الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأجناس البينية الجديدة المبتكرةطبقا للمنهج الذرائعي النقدي العلمي الجديد

عبد الرزاق عوده الغالبي

2023 / 11 / 1
الادب والفن


الأجناس البينيّة الجديدة المبتكرة
طبقاَ للمنهج الذرائعي النقدي الجديد

عبد الرزاق عوده الغالبي

المقدمة

وتمرّد الرمز الشعري المستل من التراث والتاريخ والشكل الاجتماعي والأعراف، خلال السنوات الأخيرة من القرن المنصرم، وبقصد التخصيص، بعيدًا عن التعميم، فالبعض من شعرائنا ارتدوا السريالية بدلة أنيقة وربطة عنق، وأغرقوا القصيدة الحرّة بهوس الغموض, وألبسوها ثوبًا مهلهلًا من الإبهام السريالي المظلم، و انتزعوا المعنى منها انتزاعاً قسرياً، حين غاصوا في أركان القصيدة الشعرية بشكل كفيف، هدف يسعى إليه الشاعر زحفاً وتوقاً نحو الفوضى، بحثاً عن هالة الإشهار المستعجل المنزلق من الواقع والحقيقة، حتى أمست القصيدة إطارًا جافًّا لا روح فيه، ومجموعة من الألغاز والطلاسم ليس لها حل، امتصّ منها المحتوى، ضفدع في فم أفعى ـ ونجحت في نقل المتلقي من حيّز الخيال المفترض باتجاه صحراء قاحلة من الاحتمالات الجامدة، بجفاء عن تركيب المعنى الهادف في تلك القصيدة، وفقد الشعر إمكانيته الحسية في صيد الانتباه، وخسر الشاعر رسالته الإنسانية وقضيته الفكرية, حين سقطت عناصره المترعة بالإحساس في بركة الإفك و التمرد والجمود و الغموض الآسنة، فأصبحت القصيدة عمياء والشاعر بصير ، وتلك ليس دعوة للواقعية والمباشرة التقريرية الممجوجة او الرمزية بل هي دعوة خالصة للسفر بالعمق الادبي الجميل، وما عاد الأدب رجمًا بالمفردات من أبواب العمل الأدبي المكشوف، بل هو قذف من خلف جدران القصيدة بمعان مؤجلة منتقاة، حين صار الأدب سفرًا في الخيال والرمز, ومحركًا لذيذًا ودائمًا للفكر الإنساني ....!
تقيّدت القصيدة الحرّة بسلاسل الغموض، وكُسرت أرجلها الإثنتان وهي في ريعان الصبا و الشباب, وحصرت بين المطلقين، والقصد إمّا غامضة جدًّا لدرجة الانغلاق أو مباشرة جدًّا لدرجة السذاجة، وظلّت تتلمّس أجزاءها المبعثرة بغياب المعنى والإحساس، وهي تشكو الوحدة, بعد محاولات فاشلة من فاشلين بإماتة والدها القريض و الذوق والحس والتراث العربي الأصيل بحلم من أحلام الإسفاف، و أوصدت أبواب القصيدة بمفترض موت الأب وعجز الابن، وكسا الصدأ ذوق المتذوّق، وأصبح الشعر كتلة سجينة عمياء خاوية، لا تميّز طريقها في ظلام دامس، مجموعة من الكلمات المتناثرة هنا وهناك، ميتة لا روح فيها، وبدأ العزوف يطرق أبواب القرّاء، وانحسر النّهم بالقراءة مع اطّراد إصدارات ألفية من هذا النوع باتجاه سلال الإهمال ورفوف المكتبات.....!؟
ولا ندري لمٓ يفعل شعراؤنا ذلك ...!؟...وهل هو وميض أسود يلوح بيده لظهور مدرسة جديدة لزرع القباحة والغموض والإسفاف بديلًا للجمالية والعمق الخيالي والرمزي, والسباحة في بحار السهل الممتنع, والإحساس المرهف الملائكي و السيّابي والنزاري والرعيل الخليلي....وأنا أقول ذلك بحرقة وألم وأنا لست بشاعر أو ناقد، لكن أسفًا يتلبّسني كجنّ يمتلك عقلي ونواص الوعي عندي، وأنا أرى من يشرب من نهر صاف ويلقي فيه قمامته، حتى لا يرتوي الآخرون.... !؟
ويصرخ الأدب بأعلى صوته، يستنهض أهل القبور من أصحاب كَلِم وقلم، ليأخذ كل منهم دوره الأدبي لمواجهة الأوضاع المنحرفة، ومع ذلك ثمل الأحياء منهم بخمرة الغموض وسهولة التنصيص طلبًا لشهرة ساعة أو يوم، فالكلّ يكتب.. والإسفاف الفكري يعزف الموسيقى وينقر الدفوف فرحًا، أربعة كلمات أسموها ومضة، حبكة خاوية من الجمال الأدبي أسموها (ققج )، خرج البعض الكبير من خيمة الأدب العربي هربًا من رنّة (قفا) وبإتجاه الباب ثم إلى الفراغ المبهم والفوضى والغموض....فوجدوا أنفسهم في الفراغ....وهل يستمر ذلك....!؟
بدأ الكلّ يتطارح الدهاء والإتصاق القرادي بالسريالية اليابسة، والسرد التائه، السارح في أخيلة صحراوية خالية من الحياة، حتى نسوا وتناسوا مخاطبة الإنسان العربي البسيط، المثخن بجراح البؤس والوجع والفقر والعوز والظلم, ونسوا أنّ الأدب عرّاب للمجتمع، كل منهم يفتح مجموعة على التواصل الاجتماعي ويغذّي نفسه بالألقاب، شاعر ...أديب ....كاتب ... ولا يستحي من تكرار قال الشاعر في أدبياته المفترضة، وسقطت رسالة الأدب الشريفة من يد الثلّة الباقية، لأنّ الأغلبية تثقل يدها فوق يد الأقلية، والكلّ محلّق في غياهب الخيال المفترض، كما يدعونه هم، أصحاب تلك المدرسة الجديدة مدرسة(التحليق) في الفراغ ....واللا شيء.....
وتسلّل النقد خجلًا من تلك الساحة الزاخرة بالتمرد، وغياب العرّاب عن توعيته الإنسان بواقعه المر الخانق، وحرموا النص الأدبي الرسالي من أداء واجبه الإنساني والاجتماعي، حين قيّدوه و رموه في سلال النقد الإنشائي المتعالي و المدلل والمتشدق بالمصطلحات الجافة الرنانة، والرموز والطلاسم المقفلة في غرف الغموض المظلمة، حتى اشمأز الذوق وشاح بوجهه عنهم نحو قصيدة الشعر الشعبي، وهجر القراءة، حتى حين قاموا بتوزيع إصداراتهم الهشة مجانًا في الشوارع والمقاهي، ومع ذلك كان طريقها سلال المهملات وعلى الرفوف في غرف المهملات والعتيق...
واتسعت الهوة بين القراء البسطاء من الناس وأدبائنا و شعرائنا المجدّدين والمعاصرين، حين أخذ العزوف مكانته المرموقة في أذهان المتلقي, ودقّ إسفينًا إسمنتيًّا بينه ونصوصهم التي تستدعي كل قواميس و معاجم الأرض لفك أسراره وطلاسمه السريالية المقفلة، وانطلاقًا من مبدأ مصيبة قوم عند قوم فوائد، فقد أخذت القصيدة الشعبية واجب الشعر الحر، ( و القريض الذي ذاب فيه الجزء في الكل) المهمل عن قصد وترفع، لملامستها الواقع الإنساني فينا وقربها من واقع الإنسان البسيط المسحوق الذي حمّل الأدب الراية والرسالة للدفاع عنه...لقد خذله الأدباء.....!؟.. وعتب الوطن ثقيل ولسان حاله يقول جزى الله النوائب ألف خير فقد علمتني عدوي من صديقي.....لعن الله الغموض والسريالية، هم سرطان ينخر جسد الكلمة الطيبة.... والكلمة الطيبة صدقة.. !
والكل يدرك أن النقد عرّاب الأدب, والشرعنة الأدبية والتجنيس هما إدارة الأدب المنظّم، ربما سنمسك طرف الخيط ونمنع العصفور من الطيران، حين تلوح غيوم حبلى في الأفق، وظنوننا هي ممطرة لا محالة، سترشنا بمزن خير و رذاذ عافية، وهي تسوق الإصلاح بحركة صادقة وهيبة ووقار مخلص، هو محور الشرفاء المغناطيسي الذي سيجمع ذرات الأدب المتناثرة في محور اجتذاب منتج، فقد لاحظت من خلال قراءتي للواقع الأدبي أن مع انتشار اللون الأسود هناك ألوان أخرى, لوتكتّلت لمسحت السواد وحولته إلى لون جديد.... وسنمسح السواد وسنلحق من ضاع، ونعالج من مرض وبالله نستعين......
وحين ولدت الذرائعية بهذا المخاض العسير ونشرت أجنحتها لتطير, حاول أعداء النجاح إخماد صوتها في العراق فهربتُ بها اتجاه مصر الكنانة وفراش الأدب الوثير, فتحوا أبوابهم لاستقبالها, وكانت مؤسسة الكرمة الثقافية الأم الحنون لها فقد أعطتها الدفع الأول في التطبيق والانتشار، وطبع الكتاب الثالث الذي يضمّ آليتها بين جنباته من قبلهم ( الذرائعية في التطبيق ) ولاقى هذا الكتاب استحسانًا على أيديهم، حتى وصل صداه و صيته الهند و المغرب العربي الشقيق, ولاقت الذرائعية هناك نفس الاستقبال المصري, وفتحت لها في المغرب الشقيق مدرسة لتدريسها تسمى باسمها، لاحت من رحم ذلك المنهج العربي، أنواعًا جديدة من الأدب البيني، جميلة جدًا لكنها تحتاج شرعنة نقدية ونقاش وإليك منها:.....

I – الموقف أو القص المقالي

يمتاز هذا الجنس الأدبي الرصين بمعالجة القضايا الإنسانية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية وكل النواحي الأخرى التي تخص الفرد العربي ومعالجتها بشكل إنساني ووضعها تحت طاولة التحليل، يجمع هذا الجنس بين القص والمقالة وينضوي تحت نظرية الفن للفن و(الأدب للأدب) والفن للمجتمع بعمق أدبي وبانزياح نحو الرمز والخيال بدرجات عالية...

أولاً.أبعاد الموقف(القص) المقالي الجنسية
ابتكار: عبد الرزاق الغالبي

١يجمع بين المقالة والقص، وعناصر المقالة ثلاثة ( المقدمة و الموضوع والخاتمة ) يدخل هذا النوع بالمقدمة للموضوع الذي سيكون بشكل قصة قصيرة أو موقف يومي أو مثل شعبي، تكون نهايته حلا للموضوع الذي احتل الوسط....
٢مادام هذا الجنس الموسوم ب(الموقف المقالي) يقع بين المقالة والقص فهو يأخذ الشكل الفني للجنسين بشكل متداخل, فيحتوي على مقدمة مقالية من فقرة أو فقرتين يلمح بها للمشكلة التي ستطرح في في الوسط بشكل قصة تحتوي على ( صراع درامي، وعقدة، وانفراج أو حل ونهاية)...
٣يحتوي هذا الجنس على البناء الفني للقص بشخصية أو عدد من الشخصيات أحيانًا حقيقية وأخرى افتراضية لتكوين حدث يومي مرتكز موضوعه باتجاه معاناة الإنسان العربي داخل المجتمع....
٤كثيرًا ما يعتمد هذا الجنس على جريان المنولوج الداخلي
(stream of consciousness) وتشخصن محتويات العقل من ضمير ونفس وروح, وتلعب دور الشخصيات الأساسية في الموقف المقالي, وأحياناً يعطى دور افتراضي مهم للقلم كشخصية إفتراضية عاقلة.....
٥ يحتوي على البناء الجمالي كأي جنس أدبي آخر من العناصر الجمالية اللغوية والبلاغية وعلم الجمال بإنزياح عالي نحو الإيحاء والخيال والرمز ويعتمد على اسلوب الخطف الذي يمتاز بالوان الجمال الزاهية....

ثانياً: مثال تطبيقي على هذا الجنس البيني:
أما آل لمطرب حيّنا أن يُطرِب...!؟
(قص مقالي)
بقلم :عبد الرزاق عوده الغالبي

عجبٌ يملأُني ودهشةٌ عارمة تجتاحني، وأنا أرى آلاف الأطروحات تنام فوق الرفوف العربية وفي المكتبات ولا تصحو يومًا، وكأن الموت حتميةٌ كُتبت في مقدماتها، شكل هذا المشهدُ العنيف ثقلًا كبيرًا فوق جدران نفسي، فأنا فضولي بالطبع، ولّد عندي هذا الفضول دناءةً علمية لا توصف، يوجزها سؤال كبير، بدأ يكبر ويكبر، حتى ضاق صدري به، و زاد خوفي من أن ينفجر، جدفته خارجًا كي أرتاح، ولعلّي ألقى جوابًا شافيًا، أنا لا أخصّ ذاتًا بعينها، بل ظاهرةً خطيرة باتت هاجساً كبيرًا تهدد أصحاب الفكر المتّقد، ويلحّ ذلك المحتال المزعج، صديقي الحميم، هذا الضمير المتعب، كطفل أمام لعبة امتنعت والدته عن شرائها له، قال:
"لمٓ لا يسأل أحدٌ نيوتن عن المصادر حين سقطت التفاحة....ودارون حين حدد أصل الأجناس ...؟"
تلبّسني الصمت طويلًا حتى خلت أنني قد عجزت عن الإجابة، وكان ضميري يرقص فرحًا بهذا الصمت، فهو مشاغب و يتحداني دومًا، ومن صمتي الطويل، لاح له فشلي بالرد، فأقرّ الظّفر بالنصر بحتمية الصمت... نطقت أخيرًا، وانقطع حبل النصر والفرح معًا، قلت :
-"أخي، هؤلاء القوم يعملون بمبدأ الثقة بالنفس والثقة بالآخرين, وهو تبادل تعويضي مسنود الطرفين....عند الغرب يأخذون بيد الفاشل، حتى ينجح وبيد المتخلف حتى يتعلّم, أمّا نحن فندفع الناجح نحو الهاوية، وإذا لم يقع، نحفر في طريقه مئات الحفر، وندفعه دفعًا ليقع في إحداهن لنرتاح منه ومن نجاحه....!"
قال.... أوضح ...!...أضفت :
-"نحن العرب مدلّلون، والله حبانا بالخير الوفير، بطرنا بدلًا من الشكر، ونمنا في فراش الكسل الوثير بدلًا من السعي، واخترنا الجهل والتخلف, واعتبرناهما سلطة وسيادة, وقمنا نتقاتل فيهما وعليهما، وأيدٍ غريبة تغذي أوار نار التخلف فينا، وتأخذ زمام سلطة العلم والمعرفة، حتى صرنا لعبًا مشدودة بطرف خيط، يلعبون بنا كيف شاؤوا بهز الطرف الثاني من الخيط....!؟"
استحسن جوابي هذا الضمير المارق الوقح, وزادني أوارًا مدّعيًا بعدم الفهم، فصفّقت بيدي حنقًا وقلت :
-" ألا ترى أننا نحاسب الطالب حين يغش في قاعة الامتحان، ونمجّد الباحث على الغش في كتاباته العلمية, بلجان علمية من أعلى المستويات، و على المكشوف، يسألون الباحث عن دقة نسخه من المصادر الأمهات، التي تعب أصحابها في تأليفها، لينسخ منها ما يريد حرفيًّا, وبرقم الصفحة وبشكل مريح ومستريح دون عناء أو تعب، ولا يسألونه في الجديد الذي يبحث عنه, وماذا أضاف لتلك المصادر التي نسخها، حتى جاءت كل كتاباتنا وأطروحاتنا العلمية تكرارًا ممسوخًا لعدد الأصابع من مصادر قُرأت ملايين المرات، و تعوّد الناس أن يقرأوا الأصل وليس المنسوخ...وهذا عيب فينا, أن نسعى وراء الجاهز... وهكذا هو التخلف, يقلب المفاهيم والموازين... ،!؟"
سأل ضميري - بجديّة تلك المرة- حين أخذه جوابي بعيدًا :
-" لمٓ لا يسألون الباحث عن الأشياء الجديدة التي يتوجب أن يبحث عنها، وماهي اكتشافاته التي سيستفيد منها المجتمع من هذا البحث، أليس الباحث من يبحث عن الشيء المفقود ، ليأتي بالجديد.....!؟"
قلت :
-" لا...أبدًا.....!؟....هم يبحثون عن أسماء أجنبية يتضمّنها البحث ... أن يذكر الباحث اسمًا أجنبيًّا، ويقول قال فلان الإنكليزي أو الأمريكي، ولا يهم حتى وإن كان فلان هذا بوابًا على باب عمارة....وإن شدّدوا بقوةٍ الأسئلة, سيسألون عن الأخطاء الإملائية أو النحوية, ويتركون المعرفة والاكتشافات جانبًا....ويدخلون الباحث بمسالك دينية ولغوية لا يعرفها، وكأن البحوث لغة فقط....!؟"
ضحك من طرافة هذا التخريج، وحاول ضميري المارق، أن يردّه علي، فمنعته من ذلك، أن طرقت باب مخيلتي قصة قصيرة....سردتها له باقتضاب كبديل للجدل:
-" أذكر في أحد مهرجاناتنا السنوية العلمية التربوية، قدّم أحد زملائي المشرفين وهو تربوي راقٍ، بحثًا عن تجربة المشرف التربوي ميدانيًّا، فتحدّث الرجل عن وقائع ومشاهد ومشاهدات ميدانية أمام اللجنة والحضور المزدحم في قاعة المناقشة، وكان عرض هذا الرجل العلمي قد أثلج صدور الحضور من التربويين وأولياء أمور الطلبة، وبعد انتهائه من حديثه الذي قوبل بالإعجاب والتصفيق الحار من الحاضرين، جاء رد لجنة التقييم صادماً على لسان الدكتور فلان ....رئيس اللجنة...!؟
-" يُردُّ البحث، لكونه يخلو من المصادر....!!؟؟"
صمتت القاعة وفغرت الأفواه لهذا القرار العجيب، استأذنت و قلت:
وهل سأل أحدهم أديسون عن مصادره يوم صنع المصباح....؟!؟"
صمت ضميري واحمر وجهه غضباً وقال:
-" هذا ما يحدث فعلًا، إن كانت السلطة عمياء ويحكمها متخلف كسول....!؟"
فقلت بيأس و اكتئاب:
-" إلى متى .....!؟"
وسردت له تلك الحكاية، لأهدّئ من روعه واكتئابه:
-" أتذكر، من قبل ولا يزال، لكل قرية رجل دين(ملّه) يعلّم أولادنا القراءة والكتابة ويقوم بالآذان لمواقيت الصلاة والشؤون الدينية الأخرى، وكان يعاقبنا بعقوبة الفلقة إذا لم ندرس جيّدًا....!؟"
هزّ ضميري رأسه بالإيجاب، وكأنه يستعجلني الكلام، استأنفت:
-" مرة، عاقب هذا الرجل ابن شيخ القرية لكونه لا يدرس جيدًا، فذهب الولد باكيًا لأمه يشكو لها عقاب (الملّه)، استهجنت الأم هذا الفعل، واعتبرت المسألة تحدّ سافر لسلطة الشيخ و زوجته، وطلبت من الشيخ طرد (الملّه) من القرية في الحال....احتار الشيخ في الأمر، لأن الرجل لم يفعل شيئًا خارجًا عن حد المعقول، يستحق الطرد ...
بدأ الشيخ يفكر في المسألة، حتى اهتدى نحو فكرة، أن يختبر (الملّه) أمام أهل القرية، فإن فشل في هذا الاختبار يطرد، وإن نجح يفكر بأخرى للخلاص منه، أمر الشيخ باجتماع أهل القرية، و أمامهم طلب من (الملّه) أن يكتب كلمة (أفعى) على
الرمل بعصاه، فكتب الرجل(أ-ف-ع-ى) بهجاء وإملاء مضبوطين، فأخذ الشيخ العصا من يده وناولها لولدة وأمره نفس الأمر، فرسم الولد أفعى كاملة برأس وجسد وذيل، ضحك الشيخ فرحاً بانتصاره, وشاركه أهل القرية الضحك، طلب الشيخ من أهل القرية الأمّيين، الحكم بين أفعى (الملّه) وأفعى ابن الشيخ....ضحك ضميري وقد فهم المقصود وقال:
-"يا الله ...!...هكذا نحن دومًا، نولد أطفالًا تحكمنا الغرائز، ونشبّ ونشيب على هذا، وحين تسلب منا الروح، لا يبقى لنا من أثر وذكر، لأنّنا لا نفعل شيئًا في ذات الدنيا، غير التقليد و الاستهلاك، فنحن سواح فيها نتمتّع ونتفرّج ونأكل ونشرب ونقلّد فقط... سيُطرَد كل ذي علم، يزعج ذا سلطة، ليغنّي مطربنا بصوت مبحوح....!؟!"

ثالثاً :شرعنة الجنس من قبل لجنة اقرار الدراسات في حركة التصحيح والتجديد والإبتكار
في الأدب العربي

لجنة إقرار الدراسات

١الدكتور محمود حسن............مصر
2-الدكتور فوزي الطائي......... ..العراق
3-الدكتورة رانيا الوردي......... ..مصر
4-الدكتورة ليلى الخفاجي............العراق
5-الدكتور عمارة ابراهيم........... مصر
6- الدكتورة عبير خالد يحيي.......سوريا


آراء أعضاء لجنة إقرار الدراسات والبحوث :

 - رأي دكتورة ليلى الخفاجي السامرائي- العراق

شكرا لثقتكم العالية ،أنا أتشرف بوجودي مع لجنة العلوم والدراسات, ستكون دراستي بين أيديكم بخصوص الدراسة المقدمة من حركة التصحيح والتجديد والابتكار للارتقاء بالأدب إلى المستوى الأمثل, والحفاظ على التراث الأدبي الرصين والنهضة الأدبية والفكرية والإنسانية التي تبنّتها تلك الحركة، لابدّ من وقفة جادة أمام ما يطرح من آراء ومستجدات تخدم الأدب وترتقي به إلى مصاف الفنون الأخرى, وأمام ما قدّمتم من مشروعكم الأدبي بالوقوف على جنس جديد له أهميته في منعطفات الأدب...ولابد للأدب أن يبقي أبوابه مشرعة ليؤتى بما هو جديد وناضج فكريًّا وأدبيًّا وإنسانيًّا, وقد صارت وظيفة الفن فتح الأبواب المغلقة كما يقول (أرنست فيشر):" لولوج الأبواب المفتوحة في هذه الحالة نحتاج إلى دراسة رصينة معمّقة لكي نكون على دراية ومعرفة بما نعمل, ولئلا تكون الأمور هلامية الشكل والرؤيا" ،عند قراءتي للمقال المقدّم لفت نظري العنوان المطروح للجنس الأدبي الجديد ألا وهو الموقف المقالي والمعروف بالمقال القصصي Narrative Essay نوع من النثر غير التخيّلي يشترك مع الرسالة والحديث والأقصوصة, وربما المسرحية, وينتمي إلى خطاب الضمير والموازنة بين ما هو سلبي وإيجابي, وكانت لحظة نشوئه عند (مونتانيه) في القرن السادس عشر, ونحن بصدد مشروعنا الجديد يجب أن نحدد السمات التي تميّزه عن المقال القصصي الموجود أصلًا من خلال قراءتي للنصوص المقدمة والتي أطلق عليها بالموقف المقالي وهو جنس يجمع بين الأقصوصة والمقالة في محاولة لكسر الحدود الفاصلة بين النوعين كما حاولت قصيدة النثر كسر الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر, والخروج بنوع واحد هجين يأخذ من المقالة قصرها ووحدة موضوعها وبدايتها ونهايتها, ومن الأقصوصة السرد والشكل الفني والمضمون الاجتماعي ...

ولو أطلقنا عليه القص المقالي لكان أقرب وأولى بالتسمية, وأقرب إلى صحتها كما يجب أن تشتق التسمية من الجنسين لاستخلاص اسم خاص للنوع الهجين الذي نحن بصدده, فكلمة الموقف في اللغة والاصطلاح كما أوردتها معاجم اللغة العربية هي محل الوقوف والرأي والحكم وكشف عن النية والقصد وما يظهر من ميل واستعداد إزاء شخص أو شيء, وفي اللغة الانكليزية Attitudeمفهوم افتراضي يمثل حكم الشخص على شيء أعجبه أو أبدى كرهه له, وهذا المعنى يتنافى مع الهدف.. وأرى أن يطلق عليه (القص المقالي) من باب أولى, وبهذا يكون قد اختزل التسمية من النوعين ليكون أكثر وضوحًا...
وأصدق تسمية ومن خلال قراءتي للنصوص المقدمة وجدت أن الموقف المقالي يعبر عن واقع المجتمع وصراعاته المريرة, وبهذا تكون قد جسّدت مفهوم الفن للمجتمع, وتتجلّى روعة النصوص بتضافر القيمة الجمالية مع القيمة الاجتماعية ليصبح للعمل الأدبي هدفًا وتأثيرًا, لا أن ينغلق على ذاته, والجمع بين المفهومين في عمل أدبي واحد يعطي للعمل قيمة أسمى, القيمة الجمالية كما جسدها مفهوم الفن للفن, والقيمة الاجتماعية كما جسدها مفهوم الفن للمجتمع, ويخرج العمل من حالة الانغلاق على الذات والارتقاء به نحو الهدف والتأثير, دام مشروعكم الهادف إلى نهضة جديدة ..كلنا معكم في استحداث أجناس جديدة وبمسميات تهدف إلى تطوير الأدب والارتقاء به, وكسر حالة الجمود إلى حالة أكثر تألقًا وإبداعاً, دمتم مبدعين تتحفون الأدب بما هو خلاق ومفيد.

لكم مودتي وتقديري

 -رأي الدكتور فوزي الطائي - العراق
أساتذتي المبدعون الأفذاد.... السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته, إني فرغت للتو من قراءة مقدمة الموقف المقالي والنموذجين الملحقين بها.......
نعم إنّه جنس أدبي جديد مبتكر, ومولّد من قران المقالة بالنص السردي القصصي..... ممتع وشائق..... بلاغة المقال ترفعه إلى ذروة الأدب, والمعالجة السردية للأحداث تجعل منه نصًّا حافلًا بالحياة, مكتسبًا صيرورة وجوده لأنه يصبّ في أعماق مشكلاتنا السياسية والثقافية بشكل خاص, وبأسلوب أدبي متين, يحاكي لغة التراث, ويستمد مقوماته من تاريخنا وحضارتنا... فهو يوفّر عناصر الإقناع للقارئ والسامع معًا... وقد ابتعدت بتفكيري للربط بينه وبين المقامة الأدبية التي ازدهرت في العصر العباسي فلم أجد مشابهة إلّا في شيوع طابع السخرية بينهما من دون تطابق في المحتوى والمبنى وتعدّد الأغراض ... رفع الله بكم شأن أمتنا وأدامكم قادة للفكر والأدب ... هذه لمحة بسيطة متواضعة خجولة تقف على باب إبداعكم الكبير.

 -رأي الدكتورة رانيا الوردي- مصر
يتضمن هذا المقال تقريرًا مقدمًا عن المقال الذي يحمل عنوان " موقف النقد من الأدب والأديب " والمقدم من أ . عبد الرزاق عوده الغالبي .
المتأمل للمقال الخاص بالأستاذ عبد الرزاق, يتضح لديه كيف تعرّض أستاذ عبد الرزاق من خلال هذا المقال إلى موضوع شديد الأهمية في الوقت الراهن, ألا وهو دور الأدب والأدباء في إعادة بناء العقلية الثقافية للإنسان العربي والمجتمعات العربية. وأستاذ عبد الرزاق – كما هو واضح في المقال – ليس ضدّ التجديد في نطاق الأدب ولاسيما الأشكال الأدبية, بل أنه يدعم كل جديد من شأنه توظيف الأدب والأشكال الأدبية لدعم إعادة بناء العقلية الثقافية للإنسان العربي والمجتمعات العربية, لكن أ. عبد الرزاق ضد التجديد الذي من شأنه أن يكتفي بوصف حالة اللاوعي والتوهان في الوطن العربي دون التطرق إلى الحلول, التي من شأنها استعادة حالة الوعي ومن ثم التمسك بالهوية الثقافية العربية مع الانفتاح المستنير للتجديد, وقد طرح سيادته أحد الأمثلة الأدبية, والذي يتجسّد في الأدب السريالي, الذي يعبّر من وجهة نظره عن التجديد في عصور الحداثة وما بعد الحداثة, لكنه لا يسهم بوجوده في عبور تحديات وأزمات الإنسان العربي والمجتمعات العربية, لكنه يسهم في زيادة حجم هذه التحديات والأزمات .وفي مقابل الأدب السريالي, الذي تطرق إليه أ. عبد الرزاق بالنقد اللاذع , طرح أ. عبد الرزاق أجناس أدبية حديثة على الأدب العربي , تستمد حداثتها فقط من البنية الأدبية لهذه الأشكال الأدبية, ولكن من خلال توظيفها لإعادة بناء إنسان عربي ومجتمعات عربية. وتتمثل هذه الأشكال الأدبية في الموقف المقالي .

وقد تطرق أ. عبد الرزاق إلى توضيح هذا الجنس الأدبي الحديث على الوطن العربي من خلال إيضاحه للبنية الداخلية لهذا الشكل الأدبي. ولم يقتصر الأمر على توضيح البناء الداخلي لهذا الشكل الأدبي ولكنه امتد ليشمل الأساليب اللغوية بل والبلاغية المستخدمة . ولم يكتف أستاذ عبد الرزاق على توصيف هذا الشكل الأدبي, بل طرح عدد 2 مثال حي ومكتوب لهذا النوع من الأجناس الأدبية, لكي يثبت في أذهان الأدباء كيف يمكن من خلال التجديد والتحديث في الأشكال الأدبية توظيف الأدب في إعادة بناء العقلية الثقافية للإنسان العربي والمجتمعات العربية .
إن المقال بصورته الإجمالية يوضح انشغال كاتبه بهموم ومشاكل المواطن العربي والمجتمعات العربية ولكن يوضح في ذات الوقت الفكر الإبداعي المستنير لصاحبه , الذي يقوده إلى التجديد والتحديث بما يدعم إثراء الأدب العربي وإثراء وظيفته وبما يخدم في النهاية إعادة بناء العقلية الثقافية للإنسان العربي والمجتمعات العربية. وفق الله عز وجل الأدباء العرب في تحقيق هذه الأهداف المنشودة .

 -رأي الدكتورة عبير خالد يحيى- سوريا
وبعد قراءتي العميقة للأمثلة التي أوردها الأستاذ عبد الرزاق, ومرافقتي له بالعمل لمدة ثلاث سنوات, ليس خافيًا على أحد أنني كنت وما زلت وسأبقى معجبة بأسلوبه جدًّا, إلى حد من التعلق أنني كنت أعيد قراءته مفردة مفردة، وسألته مرارًا عن الغرابة التي تحفّ كتاباته للقص القصير, والجمالية التي يكتب بها، ولم أكن أدري أنه يكتب بجنس جديد، لكن كان عندي إحساس يقترب من اليقين أنه يكتب شيئًا مختلفًا, لا يشبه المألوف, فقد كان التنظير والابتكار بعيدًا عن مخيلة الإنسان العربي، وحين كلفني بمراجعة مجموعاته القصصية الثلاث لغويًّا لكونه يكره الهمزة ويخطئ بها أحيانًا، وبعد انتهائي من تلك المراجعة لتلك المجموعات، التي طُبع منها اثنان هذا العام والعام الماضي وهم:/سنوات العمر الهاربة/عن دار نشر: بيت الكتاب السومري في شارع المتنبي ببغداد، وعن نفس الدار صدرت المجموعة الثانية /أجنحة المعاني/ التي كان لي شرف التقديم لها, سألته مرارًا عن التشويق الذي يتخلّل تلك النصوص فقال لي:" هذا جنس جديد، اسمه (الموقف المقالي )ابتكرته وكتبت فيه تلك المجموعتين وستلحق به المجموعة الثالثة هي الآن تحت الطبع و الموسومة ب/خيانة كلب/". عندها أصابتني الدهشة, ولمته لأنه لم يخبرني بذلك وأنا أكتب دراسة ذرائعية لنصه ( وهل تغتال البراءة ) ولم أكن قد وجدت تناصًّا مع أي نصوص أخرى لأدباء غيره, وهذا دليل أن هذا الجنس جديد, واشتركت به بمسابقة اتحاد الأدباء الدولي مركزه أمريكا, وفزت فيه بمركز ثان, كنت محتارة في تجنيس النص, فلا هو قصة قصيرة بحتة, ولا هو مقال, بل مزيج رائع بينهما, بأسلوب ساحر اعتدته من أستاذي, اقترحت عليه أن نطبع تلك المجموعات في مصر، وحاولت مساعدته في ذلك لكن وقفنا أمام عائق أن الكتب لا تصل العراق بسبب انتفاء التعاون الثقافي بين البلدين، لذلك فإن الجنس الرائع قد ولد على يدي منذ ثلاث سنوات، وقد كان هذا الرجل يبحث عن جهة أدبية لشرعنة إصدراته التي تحمل ذلك الجنس- وسأخبركم سرًا -الحقيقة أن هناك المزيد من الأجناس المبتكرة- فلم يجد تلك الجهة، حتى افتتح حركة التصحيح والتجديد والابتكار بالتعاون مع مؤسسة الكرمة الثقافية في مصر ورئيس مجلس الأمناء فيها الدكتور محمود حسن, بعد الانتهاء من نظريته النقدية الذرائعية، والتي كان لي شرف المشاركة بتطبيقها عمليًّا, والحمد لله أنّ النظرية تم إقرارها من قبل مركز الحرف التابع لجامعة ستراتفورد الأمريكية بالهند, كما تم طبعها ورقيًّا في الكتاب الموسوم/ الذرائعية في التطبيق/ تحت رعاية مؤسسة الكرمة في مصر...

ويبدو أنه قد آن الأوان لإطلاق التنظير الأدبي لأجناس جديدة, قدّر أستاذي أن الوضع مناسب وملائم لطرحها على اللجنة الموقرة لإقرارها أجناسًا أدبية جديدة, وأعتقد أن سروره لا يزيد عن سروري بذلك, لقد حلمنا طوال سنوات ثلاث -هي عمرنا التعارفي- بأن نصل إلى تلك النتيجة, والحمد لله كلّل الله جهودنا الكبيرة خلال تلك الفترة بالنجاح, وكلّي ثقة بأن كل عربي محب للأدب الرصين سيكون بانتظار هذا الجنس الجديد ليبدأ الكتابة فيه, لأنه جنس يلتصق بواقعنا الحالي و لأنه جنس يفوق الجمال نفسه...

عبير خالد يحيي

 -رأي الدكتور عمارة إبراهيم- مصر
بعد الإطلاع على ملف " الموقف المقالي الجديد "، وعلى "ديباجته" بدقة شديدة ، ومعايشتي لحال الأمثلة الإبداعية التي دلل بها ..
تأكّد لي أن الإبداع في أشكاله المتعددة، لابد وأن يكون له تفرّده الذي لا يقف عند حدود كاتب واحد، أو نص إبداعي واحد، من خلال خصوصية النص، وخصوصية النص هذه، الركن الرئيس فيها، هو حال النص، أو ما يسمي بالوحدة الموضوعية للنص .
هذا الحال هو قاطرة الجماليات المتعددة التي ينتجها النص الإبداعي المتفرد بالخصوصية، ومنتج فعلها المتحرك، وأيضا فعلها الساكن، كما أنه الذي حدد زمان فعله، ومكانه. بل ويحدد إيقاعًا داخليًّا متواترًا، وبالطبع يستدعي إيقاعًا خليليًّا في كتابة القصيدة الخليلية، أو قصيدة التفعيلة، أو القصيدة الحرة متعددة التفعيلات ذات الإيقاع المجاني، ويتوافق مع كل المعطيات الجمالية التي ذكرتها، ليؤكد علي خصوصية النص الإبداعي للكاتب، كما يحدّد خصوصية النص عن الآخر، لنفس الكاتب، بل يحلق النص في فضاءات حاله، إلى إنتاج لغته التي يستند فيها إلي هذه الخصوصية، بل ويزيد عن ذلك كله، أن يرسم بناء معماريًّا للنص يختلف باختلاف حالته، ولو قمت بإحالة هذه التأكيدات التي سقتها في بياني ببعض الأمثلة من النصوص الأدبية التي أمامي كشاهد علمي، يرفع من سقف الدراسة الذرائعية لأي نص إبداعي متفرد، وأبدأ بالنص القرآني المعجزة، حيث نجد كل سورة قرآنية تتجه بوصلتها من لغة الحال المعجزة، ولأن القرآن هو نص رباني، لن يستطيع مخلوق علي وجه الأرض أن ينتج حتى نصًا موازيًا له، هو وحده الذي بناه وأحسن بنيانه، منه التشريع، ومنه القصص والسير، ومنه العلم النافع للبشر، ومنه كل مايخدم فعل البشرية علي الأرض، ليؤكد أن لغة الحال هي المنتجة لكل ذرائع وحدات الجمال في كل سورة قرآنية من القرآن، معجزة الله لخلقه.
ولو وقفت أمام أعمال صلاح عبد الصبور الشعرية، أو بدر شاكر السياب، أو أحمد عبدالمعطي، محمد الشهاوي، محمود حسن، عمارة إبراهيم، وغيرهم الكثير من كتاب نصوص الحال، لوجدت أن هذه الكتابات، تتوافق كليًّا مع ما عرج إلى إثباته الدكتور عبد الرزاق وفريق العمل المصاحب، في الذرائعية الحالية التي ترسّخ لقيم جمالية إضافية تساهم في تحقيق إضافات إنسانية مهمة، تساهم في رقي البشرية، وتحول الكتابة الإبداعية إلي فضاءات واسعة جديدة، ومن خلال ما ذكرت فإن ماكتبه د. عبد الرزاق وفريق بحثه هو جنس أدبي جديد, ويعد إضافة علمية مهمة..

الشاعر عمارة إبراهيم، مصر العربية.

 -رأي الدكتور محمود حسن- مصر

الانعتاق من لذَّةِ اللغة

كثيرون من محبي اللغة العربية ومجيديها وأصحاب النبرة العالية فى الحديث بها حَجَّموا الإبداع فى الفخيم منها، وربطوا ذلك بضرورة التقوقع فى القالب اللغوي تارة، وفى القالب الموسيقى تارة أخرى، ورفضوا حتى مجرد التفكير فى الخروج خارج حدود هذه الغرفة، حتى وإن كان الظرف الأدبي أو الحياتي غير محتاج لهذه الفخامة وهذا الجرس، فانغلقوا على أنفسهم وأغلقوا أبوابًا عدة كان من اليسير أن يَلِجُوها، فاتحين بها آفاقا ومنعطفاتٍ وعصفاً في سبيل خدمة الفكرة، وكان محصلة ذلك أنهم أضرَّوا وأضيروا .

وكثيرون أيضًا هم الذين لم ينفتحوا على اللغة الفخمة، فتبسّطوا حدّ الخلل، وراحوا يبنون إبداعهم بشيء من يسير اللغة ومحدودية الإتقان، وانتفاء الجرس والموسيقى، أو حتى مجرد الإيقاع الداخلى والخارجى، والتبسّط ربما عن عدم قدرة معرفية أو ربما عن عداء ( نعم عداء ) للغة وهم كُثْر ، فقدموا إبداعًا أو كتاباتٍ هشَّةً وهؤلاء غالبًا ما وقعوا فى التكرار الهش، كما وقع أصحاب الفريق الأول فى التكرار الفخيم، وكلاهما أضرَّ وأضير .

أما الذين تعاملوا مع اللغة على أنها الأداة، والبوصلة، والدَّفةُ، وقصَّاص الأثر، وعجلة القيادة، التى يصلون به إلى الهدف الأخير، وعلموا أيضاً أن الإطار ( الكاوتشوك ) ليس هو الذى يحمل السيارة, بل الهواء الذى يملأ هذا الإطار، هؤلاء استطاعوا أن يمتطوا فرس اللغة إلى حيث الهدف مباشرة، فكانوا أسرع وصولًا، وأصدق عاطفة، وأعظم احتكاكًا وتوهجًا، ولمَّسوا مع الواقع المعاش والإنساني الآني دون أن ينفصل المتلقّي عنهم، ودون أن ينفصلوا هم عن المتلقّي، بل واستطاعوا أن يخلقوا كيمياءَ متجانسةً بينهم وبين المجتمع وقضاياه، فتفردوا، وتجاوزوا، وأصَّلوا، وقادوا، وصارت لهم وبهم مدارس جديدة، بل ومفرداتٌ تُصكُّ باسمهم، وتعدد الأجناس الأدبية ربما يكون هو الشي الأهم في الإبقاء على اللغة، وتناميها، وتحديث ال software الخاص بها " إن جاز التعبير "ومحاولة المبدعين السفر على ومن خلال اللغة، لعوالم أخرى رحبة، تخدم الذوق وتعرِّجُ على الهم الإنساني، هي محاولات محمودة... بل لا أكون متجاوزًا إذا قلت هي فرضٌ على كل مبدع, حتى أنك تستطيع أن ترى تماسًّا كبيرًا بين الشاغل الذى يسيطر على المبدعين واحدًا، وإن اختلف الزمان والمكان، فتجد الأستاذ الغالبي مثلا يقول:

لم لا يسأل أحد نيوتن عن المصادر حين سقطت التفاحة ...
ودارون حين حدد أصل الأجناس....؟ ثم يقول :
وهل سأل أحدهم أديسون عن مصادره يوم صنع مصباح الكهرباء...؟

تجد هذا الشاغل في البحث والتنقيب حول الأشياء وجذورها ونقطة انطلاقها يسيطر على الكثيرين كما يقول الشاعر عبد الحكم العلامي في ديوان ( رطب الصيف )
هكذا ولم يكن دارون أصلًا
صاحب الورقة الأولى
فى نظرية النشوء والترقّي
وهكذا ..
والأنموذج الذى بين أديبنا، للكاتب والناقد العراقي الأستاذ عبد الرزَّاق الغالبي، هو نوع مستحب وجدت فيه حرَفيّةً فى الكتابة، ومعالجة لموضوعات إنسانية، خارج المباشرة والتقريرية، ودون الإغراق فى الغموض والرمزية المتحجّرة، وفى أسلوب حركي ودينامي متطور.أجدني ما بين تركيبة من مقال، وحوار، وقصة وسرد، مما أحال ذهنيّتي لما يسمى ( الفيلم التسجيلي ) الذى يبدأ بمقدمة على شكل مقال ثم القصة التي يلج إليها فريق العمل ( وهذا بالطبع ليس فى كل الأفلام التسجيلية ) .

وللأمانة، ولأننا لجنة تضمّ قامات كبيرة ومؤثرة، فى المشهد الثقافي العربي, ولابد أن يكون لنا من المصداقية ما يجعل أراءنا محل ثقة المبدعين، والأكاديميين، والجهات العلمية، فلابد أن يخرج من تحت يدنا ما يأخذه المهتمون بالشأن الأدبي مأخذا مهمًا، ولافتًا وجديدًا، ومؤطّرًا، ومؤثّقًا، ومدروسًا، دراسة تامة . لذا أرى أن هذا الجنس قد تعرض له الكثيرون على مدار المشهد الأدبي العربي بدءًا بالمقامة والمقال وما سمى بقصيدة النثر ( التي طوّعت الكتابة شبه الشعرية لتستوعب القص) وأيضا القصة القصيرة بما يتضمنه الأنموذج " إن صحّ الوصف " من صراع وحبكة وعقدة وحل .

ولكن الجديد هنا هو هذه التوليفة الجديدة .

لذا أرى أنه وللأمانة العلمية ( مع كامل الاحترام لهذه التجربة الرائدة ) التى أطلق عليها صاحبها الكريم الأستاذ الغالبي " الموقف المقالي " أن يسمى هذا ( مُجنَّس أدبى جديد ) أو ( جنس أدبى بَيْني) مع خالص الأمنيات لكاتبنا المبدع الأستاذ عبد الرزاق عودة الغالبي وللأسرة العمل الكبيرة بدوام التوفيق.....

محمود حسن
القاهرة ٢٢ يونيو ٢٠١٧ م

رابعاً: خارطة الجنس البيني (القص المقالي)







II – المقطوعة السردية
ابتكار
عبد الرزاق عودة الغالبي

أولاً:الحدود الجنسية للمقطوعة السردية :

1.الاسم : ارتأيت أن يكون اسم هذا الجنس المقطوعة أو المقطوعة السردية, لكونه مقطوعة متماسكة سرديًّا من حيث تعشيق المفردات بشكل جمالي يبرز صورًا متلاحقة .
2.أُخذ هذا الجنس كفرع مستقل من القص القصير, باختلاف بنائي, حيث أنّه يجمع بين الخاطرة والقص القصير المكثف .
3.يختفي في هذا الجنس البناء الفني, ويكون اختفاؤه متعمَّدًا, حيث يذوب بشكل مُعشَّق بين جمل النص.
4.يمتاز هذا الجنس بتوالد متتالٍ للصور الجمالية والمعاني والأفكار بمجرى منسّق مدروس. ليعوض عن البناء الفني المرسوم بالحدث والشخصيات ، فيرسم حدثه بالمفردات بديلأ جمالياً...
5.يمتاز هذا الجنس بارتفاع نسبي للبناء الجمالي, حيث يصل إلى نسبة %90 وأكثر بانزياح نحو الخيال والرمز.
6.يعتمد هذا الجنس على التعبير المفرداتي(الكلامي) والمقصد التجرّد أكثر من التعبيرعن طريق(الشخصيات), بل تفهم الشخصنة من خلال صراع شفيف يظهره الجريان المنتظم الداخلي في ذهن الكاتب Stream of consciousness. أو المسلك الحواري الظاهري(Dialogue) والمخبوءInterior Manlogue ....
7.يعتمد هذا الجنس على مطلع مقالي ينضوي تحت نظرية ( الأدب للأدب), أي تقوم المفردات بواجب الصراع المفترض فوق ديباجة النص بشكل مخبوء وظاهر شفيف, وتُحسب كأنها صراع درامي بين شخصيات مفترضة.

ثانياً: مثال تطبيقي على المقطوعة السردية:
ابتكار : عبد الرزاق الغالبي

تــيه في عينيها ...(مقطوعة سردية)
بقلم :عبد الرزاق عوده الغالبي
تسنّم الليل هامتها عباءةً، جاهدًا في إخفاء ما أبدع الله، وما يؤسر النفس يناظر المألوف بحتمية الجمال ووقاحة العشق, و يبرز من وراء العتمة قسراً شماتة بخيبة الليل وعجزه حين أعلن انكساره عن إخفاء النور, رغم ركوبه العناد حصانًا والهواء سيفاً والحب جهاداً, ومع ذلك كله أخذ شهيداً حين غرة وأريق إحساسه بين محراب عينيها اليابانيتين المتشاطئتين، يتنمّر الريح وتستأسد الأشجار لكي تطرد بقسوة وخباثة ليل العباءة الرابض فوق قيم الجمال، ولو عن جزء من قمرها المبدر حتى تضيء الدنيا وتنكشف الأسرار، ويتسارع العشاق بالنفور والاختباء, كل خلف قفاه أو أصبعه... وهذا لؤم يستيقظ ليساند الخبث والوشاية والشماتة....يقال - والعهدة على الراوي- القمر، بجلالة قدره، واشٍ و نمام ولئيم وشامت حين يكشف خبايا ليل العشاق بنوره، وأكثرهم يفضله هلالاً أو ينحسر.....؟!
تتحرك غيمة بيضاء بغنج و دلال وهي تلاطف الضوء كي تخفي ما بان منه في زرقة السماء الصافية, ويفرض برادوكس الألوان انتصاره البهي، حتى يأخذ الهوس مكانه من الصراع المبتّل بندى الزهور وعبق الفجر المتحرك نحو الصباح, بحركة توّاقة متسارعة شوقاً إلى خيوط الشمس التي تهمّ بالنهوض من رقادها متكاسلة وهي تتثاءب بنحول، تستبشر الزهورُ والأوراقُ استهلالَ الخيرِ كي يمنحها فسحةً كافية لترتدي أطواق الجمال الرباني القادم من وجنتيها تحت تجوال خيوط الشمس الذهبية, وأسمح لوقاحتي بمهادنةِ الموقف, وأنسلّ بهدوء خلف أخيلتي أمرِّغ مقلي في ثرائها الثر, وأكتوي بنارها المثلجة، الكامنة تحت الرماد، أرفع رأسي في أفق السحر لأستوضح ما يحدث, وأجد نفسي سابحاً في أديمه وغيوم الأحاسيس المتناثرة هنا وهناك, وأتحرك بأثيرها وكأنّ أجنحة تأبطت خواصري وحملتني طائرًا نحو احمرار الشفق حين بان, وكأنه سيف تعب قد عاد من حرب ضروس خاسرة, وهو يتستّر بغمده كي يخفي نار الهزيمة وعار الفشل.....
و يطوّق كلَّ شيء حمرةٌ تعاند الشفاه لثغر عروس لا تحسن التبرج...!...هي...
مضغةٌ من بريق تنعكس من وجهها البدري تجاري الشمس بهاءاَ تدفعني بقوة نحو قدرة الخالق في خلقه هذا المخلوق, وأنا أتمتم وأهمهم دون شعور:
–" يا لخالقها من مهندس ماهر.....!؟"
وتداخلت الأفكار في مخيلتي المثقلة, وبدأت تتصارع وتماطل بعضها البعض حتى أصبحتْ عبئاً ثقيلاً على عقلي, حين استعرضتُ كل حقد الدنيا وكأنّ ثأرًا بين أفكاري وأحلامي اليقظة.... أظنّ بسوسًا كونية قد استوت على مسالك الموقف واستولت على نواصي الأحاسيس ودقّت إسفينًا بين الوعي والخيال, كي أبقى شارداً كما أنا، حتى لاح في أفق فكري هِنّة من ضياع بين شتات نفسي المبعثرة حين داعبت نسمة عابرة أذني, ولفح عبقها الأسطوري أنفي, فتهت قليلاً بين أثير العبق ونعومة النسيم ونسيت بسوسي قليلًا ... و صحوت من غفلتي...! بحثت عن نفسي الضائعة، إبرة تحت بيدر قش عثرت عليها، آخر نفس، غارقة في فوضى عارمة من الانبهار .... بدأت أتلفت حولي كمجنون تائه...أتساءل بغباوة وتيه :
-" من أنا.... أين أنا ...!؟"
وخرس اللسان ونضبت الأجوبة بغيابي أنا ....أنا ليس أنا، أنا لست هناك...! حتى وإن كنت، كتلة من حواس غارقة في أديم السحر، بعيدة عن الوعي تماماً، منشغل بطوفان الألوان والعبق الذي يغطي الأرجاء...! ...
أثير لا يشبه الواقع ولا الخيال...شيء غريب يخطو قليلاً نحو النشوة والتلذذ، أخال نفسي تارة وهي تمصمص أصابعي وأخرى شفتي.....!...تمنيت بعمق ودناءة بشرية أن تطول غفلتي تلك وأنفلت كلياً من زمام اليقظة، حين سحبتني هذه المرة وبقوة موجات الطوفان نحو الوعي الكامل, و عنّفتني جميع أعضائي بشدة ... إلّا حواسي اللعينة فلا تزال تسبح بالنشوى والخيال بعهر ووقاحة آدمية...!؟
خجلت أن لمحت أعضائي وشتات أفكاري و حتى ضميري المزعج, وهي تنظر نحوي بعيون تكاد تفرّ من محاجرها، وجوه تملؤها علامات الاستفهام والترقب, فجمعت أوصال شتاتي وأجزاء شجاعتي الإنسانية المبعثرة فوق جدران وباحات مخيلتي، أصبو العودة نحو هيبتي لكي أصحو من طمعي الدنيوي هذا، بدأت حواسي تستيقظ وتتسارع وتحث بعضها البعض على النهوض تحت ضربات أعضائي المتناثرة, والتي لا تزال تحت ثقل التأثير السحري، تقدمتُ خطوات نحوها وأنا أضع كفي أمام وجهي لأستر قليلًا شدة الضوء القادم من شمس محياها المشرق, وعيناي نصف مفتوحة فهي لا تقوى على مجاراة النور الصاخب القادم من شعلتيها بجسارة، ارتطمت قدمي بشيء منها فأدركت أنّي في دائرة الخطر حين دق ناقوس الوصول وهتفت جميع حواسي بالانتصار .....مددت يدي حتى لامست أصابعي حريرًا وبدء السحر يسري في جسدي تيارًا مكهربًا، صُعِقتُ، وانزلق الواقع مني من جديد...!

ثالثاً: لجنة إقرار الدراسات والبحوث التابعة لحركة التصحيح والتجديد والإبتكار في الأدب العربي لشرعنة جنس المقطوعة السردية
ابتكار: عبد الرزاق الغالبي
برآسة الأستاذ عبد الرحمن الصوفي

1-الكتورة كريمة رحالي ............ المغرب
2-الأستاذ عبد الرحمن الصوفي... المغرب
3-الأستاذة ناديا صمدي............. المغرب
4-الأستاذ محمد الطايع................ المغرب
5-الأستاذ مراد دروزي................ المغرب
6-الأستاذة مجيدة السباعي........... المغرب
7-الأستاذ محمد لطفي................. المغرب
8-الأستاذة سميرة شرف السباعي.. المغرب
9-الأستاذة شامة المؤذن............. المغرب
10-الأستاذ سعيد نعانع............... المغرب
11- الأستاذة ابتسام الخميري....... تونس

آراء اللجنة في المقطوعة السردية

1-رأي الدكتورة كريمة رحالي/ المغرب :

أولًا, وقبل كل شيء يشرفني أن أكون عضوة مع نخبة من الأساتذة الأجلّاء لتقديم ملاحظاتي الأولية حول فن أدبي جديد. ويشرفني أكثر لكوني قارئة لعمل جليل لأستاذنا عبد الرزاق الذي نحييه على كل خطوة من خطواته الإيجابية التي ساهمت في النهوض بالأدب العربي المعاصر. وعند تتبعي للمقطوعة -والتي أجهل الكثير عنها كجنس أدبي مستحدث- ونحن نعلم جيدًا أن كل جديد أدبي يحدث ثورة قلبًا وقالبًا. وأنا لم أشأ أن أخضع ملاحظاتي للبحث والتوسع لأنني ارتأيت أن أسجل انطباعاتي المباشرة للعمل كقارئة جديدة له والتي أجملها فيما يلي:
1-من حيث الشكل:
*لوحة سردية موسيقية.
*جمعت بين الخاطرة والقص.
*وجود عنصر الاستطراد الإيجابي في غياب البناء الفني. يتنقل فيه المبدع بانسيابية وينقل معه القارئ.
*هيمنة الوصف التجريدي والتجسيدي.
*التكثيف الرمزي وهيمنة الانزياحات.
*التركيز على جمالية اللغة والتصوير.
*المزاوجة بين الأسلوب الإنشائي والخبري.الأول يكشف عن انفعالات صاحب المقطوعة والثاني يكشف لنا معطيات واقعية مخبوءة .

2-على مستوى المضمون:
*تناول تجربة الغربة, غربة الذات في الكون والزمان والمكان.
*تعبير الذات عن مشاعرها ومواقفها من نفسها ومن العالم الخارجي.
*الجمع بين الهموم الذاتية والجماعية.
*تناول جدلية الصراع بين القديم والجديد وموقع الذات العربية بينهما.
استنتاج:
هذا المولود الجديد وجد فيه المبدع ضالته واستجاب لرغباته وطموحاته حيث فتح له مجال الحرية ليطلق العنان لقلمه ويعبر عن نفسه وواقعه بكل طلاقة, إلّا أنني أرى أنه سيخلق أزمة تواصل بينه وبين القارئ العادي, بمعنى أنه موجّه إلى فئة معينة من القراء, فئة لا تستطيع استجلاء مخبوءاته لأنه غني بالإيحاءات وغارق في الرمزية, خصوصًا ونحن نعيش في عالمنا العربي أزمة القراءة. إلا أنني أراه -من زاوية أخرى- أنه عمل سيرفع من مستوى القارئ وسيشركه في العملية الإبداعية عن طريق البحث عن معانيه وأفكاره العميقة و فك رموزه.ويبقى الجديد ظاهرة ملفتة سيخلق جدلًا و سيحرك الأقلام لدراسته وإخضاعه للنقد والتحليل.

وشكرًا للدكتور الغالبي المحترم على هذا النبوغ الأدبي الذي يجعلنا نفتخر بك وشكرًا أيضًا لأستاذنا عبد الرحمن الصوفي على منحه لنا هذه الفرصة الثمينة للخوض في مناقشات علمية التى لا شك ستكون استفادتنا منها كبيرة جدًا.لكما مني ألف تحية عطرة ولجميع الأساتذة الأعضاء.
2-رأي الأستاذ عبدالرحمن صوفي/ المغرب:

السلام على كل أخواننا وأخواتنا في اللجنة العلمية
لقد عرض على اللجنة العلمية لإقرار الدراسات التابع لحركة التصحيح والتجديد والابتكار جنس أدبي جديد أسماه صاحبه الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي ب....المقطوعة السردية... ..كجنس أدبي مستحدث، ومن خلال قراءتنا للنماذج المرفقة وتأنّي في إنتاج الرأي تبين لنا ما يلي :

1-ميل المقطوعة السردية إلى الخاطرة، وليس من الخاطرة وأنواعها سواء الخاطرة الطويلة أو الخاطرة المتوسطة أوالخاطرة أو القصيرة أو الخاطرة المموسقة .
2-تميل المقطوعة السردية إلى القص وليست من أنواع القص بكل أشكاله .
3- العمق على المستوى المضمون.
4- تبدأ المقطوعة السردية بالأسلوب البنائي للخاطرة ..وتنتهي بأسلوب القص ...
5- المفردات والألفاظ هي المحركة للصراع الداخلي للمقطوعة ..
6- تعبير متمحور بدرجة كبيرة حول المفردات أكثر من التركيز على التمحور حول الشخصيات النصية .
7-تميل المقطوعة السردية نحو الانزياح إلى الخيال والرمز ...
8- نلاحظ أن الصور والمعاني تأخذ صبغة التتالي .
9- بناء المقطوعة السردية مختلف كل الاختلاف عن الخاطرة والقصة.
10- سرد صبغته التماسك والحبك..
فمن خلال ملاحظاتي أقرّ المقطوعة السردية كجنس بيني ( بين الخاطرة والقصة ) من ابتكار عبدالرزاق عودة الغالبي .

اللجنة العلمية لإقرار الدراسات التابعة لحركة التصحيح والتجديد و الابتكار في الأدب العربي
عبدالرحمان الصوفي –المغرب-2017

3-رأي الأستاذة نادية صمدي / المغرب:

السلام عليكم...بدوري أتقدم إلى الدكتور عبد الرزاق الغالبي المبدع صاحب الفضل بعد الله عز وجل بكامل امتناني له..فقد أحدث لي زوبعة ذهنية جعلتني أنفض الغبار عن قلمي ليسطر بوضوح لمسار أدبي جديد وجدنا فيه ضالتنا..صراحة رغم أني دارسة للأدب العربي فما كان يروقني النقد الأدبي والنظريات النقدية الغربية المعروفة .. لكن وبعد أن تعرفت على النظرية الذرائعية العربية التطبيقية والتي تهدف إلى دراسة النص الرصين واستجلاء ذرره القيمية شغفت بهذه الخطوة المباركة والله المستعان..
قرأت المقطوعة السردية كما يحلو للدكتور أن يسميها..وشرف لي أن أقرأ لعملاق أدبي فذ... وأول ماتبادر إلى ذهني سؤالين ...لماذا؟ ولمن؟
لماذا هذا الجنس الأدبي الجديد؟ولمن نكتبه أو من المتلقي الذي سيستهويه هذا الجنس الجديد ؟
لن أتحدث عنه من حيث الشكل/القالب.. أوالمضمون / المحتوى.فقد وفى الدكتور في مقدمته وعرف الدكتور بهذا الجنس الوليد الذي يتموقع بين الخاطرة والقص..وتتوالد فيه الصور الجمالية كمن ينظر إلى لوحة تشكيلية متداخلة الألوان يحاول أن يفك شفرتها ويقرأ دواخلها..تصوير لواقع بانزياحات خيالية مكثفة ورموز ودلالات وتجريدات .. فكأنك تسافر بعيدًا, وتفصل جسدك عن روحك, فتحلق بهذه الأخيرة إلى أفق الخيال الواسع بكل حرية وأريحية..
أرجع لأطرح السؤال من جديد ..لماذا هذا اللون الجديد؟ هل للاستمتاع والترفيه فقط ..أم لتخليص الذهن من وطأة الواقع المرير فنحرره فترات وكأنه في رياضة ذهنية..وسؤالي الثاني لمن نكتب هذا اللون الجديد؟ هل لعامة القراء ولا أظن ذلك..هل للناشئة الشباب وأغلبهم لا تغريه الكتابات التي تنزاح نحو الخيال والرمز التي تتعب مخيلته وهو الذي اعتاد مع التيكنولوجيا الحديثة على الموجود في الحقيقة وفي الواقع...
إنما هو جنس أدبي جديد يغري محبي الحرف ..محبي الأدب بقراءته والاستمتاع به..
شخصيًا راقني كثيرًا...

4-رأي الأستاذ محمد الطايع/ المغرب:
من خلال النماذج التي قرأت، يمكنني القول، أن المقطوعة السردية، قصة قصيرة تعتمد الإيحاء والشاعرية، وذلك من خلال رسم صور فنية غاية في الجمال والبهاء، تنوب بذكاء عن تقنية السرد العادي، وتبلغك مايبلغك إياه السرد الواضح ، من عقدة وحل وانفراج، وكذا توفر مايوفره السرد عموما من استمتاع وتفاعل وتأثير على القارئ ...
فعلا إنها جنس مستقل بذاته، وإن كانت خاضعة لجنس القصة بشكل أو بآخر، لما توفر لها من خيط حكي ناعم، ورغم شفافيته ونعومة تشكيله الدقيق، لاينقطع، بل يظل خيط السرد القصصي ظاهرًا، لكن كظهور الهلال في ليلة غائمة، إذ أن المقطوعة، تأخذك على محمل الاستمتاع دون أن تفتقد جسر الحكي الجاد، وهو بذلك أشبه بالهدية الماسية المغلفة بورق من حرير مرصع بنجوم عقيق تتلألأ، ومخملي أعشاب شديدة الفوح، لما تعتمده من تحفيز للمخيلة، وذلك من خلال سلسلة من الصور الشديدة الرهافة والتماسك، والتوليد المسترسل، فصيغة استنبات المفردات من بعضها، تعطي إحساسًا بضمان تتابع النسق، دونما حاجة للقلق بشأنه، فثمة عقدة وحل وانفراج، وتصاعد وصراع درامي مبطن، والمقطوعة انتُهجت بهذا نهج، القول السردي غير المباشر، تمامًا كالنظر إلى الأشياء على المرايا، أو على صفحة الماء، عالم يعتمد على صناعة زواياه وأبعاده، بتقنيات الحلم والإيحاء، فيغدو الرمز والخيال، والتشبيه والتصوير مبعث أحاسيس تخلف في نفس القارئ شعورًا بالاطمئنان، للفهم، والركون للمعنى المراد تبليغه، معنى هو في مخيلة الكاتب، خط شديد الوضوح، مما يمنحه القدرة على الاحتفاظ بوهج المضمون، أشبه بشعلة نار لاتنطفئ رغم برودة الجو وعصف الأنواء، لكن الكاتب يرفض أسلوب المباشرة، وتقنية التدقيق وكل هذا لكي يضمن انسياب الحروف، أشبه بمحارات كوكبية تسبح في عمق بحر من الرؤى اللا متناهية.

المقطوعة السردية، ابن شرعي مهذب و مطيع للسيدة القصة، أو جار لها، فهي استغراق نوعي في الذاتية، وهي مشاغبة لطيفة للمحسوس والملموس معًا، وهي أيضا جسد شديد الكثافة خفيف الوزن، كثير الإيحاء والإحالة على وصف كلما كثرت ألوانه، ازداد غوصًا في النفس وتأثيرًا فيها .
لم ألاحظ في المقطوعة السردية، شخصيات ثابتة ولاحوار، فقد كتبت بطريقة بعيدة عن الإنشائي والإخباري، فيها من جمال الخاطرة، ورهافة الشعر، وتماسك السرد، مايمنحها ذاتها المستقلة، فيحق لها بذلك أن تكون جنسًا أدبيًا متفردًا بذاته ، محتفيًا بكيانه الخاص .
وكخلاصة يمكنني القول أن الكاتب الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي، استطاع أن يأتي بجديد، مقبول ومرغوب، يمتاز بالقدرة على الانسلاخ نسبيًا عن الأجناس الأدبية الأخرى، وفيه من الإخلاص القدر الوافر للغة والهوية العربيتين، وهو أيضا تمرد على العادي، الممل، المليء بالإطناب، و الذي تفضحه سمات التصنع في تركيب المفردات، ونحت الصور. المقطوعة السردية عمل يستحق الثناء، والإقرار بأنه جنس أدبي قائم بذاته ...

5-رأي الاستاذ مراد دروزي/ المغرب:

المقطوعة السردية تبحث لنفسها عن موقع وموطئ قدم في ساحة الأجناس الأدبية الأخرى، هل هي حاجة أم ترف ؟ سؤال يفرض نفسه والساحة تعج بالكثير من النماذج الإبداعية ؟ هل المقطوعة السردية حصة من شيء أو جزء من سرد لم يكتمل نموه ؟ أم هي تعبير لحالة نفسية وجدانية ذهنية وسيلتها الكلمة الجميلة وضخ جملة من الصور الجمالية والمعاني ... ؟ أو هي انعكاس لتجربة واقعية يقف من خلفها المؤلف معيدًا، أخرج فصولها ضمن بناء جمالي يثوي خلفه أفكارًا قدت على مقاس إيحائي جدًا ورمزي جدًا وخفي جدًا وزئبقي جدًا ... والقليل من يحسنون سبر أغوارها, هذا إن وفقوا في ذلك لأنها صعبة الولوج, فهي مغرقة في الذاتية وخاصة جدًا .
من هنا أقول : إن المقطوعة السردية خاطرة بامتياز, ومايميزها أنها من تأليف الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي وقد أبدع فيها . علينا أن نطرح سؤالًا آخر، من أين تأتي الأجناس ؟ بكل بساطة من أجناس أدبية، والجنس الجديد هو دائمًا تحويل وتحوير لجنس أو عدة أجناس أدبية سابقة عن طريق الاجتهاد والتغيير والقلب والزخرفة والتوليف ... وهو عمل فانتازي أي تأليف وصياغة بشكل معين وفق خيال ورؤية المؤلف نفسه، وهذا ما برز بشكل واضح في [ تيه في عينيها - بقايا من ذكريات - العشق الرقمي ] نصوص جذابة تلمس واقعًا في قلوبنا فتجذبنا جذبًا لنعيش معها في أدق تفاصيل مشاعرها, من خلال أسلوبها الجميل الرائع جدًا وفيها قدر كبير من العمق والتركيز والغوص بين فجج النفس البشرية بدرجة انزياحية كبيرة جدًا يشق على مبتدئ مثلي سبر أغوارها السحيقة، فهي كمن يشرب ماء دون أن يذهب الظمأ .

6-رأي الأستاذة مجيدة السباعي/ المغرب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بادىء ذي بدء أحيي الأديب المبدع القدير الدكتور عبد الرزاق الغالبي ألف تحية وسلام، فلايسعني إلا أن أقول ما شاء الله، وأنحني احترامًا أمام مقدرته الأدبية الفذة هذه, وتفوقه في تركيب أساليب مدهشة ومعاني راقية وتراكيب تتدفق شلالات بهاء معتق. والأروع أنه أهدى به لونًا أدبيًا جديدًا ارتأى أن يجعله بين القصة والومضة و ما أروع أن ننوع في أساليب ترجمة أحاسيسنا وعواطفنا بمنحى جديد راق ساحر يكسر رتابة القديم . لكن أرى أن لهذا اللون الأدبي الجديد أسلوبٌ فلسفيٌ عميقٌ مغرقٌ في جمالية الكلم ورونق المعنى, وجدٌ موغل في الدلالة والترميز ومثقل بالإيحاءات كأنه مُهدى للنخبة من المثقفين الكبار فقط ...سوف لن يجنح لقراءته في نظري إلا ثلّة قليلة من القرّاء، وقد لاينهون أمام ظروف هذا الزمان المشاكس والحياة اليومية العسيرة.
فاللآلىء لايقتنيها إلا القلائل المميزين.!

7- رأي الأستاذ محمد لطفي/ المغرب:

أعترف أنه جنس أدبي، ينضاف إلى الأجناس الأدبية الفنية الأخرى، غير أنه ليس بالقصة وماهو بالخاطرة ولا هو بالومضة. يستحق أن نسميه بالمقطوعة السردية ،لظهور وانسياب عنصر السرد فيه، فهو جنس أدبي قائم بذاته، ومستقل بذاته، لون فني منفتح قادر على استيعاب القضايا الوجدانية والمعرفية التي يعيشها الإنسان. قادر على استيعاب التطورات والمستجدات و الايقاع السريع للحياة الراهنة..المقطوعة السردية لون أدبي فني مبتكر هنيئًا لمبتكرها وله براءة الابتكار, إنه الأستاذ عبد الرزاق عودة الغالبي.

8-رأي أستاذة سميرة شرف/ المغرب:

إذا كان الأدب عمومًا تعبيرًا عن ذات المبدع في إطار ذاتي و موضوعي يستمد مشروعيته من جدواه كأداة فعالة ضمن أدوات التنفيس للتثقيف و التوجيه و الترفيه و الإشراك...فإنه لاشك أن الجنس الأدبي يدخل في إطار اختيارات المبدع لقناة تصريف إبداعه, ليجد له جمهورًا واسعًا يتفاعل معه بالاستحسان و الترقب لمستجداته على الساحة.
وكل ما صدر عن الإنسان من إبداعات قادته إلى تصنيف الأجناس من واقع الضرورة إلى تحديد مجال الإتقان و التمكن من أدواته و البراعة فيه والولاء له...فنجد الشعراء و الروائيين و القصاصين و المسرحيين وأصحاب الخواطر و الزجالين...وكل منهم يحاول الوفاء لجنسه معتبرًا إياه رقعة بحدود معلومة و ضوابط ممكنة لجودة إبداع تندثر كلما ابتعد عنها بالزيادة أو النقصان...
وعندما نفكر في ابتكار جنس أدبي جديد فإن حتمية التوالد تتراءى في أفق المنظر لهذا الجنس ..إذ لن ينجبه لقيطًا و من فراغ...لابد له أيضًا من وعاء يحتويه و اسم يشار به إليه في محاولة فرزه و استقلاليته عن الأجناس المتواجدة ...حسنًا(المقطوعة السردية) سأتناول بالتحليل هذه التسمية:
المقطوعة لفظ اشتقاق من عائلة القطع و الاقتطاع و التقاطع و القطيعة ..وهي دالات تعود في حمولتها الى الجذر(قطع) فإن كانت (مقطوعة:وهو اسم مفعول)فقد مورس بها فعل القطع فصارت كذلك (مقطوعة)...ويكفي هذا اللفظ ليتضح للمتلقي أن ما سيقرأه هو بعض من شيء ارتأى صاحب الإبداع أن يغنيه عنه بما سيوفره له من عوامل التكثيف و الزخم في السرد باعتباره ركيزة أساسية في التسمية(المقطوعة السردية)..
وهنا ستفرض على المتلقي القديم لهذا الجنس الجديد مساءلة الاختيار نفسه عن قيمته الأدبية مهما بلغت جودتها في إقناعه أن ما يقرأه جنس جديد!!! فيهيم في قراءته في عوالمه المألوفة مما عرفه سابقًا على أنه أقصوصة أو خاطرة ...ولا شيء في (المقطوعة السردية) سينبئه أنه أمام جنس جديد اللهم انتزاع كم أكبر من إعجابه و استحسانه لجودة عمل ارتقى شيئًا ما عن المألوف لديه...
سيكون لزامًا على المبدع لهذا الجنس أن يعلن عنه في دفة الكتاب إلى جانب اسمه دون الوثوق التام أن المتلقي سيستعذبه لأنه فقط (مقطوعة سردية) لأن خلفيته الثقافية مشبعة بالأجناس الثابتة لديه والواضحة أمامه دون حاجة له في خليط الأجناس...
وأخيرًا هذا كله لا يمحو رغبة الدكتور الغالبي في إغناء الساحة الثقافية العربية بجنس جديد ينضاف إلى قائمة الأجناس والتي كما صنعت لها جمهورًا..نطمح أن يولد هذا الجنس الجديد فئة تجد فيه ضالتها من متعة الإبداع المخلص لروح العصر و التي تسعى إلى السرعة و الاختصار...

9-رأي الأستاذة شامة المؤدن/ المغرب:

السلام عليكم ورحمة الله
أتقدم بتحية خاصة للأديب الكبير والمبدع المتميز الناقد عبد الرزاق الغالبي .بالنسبة لهذا اللون أو الجنس الأدبي الجديد : المقطوعة السردية وبعد قراءتي المقاطع الثلاث أرى أنها تتموقع بين الخاطرة والقصة القصيرة. جاءت بلغة ثرية غير مستهلكة، غير متكررة وتعلن إبداع صاحبها. كتابة بها نوع من التميز والارتقاء باللغة لكنها غير قريبة للفهم للقارئ العادي. ستكون المقطوعة السردية ثورة حقيقية وفي صالح وخدمة اللغة العربية. وفقكم الله .

10-رأي الأستاذ سعيد نعانع/ المغرب:

أنا كذلك من جهتي أبارك و أقر بهذا النوع الجديد من السرد إلا وهو المقطوعة السردية لصاحبها الدكتور عبدالرزاق، و تمنياتي أن تحظى بالمباركة والتبني والانتشار كصنف بيني، بين الأقصوصة و الخاطرة، فأنا أرى أنها تدمج أكثر من جنسين : الخاطرة و الأقصوصة و المقامة و المقالة و الرسالة مع كثرة المحسنات و الانزياحات و الأساليب البلاغية و كثرة المضامين و الموضوعات في طرح متسلسل يراعي الانساق الفكرية و الوجدانية، على أي، لكل طرح مآخذه و علله و علاته و سيتضح ذلك عبر الإنتاجات اللاحقة لهذا الجنس الأدبي، نتمنى للمقطوعة السردية آفاقًا واعدة في إثراء المجال الأدبي العربي و الله ولي التوفيق.
11-رأي الأستاذة ابتسام الخميري/ تونس :

بخصوص المقطوعة السردية
لقد أطلّ علينا الدكتور الراقي عبد الرزاق الغالبي بجنس أدبي جديد من حيث التسمية.. و منذ قراءة المقطوعات الثلاث نلحظ أن اللغة شاعرية منتقاة بحرفية كبيرة و لا عجب أن كاتبها قيمة ثابتة و فاعلة في عالم النقد و الإبداع..
تتسرب إلينا بسهولة غزارة الصور المتراوحة بين الشاعرية و الواقعية.. فيحضر في الأذهان ما ذكره لنا الدكتور :مرسل غالح العجمي( أستاذ النقد الأدبي جامعة الكويت) حين عرج على القصة الكويتية.. فقال: "القص بوصفه فعلًا سرديًّا شاملًا في التجربة الإنسانية.. و القص شامل شمول الحكي في الحياة الإنسانية.. ثم أضاف ثلاث معايير: ماهو يتعلق بالحجم و الزمن و اللغة المستخدمة". و نحن نقرأ المقاطع نكاد نجزم أنها قصة حداثية خاصة, و أنه ظهر الجيل الثالث في تونس.. كما أوضح لنا د. محمد القاضي في دراسته:" إنشائية القصة القصيرة". بقوله: القصة القصيرة من حيث هي جنس حواري قادر على احتواء نصوص متنوعة.. من حيث هي تعبير نثري له بالشعر مشابه كثيرة.. إن التجاء القصة القصيرة إلى أسلوب التشبيه من خلال التركيب و أسلوب الاستعارة من خلال التماثل.. و أسلوب الكناية من خلال الحوار يغدو ركنًا أساسيًا من أركان أدبيتها.. ".هكذا نتراجع عن القول بأننا أمام قصة و إن غلب السرد.. فما جنس هذه المقطوعات؟!؟ نجد أن الشروط غير مكتملة و إن تظهر لنا الفكرة واضحة حينًا غامضة أحيانًا أخرى.. كما نلحظ أن البناء الجمالي يغيب فيه السرد و إن بدا الحوار باطنيًا بين الشخصية المركزية..
و نحن نبحر مع الجمل نستشعر قربها من الخاطرة.. من حيث التكثيف و كثرة المحسنات البديعية من صور و استعارات و كنايات.. لكنها تقطع مع الإيجاز و القصر.. و تجنح نحو بعض التفصيلات الفنية الخاصة..
إذن بين السرد الجميل بلغة شاعرية مكثفة و تعدد الصور. تغلب أحيانًا الموسيقى الشعرية و الانزياح نحو الرمز و الخيال يغلب.. إلى جانب مقياس القوة الطاغي و الجدة و الابتكار ملموسين بقوة.. يجعل منها مقاطع سردية تنضاف إلى الأجناس الأدبية و قد يختص بها من له قدرات هائلة في التعبير و الوصف و اللعب بالكلمات إن صح القول..
فهنيئاً للمبدع المتميز الناقد عبد الرزاق الغالبي بالمقطوعة السردية كجنس جديد..





رابعاً: خارطة المقطوعة السردية الجنسية:


III- الحوارية السردية
ابتكار وتجنيس :الدكتورة عبير خالد يحيي

مقدمة
لم يبق مجال لجنس جديد فقد اكتملت جميع الأجناس كما أظن، إلا بابًا واحدًا مفتوحًا على مصراعيه وهو باب البينيّة عندها، فلا يأتي من كان من ما كان, ولا شيء من العدم، إلا جنسًا من جنس بولادة شرعية على أيدي القرّاء فقط، قمت بكتابة تلك الأجناس البينية وهي جديدة في الشكل والمضمون, لكن ليست جديدة في الأصل، فقد جاء أصلها من جذر الأجناس الأصلية وكما يلي:
- الموقف المقالي: هو اكتشاف جديد للأستاذ عبد الرزاق عوده الغالبي وهو مزيج بين المقالة والقص القصير وعندما حاول المزج بينهما بالموقف المقالي، جاء جنس بيني رائع، ليس برأيي أنا, بل بآراء المتابعين والقراء والنقاد, فقد احتار النقاد بجنسه عند تجنيسه، حتى أفصح صاحبه عنه حين قال: هذا ليس مقال وليس قص قصير بل هو مزج بينهما، بمقدمة مشتركة ونهاية مشتركة وموضوع مفصل على مكونات القص من تشابك سردي وعقدة وانفراج...
-المقطوعة السردية: لقد جاءت ردًّا على تجاوز السرد إسفين الموسيقى من قبل البعض من الكتاب وهذا لا يجوز أبدًا، فإذن الجنس البيني ينبع من أصل قريب له, الشعر من الشعر, والنثر من النثر، فتكون الموسيقى هي المحرم بينهما. وكانت المقطوعة السردية نتاجًا راقيًا من نص مفتوح أو خاطرة وقص قصير، وقد استخدم مبتكرها الأستاذ عبد الرزاق عوده الغالبي أسلوباً قوياً مدروساً, بحيث أعطى توازنًا بين الجنسين, ليخرج منهما جنس بيني ثالث مثير للاهتمام والإعجاب....
- الحوارية السردية : هي جنس حواري سلوكي من محفز واستجابة وسؤال وجواب, بشكل محادثة مسرحية بحوار ظاهري سردي، يحمل بين طياته التشابك السردي للقص القصير, وعقدة التشابك والانفراج, بذلك يعطينا جنسًا بينيًّا بين المسرحية المقروءة والقص القصير, بشكل حوار مستمر حتى تقره النهاية المشتركة وابتكر هذا الجنس البيني الدكتورة عبير خالد يحيي, ويحتوي على الحدود الجنسية التالية:

أولاً:حدود الحوارية السردية الجنسية:
1-حوارات مدروسة من سؤال وجواب حول موضوع واحد سياسي أو اجتماعي أو أي شكل من أشكال الخطاب, أو عدة موضوعات.
٢يحتوي موضوع النقاش على استفزاز يفجر في داخل الشكل الفني لتشابك سردي بصراع عنيف.
٣ تتوسط عقدة التشابك السردي, وتشير نحو انفراج أو محاولة الانفلات منها عن طريق الحل أو الانفراج.
٤الانفراج هو الحل الذي يتخلّل الحوارات بميل سردي نحو الانفلات من شكل العقدة والاتجاه نحو....
٥ النهاية المشتركة التي تعطينا إخمادًا لجميع الحرائق التي ازداد أوارها نتيجة التحاور الظاهري بين المتحدثين...وهي إستجابة سلوكية لمحفز أو محفزات إوثيرت مسبقاً....
٦ قد يكون الحديث بشكل حوار بين شخصين مؤيد ورافض لموضوع الحوارية, أو تحاور بين مجموعة من المتحدّثين.
٧تكون تلك الحوارات مدروسة لغوياً وجمالياً وسلوكياً, بحيث تعطي تفرّدًا أدبيًّا له قيمة تأثيرية في نفس المتلقي.
٨ تحتوي الحوارية على أسلوب مترع بالجماليات البلاغية، وسرد وجداني تشويقي كما موضح في الرسم التوضيحي في أدناه:
خارطة الحوارية السردية






ثانياً:مثال تطبيقي على الحوارية السردية
ابتكار :عبير خالد يحيى

مُرَكّب نقص
بقلم :عبير خالد يحيي

-"إنّ السُّمَّ الزعاف الذي تسقيه لغيرك, سيأتي يوم قد يسقيكَه من هو أشد منك بأسًا وبطشًا".
-"لماذا أمي؟ تغرقينني برذاذ لعابك الذي استشاط حنقًا وغضبًا, من أجل من ؟
-" من أجل أخوتك الذين لا تكف عن إيذائهم وهم أصلًا مسؤولون منك بعد موت أبيك"
-" نعم أبي الذي رحمني الموت منه, ذكره يستفزّ عصب عينيَ اليسرى, اسكن أيها العصب اللعين ".
- " لماذا تحدّق بي هكذا! نعم أنت مسؤول عنهم بحكم القدر, وشرعية القوامة, وليس لأنك الأكفأ"
- " وماذا فعلت؟ أنا أحاول أن أدافع عن حقي"
-" أي حق؟ أنت تأكل حقوق شركائك في الرحم, تتحكّم بكلّ ما تركه والدك , تمنعه عنهم "
-" آه.. أبي, كنتُ محطَّ سخريته.. وصمني بالغباء, في حين أن ذكائي هو إرثي منه.. توقّف عن الرجفان أيها العصب اللعين".
-" تسكت .. طبعًا تسكت, فقط تفرك جبينك بأصابع كفّ آثمة, هي ذات الكف التي ضربت وجه (هدى) البارحة, و ليتها شُلّت وقتها, وذات الأصابع التي تمزّق كتبها ودفاترها ..."
-" آه .. (هدى), جاء دورها إذن ..! أُحاسَب عليها ..! تلك التافهة التي تصغرني بسنتين, تقدّمنا لامتحانات الشهادة الثانوية في نفس العام, ليدخلها معدلها العالي كلية الطب, وأنا معهد متوسط هندسي..!"
-"تستفزني ..تتعالى علي, ليس ذنبًا أن أكون أقل منها تحصيلًا, وليس عدلًا أن تكون طبيبة و أنا تقني".
-"عن أي عدل تتحدّث؟ ظننت أنني أحرّك الضمير فيك ..! لمَ لا تقنع بقسمة الله ؟ هذا نصيبك من العلم, قد يكون نصيبك أكبر في باقي أرزاق الله".
-" تخلّفت عن (هدى) لأن المرحوم استمرأ إحباطي ".
-" وماذا بشأن (عاطف) ؟! هاه؟ هل لك مع ذلك ( المتخلّف العقلي) كما تناديه قضية تنافس وتزاحم؟ "
-" آه .. (عاطف), ذلك المنغولي المعتوه الذي يشاطرني غرفتي, متمتعاً بفيض حبكم و دلالكم, لا عمل له سوى توزيع الابتسامات البلهاء, وحصد عبارات الثناء على خربشاته التافهة ".
-" تبّت يداك اللتان كسرتا مرسمه وأقلامه..! هو بركة الله في بيتنا, وأنت بتجبّرك تعتدي على القُصّر, أغرب عن وجهي ..."
- " صوتها بشع كصوت أبي".
- "عاطف.. يا عاطف, تعال يا أخي, ساعدني في إصلاح آلة الفرم الكهربائية هذه".
-" وماذا أفعل؟"
-" هناك خيط عالق بين شفراتها, أظن أنه يمنع دورانها, أدخل يدك الصغيرة وانتزعه".
-"آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآخ , أوقفهااااااااااا, لقد فرمتَ أصابعيييييي".


ثالثاً: لجنة إقرار الدراسات والبحوث التابعة لحركة التصحيح
والتجديد والإبتكار في الأدب العربي لشرعنة
جنس الحوارية السردية إبتكار عبير خالد يحيى

لجنة الدراسات
1. الدكتور الروائي شريف عابدين......مصر
2. الأديبة الأستاذة إيمان السيد ........ سوريا
3. الأديبة الأستاذة عبير العطار..........مصر
4. الأديبة الأستاذة صفا الشريف..........لبنان
5. الأديب الأستاذ عماد حسن الشيخ....سوريا
6. الأديبة الأستاذة ريتا الحكيم...........سوريا

1.رأي الدكتور الروائي شريف عابدين بالحوارية….مصر

د. عبير يحيى من أنصار القصة المكثفة.. إبداعًا وتنظيرًا.. وفي هذه الأطروحة نلمح تداعيات فكرها التكثيفي وتأثيره على مقومات القصة القصيرة خاصة الوصف والسرد. قامت د. عبير كباحثة تطبيقية بمراجعة العديد من القصص القصيرة المنشورة ورقيًّا ورقميًّا في الفترة الأخيرة وﻻحظت أن النزعة الحوارية طاغية في تلك النصوص على حساب الوصف والسرد الذي لم يسلم بدوره من التقريرية والمباشرة. كما لفت انتباهها أيضًا أن هناك إقبال على قراءة تلك النصوص واحتفاء بها من جانب القراء ومن تناول النقاد. تعتقد الباحثة أن هناك خيوطًا خفية تربط المتلقي وتوثق علاقته بالحوار أكثر من الوصف والسرد.
هذه الأطروحة تستقي من النزعة التكثيفية التي تجتاح عالم السرديات دورها، محاوِلةً توظيفه لمقاربة ظاهرة التراجع القرائي.
يرى (روجر م. بسفيلد )أن دور الحوار ينحصر في:
1-السير بالعقدة، أي تقدمها أو تدرُّجها أو تسلسلها. (وظيفة سردية)
2-الكشف عن الشخصيات وطباعها الخُلُقية.(وظيفة وصفية) ويعتبر الحوار جزءًا من البناء العضوي، بما يقوم به من دور يتمثل في دفْعٍ للأحداث، وتصوير للشخصيات، وإضاءة أماكن وجوانب لا يستطيع الوصف السردي أن يُعطيها حقها. الحوار كأداة فنية تعبيرية يتسم بالاختصار، والإفصاح/الكشف، والإشارة إلى الواقع، لا نقله. ومن المعروف أن الحوار في القصة القصيرة يقوم بوظائف متعددة أهمها:
- تطوير موضوع القصة للوصول بها إلى النهاية المنشودة,
- والتخفيف من رتابة السرد، مما يريح القارئ من متابعة السرد ويبعد عنه الشعور بالملل.
- كما يعمق رسم شخصيات القصة، فالشخصية لا يمكن أن تبدو كاملة الوضوح والحيوية إلا إذا سمعها القارئ وهي تتحدّث. وهي بذلك تزداد مصداقية لأن الحوار يعدّ من أهم التجليات الفعلية للشخصية.
- يتميز الحوار أيضًا بالقدرة على تصوير مواقف معينة في القصة خاصة الصراع أو المواجهة بالإضافة إلى مختلف الحالات النفسية.
- ويضفي الحوار على القصة تلك اللمسة الحية التي تجعلها تبدو أكثر واقعية في نظر القارئ.ﻻ يخفى على المتلقي تحول الوصف في كثير من الأحيان إلى وسيلة إنشائية يهدف القاص منها استعراض حصيلته البلاغية.
كذلك النظرة الموروثة لدى البعض عن كون الوصف عنصرًا زائدًا هدفه تزييني فقط. ناهيك عن التأثير اﻻعتراضي للمقاطع الوصفية التي تقطع على السرد استرساله. حيث أن الوصف يوقف سريان الزمن ليطلق سريان الأشياء في المكان.
وعلى خلفية تغير النمط المعرفي للمتلقي الذي صار متمرّدًا على الأنماط التقليدية والإملاءات السردية يعتبر القارئ (المتمرّد) أن عملية الوصف ليست محايدة, بل تكشف عن ذاتية الواصف ومشاعره تجاه الموصوف.

وقد ﻻحظت الباحثة أن معظم نماذج الوصف تتسم بالتقريرية والمباشرة وتفتقد السمة الإبداعية أو التوظيف التفاعلي على الأقل. كما كشف بعضها عن غياب الوصف المبتكر لدور البيئة والأشياء، التي كشفت في العديد من النماذج عن تقليد فج لأدباء آخرين. ويبقى في النهاية العديد من التساؤﻻت:

1. ما الذي يمكن طرحه عبر الحوار مما يتم طرحه عبر الوصف والسرد وهل يمكن تطوير الحوار ليضطلع بدوريهما؟ (إمكانية اضطلاع الحوارية بالمزيد من الدور بحيث يغطي الغياب النسبي لكل من الوصف والسرد)
2. هل هناك ضرورة لوجود السارد المنظم لفعل الحوار بين المتحاورين أم أن للحوار الشبه مسرحي (المعروض المباشر) كفايته الذاتية؟

3. تقييم دور الحوار في دفع الحبكة بالمقارنة لدور السرد في إبراز الأحداث والأعمال في بعديها الزمني والدرامي.

4. التأكد من التطور الحواري بمعايير تحرص على دمج بعض الملامح الوصفية والسردية الهامة وسعي الكاتب إلى اختصارها بالحوار الذي يجريه على لسان الشخصيات. وعلى أن ﻻ تكون الحوارية بدافع استسهال الكتابة, فمن المعروف أن الوصف والسرد يتطلب من الكاتب جهدًا مضاعفًا.
ملاحظة أخيرة..

قد تطرح الحوارية كنهج مستحدث للكتابة عبر النوعية موقع الكتابة المسرحية في الأطروحة.. لكن ملاحظة الإقبال النسبي للمتلقي على القراءة القصصية مقارنة بالمسرحية دفعت الباحثة إلى مقاربة رؤيتها على القصة القصيرة حصريًّا، انطلاقًا من أن المسرحية لا تكتب لتقرأ بل تكتب لتمثل وليشاهدها الشخص أمامه على خشبة المسرح. كما أن نماذج المسرح الذهني قد تقلّصت تمامًا منذ تجارب رائدها توفيق الحكيم, وتلك النماذج لا تكتب أصلًا ليقرأها الشخص العادي.
الروائي المصري الدكتور :شريف عابدين /2017

٢رأي الأستاذة الأديبة السورية إيمان السيد:

الحوارية السردية :
جنس أدبي معروف من زمن ،لكن لم يتوفّر له من يرعاه كفنٍّ مستقل عن المسرح والتمثيل التلفزيوني والإذاعي.

يعتمد السرد فيه على الحوار المشوّق مدعّمًا بأسئلةٍ مرصودة لخدمة موضوع النص واستجلاء فكرته عن طريق الأجوبة الاستنكارية والاستفزازية ببن شخوص النص يرسم لها الكاتب تضاريس النص ومنعرجاته ومنعطفاته ليأخذ بيد القارئ إلى ناصية الحدث هابطًا من ذروته إلى قاعدته مرورًا بمواقف تتأزم وتتوتر تصاعدًا في عقدته وتنازلًا في انفراجاته باحثًا عن حلول عصية على التحقق في ظل ارهاصات يعيشها أبطال الحوارية التي يكون أقلها شخصين لإدارة دفّة الحوار عمادها الأسئلة والأجوبة…

وأرى أن الدكتورة عبير يحيى عكفت على إرساء قواعدها عن طريق مزجها بحدثيّة النص الحواري, وتأسيس منهج لها يتمظهر في تشويق المتلقي وتحفيزه بلغة بلاغية هادفة لمعالجة مشكلة تتبلور من خلال عرضها بشكل قصصي حواري يحمل شروط القص السردي من تشويق وتحفيز وتبئير مباشر وغير مباشر داخل النص وخارجه.عن طريق المروي والمروي له!
بلغة سردية تتشابك وتتعالق وتتماهى بين المسرح والقص القصير عن طريق الحوار المشوق لينتهي بقفلة مشتركة تخدم فكرة النص على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والتعليمية والتربوية.
وتجند لخدمة غرضها حوارًا استفزازيًّا يخدم موضوع النص ويسرع وتيرة الأحداث ويؤججها من خلال رصد عقدة تنعطف نحو الانفراج والانفتاح على حلول ترصد المشكلة المطروحة عن طريق الحوار السردي المشاكس, لتقف على أرض صلبة بعد تفجر كيان النص الحواري بصراعات ومناقشات ساقها الحوار المتأزّم بلغة بلاغية لا تحتمل الشطط ولا الحشو, تحدث في النفس تفاعلات وانفعالات تحقّق الغاية المنشودة من طرح المشكلة…
كل التوفيق د.عبير في هذا الفن الوليد والذي رأى النور على يديك من خلال استثمارك له قصصيًّا ومنهجتِه ضمن أطر مدروسة وهادفة ومحققة بإذن الله.
إيمان فجر السيد.2017

٣رأي الكاتبة المصرية الأستاذة عبير العطار بالحوارية:

إن تجنيس الأدب شئ ضروري في عصر انتشرت فيه الكتابة العشوائية, ولم يكن هناك توضيحات لكل هذه الأجناس البينية، فلذا تعتبر الحوارية جنسًا أدبيًّا بينيًّا جديدًا صالحًا لمواكبة الجديد في الأدب, بما يتمتع به من مواصفات جديدة تجمع بين القص والمسرحية ولطالما احتجنا إلى تلك التصنيفات برسم ٍ لخطوطها الرئيسية لمساعدة الأجيال الجديدة الغير قادرة على تحديد الهوية لنصوصها الأدبية أن تجد مكانًا يتسع لعملها الأدبي .

هذا وأجد الحوارية تحملنا نحو ما نسميه الاختزال والتركيز الذي هو سمة العصر الحديث, حيث لم تعد السردية هي فقط الكتابة المطوّلة بل بالإمكان أن نصل إلى الهدف المرجو دون إسهاب أو تطويل بمهارة لا يتقنها كثيرون, بل إنها أصعب من الكتابة الاعتيادية.
الشروط التى تم وضعها لهذا الجنس البيني أتت كمحصلةٍ دراسة متأنية كي لا يتم تشتيت الكاتب ولا حتى القارئ, ويسهل على كافة الأطراف تعريفها .
وعموم الأجناس الأدبية حين يُطالب الناقد بنقدها لابدّ بداية أن يدرجها تحت بنود تسهّل عليه مهمته لا لتصعبها، ثم يستخرج منها الإبداعات المطروحة كي لا تسبح الكتابة في بحر العشوائية المطلقة.ثم إن ذلك الجنس البيني يُطلق سراح الأفكار المحتبسة لدى الكاتب حين يأتيه الإلهام الوقتي أو الآني لطرح فكرته, فلربما الدفقة الكتابية في هذه الحالة لا تتطلب كثيرًا من السرد ولا التطويل لكنها تحتاج مهارة في الطرح والتركيب.

٤رأي الأديبة اللبنانية الأستاذة صفا شريف بالحوارية :

دكتورة عبير، أوافقك الرأي على أن للحوار أهمية كبرى في الكشف عن مقومات شخصيات النص وعن آرائهم وانتماءاتهم بالإضافة إلى الثقافة التي ينتمون إليها، والبيئة المنحدرين منها، فهو يساعد على الكشف عن الحالة النفسية للمتحاورين وعن أنواع الأمراض إن وجدت، فمعظم علماء النفس تكتشف الأمراض من خلال الحوار (سؤال ..وجواب).
جدير بالذكر أن للحوار ميزة في شدّ القارئ والسامع وكسر الرتابة من خلال الحركة الدائمة المتآتية من سؤال وجواب ..أخذ وعطاء. سعدت بالتعرف على الأجناس الجديدة التي اكتشفها كل من د. عبد الرزاق الغالبي والدكتورة عبير .
الموقف المقالي الذي هو بين المقال وبين القص القصير كما قال دكتور رزاق يحمل مكونات القصة والمقال معًا، جمع المقدمة المشتركة والنهاية مرورًا بالوضع الأولي والعقدة والحل .
المقطوعة السردية التي أعدها نتاجًا راقيًا بين الشعر والقص القصير.
والحوارية التي توصلت إليها الدكتورة عبير من خلال الحوار الناتج عن سؤال وجواب .
الشكر لكما على هذا التعب، وأحب أن ألفت نظركما على أن كل جديد له مؤيدوه ومعارضوه .
بالتوفيق .

٥رأي الأديب السوري الأستاذ عماد الشيخ حسن بالحوارية السردية :

لا أشك للحظة واحدة أن السرد القصصي له إطاره الممنهج، وأراه كقالب الصب له حدوده المغلقة ويقيد الكاتب عن تجاوز أطر الرسومات الخلاقة، في عالم الترميز القصصي تتوسع دائرة التحرك للكاتب، فتتعدّد وسائله التي تتجاوز القوالب، فيأتي بنص سردي يرمّز فيه أفكاره التي يسعى لطرحها، أما أن يتاح للكاتب دمج السرد والترميز وإخراجه من بوتقته بحوار يفترضه الكاتب ويلاعب شخصين أو أكثر، فأظنّ أنّ تعدد الأدوات الطارحة للفكرة الموضوعة في نص حواري يتأرجح على حبلي السرد والترميز، أراه يشكل تميزًا خاصًا يلفت ويشد انتباه القارئ، فتصل له الفكرة بشكل سلس, وخاصة إن تمكن الكاتب من جعل أفكاره تلاعب خيال القارئ.

٦ رأي الأديبة السورية الأستاذة ريتا الحكيم:
النماذج المعروضة كأمثلة على الدراسة المذكورة هي في واقع الأمر تطبيق لكل المعايير التي حُدِّدتْ فيها لتكون مؤهلة لتسميتها بهذا الجنس الجديد (الحوارية)؛ فقد توفرت فيها كل الشروط، من حيث الموضوع الذي يندرج في حوار سردي، لنتلمس فيه تشابكًا سرديًّا، وعقدة، وانفراج ونهاية.
برأيي، مشهدية السرد تجلت بأبهى حلةٍ في القصص الثلاث. القارئ ليس متلقٍ فقط، وإنّما يتفاعل مع الأحداث من خلال الحوارات التي وضعته في موقعين في آنٍ معا، المشاهدة والقراءة، وكأنه أمام شاشة كبيرة، يتابع منها ما يجري، وهذا يحسب لصالح النصوص المعروضة.
إلا أنني أرى في نص المرفق أن تعدُّد الشخصيات في الحوار، أثار بعض الفوضى والشتات للقارئ.
نص طرح مشكلة اجتماعية معقدة، ولم تُحلْ منذ عقود، توَّجها الحوار لتصل إلينا على شكل فيلم سينمائي، يحرك فضول القارئ ويُحفِّزه على التفكير بعمق في هذه المشكلة التي تشمل كل أفراد المجتمع بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية، إذن النص طرح مشكلة وعرض حلولا لها، ولو بعد حين، حيث أن الكاتبة أشارت إلى الأمل.
نص (مركب نقص) أيضًا طرح مشكلة اجتماعية، سادت وتمكّنت في النفوس من خلال انتقالها من جيل إلى جيل، بما نسميه الموروث الاجتماعي،



المشكلة، يستنتجها القارئ من خلال الحوارات وليس بأسلوب مباشر، وهذا ما أعطى للنص قوةً، وأظهرت مدى براعة الكاتبة في هذا الجنس الأدبي الجديد.
باختصار، أنا لم أكن أقرأ نصوصًا عادية، ومباشرة في طرحها، بل كنت متلهفة ومتحمسة لكل فكرة وردت فيها، مع التنويه إلى أنني كنت أرى كل شخصية، وكيف تتحرك، وتفكر.











رابعاً: الخارطة الجنسية للحوارية السردية





.











رابعاً: الخارطة الجنسية للحوارية السردية










رابعاً: الخارطة الجنسية للحوارية السردية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا