الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتجاهات الفلسفية كموضوع بحث: مسألة قوانين تاريخ الفلسفة

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2023 / 11 / 3
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مؤلّف المقال: تيودور اليتش اويزرمان*

ترجمة مالك أبوعليا

غالباً ما يُقال بأن تاريخ الفكر الفلسفي هو كوميديا الأخطاء، وهو أحد أبعاد تاريخ الفكر الانساني. ان البحث عن نظرة صحيحة عن العالم، والأخطاء المأساوية، واستقطاب الفلسفة في اتجاهات تتقاطع فيما بينها، والذي يُنظر اليه (الاستقطاب) أحياناً على أنه فضيحة أزلية في الفلسفة، كُل هذه ليست مُجرّد عمليات بحث ومُعاناة للمُفكرين الفرديين. ولكن هل التناقضات والأزمات، ونبذ الحقائق Truths لصالح التصورات الخاطئة الذي يحدثُ منذ زمنٍ طويل، والتي دُحِضَت منذ زمن طويل ولكن اعتُبِرَت بعناد أنها صحيحة، أقول، هل جميع هذه الأشياء هي سمات الفلسفة وحدها؟ الفلسفة هي الصورة الفكرية للانسانية، وتتسم تناقضات تطورها بأهميةٍ كبيرةٍ في السيرة الذاتية الفكرية للانسانية.
ان تعدد النظريات الفلسفية وتنوع التيارات والمدارس والاتجاهات، هو واقع مُسجّل تجريبياً، وهذه حقائق أساسية يجب أن تكون دراستها احدى النقاط الأساسية للوصول الى نظرية علمية في تاريخ الفلسفة. لكن من الواضح أنه من الضروري الانطلاق من التمييز بين المفاهيم التي تُميّز تنوع المعرفة الفلسفية والوعي. نحن، وبدون أن ندّعي تعريفاً صارماً، نعتبر النظرية الفلسفية ظاهرةً أساسية في تاريخ الفلسفة. تتشكل المدرسة الفلسفية اذا وُجِدَت نظرية مُعينة أنشأها فيلسوف فرد أو مجموعة من الأشخاص، ثم وجَدَت أتباعاً يواصلونها ويُطورونها ويُعدّلون عليها. ان التيارات، هي مجموع التنويعات التي تعود الى نظرية فلسفية واحدة، تُطورها مدارس مُختلفة، وتتنافس مع بعضها. الاتجاه، هو مُجمل التيارات الفلسفية (وبالتالي النظريات أيضاً)، التي، على الرغم من كُل اختلافاتها، تشترك في بعض الأفكار الأساسية، والتي تمتلك مُقدمات مُشتركة. هذا ينطبق، على سبيل المثال، على العقلانية والتجريبية واللاعقلانية، بالاضافة الى المادية والمثالية.
ان الصراع بين النظريات والتيارات والاتجاهات الفلسفية، والذي يطرح التساؤلات حول امكانية التوصل الى اتفاق أو تفاهم مُتبادل-خاصةً فيما يتعلق بالمسائل الأساسية الحاسمة- يخلق عند الأشخاص من خارج مجال الفلسفة، موقف شكّي على أقل تقدير تجاه هذا المبحث، على عكس العلوم الأُخرى، التي يُمكن للمُلاحظ العادي أن يحس بثمارها. لكن الفلسفة، على الرغم من أنها لا تَعِد بالكثير، وتُنتِج أقل، كما يعتقد البعض، الا أنها تمتلك قوة جذب هائلة- حتى أن هُواة الفلسفة المارين بجانبها مرور الكِرام، ويعتقدون أنه من الضروري التخلص من الفلسفة كمبحث وبأنه ليس لها أي قيمة عَمَلية، مُجبَرون على الاعتراف بها. انها على أقل تقدير مدرسة للتفكير النظري، وقد تكون مُدهشة حتى لأُولئك الذي يستهينون بأهميتها. يقول فريدريك انجلز أنه من أجل تطوير واستكمال هذه الموهبة، فإنه "لا توجد لهذا الغرض حتى الآن أي وسيلة غير دراسة الفلسفة السابقة كُلها"(1).
من أهم شروط الدراسة المُثمرة لتاريخ الفلسفة فهم خصوصيات تطورها. ومع ذلك، فإن تطبيق فكرة التطور على تاريخ الفلسفة هو مُهمة صعبة ومُعقدة للغاية. يتميز التطور، بالاتجاه والاستمرارية واللارجعة والتغير النوعي والانتقال من البسيط الى المُعقد ومن الأدنى الى الأعلى. في حين أن دراسة تاريخ الفلسفة تكشف هذه الخصائص في عملية التطور، الا أنها أيضاً تكشف عن اتجاهات مُعاكسة لا تتوافق معها على ما يبدو: نفي النتائج الايجابية التي حققتها الفلسفة في الماضي والعودة الى المفاهيم التي أصبحت قديمةً تاريخياً، والتي سبق وأن تم دحضها. يتجلّى هذه التناقض وتظهر هذهالسمات الخاصة بتطور الفلسفة في التعايش بين النظريات والتيارات والاتجاهات المُتعارضة، وفي الصراع فيما بينها. ان استبعاد نظرية فلسفية وحلول أُخرى محلها هو ظاهرة مفهومة تماماً، لأن هذا النوع من العلاقة موجود في نظريات مُختلفة في العلوم الأُخرى. لكن الاستبعاد المُتبادل للاتجاهات الفلسفية الرئيسية هو الوضع الذي يُميّز الفلسفة عن أيٍّ من المباحث الأُخرى.
تُعَد مسألة "الاتجاهات"، من أهم المسائل في البحث في سمات تطور الفلسفة. من الصحيح، ان الاتجاهات توجد في جميع العلوم، لكنها هُناك تُشكّلُ اتجاهاتٍ في البحث، والتي تتطور معاً بالتوازي وتُوفر دعماً لبعضها البعض. بطبيعة الحال، كان هناك صدامات حادة جداً في تاريخ العلم: يكفي أن نذكر علم الفلك، وصراع الأفكار في البيولوجيا المُرتبط بالداروينية. ومع ذلك، يتعلق الخلاف العلمي، في مُعظم الحالات، بمشاكل مُحددة، يتم التوصل الى حلها من خلال المُلاحظة والتجربة والاختبارات في المُمارسة العملية. بقدر ما يتعلق الأمر بالمُناقشات الفلسفية، فهي ليست مُجرّد مُناقشاتٍ نظرية، ولكنها تضم في ذاتها النظرة الى العالم والايديولوجيا. لذلك، تتطور الاتجاهات الفلسفية فقط في الصراع مع بعضها. يرجع ظهور "الاتجاه" في الفلسفة الى حقيقة وجود أنظمة نظرات فلسفية (وكذلك سياسية ودينية) أُخرى، والتي تُعبّر عن نفسها ضدها.
في هذا الصدد، ليس أنصار الاتجاهات الفلسفية المُتنوعة على الاطلاق مثل هؤلاء الأساتذة القُدامى المُنعّمين الذين يُشاركون في المناقشات فقط لأنهم على اتفاقٍ جوهري مع بعضهم البعض. لكننا سنرتكب خطأً فادحاً اذا بدأنا نعتبر الاختلاف في الآراء الفلسفية واستقطاب الاتجاهات الفسلسفية كتطور ذاتي مُلازم للمعرفة الفلسفية. ان الاسطورة القائلة بأن الادراك يتطور بنفسه، وهي اسطورة اصطنعتها الفلسفة المثالية، تم دحضها بشكلٍ مُقنعٍ من خلال التطور الاجتماعي اليوم. تعكس الفلسفة، مثل الأشكال الأُخرى من المعرفة الاجتماعية، الوجود الاجتماعي والصراعات الطبقية وتناقضات التقدّم الاجتماعي. لا يفترض تطور الفلسفة موقفاً تجاه التراث الفلسفي السابق وحسب، بل يفترض أيضاً تفسيراً نظرياً للتجربة التاريخية للمُجتمع، وتحليلاً لمُنجزات العلوم الطبيعية والاجتماعية ومُقارنته مع تطور أشكال الوعي الاجتماعي الأُخرى، مثل الدين والفن والأُخلاق. كل هذا، يضع بصمته على مُحتوى النظريات الفلسفية الى جانب أشكال تطورها.
يُمكننا أن نُعرّف مُشكلة الاتجاهات الفلسفة اذا أردنا أن نتحدث عن هذا مجازياً، كمُشكلة اختلافات الأنواع الخارجية intraspecies والانواع الداخلية interspecies. بهذا المعنى، فإن مهمة تاريخ الفلسفة كمبحث تُشبه المهمة التي حلّها داروين في زمنه: مهمة بحث أصل هذه الاختلافات. بالاضافة الى ذلك، هناك أهمية كبيرة لتوضيح أسباب الاختلافات الطفيفة نسبياً بين النظريات الفلسفية التي تشتمل على اتجاهٍ واحد أو تيارٍ أو مدرسةٍ واحدة. هذا يُشبه تماماً المهمة التي طرحها داروين: تحديد أسباب الاختلافات بين الأنواع المُتشابة، مثل الحصان والحمار أو زهرة البنفسج والبنفسج المُثلث.
رأى داروين أن الاختلافات بين الأنواع الداخلية نشأت تحت ضغط التطور، حيث كان افتراق خصائص الأنواع الخارجية، والتكيف لظروف البيئة، والصراع من أجل البقاء مُكوناتٍ مُهمة. ان النظريات الفلسفية والتيارات والاتجاهات، بالتالي الاختلافات بينها، هي أيضاً نتاج للتطور التاريخي، حيث صارت الاختلافات الأولية بين عددٍ صغير من النظريات ملحوظةً وأعمق من السابق. أدى هذا الاختلاف في النظريات الفلسفية الى ظهور مفاهيم ونظريات وأنظمة فلسفية جديدة. لم تكن النظريات الفلسفية اللاحقة ترث ببساطة ما كان عند سابقاتها، بل عارضتها أيضاً، وقامت بانتقاء أفكارٍ منها فتبعثها الى الحياة مُنطلقةً من ظروفٍ اجتماعيةً-اقتصادية جديدة.
وبالطبع، هذا التشبيه بين العملية التي تحدث في تاريخ الفلسفة وصورة تطور الكائنات الحية ليس أكثر من مُجرّد تشبيه فعلي. لكن التشابه لا يحدث في الفكر وحسب، بل يحدث في الواقع الموضوعي أيضاً. وفي هذا السياق، غالباً ما تُثبِت بأنها علاقات تشابه ذات أهمية.
يقودنا تحليل تاريخ الفلسفة الى استنتاج مفاده أن الفلسفة، كانت، على مدار 2500 عام، المجال المعرفي الوحيد الذي كان الاتفاق بين أبرز مُمثليه هو الاستثناء وليس القاعدة. في العلوم التي غالباً ما يُطلَق عليها بأنها علوم دقيقة أو خاصة، تُشكّل مساحة الاختلافات جُزءاً صغيراً نسبياً من المنطقة الشاسعة التي تم تفسيرها جيداً، وهنا يسود السلام والتوافق. يختلف الوضع في الفلسفة: كان ايقاع تطورها الداخلي هو المواجهة المُستمرة. وعادةً ما يبرُزُ الفيلسوف العظيم، كمُفكرٍ-أكثر من أي أحدٍ غيره- يُخالف ما أكّدَ عليه سابقيه. هذه على الأقل، قناعته، والتي تعكس بهذه الدرجة أو تلك وضع الأشياء الحقيقي. ولذلك، فإن إعلان فيخته الذي يستهدف مُعارضيه الفلسفيين، هو نموذجي هُنا: "أنت وأنا ليس لدينا نُقطة مُشتركة واحدة يُمكننا أن نتفق على أي شيءٍ على أساسها"(2). من الواضح أن فيخته بالَغَ في اختلافاته مع المثاليين الآخرين. ولكن، كانت هذه الاختلافات كبيرةً جداً. كان نظام فيخته الفلسفي في صراعٍ عميق حتى مع نظرية كانط، التي كانت استمرارً مُباشراً لها. هذه الحقيقة، تُوضّح بعُمق الاختلافات الفلسفية حتى في إطار الاتجاه الفلسفي الواحد نفسه، وهو في حالتنا هذه، الاتجاه المثالي.
في كتاباتنا، عادةً ما تتجه الأنظار في الاتجاهات الفلسفية الى تحديد التناقضات بين المادية والمثالية. غالباً ما يحصل القارئ على انطباع بعدم وجود اتجاهات أُخرى في الفلسفة. ولكن إن كان الأمر كذلك، فما هو المعنى من تحديد الاتجاهات الفلسفية الرئيسية؟ ومع ذلك، دراسة الاتجاهات الفلسفية الرئيسية على وجه التحديد هي التي تجعل من الضروري بحث تنوع الاتجاهات الفلسفية برمتها، ومُقارنتها بالمادية من جهة، وبالمثالية من جهةٍ أُخرى.
ان تاريخ الفلسفة هو صورة لأعظم تنوع في الأفكار والتوترات الدرامية. لا توجد نظرية يُمكن تحديدها بشكلٍ ملموس بمُجرّد تصنيفها على أنها تنتمي الى أحد الاتجاهات الرئيسية، كما لا يُمكن تحديد سمات أي كائن حي بالاشارة الى سمات نوعه. لقد كان لايبنتز وبيركلي وشوبنهاور جميعاً مثاليين، لكن هذه الحقيقة التي لها أهمية قُصوى، لا تبيّن لنا الاختلافات بين تعاليمهم، وهي اختلافات نقول أنها جوهرية تماماً. من الضروري، لأجل فهم هذه الاختلافات-على أقل تقدير-، دراسة التناقضات ليس فقط بين العقلانية والتجريبية، ولكن أيضاً بين العقلانية واللاعقلانية. بالاضافة الى ذلك، من الضروري دراسة السمات النوعية للميتافيزيقيا التأملية والظاهراتية والجوهرانية والتعددية والاسمية. وهذا لا يعني أن فكرة المثالية تفشل في تحديد جوهر تعاليم لايبنيتز وبيركلي وشوبنهاور. ما نتحدث عنه هو أن نُمسِكَ بذلك الجوهر بشكلٍ ملموس، أي دراسة الأشكال المُحددة التي تتخذها المثالية وتفرّد النظريات المثالية المُتنوعة.
لقد كان تعدد وتكاثر النظريات والتيارات والاتجاهات الفلسفية يؤدي دائماً الى عدم الثقة في قُدرة الفلسفة على حل المسائل التي تطرحها وتُناقشها. لقد طَرَحَت الشكية الفلسفية الكلاسيكية القديمة، التي انخرطَت في وصفٍ منهاجي للاختلافات بين الفلاسفة، الفكرة التالية: لا يُمكن للفلسفة أن تكون علماً، لأن الفلاسفة يحملون وجهات نظر غير مُتوافقة حول نفس المسائل. ومع مرور الزمن، لم يكن الشكيون يتخذون هذا الموقف وحسب، بل اتخذه كذلك المُفكرون الذين كانوا مُعادين أساساً للشكية. كَتَبَ جان جاك روسو،, الذي رأى أن وظيفة الفلسفة بمثابة أداة للتربية الأخلاقية والتغيير الاجتماعي، أقول، كَتَبَ بغضب عن الفلسفات المُتنافسة: "أنا أسأل فقط، ما هي الفلسفة؟ ماذا تحتوي كتابات أشهر الفلاسفة؟ ما هي الدروس التي تلقاها أصدقاء الحكمة هؤلاء؟ للاستماع اليهم، هل من المُستحيل حقاً اعتبارهم حشداً من المشعوذين، كُلٌّ منهم يصرُخُ في الساحة العامة: تعالوا الي، أنا الوحيد الذي لم أُخطئ أبداً؟ يؤكد أحدهم أن الأشياء غير موجودة على الاطلاق في الطبيعة، وأن كُل شيء هو مُجرّد فكرتي عنه. ويؤكد آخر، أنه لا يوجد أي شيء سوى المادة، لا اله، فقط الكون. ويُعلِنُ أحدهم أنه لا توجد فضائل ولا رذائل، وأن الخير والشر في عالم الأخلاق هي مُجرّد ابتداعات، ويُعلن آخر أن الناس ذئابٌ ويُمكنهم أن يلتهموا بعضهم البعض بضمائر مُرتاحة"(3).
انتَقَدَ هيغل بذكاء تفسير الشكيين لتاريخ الفلسفة باعتباره نظرات يتبناها العقل اليومي الذي يدّعي العُمق الفلسفي، وبأنه يُسجل الاختلافات والخلافات التي تظهر على السطح دون مُلاحظة الوحدة الواضحة بين وجهات النظر تلك. اعتَبَرَ هيغل أن الاختلافات بين التعاليم الفلسفية هي تناقضات في عملية تطور الحقيقة المُطلقة الشاملة، والتي تُعبّر جوانبها (أي الحقيقة) الفردية عن فلسفاتٍ مُتباينةٍ تماماً للوهلة الأُولى. توصّلَ هيغل، في التحليل النهائي، الى استنتاج يقول أنه على الرغم من الوضوح المُباشر وأفكار الفلاسفة الذاتية حول أنظمتهم الفلسفية، فإن ما يوجد ليس فلسفات مُتعددة غير مُتوافقة، بل فلسفة واحدة تتنوع أشكال أُسسها وتطورها التاريخي بشكلٍ كبير. لقد أكّدَ بشكلٍ مُباشر أنه "لا توجد سوى فلسفة واحدة" و"في تاريخ الفلسفة أشكال ودرجات عدّة، انها صور ودرجات العالم المعقول الوحيد"(4). كُل نظرية فلسفية مُتميزة، وفقاً لهيغل، تستوعب مُنجزات الفلسفة السابقة لها، تدمج نظريات أسلافها، وفي الوقت نفسه توسّع حدودها وتُزيل أُحادية جانبها. وهكذا يُصبح تاريخ الفلسفة "موكباً للمنظومات الفكرية الفلسفية كلما تقدمت للأمام"(5).
لَعِبَت المُقاربة الدياليكتيكية التي اتبعها هيغل-والتي بموجبها اعتبَرَ الاختلافات بين النظريات والتيارات والاتجاهات الفلسفية موجودةً ضمن وحدة Unity أساسية للمعرفة الفلسفية- دوراً هائلاً في تشكيل تاريخ الفلسفة كمبحث. ولكن هيغل بالَغَ كثيراً في انسجام تطور الفلسفة، والتي صورها على أنها عملية انبثاق الوعي الذاتي المُطلَق، مُنظمة بشكلٍ صارم ومستمر ومنطقي. والحقيقة، أن مثل هذا الانسجام غير موجود، لا في تطور الفلسفة ولا في تاريخ العلوم الطبيعية(6).
في تاريخ الفلسفة عند هيغل، لا يُعد تعدد الأنظمة حقيقةً Fact بقدر ما يكون تمظهراً للحقيقة Fact، ويُقضى على هذا التعدد من خلال انتصار "الروح المُطلَق". يُجيب هيغل، رداً على سؤال الشكيين (وليس فقط هُم) حول ما اذا كان من المُمكن أن تكون الفلسفة علماً ان كان هُناك تعدد للاتجاهات الفلسفية غير المُتوافقة، يُجيب، أنه لا يُوجد سوى اتجاه فلسفي واحد حقيقي ومُتقدم بالفعل: المثالية. يرى هيغل أن الوجود، كما هو موجود، قد يكون واقعاً فيزيقياً، ولكن الوجود لذاته هو دائماً مثالي (فكري). أكّدَ هيغل، أن المثالي (الفكري) هو حقيقة كُل ما هو ملموس ومادي وفردي ونهائي. "مثالية (فكرية) Ideal النهائي المحدود هذه هي الافتراض الأساسي للفلسفة، وبالتالي كُل تعاليم فلسفية أصيلة هي بالتالي مثالية"(7).
على الرغم من العبقرية التي طرَحَ بها مسألة الطبيعة المشروطة للتمايز والتطابق في النظريات الفلسفية، فإن حل هيغل لمسألة وحدة المعرفة الفلسفية هو حل غير صحيح ويُخفي التباعد المُتزايد بين النظريات الفلسفية واستقطاب الفلسفة الى اتجاهات مُتضادة، أي المادية والمثالية. كانت المُقدمات الانطولوجية لمفهوم هيغل حول تاريخ الفلسفة وما يرتبط بها من مُقابلة تأملية بين الفلسفة والعلوم الخاصة، التي يُزعَم أن موضوع دراستها هو شكل مُغترب من تمظهرات المُطلَق، قد أدّت بهذا الفيلسوف العظيم الى الاستهانة بالصراع بين المادية والمثالية، والفشل في فهم المغزى العميق لذلك الصراع. يتضح، أن المادية، في تفسير هيغل، هي في الأساس فلسفة العقل اليومي، والتي لا تنجح سوى على هامش تاريخ الفلسفة. لقد قلل هيغل من دور العلوم الطبيعية في تطور الفلسفة، وبدا له، نتيجةً لذلك، أن تطور الأخيرة هو عملية مُستقلة عن التدخل "الخارجي"، وقد مَنَعه هذا من فهم أهمية النظرة المادية الى العالم، والتي كانت، حتى ذلك الوقت، راسخةً في العلوم الطبيعية.
ان التغلّب على أُحادية جانب فكرة هيغل حول تاريخ الفلسفة لا تنحل فقط بمُجرّد استعادة المعنى الحقيقي لتناقض المادية والمثالية. هناك حاجة الى فهمٍ جدليٍّ أعمق لتاريخ الفلسفة بأكمله، والذي طوّرته الماركسية. ولكن الأبحاث البرجوازية في تاريخ الفلسفة، التي لم تقبل فهم هيغل للتطور المُتقدم للفلسفة، عمَّقَت الفكرة اللادياليكتيكية حول تاريخ الفلسفة والتي نقَدَها هيغل بشكلٍ صحيح. يكمن جوهر هذه الفكرة اللادياليكتيكية في انكار تطور الفلسفة، ووصف تاريخها على أنه سلسلة غير مُنتظمة من المُحاولات لحل المسائل الفردية، وهي المُحاولات التي دحضها باستمرار الفلاسفة اللاحقين الذين ادّعوا انهم هم على وجه التحديد من حلّ تلك المسائل. ليس من الصعب أن نُدرِك أن هذا الفهم لتاريخ الفلسفة لم يختلف عن فهم الشكيين لتاريخ الفلسفة سوى بالدوغمائية المُعتمدة على فكرة "المسيح الفلسفي المُخلّص".
تاريخ الفلسفة من وجهة نظر فيلهلم ديلتاي Wilhelm Dilthey، يُعبّر عن جوهرانية ولاعقلانية الوجود الانساني، والذي تمنع طبيعته العفوية، الاتساق واعادة الانتاج التي تتطلبها القوانين، وهي الخصائص الموجودة في البُنى غير العضوية. ان تاريخ الفلسفة هو عبارة عن فوضى من الأنظمة الفلسفة، يُعيد كُلٌّ منها انتاج معنى الحياة على الصعيد الفكري في كل مرحلةٍ تاريخية، ولا تخضع تلك الأنظمة للتقييم على انها صحيحة أو خاطئة، كُلٌّ منها موجودٌ على هذا النحو ببساطة، كما هو حال الحياة نفسها. وهكذا، لا يُنظَر الى التفلسف عنده بأنه تحصيل الحقيقة أو اكتساب المعارف حول مُحتوىً ملموس، بل هي ادراك ذاتي وكشفاً لمعنى الحياة التي ينشأ منها كل اتجاه (أو نمط) من التفلسف.
في حين رأى الفلاسفة الكلاسيكيون ما قبل الماركسية في حقيقة التعايش والتنافس والصراع بين العديد من الأنظمة الفلسفية دليلاً على ضعف الفلسفة، وهو الضعف الذي يجب التغلّب عليه من خلال ايجاد طُرُق علمية لدراسة المسائل الفلسفية، فإن مُفكري اللاعقلانية المُعاصرين، الذين ساروا على خُطى ديلتاي، اعتبروا أن فوضى الأنظمة الفلسفية ليست فقط حالةً طبيعيةً تُميّز الفلسفة، ولكن دليل على تفوق الفلسفة على العلوم الخاصة "اللاشخصية". يبدو أن الفيلسوف اللاعقلاني مدفوع بحقيقة أن الاقتناع بأن آرائه الفلسفية صحيحة، يعني تجاهل المعنى الحقيقي للفلسفة، والذي (المعنى) لم يُكتَشَف الا في يومنا هذا. وهو يُعلن أن هذا الاقتناع هو تحيّز قديم، ويقترح كقانونٍ نظري، التأكيد على أن جميع التعاليم الفلسفية الموجودة الآن والمُمكنة في المُستقبل غير قادرة على أن تحتوي الحقيقة الموضوعية، ولكنها تمتلك القُدرة على احتواء معنى الحياة، والذي تتحدد أهميته (معنى الحياة) بالمناخ الفكري للفترة المُعطاة. وكمثال على هذا النوع من التفسير الذاتي لتاريخ الفلسفة، يُمكننا أن نستشهد بتيار "فلسفة تاريخ الفلسفة" الأُوروبي الغربي المُعاصر، والذي يقف على رأسه مؤرخا الفلسفة المُبجّلين، الفرنسيين هنري غوير Henri Gouhier ومارتيل غيرو Martial Gueroult. من وجهة نظر هذه "الكلمة الأخيرة والحاسمة" في تاريخ الفلسفة، فإن ما يمنح الفلسفة معنىً وتأثيراً مُهماً هو اختلاف التأكيدات والنظرات والاتجاهات الفلسفية وحده. ان ما اعتبره الشكيون عيباً لا يُمكن التغلّب عليه في الفلسفة، وهو كما يشهد التاريخ، تم التغلّب عليه عن طريق تطور الفلسفة نحو نظرة مادية علمية الى العالم، يُعلَن الآن أنه أعظم نُقطة تفوّق للنمط الفلسفي لتفسير الواقع. تبعاً لهذا الرأي، يتكون المُحتوى الحقيقي للفلسفة من نمط تأكيد ذات الفرد المُتفلسف، وفرديته الابداعية الفريدة. على سبيل المثال، يُعلن غوير "لا يوجد اتجاه فلسفي يؤدي الى ظهور اتجاه فلسفي آخر. لو أن باروخ سبينوزا مات في طفولته، فلن يكون هناك فلسفة سبينوزية"(8).
وبطبيعة الحال، لا ينبغي تفسير علاقة تعاقب النظريات الفلسفية بأن فيلسوفاً يؤدي الى ظهور فيلسوف آخر بشكلٍ مُباشر. ومع ذلك، انطلاقاً من هذه الحقيقة البديهية (على الأقل بالنسبة للمفكر الماركسي)، يستخلص غوير استنتاجاً غير منطقياً مؤاده أن مُحتوى الأنظمة الفلسفة ينحل في انتاج واعادة انتاج فردية واضعيها المُبدعة. وبالتالي، رَفضَ التفريق بين ما هو ذاتي وموضوعي، وما هو شخصي واجتماعي، في نظريات الفلاسفة. ولذلك، يُصبح من الضروري بالنسبة له أن يُنكر الحقيقة الواضحة أن مادية سبينوزا الواحدية هي تطور لاحق للأفكار الفلسفية التي تشكّلَت على مدار عصر تاريخي بأكمله. يقول غوير أن "الديكارتية والميلبرانشية والكونتية والبرغسونية تُشير لنا الى حقيقة فكر ديكارت ومالبرانش وكونت وبرغسون"(9). يعتقد غوير بأنه يصوغ الحقائق الأكثر وضوحاً فقط، موضحاً أن الفلسفة هي اسلوب فردي للتفكير المفاهيمي. لكن الحقيقة هي أن هذا النوع من الأفكار، يفترض بشكل غير مُبرر على الاطلاق، بأن ديكارت ومالبرانش وكونت وبيرغسون اشتغلوا في فراغٍ اجتماعي، ولم يُعبّروا من خلال تعاليمهم عن أي احتياجات اجتماعية-تاريخية، وبأنهم لم يهضموا فكرياً تجارب عصرهم التاريخية ومُنجوزات معارف زمنهم العلمية.
ان اختزال المُحتوى الموضوعي (بما في ذلك الاجتماعي) للفلسفة الى نظرةٍ ذاتيةٍ للعالم، ينطوي على فكرة مُشوهة حول طبيعة الاختلافات والتناقضات بين التعاليم الفلسفية. ينحدر الأمر بهذا، الى علاقاتٍ شخصية، واختلافٍ في الرأي بين الفلاسفة. ومرةً أُخرى، يُصبح الاستعراض التجريبي للحقائق تفسيراً ذاتياً. يكتب غوير: "الاختلافات بين الفلاسفة ليست عَرَضية، انها تكمن في أساس كل الفلسفة. يوجد فلاسفة متنوعون، والعالم الذي يقف أمام كل فيلسوف ليس مُتطابقاً. الخلافات بين الفلاسفة تسبق تعاليمهم الفلسفية، فهم لا يتفقون مع بعضهم لأنهم لا يملكون نفس البيانات الأولية كنقطة انطلاق لكلٍ منهم"(10).
وهكذا، يتوصل غوير الى استنتاج أن كل فيلسوف مُتميّز يخلق عالم نظراته الخاصة، وأن هذا يحدث لأنه يعيش في عالم فريد خاص به وحده قبل أن يخلق نظامه الفلسفي. هذا النظام التعددي يعتمد على افتراض أن تميّز أي تعاليم فلسفية تتحدد بدرجة ذاتية مؤسسها. وهكذا، يُسبَغ على ذاتية الفيلسوف وضعاً انطولوجياً، إن جاز التعبير: فهي (ذاته) تخلق شيئاً وفقاً لنظام عالمها الفلسفي الخاص. ليس من الصعب أن نفهم أن هذا التفسير التعددي لتاريخ الفلسفة لا يُعزز فقط انكار إمكانية وجود نظرة علمية فلسفية الى العالم، ولكنه يؤدي وظيفةً ايديولوجيةً مُحددةً للغاية، انه يوفر "تبريراً منهجياً لتعددية تاريخ الفلسفة، والتي تواجهها الفلسفة الماركسية اللينينية اليوم بالضرورة الموضوعية للانتاقال من الرأسمالية الى الاشتراكية. هذا الاستنتاج الايديولوجي لا يقتصر ضمنياً على "فلسفة تاريخ الفلسفة"، بل ينسحب كذلك على الفهم الذي رسمه غيرو في ورقته التي قدمها في المؤتمر الفلسفي الرابع عشر(11).
من وجهة نظر "فلسفة تاريخ الفلسفة" فإن ما يتفق عليه الفلاسفة هي أشياء تافهة وغير أصيلة. نظرية تاريخ الفلسفة هذه تُضفي صفة الاطلاق على "التميّز" و"الاختلافات" بين النظريات الفلسفية البارزة. يتجاهل أنصار "فلسفة تاريخ الفلسفة" حقيقة أن أهمية النظام الفلسفي لا تتحدد بعامل التفرّد النسبي هذا، بل تتحدد بمدى مُشاركتها الفعلية في تطوير المعرفة الفلسفية، وباجاباتها على المسائل التي طُرَحَت قبل ظهورها على ساحة تاريخ الفلسفة، ومن خلال ما يترتب على ذلك من ادراج هذه النظرية في المسائل التي يتم تناولها وفي مناقشة حلولها المُقترحة، وفي طرحها أسئلةً جديدة، وما الى ذلك.
على الرغم من أن أنصار "فلسفة تاريخ الفلسفة" يُقدمون مساهمةً ما في مجال تاريخ الفلسفة في أبحاثهم المُكرسة لفلاسفة الماضي العُظماء(12)، الا أن مفاهيمهم النظرية حول تاريخ الفلسفة متهافتة تماماً. انها تُعمّق المواجهة الميتافيزيقية التي عفا عنها الزمن تاريخياً بين الفلسفة والعلوم، وتختزل الفلسفة، في التحليل الأخير، الى نوعٍ من الفن الابداعي. ولا ينبغي أن يُفهَم مما أقول بأنني أُقلل من أهمية الفن الابداعي. ما أعنيه هو أن الأنظمة الفلسفية ليست أعمالاً فنية، حتى عندما تكون مكتوبةً على شكل شعر. لذلك، يُثبت ادخال المعايير الجمالية الى الفلسفة، في الواقع، على أنه انكار غير مُباشر للفلسفة كشكلٍ مُحددٍ للادراك. التعبير المُتطرف عن هذا المفهوم هو التأكيد على أن الاعتراف بالأهمية الكبيرة للاتجاهات الفلسفية هو انكار لخصوصيات المعرفة الفلسفية. وفي التحليل النهائي، توصّل أتباع "فلسفة تاريخ الفلسفة" الى أن الاتجاهات الفلسفية هي حدود خارجية وضعها المُعلقين السطحيين على الفلسفات وأطّروا الفلسفة فيها. هذا الاستنتاج الخاطئ يتوافق مع الافتراض الذي تبلورَ في الأبحاث البرجوازية المُعاصرة حول الاتجاهات في تاريخ الفلسفة، والذي صار تقليداً تاماً.
يؤكد الفيلسوف الألماني-الأمريكي فريتز هاينمان Fritz Heinemann أحد مؤلفي (وناشري) الدراسة الضخمة المُعنونة (الفلسفة في القرن العشرين): "يُمكن رؤية 4 اتجاهات رئيسية في الثقافة الأوربية: 1- فلسفة الحياة، 2- الظواهرية، 3- الانطولوجيا و4-الوجودية. يحتل مكان الصدارة في الثقافة الانجلوساكسونية الاتجاهات التالية: 1-البراغماتية، 2-الذرائعية، 3-الوضعية المنطقية و4-المدارس التحليلية"(13). توضح هذه القائمة أن هاينمان يستخدم مُصطلح "الاتجاهات" (و"الاتجاهات الرئيسية") كمُرادف للتيارات الفردية اللاعقلانية، وتنويعات الفلسفة الوضعية والبراغماتية. لا شك أن هذا التجميع المُصطنع يوفر الأساس للاستنتاجات التي يستخلصها أنصار "فلسفة تاريخ الفلسفة". لكن خطأ هؤلاء الأخيرين يكمن في أنهم لا يرون أي امكانية ولا أي حاجة لأي مُقاربة لتحليل الأشكال البُنيوية الرئيسية لتاريخ الفلسفة.
من الطبيعي أن الوضعيين اليوم لا يقبلون الانكار اللاعقلاني للتطور في الفلسفة، لكنهم مثل أتباع "فلسفة تاريخ الفلسفة"، يعتبرون فكرة التطور غير قابلة للتطبيق على تاريخ الفلسفة. لذلك، على الرغم من رفضهم للاعقلانية، فإن الوضعيين الجُدد يشتركون في الاستنتاج الذي توصّل اليه اللاعقلانيون بأن تاريخ الفلسفة هي فوضى الأنظمة الأنظمة الفلسفية. لا يرى الوضعيين الجُدد، على النقيض من اللاعقلانيين، لا يرون شيئاً ايجابياً في هذه الفوضى. انهم يعتبرونها نتيجةً حتميةً للتفلسف"الميتافيزيقي"، والتي برفضها مبدأ التحقق ومتُطلبات المنطق الصارمة، تُثبت بأنها تحت السلطة الكاملة للتأملية، القادرة على خلق عدد غير محدود من الأفكار الفلسفية الهشة بنفس القَدَر. مُشيرين الى تعدد النظريات الفلسفية المُتنافسة، يتوصل الوضعيون الجُدد الى نتيجة مفادها أن الفكر ينحَلّ عندما يُصبح "ميتافيزيقياً" ويُثبت أنه غير قادر على تحديد المُصطلحات التي يشتغل بها والتي على الفلاسفة أن يفهموا بعضهم من خلالها. من وجهة النظر هذه، الفلاسفة غير قادرين على فهم بعضهم البعض، والاتفاق بينهم سيجعل من المُستحيل الانخراط في الفلسفة.
وهكذا، تتميّز كُلٌّ من اللاعقلانية والوضعية الجديدة بالاضفاء اللانقدي لصفة الاطلاق على حقيقة Fact تعدد التعاليم والاتجاهات والتيارات الفلسفية، المُدرَكَة تجريبياً. نتيجةً هذا الاضفاء لصفة الاطلاق على ذلك، هي انكار وجود انتظام "قوانين" في تاريخ الفلسلة، وانكار التطور والتقدم في الفلسلفة، ومُعارضة الفلسفة بالعلم.
في عصرنا هذا، الفلسفة الماركسية هي وحدها التي تدرس فلسفة التاريخ واشتراطها بقوانين تطور الثقافة الفكرية العامة. وعلى هذا المسار، تكشف الفلسفة الماركسية الأشكال المُحددة للتطور الفلسفي: تباين وجهات النظر الفلسفية، واستقطاب الاتجاهات، والمواجهة الجذرية بين المادية والمثالية. لذلك، فإن الحديث عن المادية والمثالية والاتجاهات الفلسفية الأُخرى لا يجمعه أي جامع مع التجميع الصرف لهذه النظريات في اتجاهاتٍ اعتباطية. ان الباحث الذي يجد التناقضات بين المادية والمثالية، والعقلانية والتجريبية، والأنظمة الميتافيزيقية والأنظمة الطبيعانية، والتفكير الدياليكتيكي والتفكير الميتافيزيقي، يستنتجها أساساً من أنظمة تصنيف الاتجاهات الفلسفية في تاريخ الفلسفة.
لا يوجد في واقع تاريخ الفلسفة أي شيء من مثل فوضى الأنظمة الفلسفية التي يتم الترويج لها كثيراً. تؤكّد نفس الفلسفة البرجوازية الحديثة، على الرغم من الفوضى الفكرية السائدة فيها، تؤكد هذه الحقيقة بشكلٍ مُقنع، لأنها هي نفسها مُكونة من نظريات فلسفية مثالية بشكلٍ أساسي، أو مادية مُبتذلة أحياناً. كَتَبَ لينين، في وصفه للفلسفة البرجوازية في بداية القرن العشرين يقول: "ان كُل من اطلعَ نوعاً ما على المطبوعات الفلسفية، لا بُدَّ له أن يعرف أنه من المشكوك فيه أن يتواجد وان بروفسور معاصر في الفلسفة (وكذلك في اللاهوت) لا ينصرف مُباشرةً أو بصورةٍ غير مُباشرةٍ الى دحض المادية"(14). لم يحدث أي تغيير جوهري في الوضع تقريباً، منذ كُتِبَت هذه الكلمات. يحاول الفلاسفة البرجوازيون اليوم حقاً، بدرجةٍ أكبر مما لا يُقاس من أسلافهم، اثبات أن التناقض بين المادية والمثالية مُبالغ فيه الى حدٍّ كبير، وأن كلا الاتجاهين عفا عليهما الزمن بشكلٍ واصح، وأن القول بأنهما الاتجاهين الرئيسيين في الفلسفة هو توصيف وحيد الجانب للغاية لثروة الأفكار الفلسفية. بالاضافة الى ذلك، يستشهد كُلٌّ من الفلاسفة ومؤرخي الفلسفة عادةً باتجاهاتٍ تاريخية مثل العقلانية والتجريبية والميتافيزيقيا والطبيعانية والانثروبولوجيا، مُعتبرين أنها تقع خارج صراع المادية والمثالية، أي أنها لا تنتمي الى أيٍّ منهما. أو على العكس من ذلك، تجمع بينهما في تركيبٍ أرقى(15). يتضح تهافت مثل هذا الطرح لمسألة الاتجاهات الفلسفية عندما تتم دراسة تلك الاتجاهات عن كَثَب.
ليست هُناك حاجة لاثبات أن الافتراضات الأولية للعقلانية والتجريبية وغيرها من الاتجاهات الفلسفية لا ترتبط بشكلٍ مُباشر بالحل المادي أو المثالي للمسألة الأساسية للفلسفة. بعبارةٍ أُخرى، لا يحمل الاعتراف بأولية المادة، أو النظر الى المادة باعتبارها مُشتقة من الروح، تفسيراً عقلانياً أو تجريبياً للعالم. ولكن هذا لا يعني على الاطلاق، ولا يُثبت أن العقلانية والتجريبية تقع خارج الاطار الذي تُقدمه المادية والمثالية. يُظهر تاريخ الفلسفة أن بعض العقلانيين مثاليين وبعضهم الآخر كان مادياً. لكن هل الاختلافات بين التجريبيين المثاليين والتجريبيين الماديين هي ذات أهمية ثانوية بالمقارنة مع التوجه العقلاني الذي يشتركون فيه؟ ليس تماماً. يكفي أن نتذكر كيف انتقدَ ديدرو بيركلي. ولكن، كان كليهما تجريبيين. يوضح هذا المثال أن الجوانب المُشتركة-التجريبية في مثالنا هذا- للنظريات الفلسفية، هي التي تُثبت أنها ثانوية أو مُشتقة، في حين أن ماديتها (أو مثاليتها) هو الذي يملك أهميةً حاسمة.
من المهم أن نُلاحظ، أن ما قُلناه عن التجريبية والعقلانية ينطبق على مُعظم الاتجاهات الفلسفية، ان لم يكن جميعها. ان نزعة فويرباخ الانثروبولوجية، هي التي تُميّز فلسفته بأنها نوع خاص من المادية، في حين أن الأنثروبولوجيا الفلسفية المُعاصرة اليوم، هي نوعٌ من المثالية. حتى الاتجاهات المُرتبطة بالدين مثل وحدة الوجود Pantheism والتصوف، في ظل ظروف الديكتاتورية الروحية للاكليركية، كَشَفَت منذ وقتٍ مُبكرٍ من العصور الوسطى، عن ميلٍ للانقسام الى اضداد-المادية والمثالية. أحلَّ بعض المؤمنين بوحدة الوجود الله في الطبيعة، وحرموه بالتالي من الصفات التي ينسبها اليه العقل الديني. وعلى العكس من ذلك، أحلَّ البعض الآخر الطبيعة في الله، أي حوّلوا الطبيعي الى ميتافيزيقي خارق للطبيعة.
أشارَ انجلز الى انه، بسبب ظروف اجتماعية-اقتصادية مُعينة، كان التصوف في العصور الوسطى يقترب أحياناً من الالحاد. كَتَبَ انجلز أن المذاهب الفلسفية اللاهوتية لتوماس منذر "تُهاجم الأفكار الرئيسية للكاثوليكية والمسيحية عامةً"(16). من وجهة نظر مُنذر، الوحي ليس سوى عقل بشري، والايمان هو استيقاط للعقل، والجنّة ليست العالم الخارجي، بل هي ما يتطلب من المتدينين إقامته على الأرض.
وفي استكماله لتوصيف مُنذر الصوفية الثورية، يؤكد انجلز على أن "فلسفة منذر الدينية تُقارب الالحاد"(17).
ان ظهور نفي الايمانية، من ضمن اطار حدود الايمانية نفسها، هو أحد التأكيدات الأكثر وضوحاً لحقيقة الاستقطاب الطبيعي وانقسامها الى الأضداد-المادية والمثالية. ان الفكرة القائلة بأن التجريبية والعقلانية وما شابه تُشكّل طريقاً ثالثاً في الفلسفة، هي فكرة سطحية تماماً. لا يوجد أي شيء اسمه العقلانية بشكل عام، والتجريبية بشكلٍ عام، وما الى ذلك. من المُستحيل أن تكون "عقلانياً فقط" في الفلسفة أو "تجريبياً فقط". الفيلسوف ليس مُضطراً لأن يكون حسّياً، أو حدسياً، أو لاعقلانياً، أو اسمياً، وما الى ذلك. ان عليه أن يكون واحداً من هذه فقط، أو أن يرفضها جميعها، لكنه لا يستطيع أن يرفض كُل من المادية والمثالية. وهو يختار-بوعي أو عفوياً-بينهما، أي أن يقف الى جانب احدهما، وبالتالي يقف في مواجهة الأُخرى. ان هذا القانون، قانون تشكّل التعاليم الفلسفية المتطورة، لا يلتغي بأي حال من خلال وجود نظريات انتقائية وتلفيقية وثُنائية تميل أحياناً الى الاتجاه المادي وأحياناً الى الاتجاه المثالي.
وهكذا، التجريبية والعقلانية وغيرها من الاتجاهات الفلسفية هي اتجاهات إما للفكر المادي أو للفكر المثالي. إن أي مادي (مثل أي مثالي) لا يحصر نفسه على حل المُعضلة التي تتضمنها المسألة الأساسية للفلسفة. انه يُطوّر، بناءً على اجابته على هذه المسألة، وجهات نظره حول الانطولوجيا والابستمولوجيا وتاريخ الفلسفة، ويُطوّر وفقاً لذلك، تنويعات مادية (أو مثالية) للطبيعانية والحسية والعقلانية والنزعة الانثروبولوجية، الخ. وبالتالي، المادية والمثالية هما اتجاهات ذات طبيعة تُعيد انتاج نفسها وتغرس جذورها في اتجاهاتٍ فلسفيةٍ أُخرى.
وفي حين نؤكّد على انقسام الاتجاهات العديدة في الفلسفة الى الصراع الأساسي والحاسم بين المادية والمثالية، الا أننا لا نَخلُص الى استنتاج مفاده أن جميع الاتجاهات دون استثناء تُستَقطَب بهذه الطريقة. ان الاحيائية والميكانيكية، هي، كقاعدةٍ عامة، تنويعات مُختلفة للنظرة المادية الى العالم. وعلى العكس من ذلك، الروحانية واللاعقلانية والظاهراتية هي أشكال من المثالية. لذلك الى جانب تلك الاتجاهات التي تكون إما مثالية وإما مادية، اعتماداً على الظروف التاريخية الملموسة، هناك اتجاهات تشتمل على أشكال مُعدّلَة من المادية أو من المثالية وحدها.
الى جانب مُحاولات مُعارضة التجريبية والعقلانية والاتجاهات الأُخرى بالمادية (وأحياناً بالمثالية)، يتميّز الفلاسفة البرجوازيين المُعاصرين، وخاصةً الوجوديين والوضعيين الجُدد وأنصار فلسفة التحليل اللغوي، بمُحاولة وسم تعاليمهم بأنها نظريات تُمثل قطيعةً حاسمةً مع موضوع كُلّ من المادية والمثالية. يرى الوجوديون، على سبيل المثال، أن مفهومهم عن الوحدة التي لا تنفصم بين الذات والموضوع، يتغلّب على الصراع بين المادية والمثالية حول الوعي والوجود والروح والمادة.
يتوصّل الوضعيون الجُدد، الذين يؤكدون أن تعاليمهم ليس لديها أي شيء مُشترك مع أي تفسير نظري للعالم، الى نتيجةٍ مفادها أنهم نجحوا في تجنّب كُلٍ من "الميتافيزيقيا" المادية والمثالية. هذا الوهم هو سمة أوضح وبدرجة أكبر لمُمثلي فلسفة التحليل اللغوي. ليست هُناك حاجة لإثبات عدم صحة كل هذه الادعاءات هُنا، لأن هذا قد تم مُسبقاً في أعمال الماركسيين السوفييت والأجانب(18). نحن لدينا هدف مُختلف هُنا: التأكيد على الأُطروحة القائلة بأن اتجاهات الفلسفة العديدة لها علاقة ضرورية بالمادية من جهة، وبالمثالية من جهة أُخرى. ان تنوّع التعاليم والتيارات والاتجاهات الفلسفية هو ليس شيئاً غير مُنظم أو فوضى ومتاهة للأفكار. ينحصر هذا التنوّع، في سياق تاريخ الفلسفة كُله، مهما كان كبيراً، في الصراع الأساسي بين المادية والمثالية، ويتطور على هذا الأساس، ويأخذ شكله ويتأكد كعملية صراع بين مذهبي الفلسفة الأساسيين. لا يُمكن للفيلسوف أن يتهرّب من الاختيار. انه يختار بمُجرّد تفلسفه.
إما المادية وإما المثالية. هذه هي البدائل الحتمية في الفلسفة. ان الاعتراف بالضرورة الموضوعية المُتضمنة هُنا، يضح حدّاً للنظرة السطحية للفلسفة باعتبارها متاهةً تؤدي كُل المعابر فيها الى طريقٍ مسدود. ان الاختيار الذي يتخذه الفيلسوف (وبدرجةٍ مُعينةٍ أي شخصٍ يدرس الفلسفة) هو، في التحليل النهائي، اختيار بين بديلين وليس بين بدائل كثيرة. وهذا، إن جاز التعبير، هو اختيار لمصيره الفلسفي.
وهكذا، وبعد أن حددنا الاتجاهات الفلسفية الرئيسية وأوضحنا علاقتها بالاتجاهات الأُخرى، التي يجب أن لا نُقلل من أهميتها البارزة، فإننا نُثبت بلا أدنى شك عدم صواب مُعارضة أي نظرية أو تيار أو اتجاه بالمادية والمثالية. ويُمكننا، من خلال تتبّع المراحل الرئيسية في الصراع بين المادية والمثالية، فهم العملية التاريخية التي ظهرت من خلالها نظرة علمية فلسفية الى العالم، مُرتبطة بشكلٍ لا ينفصم بتطور المادية وتغيّر شكلها التاريخي. وبالتالي، يُمكن الكشف عن وحدة Unity تاريخ الفلسفة كعملية تطور مُتقدّم للمعرفة الفلسفية كنتيجة لدراسة التناقضات الكامنة فيها.

* تيودور اليتش اويزرمان 1914-2017 تخصص في التاريخ والفلسفة في موسكو، ثم دافع عن اطروحته (المذهب الماركسي اللينيني في تحول الضرورة الى حرية) عام 1941 ودرّس في جامعة موسكو الحكومية منذ عام 1940 وعَمِلَ في القسم الاستشاري لمجلة (البلاشفة). خدم في الحرب الوطنية العظمى منذ عام 1941 وعمل كمسؤول سياسي في الجيش في فرقة الدفاع الجوي، وانتسب الى الحزب الشيوعي السوفييتي عام 1943. عاد الى التدريس بعد الحرب في معهد موسكو للاقتصاد في بادئ الأمر ومن ثم مساعد بروفسور ونائب رئيس قسم الفلسفة الأجنبية في معهد الفلسفة في جامعة موسكو الحكومية منذ عام 1947 وترأسه عام 1949. دافع عام 1951 عن اطروحة الدكتوراة المعنونة (تطور الفلسفة الماركسية على ضوء خبرة ثورات 1848). صار اويزرمان بروفيسوراً في المدرسة الحزبية العليا منذ أعوام 1962-1966 وبروفسور في الفلسفة في معهد الفلسفة في أكاديمية العلوم السوفييتية عام 1968، وبين أعوام 1971-1987 رئيساً لقسم تاريخ فلسفة غرب اوروبا وامريكا وبروفيسوراً في معهد دراسات العلوم الاجتماعية المتقدمة في جامعة موسكو الحكومية ومستشاراً علمياً لمعهد التربية في جامعة روسيا الحكومية، وانتسب عام 1983 الى اللجنة السوفييتية لمكافحة الصهيونية، وهو عضو في أكاديمية العلوم في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وحصل على العديد من المناصب العلمية والثقافية الأخرى. حاصل على عشرات الجوائز والميداليات والتشريفات العلمية. لديه عشرات المؤلفات ومئات المقالات حول تاريخ الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ونظرية العمليات التاريخية والفلسفية وحول نظرية المعرفة ومسائل نظرية تاريخ الفلسفة وتاريخ الفلسفة الماركسية ونقد النظريات الفلسفية البرجوازية ما قبل الماركسية والمعاصرة.

1- ضد دوهرينغ، فريدريك انجلز، دار التقدم 1984، ص384
2- J. G. Fichte, Iasnoe kak solntse soobshchenie shirokoi publike o podlinnoi sushchnosti noveishei filosofii, Moscow, 1937, pp. 90-91
3- J.-J. Rousseau, Traktaty, Moscow, 1969, p. 27
4- مُحاضرات في تاريخ الفلسفة، جورج هيغل، ترجمة خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 1986، ص297-305
5- نفس المصدر
6- لقد وضّحَ ميراب مامارداشفيلي Merab Mamardashvili ذلك في بحثه: "لا يوجد في تاريخ الفلسفة والعلم، خط أُحادي التطور والاتساق، كما هو الحال في المسار المنطقي للفكر في النظام النظري. يسير تطور المعرفة في شكل مجموعة من الخطوط تسير في اتجاهاتٍ مُختلفة. تتطور الفلسفة (والعلم) في نفس الوقت على مستوياتٍ مُختلفة، وهذا التطور يفصل في نفس يفرز جوانب الشيء أو الكائن في تعقيداتها وعُمقها، ويتطور انعكاسه ككل".
M. K. Mamardashvili, Formy i soderzhanie myshleniia, Moscow, 1968, pp. 180-181
7-https://www.marxists.org/reference/archive/hegel/works/hl/hlbeing.htm#HL1_154
8- H. Gouhier, Les grandes avenues de la pensbe philosophique en France depuis Descartes, Louvain and Paris, 1966, p. 20
9- Ibid
10- Ibid., p. 42
ويُصبح معنى هذه الفكرة واضحاً تماماً في ضوء نظرية اللغة التي وضعها بعض أنصار "فلسفة تاريخ الفلسفة". وهكذا قال غوير في ورقته التي قدّمها الى المؤتمر الدولي الرابع عشر للفلسفة: "ان الوجود موجودٌ فقط في اللغة ومن خلال اللغة... انها اللغة، المُكتَشفة في العلاقة المُتبادلة بين الوعي والعالم، هي الواقع".
Akten des XIV. Internationalen Kon"a resses fiir Philosophie, Vol. I. Vienna, 1968, p. 331
لو أن كل فيلسوف خَلَقَ عالماً خاصاً عن طريق لغته التي تبدو خاصةً به، فإن واقعية العالم تُثبت أنها لفظية.
11- Our article "Postulaty irratsionalisticheskoi filosofii istorii," in the volume Filosofiia i sovremennost , "Nauka" Publishing House, Moscow, 1971, is devoted to a critical analysis of this paper
12- We may point particularly to the works of M. Gueroult, "l evolutione et la structure de la doctrine de la science chez Fichte, Vols. 1 and 2, Paris, 1930 and La philosophie transcendentale de Solomon Maimon, Paris, 1931 (both books have been honored by prizes of the French Academy of Sciences).
13- F. Heinemann, Die Philosophie im XX. Jahrhundert, Stuttgart, 1963, p. 268
14- المادية ومذهب النقد التجريبي، فلاديمير لينين، دار التقدم 1981، ص15
15- ان التأكيد التالي للفيلسوف الألماني المُعاصر آرنولد جيلين Arnold Gehlen مُفيد في هذا الصدد: "ان كانت الفلسفة تدرس الانسان من "الخارج" فإنها مُعرضةً لخطر أن تُصبح مادية. وان لم تنطلق من حقائق الوعي، فإنها تُصبح مُجردة ومثالية بشكلٍ جوهري وتصير مثالاً لا يُحتذى به للانسان بشكلٍ عام، والذي أصله غير قابل للتحدد".
A. Gehlen, Theorie der Willensfreiheit und fruhe philosophische Schriften, Berlin, 1965, p. 273
يؤكد جيلين أن الانثروبولوجيا الفلسفية تُمكننا من تجنّب كُل من المادية والمثالية.
16- حرب الفلاحين في ألمانيا، فريدريك انجلز، ترجمة محمد أبوخضور، دار دمشق، ص63
17- نفس المصدر، ص64
18- May we cite, in particular, the team-written work Sovremennyi ob ektivnyi idealizm, Moscow, 1963. Among monographic studies, note should be taken of M. A. Kissel , Idealizm protiv nauki, Leningrad, 1969 and Maurice Cornforth, Marksizm i lingvisticheskaia filosofiia, Moscow, 1968.

ترجمة لمقالة:
T. I. Oizerman (1972) Philosophical Trends as a Subject of Research: The Problem of Laws of the History of Philosophy, Soviet Studies in Philosophy, 10:4, 316-336








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام