لأسباب عدّة ( مثل جزر فى الوضع الثوريّ ، و تراجعات فى الحركة الثوريّة ، و تركيز كوادر فى بعض الأعمال غير النضال المسلّح إلخ ) فى وقت معيّن من النضال المسلّح يمكن مؤقّتا أن لا يكون المهمّة المركزيّة ، لكن حتّى حينها المهام السياسيّة و التنظيميّة ينبغى أن توجّه صوب تعزيز التحضيرات للشروع فى النضال المسلّح و خوضه فى سبيل التقدّم بالثورة حتّى مع توقّع تطوّر ظروف عامة أكثر مواتاة .

4- مسألة العزلة عن الجماهير . فى المرحلة الأولى تنزع حرب الأنصار إلى البقاء إلى حدّ معيّن معزولة عن جماهير الشعب ، او على الأقلّ يمكن أن تبدو كذلك . فى غالبيّة الأحيان ، يجب الشروع فى حرب الأنصار تقريبا من الصفر ، و قد لا تملك ، و فى عديد الحالات غير ممكن أن تملك ، كافة المظاهر المميّزة لما هو معروف كحرب الشعب ، و بذلك ليست بعدُ مخاضة كحرب جماهير الشعب ذاتها . فى هذه المرحلة ، الأعداء و التحريفيّون من كلّ الأرهاط ينفثون سمومهم عن " العزلة عن الجماهير" ، و " الإرهابيّين " و " المتطرّفين من أقصى اليسار " إلخ . و يجب معارضة هذا و فضحه ، بما فى ذلك من قبل عمل دعائيّ سياسيّ - إيديولوجيّ قويّ فى صفوف الشعب . فالواقع أنّ الإنطلاق فى حرب الأنصار فى ظلّ خطّ صحيح هو بداية حرب الأنصار ذاتها ، على وجه التحديد عبر مثل هذه البداية لحرب الشعب على نطاق ضيّق يمكن أن يتوسّع تدريجيّا عبر البلاد . و من الحتميّ تقريبا أنّ المرحلة الأولى تنطلق فى مناطق ضيّقة أو جيوب تعمل كشرارة بالنسبة لجماهير الشعب نفسها عبر البلاد لتعانقها .

الخطّ الجماهيريّ و التعويل على الذات :

" لمّا كانت الحرب الثوريّة حربا جماهيريّة ، فلا يمكن خوض غمارها إلاّ بتعبئة الجماهير و الإعتماد عليها ." (12)
هذه الجملة الفريدة لماو تسى تونغ تعكس بإمتياز الطبيعة الجوهريّة لحرب الشعب و علاقتها بالخط الجماهيري. و لا يمكن أن يوجد تطبيق لمبدأ الخطّ الجماهيريّ هذا دون تطبيق ، فى نفس الوقت ، لمبدأ آخر شدّد عليه ماو ، هو التعويل على الذات و النضال الشاق ؛ الصلابة فى التعويل على الذات يمكن أن تقود إلى تطبيق الخطّ الجماهيريّ .

شرح ماو التعويل على الذات على النحو التالي :

" على أيّ أساس ينبغي أن ترتكز سياستنا ؟ على قوّتنا الخاصة ، هذا ما يسمّى الإعتماد على النفس . إنّنا لسنا منعزلين لأنّ جميع بلدان العالم و جميع شعوبها المناضلة ضد الإمبرياليّة هي صديقتنا ، بيد أنّنا نؤكّد الإعتماد على النفس. فبإعتمادنا على القوى التي ننظّمها نحن أنفسنا ، نستطيع قهر جميع الرجعيّين الصينيّين والأجانب." (13)

و شرح أيضا العلاقة بين التعويل على الذات و المساعدة الخارجيّة :

" إننا ندعو إلى الإعتماد على النفس . و نأمل في العون الخارجيّ ، و لكن لا يجوز لنا أن نعتمد عليه ، و إنّما نعتمد على جهودنا الخاصة ، على القوّة الخلاّقة في الجيش كلّه و الشعب قاطبة . "( 14)

دون تكريس الخطّ الجماهيريّ ، دون التعويل على الجماهير الشعبيّة ، تنزع كافة الصراعات إلى التعويل على الآخرين . ليس بوسع القوّة القياديّة للثورة - الطبقة العاملة و حزبها - و الجيش الثوريّ أن تهزم لوحدها العدوّ القويّ ؛ عليها أن تعوّل على واحدة من القوّتين لا المساعدة الأجنبيّة أو الجماهير الشعبيّة . و علاوة على ذلك ، عندما تحدّث ماو عن الأمل فى المساعدة الخارجيّة ، كانت الإشتراكيّة قائمة فى الإتّحاد السوفياتيّ ، وهو ما لم يعد كذلك . و ليست المساعدة الأجنبيّة ، و خاصة على مستوى دولة ، الآن متوفّرة لنضالات التحرّر الحقيقيّة ، مثلما يبيّن الحال فى حرب الشعب فى البيرو فى ظلّ قيادة الحزب الشيوعي . و هكذا من المهمّ أكثر من أيّ زمن مضى أن نعوّل تمام التعويل على جماهير الشعب .

و عندما ننحرف عن التعويل على جماهير الشعب ننحو إلى التعويل على المصادر الأجنبيّة. ومهما كانت تعلّة حصول ذلك – " الإشتراكيّة " ، " الديمقراطيّة " ، " و الإنسانيّة العالميّة " إلخ - ننحو إلى التحوّل إلى أداة بأيدى السوفيات ، الولايات المتّحدة أو إمبريالية أجنبيّة أخرى ، و النضال الثوريّ سيتيه و يفشل . و الأمثلة لا يجب حقّا أن تكون ضروريّة لإرساء واقع أنّ مثل هذه الظاهرة متوفّرة فى عالم اليوم . و كذلك ينبغى أن نشير أنّ فقط القيادة البروليتاريّة يمكنها حقّا أن تعبِّأ الجماهير و تعوّل عليها .

محاصرة المدن إنطلاقا من الريف و المسائل العسكريّة ذات الصلة :

تشمل المسائل العسكريّة الأساسيّة هنا دور قواعد الإرتكاز ، و طبيعة الحرب الطويلة الأمد ، و إستراتيجيا و تكتيك حرب الأنصار . وقد سبق أن ناقشنا بعدُ كيف أنّ الإستراتيجيا الأساسيّة لمحاصرة المدن إنطلاقا من الريف متجذّرة فى طبيعة النظام الإجتماعيّ و مرحلة الثورة فى البلدان المضطهَدة ذاتها . و الخطوط العريضة النظريّة الأساسيّة التى صاغها ماو تسى تونغ و التى ترشد هذه الإستراتيجيا لا زالت صالحة ولم يحدث أيّ تطوّر جوهريّ فى نظريّات و مبادئ حرب الشعب منذ زمنه . و هنا سنتناول فقط هذه النقاط العسكريّة الكبرى و نناقش إلى أيّ مدى لا تزال قابلة للتطبيق فى الوضع العالميّ الجديد حيث حصلت تغيّرات هامة فى مميّزات البلدان المضطهَدة .

تستدعي إستراتيجيا محاصرة المدن إنطلاقا من الريف تركيز قواعد إرتكاز فى الريف لأجل إفتكاك السلطة . و هذا غير ممكن فى نفس الوقت عبر البلاد و إنّما يجب أن يبدأ فى مناطق صغيرة و محدودة .

و إضافة إلى ذلك ، قواعد الإرتكاز ضروريّة نظرا للطابع الطويل الأمد للحرب . فى مرحلة البداية يكون العدوّ أقوى من القوى الثوريّة . و ينطلق الثوريّون بقوى ضعيفة ثمّ يكتسب قوّة من أجل أن تغيّر تدريجيّا ميزان القوى و تنظّم الهجوم النهائي ضد العدوّ . لذا الحرب طويلة الأمد و تتّخذ بالضرورة شكل حرب أنصار لمدّة طويلة . و هكذا لأجل صيانة القوى الثوريّة و نشر الثورة و الوقوف بصلابة قواعد الإرتكاز ضروريّة . هذا أساس إستراتيجيا و تكتيك حرب الأنصار .

لقد شرح ماو أنّ :

" إزاء أعداء كهؤلاء ، واجهنا مسألة القواعد الثوريّة أيضا . و بما أنّ الإمبريالية القويّة و حليفها القوى الرجعيّة في الصين ظلّت تحتلّ لمدّة طويلة مدن الصين الرئيسيّة ، فلا يبدّ للصفوف الثوريّة أن تحوّل المناطق الريفيّة المتأخّرة إلى قواعد متقدّمة متوطّدة ، إلى مواقع ثوريّة كبرى في الميادين العسكريّة و السياسيّة و الإقتصاديّة و الثقافيّة ، تعتمد عليها في النضال ضد أعدائها الشرسين الذين يهاجمون المناطق الريفيّة بالإستناد إلى المدن ، و في كسب النصر الكامل للثورة تدريجيّا و خلال قتال طويل الأمد ... النضالات الثوريّة الطويلة الأمد في هذه القواعد الثوريّة هي ، بصورة رئيسيّة ، حرب عصابات يخوضها الفلاّحون تحت قيادة الحزب الشيوعي الصينيّ . و بالتالي فإن وجهات النظر التي تهمل إستخدام المناطق الريفيّة كقواعد ثوريّة ، و التي تهمل القيام بالعمل الشاق الدؤوب بين الفلاّحين ، و التي تهمل حرب العصابات ، لهي جميعا وجهات نظر غير صحيحة ." (15)

حرب الأنصار و إنشاء قواعد الإرتكاز هي أعمال هجوميّة ضمن المرحلة الدفاعيّة العامة لحرب الشعب الطويلة الأمد . بالنسبة للبلاد بأسرها تخلق قواعد الإرتكاز الظروف لحفاظ القوى على ذاتها لكن بالنسبة لمناطق خاصة من البلاد هي هجوميّة مطّردة . تنشر حرب الأنصار الحرب الثوريّة و تنتشر قواعد الإرتكاز و هكذا تتقدّم سيرورة إفتكاك السلطة فى الريف .

إضافة إلى هذه المظاهر العسكريّة ، هناك أيضا جوانب إيديولوجيّة لقواعد الإرتكاز وهي مهمة للغاية . إنشاء قواعد إرتكاز يعنى نموّ السلطة السياسيّة الثوريّة للغالبيّة العظمى من الفلاّحين ، لا سيما الذين لا يملكون أرضا و الفلاّحين الفقراء ، فى ظلّ قيادة البروليتاريا ( وهو شكل من أشكال دكتاتوريّة كلّ الطبقات الثوريّة فى ظلّ قيادة البروليتاريا ، اليوم ، فى البيرو مثلا ، تسمّى هذه اللجان الشعبيّة ). تكريس برنامج الثورة الديمقراطيّة الجديدة و القضاء التام أو الجزئي على الإقطاعيّة وتوزيع أراضي العدوّ على الفلاّحين حسب مبدأ " الأرض لمن يفلحها " ، و إنشاء محاكم شعبيّة و توفير العدالة الثوريّة - هذه التغييرات الثوريّة و غيرها تحقّقها السلطة السياسيّة الثورية الجديدة .

و من ثمّة ، تقف الجماهير الكادحة و يقف الناس الوطنيّون مرفوعي الرأس ، و يصبحون على ثقة كبيرة فى حيويّتهم الثوريّة الخاصّة ، و يضع الشعب آماله وثقته فى الحزب و الجيش الذى يقوده ، مع رؤية الناس بالملموس هدف الثورة و مشاهدتهم بأعينهم شكل النظام الإجتماعيّ المتحرّر المستقبليّ . بإختصار ، توفّر قواعد الإرتكاز أمثلة حيّة للثورة أمام الجماهير . و يشجّع كلّ هذا الفلاّحين للمجيء تحت راية الحرب الثوريّة بحماس مضاعف ، و تسمح لهم بالمشاركة فى المسار الثوريّ والتضحية بالنفس بروح عالية . و من زاوية نظر البلاد برمّتها ، تعمل قواعد الإرتكاز ك " شرارات " .

و كذلك من خلال إرساء قواعد الإرتكاز وتعزيزها ، تقود البروليتاريا الشعب فى إفتكاك سلطة الدولة و ممارستها مهما كانت صغيرة ، و هكذا يستطيع الشعب أن يجرّب سلطة الدولة الجديدة و فى خضمّ السيرورة يعدّ نفسه لتسيير دولة المستقبل .
هذه هي الأدوار السياسية و الإيديولوجيّة لقواعد الإرتكاز.

تغيّرات ما بعد الحرب العالميّة الثانية و طريق حرب الشعب :

من جهة ، منذ الحرب العالميّة الثانية حصلت تغيّرات بحيث أن غالبيّة الأمم المضطهَدَة ما عادت بمثل تخلّف الصين قبل الثورة . و التدخّل الواسع و المتنامي للإمبرياليّة أدخل عدّة تغييرات بعضها جوهريّ ونوعيّ . و تطوّرت الرأسماليّة بما فى ذلك فى الفلاحة لذلك تآكلت الإقطاعيّة إلى حدّ كبير ؛ و تضاعف عدد العمّال و صاروا أكثر تجاربا ؛ و إلى جانب العمّال الصناعيّين ، تعاظم عدد العماّل غير الصناعيّين ، وكذلك عدد الفلاّحين دون أرض ، تنامت المدن ، و تركّزت آلات دول بيروقراطيّة - عسكريّة . و تتواصل هذه التغيّرات و أحيانا تنمو .

ومن جهة أخرى ، رغم كلّ هذه التغيّرات ، يظلّ الطابع الجوهريّ للهيكلة الاقتصاديّة - الإجتماعيّة فى الأساس أو أساسا هو هو . و الدول المسمّاة دولا " وطنيّة مستقلّة " ليس فى الواقع مستقلّة بل هي تحت الهيمنة و الإستغلال الإمبرياليّين . و الطبقة الحاكمة مرتبطة بالإمبرياليّة ، و الإستغلال الإقطاعيّ ( و شبه الإقطاعيّ ) و الإستبداد لا يزالان موجودان بصفة واسعة فى المناطق الريفيّة ؛ و المدن لا زالت حصونا للعدوّ ؛ و غالبيّة السكّان تظلّ من الفلاّحين ، فى المناطق الريفيّة الممتدّة حيث التفقير يتنامى حتّى بإطّراد ، و ليست للجماهير حقوقا ديمقراطيّة حقيقيّة و الشعب عامة مسحوق تحت عجلة حكم الجيش الفاشيّ أو الدكتاتوريّة المدنيّة التى هي فى جوهرها فاشيّة . فى كلمة ، الوضع فى هذه البلدان مع إستثناءات قليلة ، يشبه الوضع فى الصين ما قبل الثورة .

و هكذا رغم التغيّرات التى حصلت ، الإستراتيجيا الأساسيّة لمحاصرة المدن إنطلاقا من الريف تظلّ صالحة ( مع بعض الإستثناءات ) و التطوّر السريع لحرب الشعب فى البيرو فى ظلّ قيادة حزبها الشيوعيّ يُثبت هذه الحقيقة . لكن لأنّها كانت تغيّرات هامة ، ضرورة تطبيق إستراتيجيا و تكتيك حرب الشعب بصورة خلاّقة - وهو شيء شدّد عليه ماو على الدوام - مطلوبة أكثر من أيّ زمن مضى .

فى فهم هذه المهمّة ، عادة ما رأينا نزعتين خاطئتين . الأولى هي نزعة التغافل و حتّى رفض الإعتراف بالتغيّرات و الإختلافات و من ثمّة التطبيق الميكانيكي للتجربة الصينيّة ، عوض التطبيق الخلاّق لفكر ماو تسى تونغ [ الماويّة ] . و النزعة الثانية تبالغ فى التشديد و تغالي فى التغيّرات و الإختلافات نظرا لعدم القدرة على إدراك التشابه الجوهريّ ، و بالتالي تشكو من التذبذب بشأن طريق الثورة . و حاليّا ، تتعامل هذه النزعة الثانية أيضا تعاملا ميكانيكيّا مع التجربة الصينيّة ، و بطريقة سلبيّة ، و تخفق فى رؤية أنّ فكر ماو تسى تونغ و حرب الشعب يجب تطبيقه تطبيقا خلاّقا . و التحريفيّون كذلك يبالغون فى التشديد على الإختلافات بغاية إنكار الطابع الأساسي للأمم المضطهَدة و يرفضون رفضا باتا حرب الشعب .

و الصراع مع هتين النزعتين و مشكل تطبيق خطّ حرب الشعب بصورة أعمّ يتمحور حول مسألتين : أوّلا ، الشروع فى النضال المسلّح بالضبط منذ البداية ( أي ما هي المهمّة المركزيّة و كيف ينبغى إنجازها ؟ ) ، و ثانيا ، مسألة إرساء قواعد الإرتكاز . و بإعتبار التغيّرات التى أشرنا إليها لم يعد من الممكن فى عديد البلدان محاولة إتّباع النموذج الصينيّ إتّباعا حرفيّا و محاولة نشر حرب الأنصار عبر البلاد إنطلاقا من و بالتعويل على قاعدة إرتكاز أقيمت فى زاوية بعيدة من البلاد . عوض ذلك ، إلى جانب الشروع فى حرب الأنصار بهدف إرساء مناطق إرتكاز، فإنّ العمل السياسيّ و التنظيميّ عبر البلاد بأسرها ، و الحركات الجماهيريّة و التمرّدات الجماهيريّة فى المناطق المدينيّة ، و العمل فى صفوف العمّال فى المدن ، و النشاط المرتكز على منظّمة حزبيّة إلخ - كلّها إكتسبت أهمّية ، و من اللازم التنسيق تنسيقا مناسبا بينها و بين حرب الأنصار ( و لو أولاها ماو أهمّية حتّى فى إرتباط بالثورة الصينيّة ) و إلاّ لن تكون ممكنة قيادة الحرب الثوريّة قيادة صحيحة . علاوة على ذلك ، فإنّ أهمّية كلّ هذا العمل تنزع نحو النموّ .

و يمكن لهذا العمل فى المناطق المدينيّة أن يساعد على مواجهة ضغط العدوّ فى الفترة الأولى من تطوّر حرب الأنصار و قواعد الإرتكاز ( و من أيّ نوع كانت ) حيث القوى الثوريّة لا تزال ضعيفة . و بالعكس تطوّر حرب الأنصار ، و خاصة قواعد الإرتكاز يمكن أن يمارس تأثيرا ثوريّا هائلا على تسريع نهوض الجماهير و تمرّدها فى المناطق المدينيّة ، خاصة ضمن العمّال و فى الحركات الجماهيريّة بإمكانه أن يلعب دورا كبيرا فى الإمداد بالكوادر و المقاتلين .

و نزعة تجاهل كلّ هذا و التطبيق الأعمى للمنهج الصينيّ فى الإنطلاق من قواعد الإرتكاز المحلّية كان من أهمّ أسباب كوارث إنهيار الكثيرين من الجيل الجديد من الماركسيّين - اللينينيّين الذين نهضوا فى الستّينات . و لسوء الحظّ ، لا تزال هذه النزعة واسعة الإنتشار . و هذه أفكار خاصة بهذا المضمار :

- عدم القدرة على فهم و إنكار أعمي لسيرورة التطوّر الرأسماليّ و إنحطاط العلاقات الإقطاعيّة ( بطريقة غير ثوريّة ) فى البلدان المضطهَدة ؛

- و نتيجة لما ورد أعلاه ، عدم القدرة على فهم أو مرّة أخرى إنكار أهمّية العمل فى المدن و ضمن العمّال و المنظّمات و التمرّدات الجماهيريّة و القدرة على إنجاز نشاطات قانونيّة ؛

- عدم القدرة على فهم أو إنكار أهمّية العمل على نطاق البلاد قاطبة لإنشاء قواعد إرتكاز .

و جعلت هذه النزعة المنتشرة فى جنوب القارة الآسيويّة الحركات الثوريّة تكبّد تراجعات عدّة . و بالنتيجة تفسّخ عدد كبير من الأشخاص كانوا ضمن صفوف الماركسيّين - اللينينيّين و نبذوا فكر ماو تسى تونغ و حرب الشعب . و فضلا عن ذلك ، إرتأى تحريفيّون و أعداء آخرون أن يكوّنوا رأسمالا من هذه التراجعات فهاجموا من جديد خطّ ماو و حرب الشعب .

مع ذلك ، رغم أهمّية إستيعاب هذه التغيّرات و التعديلات التى تفرضها فى العمل الثوريّ ، واضحة ، لا يزال يتعيّن التأكيد على أنّ العمل فى صفوف الفلاّحين فى المناطق الريفيّة يظلّ رئيسيّا و أنّ مهمّة تطوير حرب الأنصار تظلّ عموما المهمّة المركزيّة . و العمل فى المناطق المدينيّة أو الحركات الجماهيريّة ، إلخ لا يمكنه التقدّم بالسياسة الثوريّة إلى ما أبعد من حدّ معيّن فى النضال من أجل السلطة دون تطوير النضال المسلّح فى الريف . فقط حرب الأنصار المقامة فى الريف قادرة على خلق ظروف تركيز القيادة البروليتاريّة للحركات الجماهيريّة القائمة فى المدن و الإرتقاء بها إلى مراحل أعلى و إستخدامها لأجل الحرب الثوريّة .

فى بعض البلدان المضطهَدة فى آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة كان التطوّر الرأسماليّ و نموّ عدد العمّال واسع النطاق و لو أنّ هذه البلدان ليست بعد بلدانا " رأسماليّة فى الغالبيّة " . و فى مثل هذه البلدان كلّ من الأهمّية السياسيّة و العسكريّة للمدن نمت وهي تنمو . هذا واقع موضوعيّ . و أحيانا فى هذه البلدان يمكن للحركات الجماهيريّة أن تقفز إلى تمرّدات جماهيريّة و إنتفاضات جماهيريّة حتّى فى غياب النضال المسلّح فى المناطق الريفيّة . و هكذا يمكن أن تظهر فرص لإنطلاق فى النضال المسلّح فى المدن و قد يكون هذا ضروريّا تماما . لهذا ، و لو أنّ فى مثل هذه البلدان محاصرة المدن إنطلاقا من الريف هو طريق الثورة ، فإنّه على الحزب أن يأخذ بعين الإعتبار فى إستراتيجيّته العامة إمكانيّة إستغلال مثل هذه الأوضاع و يجب أن يبقى مستعدّا للقيام بذلك . لذا فى مثل هذه الظروف خطّ تطوير حرب الأنصار و إفتكاك السلطة أوّل فى المناطق الريفيّة لا ينطبق بالطريقة التكتيكيّة عينها ، بل يتنوّع بتنوّع الظروف .

لكن إن كان فهم المرء للإستراتيجيا العامة فهما مبهما أو إن تجاهل المظاهر الأساسيّة للإستراتيجيا العامة ، لن يتمكّن من قطف ثمار مثل هذه الإمكانيّات لأنّه من الممكن جدّا أن يشهد الوضع عديد المنعرجات . و مثلا ، بالرغم من التمرّدات الجماهيريّة فى المدن ، لن يكون بالمستطاع المضيّ نحو الإفتكاك الشامل للسلطة ؛ أو حتّى إن كان الإنتصار ممكنا فلن يطول أمده ؛ أو لعلّه يكون فى المستطاع إفتكاك السلطة و حتّى الإحتفاظ بها لكن سيكون من الضروريّ خوض حرب أهليّة طويلة فى المناطق الريفيّة . هنا صلوحيّة تجربة الثورة الروسيّة جديرة بالتذكير بها . و هناك ، و لو أنّ روسيا قد تطوّرت إلى الإمبرياليّة ، فإنّ محافظاتها الريفيّة ما زالت بعد إقطاعيّة و نشبت حرب أهليّة فى الريف . وقد تبرز حالات يتعيّن فيها خوض حرب أهليّة وفق مبدأ حرب الشعب بالتعويل أساسا على الفلاّحين .

و مثلما فى حال الشروع فى النضال المسلّح و حرب الأنصار ، يمكن أن تظهر أيضا إختلافات بسبب التغيّرات المشار إليها أعلاه فى حال إرساء قواعد إرتكاز . معارضو حرب الشعب يروق لهم قول إنّ النقاط التى أشار إليها ماو فى مقاله " لماذا يمكن أن توجد سلطة حمراء فى الصين ؟ " هي شروط بقاء قواعد الإرتكاز وهي لم تعد موجودة فى غالبيّة البلدان المضطهّدة و على وجه الخصوص ، يحاججون بانّه لم يعد هناك وجود لأمراء حرب إقطاعيّين مقسّمين محلّيا مثلما وجد فى الصين ، و إنّما توجد الآن آلات دول بيروقراطيّة - عسكريّة ممركزة بقوّة . و هذه المشاكل تتضاعف ، يقولون ، فى البلدان الصغيرة نسبيّا التى ليست بها لا جبال و لا غابات . و يستنتجون أنّه من غير الممكن بتاتا إرساء قواعد إرتكاز .

ينبغى طبعا تفحّص القاعدة الماديّة لهذه الحجج تفحّصا شاملا من قبل الماركسيّين - اللينينيّين كي نفهم بدقّة المشاكل و الحدود التى تفرضها الأوضاع الموضوعيّة . لكن النقطة الأهمّ هنا هي أنّه بتعلّة " الظروف الموضوعيّة " يقدّم هؤلاء الناس نظريّة ماو لقواعد الإرتكاز الحمراء على نحو ميكانيكيّ و عادة جزئيّ و مشوّه .

سيرورة تلخيص قواعد الإرتكاز التى نهض بها ماو إلى 1928 لمّا كتب " لماذا يمكن أن تبقى السلطة السياسيّة الحمراء فى الصين ؟ " لم تنته عندها ، وكذلك لم تكن تلك الظروف شيئا جامدا . و بيّن ماو لاحقا حتّى فى غياب الظروف التى وصفها فى 1928 أنّ أنواعا أو أشكالا مختلفة من قواعد الإرتكاز بالإمكان تطويرها . و أشار مثلا للأنواع التالية من قواعد الإرتكاز : تلك فى الهضاب و الجبال و تلك فى السهول و تلك فى المناطق حيث الأنهار و البحيرات و مصبّات الأنهار و بيّن بفضل عقد مقارنة إيجابيّاته و سلبيّاتها . و أشار أيضا إلى الظروف المتقلّبة التالية التى يمكن أن تأثّر فى إرساء قواعد إرتكاز ، و تطلّبت سياسات مختلفة و مرنة : قواعد إرتكاز مؤقّتة و موسميّة فى أراضي غير مواتية و نقل قواعد الإرتكاز من مكان إلى آخر ، و الإستفادة من " الستائر الخضراء " للمحاصيل الطويلة فى الصيف ، فى مناطق السهول ، و من الأنهار الجليديّة فى الشتاء إلخ (16). و هكذا إبّان تلخيصه لقواعد الإرتكاز خلال فترة طويلة من الزمن ، بيّن أنّ حزبا ثوريّا ينبغى أن يحاول الشروع فى حرب الأنصار و ينشئ قواعد إرتكاز دائمة أو مؤقتة فى كافة الأماكن أين يوجد الشعب و توجد قوى العدوّ . (17)

أمّا بالنسبة لظهور آلات الدولة المركزيّة و غياب أمراء الحرب الإقطاعيّين ، فيبالغ الكثيرون فى قوّة آلات الدولة هذه . إنّهم يجهلون تناقضاتها الداخليّة ، و واقع مثلا أنّ كتلا متنوّعة متعطّشة للسلطة من الطبقة الحاكمة أحيانا تجد نفسها سجينة قتال داخليّ دمويّ فى هذه البلدان ، ما يدفع بآلة الدولة إلى وضع عدم إستقرار . و هذا إنعكاس حتميّ للتنافس الحاد ضمن مختلف الإمبرياليّين المتنافسين ، لا سيما القوّتين الأعظم ، حول الهيمنة فى هذه البلدان . إّنها أزمة غير قابلة للحلّ فى ظلّ هذا النظام الإستعماريّ الجديد .

وفى نفس الوقت ، يولد هذا النظام حكما دكتاتوريّا فاشيّا المرّة تلو المرّة فى تقريبا كل مثل هذه البلدان . و حتّى الإشتراكيّون الديمقراطيّون المتقنّعون ليس بوسعهم لمدّة طويلة أن يخفوا طابعهم الفاشيّ . هذا و الإستغلال الأقسى يفاقمان بشدّة التناقضات بين الشعب من مختلف الفئات و الطبقة الحاكمة . و بناءا على هذا حتّى حيث لا توجد قيادة بروليتاريّة ، فإنّ عددا من الجماعات المتمرّدة المسلّحة المرتبطة نوعا ما بالشعب قد ظهرت و حافظت على وجودها لفترات طويلة . و فى بعض البلدان لهذه الجماعات معاقل قويّة ضد الحكومة . و مثل هذه الأحداث تقع حتّى فى بلدان صغيرة .

و من هنا مهما كانت السيرورات و الأشكال و المدد الزمنيّة متنوّعة ، من الممكن للنضال المسلّح و لقواعد الإرتكاز أن تظهر و تتطوّر، و مثلما جاء فى بيان الحركة الأممية الثورية ( سنة 1984 ) :

" فى هذه البلدان ، تتعرّض البروليتاريا و الجماهير إلى إستغلال قاس وتمارس ضدّها بإستمرار الإهانات الراجعة إلى الهيمنة الإمبرياليّة و تكرّس الطبقات المسيطرة دكتاتوريّتها عامة بصورة مباشرة و عنيفة و تكون هذه الدكتاتوريّة مقنّعة بالكاد حتّى حينما تستعمل هذه الطبقات شكل النظام الديمقراطيّ البرجوازيّ أو البرلمانيّ . و كثيرا ما تدفع هذه الوضعيّة البروليتاريا و الفلاّحين و قطاعات جماهيريّة أخرى إلى خوض نضالات ثوريّة و تتّخذ هذه النضالات فى عديد الأحيان شكل النضالات المسلّحة . ولكل هذه الأسباب ( بما فى ذلك واقع أنّ التطوّر المشوّه و غير المتوازن أبدا يخلق صعوبات جمّة للطبقات الرجعيّة التى تجد صعوبة فى الحفاظ على إستقرار أنظمتها و فى توطيد سلطتها فى كلّ أنحاء البلاد و أرجائها ) كثيرا ما تتّخذ الثورة شكل الحرب الثوريّة الطويلة الأمد تتمكّن من خلالها القوى الثوريّة من النجاح فى إقامة شكل من أشكال قواعد الإرتكاز فى الريف و فى تطبيق الإستراتيجية الأساسيّة المتمثّلة فى محاصرة المدن إنطلاقا من الريف . " (18)

حرب الشعب فى البلدان " الطاغية عليها الرأسمالية ":

فى البيان المشترك الصادر عن 13 حزبا و منظمة فى 1980، ورد أنّ :

" هنالك توجّه لا يمكن إنكاره لدي الإمبرياليّة لإدخال عناصر هامة من العلاقات الرأسماليّة فى البلدان التى تسيطر عليها و لقد حصل هذا التطوّر الرأسماليّ فى بعض البلدان التابعة إلى الحدّ الذى لا يصحّ معه وصف هذه البلدان بانّها شبه إقطاعيّة فيكون الأصوب إعتبارها بلدانا يغلب عليها الطابع الرأسماليّ رغم وجود إمكانيّة العثور فيها على عناصر هامة و بقايا علاقات إنتاج شبه إقطاعيّة تجد إنعكاسا لها فى البنية الفوقية .

وينبغى فى مثل هذه البلدان القيام بتمحيص ملموس لهذه الظروف و إستخلاص الإستنتاجات المناسبة فى خصوص الطريق الواجب إتّباعها و المهام و طبيعة و مواقع القوى الطبقيّة و فى كلّ الحالات تبقى الإمبرياليّة هدفا للثورة . " ( 19)

علاوة على كوريا الجنوبيّة و تيوان إلخ ، فإنّ تطوّرا رأسماليّا هاما حصل فى قلّة من البلدان الأمريكيّة اللاتينيّة و بعض البلدان النفطيّة .

وهذا التطوّر الرأسماليّ الذى حدث فى هذه البلدان ليس راسماليّة وطنيّة مستقلّة ، ليس رأسماليّة ولدت عبر الإطاحة بالإقطاعيّة و الإمبرياليّة الأجنبيّة . بالعكس ، إنّها رأسماليّة أدخلت عن طريق الإمبرياليّة ، فى سيرورة توسّعها ما بعد الحرب العالميّة الثانية و فى ظلّ نظامها الإستعماريّ الجديد . هذه رأسماليّة كمبرادوريّة - بيروقراطيّة شكّلتها الإمبرياليّة الأجنبيّة و مرتبطة بها وثيق الإرتباط و تابعة لها . و من هنا يأتى طابعها المشوّه و رغم الطابع الرأسماليّ الطاغيّ للمجتمع هي هيمنة إستعماريّة جديدة . آلة الدولة فى هذه البلدان كلاب حراسة للرأسمال الكمبرادوري - البيروقراطي و الإمبرياليّة . و لا شكّ فى أنّ الإمبرياليّة أحد أهداف الثورة فى هذه البلدان .

و بما أنّ النظام الإقطاعيّ/ شبه الإقطاعيّ لم تقع الإطاحة به بوسائل ثوريّة بل تغيّر بطريقة غير ثوريّة من قبل الإمبرياليّة ذاتها ، من الطبيعيّ و الممكن تماما أنّ جزءا كبيرا أو الجزء الأكبر من الملاّكين العقاريّين فى ظلّ النظام الإقطاعيّ ، عبر سيرورة تدريجيّة و مساومة ، تحوّلوا إلى ملاّكين فى ظلّ النظام الرأسماليّ الفلاحيّ الذى لا يزال مرتبطا بالإمبرياليّة . و فى نفس الوقت ، ينحو الكمبرادوريّون – البيروقراطيّون الجدد إلى المشاركة أيضا فى الإقتصاد الفلاحيّ . و كذلك بسبب هذا التغيير غير الثوريّ ، فإنّ عناصرا هامة أو بقايا علاقات الإنتاج الإقطاعيّة تنحو إلى الإستمرار و التأثير المستمرّ فى البنية الفوقيّة .

كون هذه البلدان مستعمرات جديدة تهيمن عليها الإمبريالية ينعكس أيضا فى غياب الديمقراطيّة فى النظام السياسيّ للدولة ، فى غياب الحقوق القانونيّة للشعب ، فى التواصل الوحشيّ للدكتاتوريّات البيروقراطيّة –العسكريّة و سحقها للحركات الشعبيّة .

و كلّ هذا يعنى أنّ فى هذه البلدان مهمّة الثورة الديمقراطيّة الجديدة لم تتم . و أحد أهمّ المظاهر الهامة للثورة الديمقراطيّة الجديدة ، مثلما بيّن ماو فى الصين هو أنّ البرجوازية تنقسم و أنّ البرجوازية الوسطى و الصغيرة ( أي البرجوازيّة الوطنيّة ) يمكن أن تنهض بدور لصالح الثورة و لهذا على البروليتاريا أن تبذل قصاري الجهد للتوحّد معها . و هذه الصيغة الهامة لماو قابلة للتطبيق تماما فى هذه البلدان . فمن جهة ولّد التطوّر الرأسمالي المتّسع حتميّا قسما عريضا من البرجوازيّة الوطنيّة . و من جهة أخرى ، تطوّر الرأسمال الكمبرادوري - البيروقراطيّ فى هذه البلدان فى تعاون وثيق مع الإمبرياليّة ، إلى رأسمال إحتكاريّ ، و آلة الدولة الرجعيّة تحميهما . و نتيجة لذلك يعترض طريق البرجوازية الصغيرة و الوسطى و يمنع تطوّرها و يعرقله . و هكذا تقسيم البرجوازيّة و محاولة التوحّد مع البرجوازيّة الوطنيّة فى سيرورة النضال الثوريّ المناهض للإمبرياليّة ، لا يزال مهمّة ذات بال .

و من الواضح انّ مرحلة الثورة فى هذه البلدان تظلّ الديمقراطيّة الجديدة . و التروتسكيّون و الإشتراكيّون - الديمقراطيّون ، و مختلف أنواع التحريفيّين يدافعون عن أنّ الديمقراطيّة الجديدة فى هذه البلدان لم تعد ضروريّة و أنّه إعتبارا لكون الإقتصاد رأسماليّ فإنّ مرحلة الثورة هي مباشرة إشتراكيّة . و هذا ليس فقط خاطئا ، بل هو كذلك رجعيّ لأنّه برؤية الرأسماليّة فحسب تتمّ التغطية على الإستغلال الإمبرياليّ و التسوية بين البلدان الإمبرياليّة و البلدان الواقعة تحت إضطهاد الإمبرياليّة .

لكن المسألة هنا هي : ما هو طريق الثورة فى هذه البلدان و إلى أيّ مدى لا تزال خطوط حرب الشعب و محاصرة المدن إنطلاقا من الريف قابلة للتطبيق ؟

يمكن أن نقول بلا شكّ أنّ المناهج و الخطوط القابلة للتطبيق فى البلدان الفلاحية فى غالبيّتها ليست قابلة للتطبيق بنفس الطريقة فى هذه البلدان . و قد سبق أن أشرنا إلى أنّ فى البلدان الطاغية عليها الرأسماليّة ذات تطوّر رأسماليّ له دلالته ، العمل فى المدن و ضمن العمّال يكتسى أهمّية و أنّه قد يكون من الممكن حتّى الإنطلاق فى النضال المسلّح من خلال تمرّد جماهيريّ هناك ، عوض شنّه فى الريف . و هذا ينطبق على وجه الخصوص عل حال البلدان الطاغية عليها الرأسماليّة . ولأنّها بلدان طاغية عليها الرأسماليّة فإنّ الفلاّحين بقوا قوّة هامة ، لم يعودوا بعدُ القوّة الثوريّة الأساسيّة هنا ، و لم يعد كذلك الريف بالضرورة مركز النشاط . لهذا على الأرجح لم يعد الأمر أنّ النضال المسلّح و التنظيم المسلّح هما الرئيسيّان طوال كلّ فترة الثورة فى هذه البلدان . و حتّى هكذا ، من الممكن تماما عدم القدرة على إفتكاك السلطة فى مرّة واحدة عبر إنتفاضة مسلّحة ، و عليه بعد نوع من الإفتكاك الجزئيّ للسلطة قد يكون من الضروريّ خوض حرب ثوريّة طويلة الأمد نوعا ما . و حتّى إفتكاك شامل للسلطة قد يقلّص إلى إنتصار مؤقّت ، و لذا قد يكون من الضروريّ التراجع و التوجّه إلى المناطق الريفيّة أو مناطق حيث العدوّ ضعيف لخوض حرب الشعب الطويلة الأمد .

إجمالا إذن ، و لو أنّ الطريق المحدّد للثورة فى هذه البلدان ليس واضحا ، فإنّ دراسة جدّية لنظريّة ماو للثورة الديمقراطيّة الجديدة و حرب الشعب الطويلة الأمد و حرب الأنصار من قبل حزب البروليتاريا و تدريب الكوادر و العمل و الفلاّحين على هذه النظريّات ، و التطبيق الخلاّق لطريق حرب الشعب للإعداد و لإفتكاك السلطة - و تظلّ هذه مهام غاية فى الأهمّية على الحزب إنجازها .

فى هذه البلدان بإعتبار أنّ العمّال و المدن هما الآن رئيسيّان ، فإنّ مهمّة تدريب العمّال عبر أجهزة الحزب و عبر الحركات و المنظّمات الجماهيريّة الثوريّة قد إكتسبت أهمّية أكبر من أيّ وقت مضى .

وفى الختام ، فقط تطوّر أحزاب ثوريّة حقيقيّة للبروليتاريا مؤسّسة على الماركسية – اللينينية ، سيستطيع تقديم إجابة صحيحة بشأن الطريق الدقيق للثورة فى هذه البلدان .

إستنتاجات :

من خلال رسمه لطريق الحرب الثوريّة فى الصين ، طوّر ماو تسى تونغ نوعيّا النظريّة الماركسيّة للحزب . وقد تعلّم من حروب هامّة أخرى فى العالم و الصين ، لا سيما الحروب التقدّمية و الثوريّة ؛ و قد إستوعب تعاليم ماركس و إنجلز و لينين و ستالين حول الحرب عامة و الحروب الثوريّة خاصة ؛ و فى النهاية تعلّم بتطبيق النظرة الماديّة الجدليّة خلال قيادته هو بالذات للحرب – و مثلما علّمنا ماو ، يتعلّم المرء الحرب و هو يخوضها . و من ثمّة صاغ ماو طريق حرب الشعب مبيّنا بصورة لامعة كيف يمكن لشعب بلدان ضعيفة و مضطهَدة أن ينهض بشجاعة ليهزم الإمبرياليّة و حلفائها الذين يبدون جبّارين .

و إذا كان المرء ينظر على طريق حرب الشعب من زاوية نظر عسكريّة محضة ، فإنّه من غير الممكن فهم دلالتها العميقة حقّا و كذلك من غير الممكن تطبيقها تطبيقا خلاّقا فى خضمّ التغيّرات التى أدخلتها الإمبرياليّة على الأمم المضطهدَة مهما كانت . فقط إنّ نظر المرء إلى إستراتيجيا حرب الشعب بنظرة شاملة ماديّة جدليّة لمعالجة مشكل الحرب الثوريّة سيكون بالإمكان إنجاز هذه و غيرها من المهام الحيويّة .

يتميّز الوضع العالمي الراهن ، من جهة ، بنشوء من جديد لأشكال نضال مختلفة ، بما فيها الكفاح المسلّح ، للشعوب ضد الإمبرياليّة و عملائه و ظهور حركات التحرّر الوطنيّ المناهضة للإمبرياليّة مرّة أخرى بقوّة هي و ملامح تجّمع زخم تمرّدات جماهيريّة عبر العالم ، بعد توقّف طويل منذ الستّينات ؛ و من جهة أخرى ، بأنّ الكتلتان الإمبرياليّتان بقيادة الولايات المتّحدة و الإمبرياليّون السوفيات يحيكان المؤامرات و تعدّان العدّة لشنّ حرب عالميّة و هما ترفعان بإطّراد من إستعداداتهما للحرب .

فى مثل هذا الوضع من اللازم تطوير حركات التحرّر الوطنيّ و النضالات الثوريّة فى ظلّ قيادة صحيحة فى البلدان المضطهَدة . و هذا يعنى عامة إستيعاب طريق حرب الشعب و الإنطلاق فى حرب الأنصار . و قد وقعت هذه الواجبات على كاهل الماركسيّين - اللينينيّين الحقيقيّين . وعلى هذا ، إنّه لأمر ملحّ أن نرفع عاليا راية طريق حرب الشعب وخاصة فكر ماو تسى تونغ و نشرحها و ننشرها ذلك أنّ الماركسيّة - اللينينيّة - فكر ماو تسى تونغ [ الماويّة ] وحدها هي القادرة على توفير القيادة المطلوبة للنضالات القادمة .






الهوامش :

1- ماوتسى تونغ ، " الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعيّ الصينيّ " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 2، الصفحة 439 ؛ الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين )

2- بيان الحركة الأممية الثورية ،( لسنة 1984 ) .

3- ماو تسى تونغ ، " قضايا الحرب و الإستراتيجية " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة المختارة ، المجلّد 2، الصفحة 303-304-305 ؛ الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

4- ماوتسى تونغ ،" الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعيّ الصينيّ " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 2، الصفحة 437 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

5- ماو تسى تونغ ، " قضايا الحرب و الإستراتيجية " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 2، الصفحة 305-306 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن)

6- بيان الحركة الأمميّة الثوريّة ، لسنة 1984.

7- ماو تسى تونغ ، " حول الدكتاتوريّة الديمقراطيّة الشعبيّة " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 4، الصفحة 532-533 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

8- ماو تسى تونغ ، " أيّتها القوى الثوريّة في العالم إتّحدى و قاتلي العدوان الإمبرياليّ " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلد 4 ، الصفحة 364 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

9- ماو تسى تونغ ، " حول الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 4، الصفحة 534، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

10- ماو تسى تونغ ، " الثورة الصينية و الحزب الشيوعي الصيني " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 2، الصفحة 457 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

11- المصدر السابق ، الصفحة 451-452 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن .

12- ماو تسى تونغ ، " العناية بحياة الجماهير و الإنتباه إلى أسلوب العمل " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 1 ، الصفحة 215 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

13- ماو تسى تونغ ، " الوضع و سياستنا بعد النصر فى حرب المقاومة ضد اليابان " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 4 ، الصفحة 26 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

14- ماو تسى تونغ ، " علينا أن نتعلّم القيام بالعمل الإقتصاديّ " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 3 ، الصفحة 258 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

15- ماو تسى تونغ ، " الثورة الصينيّة و الحزب الشيوعيّ الصينيّ " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 2، الصفحة 436-437 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

16- ماو تسى تونغ ، " قضايا الحرب و الإستراتيجية " ؛ ( مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة ، المجلّد 2، الصفحة 320 ، الطبعة العربية لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكن )

17- المصدر السابق.

18- " بيان الحركة الأمميّة الثوريّة ".( لسنة 1984 )

19- ذكره " بيان الحركة الأمميّة الثوريّة ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي


.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه




.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر