الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية بلا جمهوريين ، وجمهوريون بلا جمهورية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


منذ حركة 20 فبراير ، والزخم الذي رافقها ، خاصة نشاط الفئات التي كانت مهمشة من الشباب ، طغت على السطح ، وبكثرة ترديد شعارات الجمهورية ، والدعوة الى النظام الجمهوري .. لكن هذه الحملة التي ظهرت فجأة ، متزامنة مع حركة 20 فبراير ، خاصة وسط شتات الهجرة ، لم يسبق ان طرحت فكرة الدعوة الى الجمهورية كتنظيم ، وكإيديولوجية . لكن المُشَاهد ان الانطلاقة بشكل عام ، كانت في غالبيتها شخصية ، ولم ترتقي الى مستوى التنظيم ، للقول بوجود حركة جمهورية ، تشتغل من اجل إقامة النظام الجمهوري ..
ومرد هذه الدعوة التي لم تكن قد تأسست على المساطر المعروفة ، بالاشتغال على مشروع الجمهورية ، ظلت بوليميكية تستهلك خطابات الأشخاص الفرديين ، ولم ترقى الى مستوى التنظيم ، مهما كانت سخونة الخطابات ، ومهما كانت الاندفاعات الشخصية ، التي لن تؤثر في الوضع العام للدولة ، التي يلوحون بقلبها ، لصالح النظام ، او الأنظمة الجمهورية ..
ومن خلال التمعن في هذه الخطابات ، التي لم ترق ابدا الى مستوى الخطابات السياسية الثورية ، التي لن تكون الاّ في تنظيم يكون قد اعد مشروعا للاشتغال عليه ، لبناء النظام الجمهوري ، فان خطابات الشتات كانت مجرد فرجة ، ولم تكن تهديدا حقيقيا للنظام ، لان في غياب الأداة التنظيمية ، وعند غياب الأيديولوجية او العقيدة ، فالنظام يبقى بعيدا عن التهديد الذي لن يصل الى التأثير العام وسط الشعب ، المفروض فيه انه المعني بخطابات الدعوة الى الجمهورية .
وفي غياب التنظيم ، وغياب الأيديولوجية ، او العقيدة بالنسبة للحركات الاسلاموية ، يصبح السؤال . هل حقا ان فردا واحدا يردد الدعوة الى الجمهورية ، دون تحديد اية جمهورية يريدون ، حقا سيحقق امل الدعاية الى الجمهورية بشكل فضفاض وغير منظم ..
وبالرجوع الى الأسباب التي يركزون عليها للدعوة للجمهورية ، فهم لا يطرحون اعتناق المبادئ الجمهورية التي يجهلونها ، والتي وحدها ، أي المبادئ ، كافية لإحداث التأثير المطلوب بشكل حلزوني مد وجزر ، حتى نجاح بناء الدولة الجمهورية .. لكنهم حين يتحدثون عن النظام الجمهوري ، يكون حديثهم حديث العجائز الذي لا يسمن ولا يغني من جوع .
فهل لتجاوز الازمة العامة ، وهي ازمة بنيوية ، ولتحقيق القفزة النوعية في مختلف المجالات ، لا بد من التخلص من النظام القائم ، وتعويضه بالنظام الجمهوري ، وكأن الأنظمة الجمهورية هي من يجيب الجواب الصحيح عن طبيعة الازمة المستفحلة ، وهي وحدها القادرة والمؤهلة للاستجابة لمطالب الشعب ، خاصة العيش في النظام الديمقراطي الذي يمكِّنه من تقرير مصيره بيده ، ويجعل منه المصدر الأساسي لكل سلطة ، او لكل حكم او نظام ..
فهل حقا ان النظام الجمهوري هو الخلاص من الازمة المستفحلة ، وهو وحده البديل القادر على الاستجابة المشروعة ، لمطالب الشعب المهدورة ..
لكن . هل دعوة فرد او شخص واحد ، او شخصين ، او حتى عشرة اشخاص ، وحده يكون كافيا لبناء النظام الجمهوري ، الذي وحده سيؤمن تحقيق مطالب الشعب ، الذي يجهل بالتمام ، وجود هذه الخطابات التي تبقى من دون التأصيل الحقيقي للدولة الجمهورية ، مجرد صيحات في واد عميق ؟
فهل الأساسي الدعوة الى النظام الديمقراطي ، وتحت أي عنوان ، لان الشعب سيكون مصدر السلطات ، ام ان الأساسي هو عنوان النظام الجمهوري ، وقد اثبتت التجارب السابقة ، خاصة بالبلاد العربية ، ان الأنظمة الجمهورية كانت وبالا على الشعوب التي اغرقتها في الأنظمة الطغيانية والدكتاتورية ، ولم تمكنها من الديمقراطية التي تاجرت بها عبر محافل اجتماعية متنوعة ..
فهل الخلاص فقط في النظام الجمهوري ، خاصة العنوان " الجمهورية " ، وليس الخلاص ، هو الديمقراطية التي تؤصل حكم الشعب لنفسه بنفسه ، من خلال الانتخابات ، ومن خلال الاستفتاءات التي تحمله مسؤولية المشروع الذي استفتى من اجله ، او صوت له في الانتخابات التي تجري ، طبعا ضمن الدستور الديمقراطي ، الذي لن يكون غير دستور الشعب ، وليس دستور الحاكم الذي يؤسس للنظام الدكتاتوري بأساليب بشعة غارقة في ثقافة الاستبداد والطغيان ..
فهل عند بناء النظام الجمهوري ، على حساب النظام القائم ، ستنمحي الفروق الاجتماعية ، وسيسعد الشعب بالنظام الذي لبى مطالبه الدستورية ، التي يفتقرها في الأنظمة الملكية .. ؟ .
عندما يردد الشتات مطلب النظام الجمهوري بشكل منفرد ، وليس ضمن تنظيم سياسي ، يعتنق أيديولوجية معينة ، او يعتنق عقيدة بالنسبة للأحزاب الاسلاموية ، فليس معنى هذا ان مجرد ترديد عبارات الجمهورية يدل على جمهوريتك وعلى ثوريتك ، لكن ومن خلال استعمال وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك او اتلتويتر ... عند ترديد مصطلح الجمهورية ، يجعل من مردده مجرد " حْلايْقي " يحكي الازلية في حلقة من حلقات " جامع لفنى بمراكش " . فالناس التي تشاهد مثل هذه المداخلات ، تشاهدها للتنفيس وللتسلية ، دون ان تحدث تأثيرا يقلب موازين القوى لصالح دعاة النظام الجمهوري ..
فهل مثلا يستطيع شخص واحد من المانية ، او إيطالية ، او بلجيكا ، او اسبانية ، او الولايات المتحدة الامريكية ... الخ .. ان يحرك المجتمع للثورة او للانقلاب ،على نظام الحكم القوي الذي عجز الجيش بأسلحته من قلبه ومن القضاء عليه .. فاذا كان الجيش بضباطه الكبار قد فشل في بناء الجمهورية في سنة 1971 و 1972 ، وفشلت حركات ومنظمات سياسية رفعت شعار الجمهورية في بناء جمهوريتها ، وانتهى بها المطاف بالنسبة للبقايا التي تنشط ضمن حضن السلطة ، ان تصبح من المدافعين عن النظام الذي نظروا بالأمس لقلبه ، فكيف سينجح شخص او شخصين ، في بث الحماس وسط ( الشعب ) الرعايا ، للثورة على النظام وقلبه ، وبناء محله نظام جمهوري ، دون معرفة اية جمهورية يريدون ؟ . ومن دون معرفة أي طريق يتبعون لبناء جمهوريتهم التي هي مجرد أضغات أحلام لا غير ..
ان دعوات الشتات بالمطالبة بالجمهورية ، خاصة وان يفرقهم كل شيء ولا يجمعه أي شيء ، وسيادة السب والشتم بينهم ، وكأنك "بباب الرحبة " او " بقهوة الطنجاوي " في الرباط ، لا ترقى الى صنف المعارضة الحقيقية ، التي إن طالبت بالجمهورية ، فتكون لدعوتها قيمة سياسية ، على الرغم من قوة المطالب او عدم قوتها ، وقدرات استجابة الرعايا لها .. وهذا كان حال الجمهوريين الحقيقيين في ستينات القرن الماضي " البرجوازية الصغيرة " ، التي وصل بها الامر الى التحالف مع ضبط الجيش في انقلاب 1972 . وكان حال الاتجاهات اليسارية بكل اصنافها التي كونت تنظيمات سياسية معتنقة أيديولوجية ، وكان حال الشبيبة الإسلامية التي حاولت بناء دولة بعقيدة إسلامية وليس أيديولوجية .
فهل التحجج بدعوى الجمهورية من قبل الشتات المتفرق ، الذي لا يجمعه أي شيء ، ويفرق بينه كل شيء ، حقا هي السبيل لبناء النظام الديمقراطي ، والمنفذ الوحيد لسعادة الرعايا ( الشعب ) ، الذي يعيش ، ومُطبّع مع حياة الدروشة والمسكنة ، منذ دخول الإسلام الى المغرب ؟ .
لا افهم كيف لشخص ، وأكرر كلمة شخص ، في غياب التنظيم ، يعيش في دولة ديمقراطية بأوربة ، بغض النظر عن عنوانها . هل هي نظام ملكي كهولندا مثلا ، او هل هي نظام جمهوري كإيطاليا . والسؤال يشمل كل الملكيات الاوربية ، وكل الأنظمة الجمهورية الاوربية ، حين يجهل او يتجاهل ديمقراطية الدولة التي يعيش فيها ، كالسويد مثلا ، ويرفع بالنسبة للمغرب للخروج من ازمته ، فقط النظام الجمهوري ، ويجهر بالعداء للنظام الملكي ، حتى ولو كان شبيها بالأنظمة الملكية الاوربية كإسبانيا ، او هولندة ، او بلجيكا ، او إنجلترا ، او ملكيات الدول الاسكندنافية .. فكيف يكون حلالا العيش في الأنظمة الديمقراطية الاوربية ، سواء بعنوان الملكية او بعنوان الجمهورية ، لكن بالنسبة المغرب يرى الحل فقط في النظام الجمهوري ، ويرفضه في النظام الملكي ولو كان شبيها بالتمام والكمال مع الملكيات الاوربية الأكثر ديمقراطية في العالم . أي انها اكثر ديمقراطية حتى عن الجمهوريات الاوربية .. فهل ديمقراطية هولندا هي ديمقراطية فرنسا ذات النظام الشبه الرئاسي .. او هي ديمقراطية الولايات المتحدة الامريكية ، والنظام السياسي بأمريكا هو نظام رئاسي ، فيه وحده الرئيس ، والاعوان في صورة كتاب دولة ، وليسوا في صورة وزراء ؟ . كما هناك دكتاتورية حزبية وحدها تسيطر على الشأن العام ، لان الثنائية الحزبية Le bipartisme تجعل الإدارة للشأن العام ، موزعة مرة الحزب الجمهوري ، ومرة الحزب الديمقراطي .. لكن لا احد انتقد النظام السياسي الأمريكي النظام الرئاسي ، حيث ان الدولة هي الرئيس والرئيس هو الدولة ، رغم وجود البرلمان الغرفة التحتية / مجلس النواب ، والغرفة العلوية / مجلس الشيوخ ، التي تحد من الغلو في استعمال سلطة الرئيس ، وتحد من دكتاتورية الحزب الذي ينتمي له الرئيس الأمريكي .. وعند وجود خلافات بين البيت الأبيض وبين مجلس النواب ، بتعارض البطاقات الحزبية ، تُعطل مصالح المواطنين ، كما تعطل مصالح الموظفين ، أكانوا بالجهاز التنفيذي ، ام كانوا بالجهاز التشريعي .. ومع ذلك لم سيبق للشتات بالخارج الذي يردد كالببغاء النظام الجمهوري ، ان انتقد الديمقراطية الامريكية التي هي النظام الرئاسي ، او انتقد النظام الفرنسي ، النظام السياسي الشبه رئاسي .. فالمشكل بالنسبة للنظام الفرنسي يكون اكثر تعقيدا ، عندما يكون ساكن قصر الاليزيه Le palais de l’Elysée ، يحمل بطاقة سياسية معينة ، واكثرية سكان الجمعية العامة يحملون بطاقات سياسية مختلفة ، وحتى يغطي النظام الشبه رئاسي عن الازمة ، كيفها بتسمية " التعايش " La cohabitation ، خاصة عندما يكون الصراع السياسي بين الأحزاب قد بلغ مداه .. والسؤال بالنسبة للنظام السياسي الشبه رئاسي الفرنسي . ماذا اذا كانت البطائق السياسية الحزبية من لون واحد ، تسكن قصر الاليزيه Le palais de l’Elysée ، وتسكن قصر الماتينيون قصر الحكومة ، وتسكن الجمعية العامة ، وربما حتى مجلس الشيوخ .. هنا ستكون فرنسا بكاملها ، تعيش نظام دكتاتوري باسم الديمقراطية الانتخابية ، وتكون الديمقراطية التحتية هذه ، قد اساءت حتى لمبدأ الفصل بين السلطات ، حيث يفقد الجهاز القضائي لسلطة الاستقلالية ، لان القضاة هم من سينفد مشارع القوانين واقتراحات القوانين ، في ميدان المسطرة الجنائية ، والقانون الجنائي ، والقانون المدني ، القانون التجاري ، القانون العقاري ، المحافظة العقارية الخ .. أي ان القوانين التي اقترحتها الحكومة وتم التصويت عليها ، او مشاريع القوانين التي اقرها البرلمان ... الخ ، سينفدها القضاء الفرنسي بالحرف ، وهذا سيؤثر على مبدأ استقلال القضاء ، الذي سيصبح جزءا من السلطة التنفيذية ، لا مستقلا عنها ..
فهل نعتبر الان ان النظام الرئاسي الأمريكي ، والنظام شبه الرئاسي الفرنسي بالأنظمة الديمقراطية ، عند مقارنة النظامين مع الديمقراطية الإيطالية ، والديمقراطية الهولندية ، والبلجيكية ، وديمقراطية الدول الاسكندنافية ..
ان الشتات الذي يفرقه كل شيء ولا يجمعه أي شيء ، عندما يروج للنظام الجمهوري الاصلح للتطبيق في المغرب ، دون الاخذ بعين الاعتبار النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يحقق السعادة للمواطنين ، يكون من تلقاء نفسه يضع نفسه ضمن المنادين والمطالبين بالنظام الدكتاتوري ، باسم النظام الجمهوري الذي لا علاقة له بالديمقراطية ، حتى في الأنظمة السياسية الغربية ، فأحرى ان يكون النظام المخاطب بالديمقراطية نسخة طبق الأصل للأنظمة الجمهورية العربية المعادية لأي شكل من اشكال الديمقراطية المروج لها بالدعايات الخادعة ..
ان توجيه دعوات المطالبة بالجمهورية ، وفي غياب التنظيم ، وفي غياب الأيديولوجية ، وغياب العقيدة ، تبقى اسهالا حادا للأحداث ، التي تتجاوز مطلب الجمهورية التي فشل الجيش ، وفشلت تنظيمات الستينات والسبعينات من اقامتها . وثم تبقى المطالب مزايدة رخيصة ، لا تعطي شهادة اعتراف للمنادين بالجمهورية ، باسم الديمقراطية المفقودة ، مع العلم ان وضعهم هذا ينصّبُهم من اكبر خدام الأنظمة الدكتاتوري ..
فهل الجمهوريون الحقيقيون الذين يرفعون شعارات الأنظمة الجمهورية ، هم من يردد : أنا اول شخص مغربي حصل على اللجوء السياسي بالسويد ، وآخر يقول . أنا اول معارض سياسي احصل على اللجوء السياسي في الولايات المتحدة الامريكية رغم حملي للجنسية الفرنسية .. ويزيد أنا اول معارض شوهت مدير البوليس السياسي المدعو الحموشي .. وعندما اكفهرت سماء دنيا الفيلالي وزوجها ، فر عنها جميع من ساندها من الداعون للجمهورية ، ولأسقاط النظام ..... الخ .
فحتى من تمسح بألمانية ، يدعو الى الجمهورية ، دون معرفة نوع الجمهورية التي تستحق التنزيل ..
في المغرب لن تكون هناك جمهورية ، الا اذا قرر الجيش ذلك . فهل لا يزال بالجيش ضباطا برجوازيون صغار على شاكلة الكلونيل العربي الشلواطي ، والكلونيل محمد اعبابو ، والجنرال لخياري .... الخ ..
بعد انقلاب 1971 و 1972 ، تغير كل شيء ، واصبح ضباط الجيش تحت المراقبة البوليسية ، والمراقبة من استخبارات الجيش المختصة ..
اما التعويل على ( الرعايا ) للثورة ، فالجياع والجهلة لا يثورون .. ويبقى المنفذ الوحيد لإسقاط النظام ، وبالأخص نظام محمد السادس ، خارج المغرب ، والداخل سيتحرك على ضوء نجاحات الخارج ، والمدخل لإسقاط النظام بابه الصحراء الغربية ، اذا اضاعها النظام واستقلت عنه ..
ان الوضعية الحالية للنظام لم تأت من فراغ ، بل كانت نتيجة جهود وابحاث ودراسات قبل وفاة الحسن الثاني بحوالي خمسة عشر سنة ، ساهم فيها عبدالرحمان اليوسفي وقيادة الاتحاد الاشتراكي ، وكل الأحزاب التي كانت تتعيش بإكراميات الدولة ، وهو الحلف الذي تم توظيفه ابان حركة 20 فبراير .. دون ان ننسى النقابات التي ارتمت في حضن النظام ، بمجرد تنصيب محمد السادس ملكا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس تسلم -بري- الورقة الفرنسية المتعلقة بوقف إطلاق النار ب


.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن| #أميركا_ال




.. الخارجية الأميركية: 5 وحدات في الجيش الإسرائيلي ارتكبت انتها


.. تراكم جثامين الشهداء في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار برفح جنو




.. بلينكن: في غياب خطة لعدم إلحاق الأذى بالمدنيين لا يمكننا دعم