الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نادي كبار الكذابين بصلافة

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)

2023 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لأن هناك الكثيرون مثلي ممن لا يثقون بنوعية خطاب جون سيمبسون محرر الشؤون الدولية في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، لذلك لا يعتدون كثيرا بمقاله الذي دافع فيه عن “الحساسية العالية” لبي بي سي في تغطية الحرب في غزة.
وأرى أن هذا المقال يبدو مضللًا للقراء عندما يزعم أن القناة لم تكن منحازة في تغطية ذلك الصراع بذريعة أنها رفضت الضغوط عليها من السياسيين والجمهور لتسمية حماس بالمنظمة الإرهابية.
حسنًا، التاريخ المهني لهذا المراسل الذي طاف في عشرات الدول وكان شاهدًا على كل المعارك والأحداث التي شهدتها دول الشرق الأوسط تؤكد لنا وفق تسمية صحيفة الغارديان بأنه “متخرفن” ولا أهمية لما يقوله بأن “بي بي سي” تدعي قواعد المهنية والحياد العالية في خطابها بكل ما يتعلق في الهجوم على غزة.
نجد ما يكسر تلك القواعد، هي مثلا لم تعتذر عن “الانتهاكات الإخبارية” في حرب احتلال العراق، حتى بعد أن دانَ القانون البريطاني هذه الحرب غير المشروعة بعدما ساهمت تغطيتها الإخبارية بالتستر على جرائم ارتكبت في الحرب، وقبلها تحوّلت إلى موضع تهكّم عندما وقف جون سيمبسون نفسه عام 2001 بثقة مبالغ فيها في كابول بعد دخول القوات الأمريكية، وقال متحدثًا باسم “بي بي سي” “لقد حررنا كابول”، عندها وصفته صحيفة الغارديان بالمتخرفن! لكن لا أحد يدري أين كان جون بعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان بطريقة مذلة؟
وفي لجة القتل على الهويّة في العراق قدم لنا صورة منزهة عن الزعماء الطائفيين، ففي الوقت الذي اجتاح تنظيم داعش مدينة الموصل، قدمت عدسته استعراضًا للميليشيات الطائفية في بغداد، وانتقل سيمبسون بعدها إلى النجف المدينة الأبعد عن الموصل مكان الحدث آنذاك ليحاور ممثل المرجعية بصفتها مصدر الحل السياسي!
هذا هو نفسه جون سيمبسون الذي تحول مقاله “لماذا لا تصف بي بي سي مسلحي حماس بالإرهابيين” إلى رصيد مهني زائف، بينما الحقيقة على الشاشات تقول غير ذلك تمامًا ويشعر بها غالبية مشاهدي نشرتها الرئيسية في العاشرة مساء.
لا ينتهي الأمر عند “بي بي سي” وحدها عندما يتعلق الأمر بالتغاضي عن الحرب اللاأخلاقية التي تقودها “إسرائيل” ضد المدنيين الفلسطينيين فهناك ناد لكبار الكذابين بصلافة يتوسع وتشترك في عضويته شبكات إعلامية دولية وصحف كبرى وزعماء دول غربية، عندما يتبنون الرواية الإسرائيلية في كل ما يحدث وتحت مسوغ أكثر من الاهتمام بنقل الحقيقة وقبلها العدالة الإنسانية والأخلاقية، مع أنه وفي معظم أنحاء العالم، لن يكون هناك من يثني الناس عن تحميل “إسرائيل”، وبالتالي الولايات المتحدة وبريطانيا، المسؤولية عن قصف المستشفى المعمداني ومن بعده كنيسة “بروفيريوس” الأثرية في غزة.
لذلك لا تكمن المعضلة في بالوعة المعلومات المضللة في مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، مع أنه أصبح هناك عدد لا يحصى من الأشخاص منخرطون في دورة أخبار متقلبة بشكل محموم، محاولين قلب الصراع ليتحول المشهد إلى قاعة من المرايا الإخبارية المتقابلة والمتزايدة.
سبق أن أعترف مراسل مخضرم في دول الشرق الأوسط مثل باتريك كوكبيرن، بأن الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في العقد الماضي، والمتصاعدة اليوم، أسهمت بطريقة ما في صناعة المفاهيم الخاطئة عن هوية المنتصر والمهزوم.
ويعزو كوكبيرن الذي عمل مراسلًا في دول عربية لصحيفتي “فايننشيال تايمز” ثم “الأندبندت” منذ عام 1979، سبب صناعة “المفاهيم الخاطئة” إلى الصحف والتلفزيون والراديو، حيث لعب الصحافيون دورًا مركزيًا في ذلك، وهو في كل الأحوال يدرك أنه كان جزءًا من هذه الصناعة.
مع ذلك هناك ما هو أكبر من ذلك متمثل في الخطاب المعلن الذي يعبر عن ازدواجية مريعة عندما يرتكب زعماء دول أفعال الكذب من أجل هدف واحد ينتهي في تقديم فروض الولاء إلى إسرائيل بصرف النظر عما ترتكبه بحق المدنيين الفلسطينيين.
تنسف الممارسات السياسية المثيرة للاشمئزاز من الحكومات الأوروبية الداعمة بشكل أعمى للإبادة الجماعية جهود بناء الجسور بين مختلف مكونات المجتمع في بلدانهم المنقسم حول الحرب في غزة.
فهناك اتفاق لا أخلاقي مبطن لتبرئة “إسرائيل” من جريمة مجزرة المستشفى المعمداني بالتواطؤ المعيب مع وكالات الأنباء الدولية والشبكات الإعلامية لإعداد تقارير وقصص تلفزيونية لا تضع أي لوم على الجيش الإسرائيلي في قصف المستشفى.
خذ مثلا ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما أيد الرواية الإسرائيلية عن قصف المستشفى وحمل “الطرف الثاني” مسؤولية القصف في تعبير لا يكتفي بالتضليل، بل بالتأييد المبطن والمكشوف في وقت واحد بقوله “بناء على ما رأيته يبدو أن ذلك تم من قبل الطرف الثاني”!!
بينما قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إن حكومته ليست جاهزة لتسمية الطرف المسؤول عن الهجوم على المستشفى المعمداني بغزة! وكأنه في ذلك يخشى إدانة مرتكب المذبحة الفظيعة.
ثمة مذبحة للحقيقة مستمرة مع الحرب في غزة، يشترك فيها أعضاء نادي الكذابين، تكشف بلا أدنى تردد استحالة المعايير الأخلاقية التي طالما دافع عنها السياسيون ووسائل الإعلام الغربية.
عندما سئل أبيه سيييس، وهو مُنظر سياسي بارز للثورة الفرنسية، عما فعله خلال فترة الإرهاب 1794-1793، أجاب “بقيتُ على قيد الحياة”. وعندما يُعيد مثل هذه الإجابة اليوم أي مراسل صحافي خارج من ميدان معركة قتل الأطفال في غزة فإن الجمهور سيكون سعيدًا بذلك لنجاته، لكنه لن يقبل بإجابة ناقصة عما جرى في الميدان لأنه سيسأله لاحقًا ماذا بشأن الحقيقة أيها المراسل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو