الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
صور الحرب الفوتغرافية
ساطع هاشم
2023 / 11 / 3الارهاب, الحرب والسلام
حتى وقت قريب كانت عندي هواية جمع الصور الفوتوغرافية بمواضيع مختلفةً من هذا العصر الامبريالي الوحشي الذي نعيش به، عندما اراها متميزة عن المعتاد مما ينشر، وغالبيتها صور صحفية لاشخاص او لاحداث واقعية وقد جمعتها في اوقات مختلفة ومن مصادر مختلفة، صحف، مجلات، انترنيت وغيرها، ويمكنني أن أبعثرها الان حولي، لكي ألاحظها أو أتجاهلها, وبها صور مدن موحشة لاتكاد ترى فيها بشرا او صور من مدن أموات غارقة في القهر والاستلاب والعبودية نتيجة الحروب الدائمة، جمعتها حتى اوضح لنفسي ما اعتقد انه سيجري بعد حين.
لكن الصور والافلام التي تم بثها ونشرها على مدى الاسابيع الماضية ورعبها من غزة, لايمكن ان اقارنه باية صورة احتفظ بها, فهي شهادات حية مروعة عنيفة قوية ولا توجد شهادات اكثر منها وضوحاً على جرائم الاعداء, فالناس تقف امام الجثث كل ساعة مثل الموت نفسه وكانما يحثهم على الاقتراب منه أكثر فأكثر ليأخذوا نصيبهم من الخراب.
اقيم على الجانب الآخر من العالم بعيدًا عن الشرق الاوسط، حالي من حال بقية المنفيين، محاصرين بعقائدهم وكانهم داخل جدران مباني سميكة, وبعضنا يتأرجح للخلف وللأمام في حالة ذهول دائم مما اصابنا، كما لو أنهم سقطوا من السماء السابعة.
حالما سمع الناس الأنذارات، توقفوا عما كانوا يفعلونه، توقفت الاعمال والازامل، وحجبت النساء أنفسهن، ورفع الرجال رؤوسهم وانتظروا، وكان الناس منتشرين على طول وعرض الاحياء السكنية يراقبون الاحداث حولهم، وبعد عدة ساعات كانت هناك انفجارات وقصف وحرائق ولا يأمل أحد في الهروب من بلواها وترك ضحاياها، ودماء القتلى والجرحى تتسرب في أرضية المنازل وعلى طول الطرقات وفي الحقول وبالقرب منها, وتنتشر على سطح الماء.
قام رجل بتحريك صخرتين ليضع رأس رجل جريح ثابتاً بينهما بعد ان أيقظه من غيبوبة بلمسه على كتفه وهو يحدق به وكانه غير معتاد على الاستسلام، ثم وضع شريط سميك من القماش المضفور على زند الجريح وشده بقوة لإيقاف النزيف، بينما القنابل تتساقط من الطائرات واجساد الرجال شبه العراة الذين يرتدون الملابس القليلة وهم يتحركون عبر الانقاض لانقاذ الناس, والنار فوق رؤوسهم وهم في مواجهة مباشرة مع الجنود، وكذلك مع حوافي المباني المقصوفة بشكل عنيف.
وفي المساء وقفوا، وصفوف الجثث موضوعة على التراب امام المستشفيات او الجوامع المحروقة مثل صيد الصيادين في البوادي, وشواهد القبور في المقابر تزداد كل ساعة.
كان هذا بعضا مما رايناه على شاشات التلفزة, وكأن كل شيء حولنا يؤكد لنا شهادته الاليمة, ففي بعض الأماكن، كان مازال بالامكان رؤية الاعمدة المكسورة ملقاة مثل الصخور السوداء على الأرض، وكان الخشب في بعض الاحياء صلباً لدرجة أنه نجا من القصف والحرائق, وكل واحد منا تابع الاخبار وشاهد الخراب لابد انه علق بغضب وبحزن واسف على منظر الاطفال والنساء والموتى والأرض والطبيعة والطريقة التي دمرت بها، فحتى المناخ بدا جحيماً.
لقد احزنني المكان، على الرغم من أنني كنت أعرف أن كل شيء قد مر بالعديد من التغييرات الكارثية وكان غالبًا على وشك الخراب التام، إلا أنه لم يخطر ببالي مطلقًا أن هيكل المنطقة قد اختفى ولم يعد موجوداً، أو أنه من غير الممكن أن تخرج من رمادها.
صورة لامرأة ترتدي تنورة سميكة من القماش الأحمر وغطاء راس أسودًا مخمليًا ضيقًا مطرزا بخيط ذهبي, وقصة الدمار الذي خلفته الحروب بارز في عينيها, وحولها الجدران ملطخة بالكتابات الغاضبة والفضلات, وقطع من الفسيفساء على الأرض محطمة, والأرض مبعثرة بشظايا صغيرة من العظام لجماجم بشرية, معظم القرى في صور اخرى كانت في حالة خراب ولم تكن المنازل سوى أكوام من الطين.
سطح منزل لامرأتان، لدى أحدهما أقدام عارية، مشوهة لدرجة أنه من المؤلم النظر إليها، والآخرى على وجنتها شامة سوداء جميلة، أسفل تجويف عينها العمياء.
موكب جنازة حيث رقد جثمان فتاة مقتولة برصاصة ترتدي ملابس بيضاء في تابوت مفتوح في عربة والمشيعون يتبعونها بملابسهم السوداء.
رجل حافي القدمين يرتدي ملابس رثة وقذرة وعصا في يده وهناك تعبير كآبة رهيبة في عينيه، ويسير بجانب اسلاك من الحديد باتجاه المجهول.
من اية طينة خلقت هذه الوحوش البشرية القادرة على هذه الكراهية والانتقام؟
وكيف ستكون حروبهم القادمة؟ وهل سيشعرون بالاثم والعار في مستقبل الايام؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي