الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزّة: حين تتواطأ الثقافة والسياسة

عبد الحسين شعبان

2023 / 10 / 31
القضية الفلسطينية


استعدتُ موقفين تاريخيين يوم بادرت كوكبة من المثقفين العرب إلى توجيه رسالة انتقادية مصحوبة بعتب شديد إلى نظرائهم مثقفي الغرب، إثر الحرب الوحشية التي شنّتها "إسرائيل" على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزّة.
الأول - بيان للمثقفين الأمريكان الستين الذي أعقب تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك ( 11 أيلول / سبتمبر 2001)، والذي راح ضحيته نحو ثلاثة آلاف إنسان من المدنيين الأبرياء. حينها، قُرعت نواقيس الخطر، وحشدت الإمكانات والدعاوى والحجج الأيديولوجية والسياسية للحديث عن "الخطر الإسلامي" بعد زوال "الخطر الشيوعي"، الذي يهدّد الليبرالية، التي لن يهدأ لها بال ما لم يتم القضاء عليه سياسيًا وفكريًا واقتصاديًا ونفسيًا، إذْ بدحره يمكن للعالم "المابعد تاريخي"، حسب فوكوياما، السير في طريقه نحو السعادة، وحسب هنتنغتون تطويع الحضارات الأخرى لإعلان ظفر الليبرالية نظامًا سائدًا ووحيدًا للعالم الجديد.
والثاني - موقف منظمة العفو الدولية، بعد العدوان "الإسرائيلي" على غزّة أواخر العام 2008، حيث أصدرت تقريرًا اعتبرت فيه الجاني والضحية في كفّة ميزان واحدة في خرق القوانين الدولية لحقوق الإنسان. وكنت قد وجّهت رسالة وكلمات عتب مملّح لها في مقالة نشرتها في صحيفة العرب (القطرية) في 9 آذار / مارس 2009، دعوت فيه إلى حوار معرفي وثقافي وحقوقي، ومن المواقع ذاتها، خصوصًا إزاء حساسية الضحايا وما يصيبهم وما يلحق بهم من أذى وانتهاكات لحقوقهم، مع تقديري لرصانة منظمة العفو الدولية ومهنيتها ودورها في الدفاع عن حقوق الإنسان.
ومثقفي الغرب الذين دعاهم بيان المثقفين العرب إلى الحوار واستنكار الجرائم المرتكبة بإعلان صريح، وتأكيد للحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني، غضّوا النظر عن ذلك، فانحاز بعضهم إلى جانب المعتدي، أو تواطؤ معه، في الوقت الذي يتمّ فيه تجريف غزّة وترحيل أهلها، في إطار عملية ترانسفير شاملة، فضلًا عن آلاف القتلى والجرحى.
المشكلة لدى بعض المثقفين الغربيين تكمن في ازدواجية المعايير، إذْ لا يمكنهم التفريق بين شعب مهدور الحقوق والكرامة وبين مجموعة إرهابية صغيرة مثل تنظيم القاعدة أو داعش وأخواتها، وهذه ليست حكرًا على منطقتنا، فالكثير من الجماعات التي مارست العنف وأقدمت على عمليات إرهابية موجودة في الغرب أصلًا، وتتّخذ أسماء مختلفة.
وقد تصدّى المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد يومها لتلك الحملة، التي شارك فيها عدد من المثقفين، بينهم: جوديث ميلر وصاموئيل هنتنغتون وبرنارد لويس وستيفن إمرسون وباري روبن، وشارك فيها عدد من المثقفين والأكاديميين "الإسرائيليين"، الذين ركّزوا على "خطر الإسلام"، وحاولوا إلصاق ممارسات العنف والاستبداد والإرهاب به.
إن هذه المواقف تشكّل تجاوزًا على القيم والمبادئ الإنسانية، وعلى العقلانية النقدية التساؤلية، التي يُعرف بها المثقفون عادةً، فالمثقف ينبغي أن يكون أكثر حساسية من غيره إزاء الظلم والعنف والانتقام، وإلّا فإنه سيوظّف وسيلته الإبداعية المعرفية في غير محلّها، في حين يقتضي العقل والأخلاق والثقافة الانحياز إلى العدل والضمير والمشتركات والقيم الإنسانية.
ومثلما قرع البيان الثقافي الأمريكي طبول الحرب، بل وأضفى شرعية عليها، تلك التي وجدت مبرّرات لها في اجتياح أفغانستان العام 2001 وغزو العراق العام 2003، يحاول بعض المثقفين الغربيين اليوم، باسم "العدالة العمياء"، و"الحرب الوقائية"، تبرير استمرار الجرائم في غزّة، بما يشجّع روح الثأر والكيدية وكراهية الآخر.
إن المثقفين العرب، بتعاملهم مع أقرانهم المثقفين الغربيين، يميّزون بين مفهوم الغرب السياسي والغرب الثقافي، فالأول قائم على المصالح والأيديولوجيات والنظم التي لا تمثّل بالضرورة قيم الحضارة الحديثة، في حين أن أجزاءً من الغرب الثقافي تنحاز إلى قضايا الشعوب والحريّات، وبالصدارة منها القضية الفلسطينية، ويتجسّد ذلك عمليًا بالتضامن مع غزّة وأهلها، خصوصًا بالدعوة إلى وقف القتال فورًا، والتوجّه صوب حلّ يضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبناء دولته الوطنية وعاصمتها القدس الشريف.
وإذْ يتقاسم المثقفون العرب والغربيون الإيمان بالقيم الإنسانية والمبادئ العليا المشتركة، فإنما لأنهم مثقفون أولًا، يؤمنون بقيم السلام والتسامح والجمال والمساواة والعدل، وثانيًا، لأنهم ينحازون لصالح الإنسان ضدّ التعصّب والعنصريّة والحرب والقبح والظلم.
نعم، ثمة شعور قوي لدى المثقفين العرب، بأن ثمة فجوة كبيرة بينهم وبين العديد من المثقفين الغربيين، الذين يتبنّون نظريًا القيم الإنسانية المشتركة، وبين الواقع العملي، إذْ كيف يمكن لمثقّف مناصرة الجلّاد والمعتدي على حساب حقوق الضحية المُعتَدى عليها والمحتلة أرضها؟ وكيف يمكن لمثقّف حرّ أن يلوذ بالصمت حين يتعلّق الأمر بفلسطين، والجرائم المتكرّرة بحقّها؟ إن مثل هذا السلوك يعكس التناقض الصارخ بين الفكر والواقع، بما يمسّ صميم رسالة المثقّف وجوهر ثقافته، لاسيّما حين يجري الخلط المتعمّد بين المقاومة والإرهاب، فهل يمكن وصف المقاومات الوطنية في أوروبا للنازية والنازيين بأنها حركات إرهابية، مثلما يوصف المقاومون الفلسطينيون؟ إنه سؤال برسم المثقفين الغربيين الأحرار. وغزّة هي العنوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لو حدثت حرب بين اسرائيل ولبنان من المسؤول
منير كريم ( 2023 / 10 / 31 - 22:50 )
السيد المحترم
من تصفهم بالمثقفين العرب بيسارييهم ومومييهم واسلامييهم جميعا منحازون للارهاب
يبررون ويعللون ويفسرون ويؤيدون حماس الارهابية التي جلبت المصائب على الفلسطينيين
واسالك سؤلا
اذا ماحدثت غدا حرب تدميرية بين لبنان واسرائيل , من المسؤول غير حزب الله ؟
يا استاذ الاسلام السياسي هو العدو الاساسي لشعوبنا وللحضارة العالمية
شكرا


2 - ‏ حماس والميليشيات اضرت بالقضية الفلسطينية
د. لبيب سلطان ( 2023 / 11 / 1 - 00:09 )
دكتور عبد الحسين
انك تطالب المثقف العربي والغربي بالوقوف دون قيد ولا شرط مع كل من يدعي بالقضية الفلسطينية او يدعي المقاومة وهو امرا لن يقوم به اي مثقف حقيقي لا العربي ولا العجمي ولا الرومي والغربي لسبب بسيط ان المثقف يقف مع القضية الفلسطينية لعدالتها وانسانيتها وحقوقيتها وليس مع كل من يدعيها ( بدءا من ناصر وصدام واسد واردوغان واية الله وانتهاء بحسن نصر الله وهنية ) انهما امران مختلفان ..يلتقى المثقفون العرب والغربيين في ادانة عملية حماس كونها استهدفت مدنيين، وادانة الصهاينة بقصف غزة وابادة المدنيين متساويا ، والواقع ان السلفية العربية والصهيونية فعلا متماثلان في الاهداف والافعال في ايذاء واخفاء القضية الفلسطينية ..وهنا واجب المثقف ايا كان ..فضحهم معا موقفا واضحا من أي مثقف عربي او غربي كونها تمثل وتتوافق مع قيمهم وقيم الانسانية وليس مع سلفيات تدعو لابادة الاخر ، وايديولوجيات للتجييش ا فهي فرصتهم للتحريض ضد حضارة الغرب والعالم باجمعه ..
مقارنتكم حركة المقاومة ضد النازية مع ميليشيات تقتل مدنيين مثل حماس وميليشيات سليماني والنجباء التي تدعي محور المقاومة اعتقد غير موفقة ..


3 - حصان طروادة
nasha ( 2023 / 11 / 1 - 01:48 )
يقول الكاتب:المشكلة لدى بعض المثقفين الغربيين تكمن في ازدواجية المعايير، إذْ لا يمكنهم التفريق بين شعب مهدور الحقوق والكرامة وبين مجموعة إرهابية صغيرة مثل تنظيم القاعدة أو داعش وأخواتها،

سؤال للكاتب: الست انت ايضا مزدوج المعايير؟ من اين جئت بالمعايير؟ من الذي وضع المعايير؟

كيف تطبق المساواة بين معيارين لا يتطابقان ولا يتشابهان؟
معيار حماس معيار اسلامي هدفه الاوحد( هدف ديني ) وجودي بحت يحاول القضاء على اليهود ومحيهم من الوجود تنفيذاً لهدف القوميين الفرس القابعين في قم وطهران.

معيار المثقفين الغربيين اليساريين الملحدين معيار اعتباطي عدمي غير موضوعي له اهداف سياسية او مالية ، انهم ليسو اكثر من منافقين لاجل الشهرة ولا غير

اقولها بصراحة: المعيار الذي يستغله الملحدون الغربيون هو المعيار المسيحي الذي بُنيت عليه الليبرالية الاميركية وانتشر في العالم اجمع ولا علاقة له بالماركسية والالحاد مطلقا

انك تفعل بالضبط كما يفعل الماركسيون الغربيون تستخدم المعيار الليبرالي ولا زلت مسلما شيعيا في داخلك
بدون شعور انت تساهم في نشر الفكر العنصري القومي الفارسي بأستخدام الماركسية كحصان طروادة.


4 - من المسؤول ؟
طلال بغدادي ( 2023 / 11 / 1 - 02:48 )
في مجتمعات تعيش تحت الحصار والقتل والتنكيل والتهجير لأكثر من 70 عامًا ينموا التطرف والعنف والانتقام.
-;-من المسؤول عن ذلك ؟؟
-;-هل يحتاج الامر الى فطنة ؟؟
معظم (إن لم يكن كل) المهاجمين الفلسطينيين لا تزيد أعمارهم عن 20 عامًا؟ هل نعرف جراحهم وعذاباتهم ومعاناتهم وأحلامهم؟ أين وكيف نشأوا؟ كم مرة عاشوا تحت القصف الإسرائيلي لمدنهم ومنازلهم؟ كم من أهلهم وأصدقائهم ومعارفهم فقدوا خلال رحلة العمر القصيرة؟
كيف يرون آفاق مستقبلهم في ظل الذل والحصار الخانق؟
حتى قيادات حماس ولدوا و نشأوا تحت هذا الاحتلال الليبرالي المتحضر.
عدوهم يسيطر على مقدرات حياتهم
الغذاء يدخل بمقدار حتى لايمكن آن يبقى احتياطي
الدواء يدخل بمقدار حتى لايمكن آن يبقى احتياطي
الوقود يدخل بمقدار حتى لايمكن آن يبقى احتياطي
لا ميناء ولا مطار ولايمكنهم التواصل مع العالم الا من خلال عدوهم.
اتمنى ان يشرح لنا البعض كيف يرى الخيارات الاخرى (الليبرالية) تحت الحصار و العنف والانتقام والاذلال منذ ولادتهم .

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -