الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه هي (إنسانية) الغرب.. غزّة شاهدٌ عليها !!

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2023 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إلى ما قبْل هذه البربرية والوحشية الإسرائيلية في غزة، بدعمٍ غربي مطلق لهذه البربرية، كان ما يزال مليارات البشر حول العالم مُعجبون بالقيم الليبرالية الغربية، ومأخوذون بهذه القيم، وأولها احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وقيم العدالة الإنسانية والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.. وكل هذا الخطاب الذي اعتدنا على سماعه من هذا الغرب على مدى عقود طويلة من الزمن، لاسيما من بعد الحرب العالمية الثانية وتصنيف البُلدان الغربية بُلدانا ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، في مواجهة الدول الشرقية ذات الحُكم الشمولي التي لا تحترم حقوق الإنسان..

خُدِعت المليارات حول العالم بهذا الخطاب الغربي، والذي تم التسويق والترويج له عبر وسائل فظيعة، وميزانيات ضخمة، وسياسات خبيثة، على مدى كل هذا الزمن.. ولكنهُ اليوم انفضحَ وتعرّى كاملا في غزّة.. وسقطت عنه ورقةُ التوت..

**

جاءت الحرب في غزة لتفضح كل هذا النفاق والدّجل الغربي، ولتوضِّح أن هذا الغرب حاقدا لدرجة لا يمكن تصورها على العرب والمسلمين، وكل القيم البشرية.. وهاهو اليوم يصبُّ حقدهُ في غزّة صواريخا وقذائفا وقنابلا وحِمما من النيران على المدنيين الأبرياء، والأطفال والنساء، والمشافي والمساجد والكنائس، وكل شيء، حتى الحجر والشجر، وبكلِّ أشكال البربرية غير المسبوقة في التاريخ..

**

اليوم لا يستطيع هذا الغرب أن يدّعي أنه ليس شريكا في هذه الجرائم البربرية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.. الغرب شريك كامل في كل هذه الجرائم..

منذ الأيام الأولى تقاطر كل قادة الغرب إلى إسرائيل ليتباروا ويتسابقوا في التصريحات حول (دعشَنةِ حماس) ودعم الوحشية الإسرائيلية، وإرهاب الدولة الإسرائيلي، الذي يجسِّدهُ اليوم أكثر حكومة متطرفة حاقدة بتاريخ إسرائيل..

بل المفارقة أن الغرب ذاته يعترف بأنها حكومة متطرفة، ولا يستقبلون بعض أعضائها، ولكنهم يقفون معها ويدعمونها بكل ما يملكون في إبادة أهل غزة بعد تزوير كل الحقائق وتزوير التاريخ، وتناسي أساس هذا الصراع الممتد على مدى 75 عاما منذ عام 1948 وحتى اليوم..

**

والمُحزِن أن ترى (عربا) يلبسون العقال والشماغ العربي، والعباءة العربية، ولكنهم صهاينة أكثر من الصهاينة( وأتحدّثُ هنا عن أفراد وليس حكومات، استمعتُ إلى فيديوهات نشروها وتحدّثوا بلغةٍ لا يتحدث فيها حتى الصهاينة ضد المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني)، هؤلاء أياديهم مُلطّخة بالجريمة، حينما يرددون ذات العبارات التي يرددها الإرهابيون المتطرفون في إسرائيل وداعميهم الغربيون، بحق المقاومة..

فِعلا لولا العباءات التي التفُّوا بها، ما كنتُ أحسبُ أنهم أعرابُ..

قُبُلاتهم عربيةٌ مَن ذا رأى فيما رأى قُبَلا لها أنيابُ!!.

**

الشعب العربي الفلسطيني يخوض حرب تحرير وطنية ضد أراضيهِ المحتلة منذ عقود طويلة من الزمن، وقبل ولادة حماس، وهذا حقٌّ مشروعٌ له بموجب كل القوانين الدولية التي وضعها هذا الغرب، وبموجب ميثاق الأمم المتحدة الذي وضعهُ هذا الغرب، ولكنهم اليوم يستثنون إسرائيل من كل ذلك، فهذه لا ينطبق عليها قانون دولي ولا ميثاق أمم متحدة..

لو أن هذا الغرب منح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير ما كنا رأينا كل حركات المقاومة التي نراها اليوم..

المسؤول عن ولادة هذه الحركات هو الغرب نفسهُ، الذي دعم إسرائيل دوما بشكلٍ مُطلق وأنكر حق تقرير المصير لِشعبٍ بالكامل يُقدّر عدده بحوالي 15 مليون نسمة، نصفهم في الشتات..

**

لا يمكن القضاء على حركات المقاومة الوطنية، مهما كانت تسمياتها (إسلامية، ماركسية، يمينية، يسارية، قومية، دينية، ليبرالية.. الخ..) لا يمكن القضاء عليها إلا بالقضاء على كل شعب فلسطينن وهذا يستحيل مع أن هذا ما تسعى له اليهودية الصهيونية..

كم من حركات المقاومة عُرِفت منذ اغتصاب فلسطين؟. كم من رموز وقادة المقاومة عُرِفوا عبر تاريخ هذه القضية، ورحلوا، ولكن القضية بقيت، وبقي الشعب الفلسطيني الجبار يلدُ المقاومين، الأشدُّ بأسا ممن سبقوهم..

نحن اليوم، ربما، أمام الجيل العاشر من أبناء فلسطين منذ الإغتصاب وحتى اليوم.. ولكن جذوة المقاومة يرثها كل جيلٍ عن الآخر وباتِّقادٍ أشدُّ مما سبقه.. ومقولة القادة الصهينية عن الفلسطينيين أن الكبار يرحلون والصغار ينسوون، هذه المقولة ثبتَ لهم فشلها بالمطلق.. نعم رحل الكبار ولكن تركوا خلفهم أجيالا لا يمكن أن تنسى وتحمل شُعلة النضال من جيل إلى جيل، وكلٍّ يُسلّمها للجيل التالي..

**

قضايا الشعوب لا تموت.. والقضية الفلسطينية هي قضية شعب.. ومهما حاولت الدعاية الصهيونية وداعميها في هذا العالم الغربي تصوير المقاومة الفلسطينية بـ (الإرهاب) فلن يفلحوا.. المقاومة الفلسطينية(بكل تنوعاتها) هي حركة تحرر وطني، لا تختلف عن حركة المقاومة الفرنسية ضد الإحتلال النازي، ولا حركة الإستقلال الأمريكية ضدّ الإحتلال البريطاني.. وإذا كانت هذه المقاومة (وحوشا بشرية) كما يتلفّظ وزير دفاع العدو القاتل، فمعناها كل حركات المقاومة عبر التاريخ كانت وحوشا بشرية، ولا نستثني منها المقاومة الفرنسية للإحتلال النازي، ولا المقاومة الأمريكية للإحتلال البريطاني..

**

كم اتّهموا المرحوم ياسر عرفات بـ (الإرهاب) وأخيرا هم أنفسهم وقّعوا معه الإتفاقات، واستقبلوه في البيت الأبيض.. المجرم آرييل شارون شبّه المرحوم عرفات بإبن لادن.. مع أن إبن لادن خلَقتهُ سيدتهم الولايات المتحدة، ودرّبتهُ وسلّحتهُ، وموّل تنظيمهُ حلفاء الولايات المتحدة من العرب، وكان حينها كل الإعلام الأمريكي والغربي يشيدُ بهِ وبتنظيمهِ ويصفونهم بالمناضلين لأجل الحرية..

Freedom Fighters

وبعد أن أدّى المهمة الموكلة إليه في إخراج السوفييت من أفغانستان، انتهى دورهُ وسعوا إلى تحجيمهِ والقضاء عليه، فاختلفَ معهم، وبعدها صار بنظرهم فورا إرهابيا.. تحوّل برمشِ البصر من مناضل لأجل الحرية إلى إرهابي..

هذه هي سياسات الغرب.. طالما تخدم مصالحهم فأنت رائعا.. وحينما تقف ضد مصالحهم فأنت إرهابيا..

**

اتّهموا نلسون ما نديلا بـ (الإرهاب) وأخيرا هم أنفسهم من هنّأوهُ على فوزه في الرئاسة وجلسوا معه ليلتقطوا الصور..

حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليست إرهابا، إنها جزءا من حركة المقاومة الفلسطينية.. إنها واحدا من 14 فصيل فلسطيني مقاوم لاستعادة الحق الفلسطيني المسلوب..

لا يمكن تشبيه حماس بداعش.. فهذا تزوير للحقيقة والتاريخ.. حماس معروفة قضيتها، وواضحة وضوح الشمس، إنها استعادة الحق الفلسطيني في فلسطين، وخارج فلسطين ليس لها أي أجندات..

فكم بدا الرئيس الفرنسي صغيرا وهو يقف إلى جانب الإرهابي نتنياهو ويدعو إلى تشكيل تحالُف دولي لمحارية حماس، كما التحالف الدولي لمحاربة داعش..

كل العالم كان ضد داعش.. وحماس كانت ضد داعش.. ولكن كل العالم باستثناء حكومات الغرب(وبعض شعوب الغرب وليس كلها) هي مع حماس ومع المقاومة الفلسطينية.. على الأقل هناك أكثر من ملياري مسلم، و430 مليون عربي مع هذه المقاومة..

الإرهابي هو من يحتل الأرض الفلسطينية ويرفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني.. الإرهابي هو من ينكر على الشعب الفلسطيني حقه.. الإرهابي هو من يدعم هذا الإرهاب الإسرائيلي في غزة..

هل من سبقَ قادة إسرائيل (بيغين، وشامير، وشارون، ونتنياهو، وسموتريتش، وابن غفير.. ) والمئات غيرهم، بالإرهاب؟. لا أحدا في التاريخ سبقهم في الإرهاب..

**

هؤلاء الإرهابيون استخدموا دوما ذات الطُرُق والأساليب التي استخدمها الرجل الأبيض عبر التاريخ ضد السكان الأصليين في الأمريكتين، وفي أوستراليا، وغيرها، باتباع أساليب القتل والإبادة الجماعية..

ذات الأساليب يطبقونها على الشعب الفلسطيني منذ ثلاثينيات القرن الماضي على يد التنظيمات الصهيونية الإرهابية كما (هاغاناه وشتيرن وإرغون) ..

التاريخ لن يُمحَى مهما مرّ من الزمن.. ومعروف كيف أباد الرجُل الأبيض عشرات ملايين(الهنود الحمر) سكان البلد الأصليون، واستولوا على بلادهم..

لقد أبادوا دولا، وأفنُوا أعراقا وشعوبا وأقواما من الوجود، حتى أقاموا إمبراطورياتهم، ومستعمراتهم الواسعة، التي كانت لا تغيب الشمس عن بعضها، وبدلَ أن يشعروا بعقدة الذنب على ما ارتكبوه عبر التاريخ من جرائم ووحشية، ونهب لثروات الآخرين التي بنوا فيها حضارات بُلدانهم، فإنما يأتون ليتّهموا المقاومة الشرعية الفلسطينية بـ (الإرهاب).. يا لها من وقاحة!!.

**

كم عشرات الملايين من السُود الأفارقة الذين جاؤوا بهم عبيدا إلى بلدانهم، وماتوا وهُم يحفرون لهم أنفاق المترو، ويُشيدون لهم الجسور، ويعملون لديهم في المزارع.. تناسوا زمن الرق والعبودية الذي مارسوه بحق الأفارقة.. ولكن ذاكرة التاريخ لن تنسى..

**

اليوم الفرزُ واضحٌ:

أبناء الظلام هُم من يدعمون هذه البربرية والوحشية الإسرائيلية في غزة.. وأبناء االنور هُم من يقفون ضد هذه البربرية والوحشية الإسرائيلية في غزة..

أبناء البربرية هُم من يقفون مع هذا النظام الإسرائيلي العنصري الفاشي.. وأبناء الحضارة هم من يقفون ضد هذا النظام الإسرائيلي العنصري الفاشي..

النازية الجديدة هي ما ترتكبه إسرائيل من جرائم.. وعلى العالم الذي توحد ضد النازية وضد داعش، أن يتوحد ضد النظام العنصري الفاشي الحاقد في إسرائيل ويُرغمهُ على وقف هذه الحرب، والإعتراف بالحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها الجولان السوري..

لا يمكن أن يعمّ الأمن والاستقرار والسلام في هذه المنطقة طالما هناك احتلالا لشبرٍ عربي واحد.. وحقوق مغتصبَة..

**

الجميع ضد التطرُّف ولكن النضال لأجل استعادة الحق المُغتَتصَب هذا ليس تطرفا.. إنهُ واجبا وطنيا وأخلاقيا وقانونيا ودينيا وإنسانيا..

لسنا ضد اليهودية.. نحترمها كديانة سماوية.. ولكننا ضد الصهيونية التي أساءت للديانة اليهودية.. واغتصبت كل أرض فلسطين، ولا تعطيهم مساحة ضئيلة على حدود عام 1967 ليبنوا عليها دولة..

**

لا تُحوِّلوا الشعب الفلسطيني إلى قنابل يمكن أن تنفجر في أي مكان، من شدّة القهر والإحتقان والضغط والظلم الذي وقع عليه عبر التاريخ، وخاصّة ما يحصل له في غزّة هذه الأيام.. لا تعيدونهم إلى زمن الستينيات في أساليب نضالهم.. وهذا الكلام موجها لبعض العرب قبل غيرهم..
أوقفوا الحرب وأعيدوا الحق لأصحابه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح