الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ودبلوماسية إدارة التناقضات: مقاربة الحركة بالأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 11 / 3
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


"السياسة هي مسئولية التعامل مع اللحظة الراهنة وامتلاك مهارات ذلك، بما فيه النظر للتناقضات التي أنتجت هذه اللحظة الراهنة، واجتراح مقاربات للعبور بها للمستقبل الأمثل قدر الإمكان.."

انطلاقا من هذا التعريف السابق سوف تطرح هذه المقالة تصورها لمقاربة الظرفية الراهنة التي تلت العملية العسكرية في 7 أكتوبر على المستوى المصري، بعنوان: دبلوماسية إدارة التناقضات.. مقاربة الحركة بالأهدف المتغيرة والمشتركات المرحلية. وهي تعني أن السياسة التي تطرحها المقالة للتعامل مع اللحظة الراهنة تقوم على ضرورة اقتحام التناقضات التي تفجرت وتجاوز خطابات الاستقطاب الصفرية التي سادت، والعمل وفق مقاربة جديدة تقوم على دبلوماسية خارجية تقبل بالتناقضات التي أنتجت اللحظة التاريخية الحالية، وتعمل على إدارة هذه التناقضات وصولا لأهدافها التي تحددها لنفسها، عبر الحركة بأهداف متغيرة في ظل هدف كبير للنجاح، والعمل وفق مشتركات مرحلية وحدود دنيا بين كافة الفرقاء وفي ظل كافة التباينات.

7أكتوبر ما بين الظرف الذاتي والظرف الموضوعي: ضرورة الاستجابة للمتغيرات
بداية يجب الإشارة إلى أنه تتحرك الجماعات البشرية والأمم في مسيرتها محكومة بعدة عوامل ذاتية (تخص ظروفها الداخلية) وموضوعية (تخص الظرف العام والمحيط الخارجي)، وأحيانا تطور ظرف داخلي يساعد في تغيير الظرف الموضوعي الخارجي المحيط بجماعة ما، وأحيانا يحدث العكس أن يؤدي ظرف خارجي إلى تغيير أو تسريع ظرف ذاتي داخلي..، ولكن في كل من الحالتين ذلك يتطلب قابلية الجماعة البشرية تلك للتفاعل وعدم إضاعة الفرصة التاريخية الممكنة والمتاحة أمامها، واستجابتها للظرف.
ونحن الآن مع عملية 7 أكتوبر العسكرية التي قام بها الفلسطينيون؛ أمام ظرف تاريخي فارق يستلزم تغيير العديد من آليات العمل التقليدية، واستحداث ما يمكن أن يواكب اللحظة قبل أن تتداعى الجدران على الجميع، وبما يخدم في النهاية الذات العربية الشاملة ومستودع هويتها المتراكم، واقع الأمر أن العملية العسكرية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية كسرت التوازن الاستراتيجي والأهم "توزان المكانات" التي استقرت في مرحلة ما بعد حرب عام 1973م.

ما قبل عملية 7أكتوبر ومسارات مصر تجاه الصراع والتوزانات
حيث أنتجت محادثات السلام توقيع مصر معادة سلام مع دولة الاحتلال "إسرائيل"، مع بقاء وضع الأرض المحتلة في فلسطين كما هو، لرفض الفلسطينيين المشاركة في المحادثات، وهو ما أدى إلى ارتباك وتناقض رئيس في مستودع الهوية العربي برمته، حيث أن مصر هي واحدة من المراكز الحضارية الكبرى التي يرتبط بها الدفاع عن البعد الروحي والهوياتي والحضاري للمنطقة والذات العربية عبر التاريخ، وفي ظل هذا الخلل حافظت دولة العراق بصفتها المركز الحضاري التاريخي القوي بعد مصر (بوابة العالم العربي الشرقية وحارسته) على الحد الأدنى من الدفاع عن مستودع الهوية العربي، محدثة توازنا استراتيجيا وحضاريا ردع دولة الاحتلال عن التقدم للأمام وفق تصوراتها ومستودع هويتها الصهيوني/ الديني.

خروج العراق من المعادلة
وكان ذلك حتى نجحت التصورات الأمريكية الصهيونية المشتركة ببعدها الديني (الصهيونية المسيحية التي ترجع للبروتستانتية عموما والكنسية الأنجيلية خصوصا)، في استدراج العراق للفخ وإخراجه من المعادلة بعد جره لغزو الكويت ثم ضرب العراق وإخراجه من المعادلة العربية، هنا شيئا فشيئا القوى الخليجية الجديدة الصاعدة مع ظهور البترول لم تتمكن من الثبات على قيم مستودع الهوية العربي، وتم غوايتها بالصعود الذاتي على حساب الذات العربية وتحديدا في قضية فلسطين..

استقطاب المراكز العربية الصاعدة
حتى وصلت التناقضات في مرحلة ما بعد الثورات العربية إلى مرحلة الصهيونية الإبراهيمية وصفقة القرن والاتفاقيات الإبراهمية، التي قامت على وجود توزان استراتيجي ضعيف للغاية وليس في صالح الذات العربية، والشعب الفلسطيني المحتل، وكان المسار يركز على نقطتين بعد تهيئة المجال لهما -وكانا لب صفقة القرن- الأول هو السيطرة التامة على القدس والمسجد الأقصى والثاني هو التهجير ودفع الفلسطينيين إلى سيناء، مع استقطاب للعديد من القوى الخليجية الصاعدة، التي لم تستطع الصمود في ظل غياب المركزين الحضاريين القويين في مصر والعراق.

الاستقطاب الدولي فيما بعد عملية 7 أكتوبر ومحدداته
إلى أن حدثت الصدمة مع عملية 7 أكتوبر 2023م والتي أخلت بالتوازن الاستراتيجي التي تبنيه "الصهيونية" منذ خمسين عاما بالتمام والكمال بعد حرب عام 1973م، وحققت نصرا مفاجأ لكنه تسبب في أزمة.
وهنا لابد من لفت الانتباه إلى أنه سوف يتشكل شيئا فشيئا استقطاب دولي حول الصراع بين الفلسطينيين وبين الدولة الاحتلال، لكن بيت القصيد يبقى هو محددات إدارة هذا الاستقطاب والتناقضات المتراكمة المرتبطة به، من سيضع محددات قوية ونافذة وعليمة بجذر التناقضات الدولية القائمة وعواملها الحاكمة، سيستطيع أن يؤسس كفة الميزان الراجحة في نهاية المطاف..
ونحن هنا لا نتحدث عن القضية الفلسطينية والعربية فقط بمعزل عن كافة المتغيرات وتناقضاتها العالمية المصاحبة والتي تدور منذ عدة سنوات، إنما ستكون عملية ٧أكتوبر مفصلا مهما في العقد الثالث بالقرن الحادي والعشرين ، تضاف إلى ما يجري تحت السطح وفي الأعماق والذي يشمل: أزمة فيرس كورونا ، وسد النهضة وتدافعاته الإقليمية ، وحرب أوكرانيا، ومسار طريق الحرير وبدائله ووقف التمدد الصيني، والمركزية العنصرية السوداء وتفجير التناقض بين عرب شمال أفريقيا وجنوب القارة استنادا إلى التمييز اللوني، حيث ستكون عملية ٧ أكتوبر مفصلا مهما في الاستقطاب الكبير في العقد الثالث من القرن الجديد ، ومهمة العرب إذا تفوقوا وأدركوا أن يتجاوزوا التناقضات التي تفجرت، ويعملوا وفق حدود مشتركة جديدة، إنما يظل التعويل عربيا على دور مصر المركزي في كافة الأحوال وفق مسئوليتها التاريخية الحاكمة، وذلك عبر إدارة موقف عربي واسع لبناء مظلة سياسية فاعلة تدفع صفقة القرن للوراء في مركزيها: القدس والمسجد الأقصى ، والتهجير وسيناء.

هدف دولة الاحتلال والغرب: استعادة المكانة والصورة الذهنية
وفي هذا السياق يجب تسليط الضوء على أن هدف قادة دولة الاحتلال وعلى رأسهم نتانياهو ومن خلفه الغرب برمته، هو استعادة الصورة الذهنية لإسرائيل/ السوبرمان التي تمثل الحضارة الغربية في الشرق المتخلف من وجهة نظرهم، فما حدث هو لطمة للنظام الغربي برمته بكل أوهامه وجذوره الثقافية التي ترجع للمسألة الأوربية قبل أن تكون لإسرائيل، والمخيف أن الفشل في تحقيق الهدف سيدفعهم للمزيد من التشدد والتطرف العنيف، فمن المحتمل أنه في لحظة معينة وعند الفشل العملياتي قد يقوم المجتمع الصهيوني وجموع المستوطنين باقتحام الأقصى تماما والسيطرة عليه في محاولة للتعويض النفسي.

البديل العربي الأولى/ وتأسيس مظلة عالمية
لتغيير المكانات والروايات
ذلك إذا لم يتم تشكيل مظلة سياسية عربية إسلامية عالمية فاعلة وبخطوات ثابتة، وإذا لم يتم ردع إسرائيل والغرب وأن وهم المسألة الأوربية والتفوق قد انتهى، فسوف نشاهد تطرفا لم نشهده من قبل.. ومن وجهة نظر ما وبغض النظر عن حسابات يقيدها الواقع، ربما يكمن الحل في "حل نجازاكي" أي ضربة ثانية سياسية ناعمة وقوية، أو ضربة عسكرية نوعية قوية وصادمة أخرى تؤكد للغرب وإسرائيل أن وهم التفوق والسوبرمان قد ولي، كما حدث بعد ضرب هيروشيما.. ولكن الحد الأدنى المقبول سياسيا هو خروج رواية عربية إسلامية عالمية قوية تؤكد أن إسرائيل المتفوقة هي خرافة، والذي يظن أن محور المقاومة العربية ومن خلفه إيران بتمددها الشيعي ومن بعيد محور الأوراس الجدد (روسيا ومعها الصين)، وتحديدا إيران والمقاومة الفلسطينية لم تضع في حساباتها تطور الصراع.. لم يدقق في الأمر جيدا، لأن المقاومة الفلسطينية في قامت بعملية تشبه "الخيار شمشون" وسوف تهدم المعبد قطعة قطعة لوقف صفقة القرن والاستيلاء على الأقصى ومخططات الترانسفير.. وفي جعبتها الكثير.

ضبط سياسات القوة الناعمة المصرية
في علاقتها بمستودع الهوية
على المستوى المصري يحتم الواقع ضرورة تغيير المقاربات والسيناريوهات القائمة، وإلا سيكون وقع الأمر شديداً فمصر تملك عناصر القوة الناعمة، إنما تحتاج فقط لحسن إدارة التناقضات التي جرت في العقد الأخير، وفي مرحلة ما بعد حرب ٦ أكتوبر، إنما دون ضبط لسياسات القوة الناعمة ومحددات القرار المصري سوف تظل البلاد في حالة رد فعل مستمر للأحداث، فلقد قدمت التناقضات التي جرت في العقد الماضي عدة مفاصل رئيسية مكبلة أصبحت حملا على الجماعة المصرية برمتها، ولابد من تغيير المقاربات تجاهها وإلا سوف نستمر في حالة التآكل ورد الفعل، كما أن القوة الناعمة الداخلية في حاجة لتجاوز استقطاب ما بعد إزاحة الإخوان، حيث الفكرة هنا أن محصلة القوة المصرية الناعمة إذا لم تنضبط فلن تنضبط أبدا قوتها الخشنة مهما وظفت من موارد، ونحن في لحظة تراجع واختبار حاسم للأمن القومي العربي، والتقصير في توقع السيناريوهات في مداها العام والشامل لا يقف عند التساؤل الغربي والصهيوني، إنما يمتد لما هو عربي، وسياسة رد الفعل سوف تؤدي لمزيد من التراجعات والانكسارات، لابد من مراجعة كافة التناقضات التي تفجرت في العقد الماضي ، ومنذ مرحلة ما بعد ٦ أكتوبر.

الدور المصري وإعادة صف التراتبتات والتناقضات
ودور مستودع الهوية في ضبط الأمن القومي ونطاقاته
إن مفهوم الأمن القومي ترتبط نطاقاته بمستودع الهوية التاريخي الخاص بكل جماعة بشرية، بالتالي فإن محدداته والأحداث الرافعة والضابطة له وإجراءاتها البديلة تتمدد وتنكمش وفق تصورها لهذا المستودع وعلاقتها به، فلا يوجد أمن قومي فعال دون التزام واضح بمحددات مستودع الهوية التي ينتمي إليها، وإلا فقد المعني والمفهوم وظيفته تماما، من هنا تكمن قوة مصر عبر التاريخ في دفاعها عن مستودع هويتها وهوية المنطقة برمتها، لأن مصر هي القلب الجغرافي والمتن بطبيعتها للحاضنة الجغرافية الممتدة من غرب الشمال الأفريقي (دول المغرب العربي) وشمال القرن الأفريقي، وصولا إلى بلاد الشام والعراق، وشبه الجزيرة العربية جنوبا، هذه النطاقات الحيوية الأربعة كانت تتزحزح وتتحرك ولكن كانت مصر مركز الجغرافيا في الدفاع عنها.
ونحن في لحظة تاريخية يجب فيها على مصر اقتحام التناقضات التي تفجرت في مستودع الهوية العربي بطبقاته المتعددة وتحمل مسئولية إدارة هذه التناقضات، وحينها استعادة مصر لمركز وجودها الهوياتي ومستودعه وفي القلب منه دفع الصهيونية للوراء وصفقة القرن في نسختها مع بايدن واستعادة الخط الأحمر في القدس والمسجد الأقصى والتهجير، سيعيد صف كافة المنتمين لمستودع الهوية العربي والإسلامي والدولي المشترك، إذ لابد لمصر أن تستعيد نفسها وتعيد صف كافة التناقضات، فالأمر أن المنطقة مقبلة على مرحلة صعبة للغاية قد تتطلب بناء استقطاب خاص بما يقتضيه من تبعات ومسئوليات، لكن مركز بناء النموذج واستعادة الضبط وإعادة صف التناقضات هو الالتزام بمستودع الهوية الذي هو قدر مصر وما يميزها عبر التاريخ.. فإذا التزمت مصر أعادت صف العالم وتراتباته وتناقضاته، وإذا تخففت فقدت مصدر قوتها وصارت وحيدة، وتلك معادلة وجودية يرشدنا إليها التاريخ والجغرافيا.

الصراع وإعادة إنتاج المظلة السياسية والعسكرية لحرب الخليج
والدور المصري في بناء مظلة سياسية وعسكرية مضادة
ملخص الأمر بوضوح أن أمريكا تحاول إعادة إنتاج مظلة حرب الخليج الثانية ضد العراق سياسيا وعسكريا، وذلك سبب ضغطها السابق على "إسرائيل" لتؤجل اقتحام غزة وخاصة على مستوى الدفاع الجوي حتى تؤمن مظلة فعالة ضد الصورايخ التي قد تخرج من محور المقاومة الذي تدعمه إيران.. وعلى المستوى السياسي تسعى لإعادة إنتاج فكرة المظلة السياسية الدولية ضد الفلسطينيين بذريعة "حماس" كما كان التحالف ضد العراق، ونتخذ على ذلك دليلا ما صرح به ماكرون حيث "اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الثلاثاء[24/10/2023م]، توسيع نطاق التحالف الدولي الحالي الذي يحارب تنظيم داعش في العراق وسوريا ليشمل أيضا القتال ضد حركة حماس في غزة."
لذا فحقيقة الصراع الآن على المستوى السياسي هو معركة دبلوماسية طاحنة ومريرة؛ فيمن سيقدر على بناء مظلة سياسية لها رواية مقبولة عالمية، فإذا قدمنا مظلة ورواية مقبولة سنوقف وهم العنفوان وسنصنع صدمة وعي مضادة ثانية لدولة الاحتلال ولأمريكا، تساهم في تشكل عالم ما بعد المسألة الأوربية وتناقضاتها ذلك إذا امتلكنا الوعي واليقين والإرادة الكافية لذلك.
والأمر لا يقبل القسمة على اثنين إما تفوقنا في المعركة الدبلوماسية الطاحنة ونجحنا في حشد الموارد اللازمة لها، أو للأسف سيتم فرض علينا السيناريو الآخر لمظلة الغرب ضد الفلسطينيين، في حرب الخليج الثانية مع العراق كان هناك فشل ما في بناء السيناريوهات وتصورها أو توقعها، أدي لانتصار النموذج الأمريكي وتفجير التناقضات التي أدت بنا لتفكيك العراق وخروجه من المعادلة العربية، ولا نتمنى أن يتكرر الخطأ نفسه.
يجب أن نكون على وعي بالسيناريوهات البديلة لبناء مظلة سياسية مضادة ولا نقع في الفشل الاستراتيجي القديم نفسه، وذلك بعيدا عن الكلام العاطفي من هنا أو من هناك، أمامنا فرصة حقيقية للصمود والانتصار والتحرك للأمام ،لكنها تتطلب العمل ليلا ونهارا عملا دبلوماسياً مضنيا دون كلل أو ملل.. لنتفوق على السيناريو الأمريكي والصهيوني، ونستوعب المعركة الدبلوماسية حول المظلة السياسية والرواية الفلسطينية الداعمة لهما ، لأن ذلك هو لب المعركة الآن.
وفي واقع الأمر تعد موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار المجموعة العربية خطوة في المسار الصحيح يمكن البناء عليها، يكفي أنها ستكون حائط صد يقف عائقا أمام الغرب يقاوم بناء مظلة سياسية دولية باسم الشرعية لحصار الفلسطينيين حال تدخل البعض أو أي سيناريوهات مماثلة، ويمكن إذا تفوقت المجموعة العربية ووعت لنفسها ومحددات مستودع هويتها وأمنها القومي أن تشارك في بناء نظام عالمي جديد يتجاوز وهم المسألة الأوربية إذا حدث تعنت في آليات تطبيق قرار الجمعية العامة ، وهنا فرصتنا النظرية أكبر من روسيا والصين -لحد ما- بما يمهد للمطالبة بتغيير نظام الأمم المتحدة، وكذلك يمكن في ظروف معينة إذا تطلب الأمر القيام بحشد دولي عسكري أو تحالف عسكري مضاد، لحماية الشعب الفلسطيني استنادا لهذا القرار الأممي، ليصبح القرار نقطة مهمة يمكن البناء عليها في المعركة الدبلوماسية الطاحنة بيننا وبين الغرب، للحشد والمسير في الطريق الصحيح للمعركة الدبلوماسية الطاحنة.

ما هي دبلوماسية إدارة التناقضات؟
ومقاربة الحركة بالأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية؟

والحقيقة أنه من أجل أن تتعامل مصر مع اللحظة الراهنة بكل ما تحمله من متغيرات ومتناقضات محلية وإقليمية ودولية، عليها أن تعتمد سياسة خارجية ودبلوماسية جديدة تعتمد على ما يمكن تسميته بدبلوماسية إدارة التناقضات والأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية"، وتجاوز مرحلة دبلوماسية الأزمة ورد الفعل إرث مرحلة ما بعد الثورات العربية في القرن الحادي والعشرين ومرحلة إزاحة الإخوان.. وهذه المقاربة لها بنية رئيسية وفق ما سنعرض له في النقاط التالية:

الإطار السياسي العام لـ"دبلوماسية إدارة التناقضات":
- ضبط التوازنات السياسية الإقليمية والدولية وإعادة ترتيبها في أعقاب عملية 7 أكتوبر العسكرية، لاحترام الوجود العام للدولة المصرية، وللذات العربية وثوابتها وقيمها الثقافية ومكونات مستودع هويتها وفي القلب منها قضية فلسطين، والتأكيد على صيغة جديدة للعلاقة مع دولة الاحتلال تتجاوز تناقضات المرحلة الماضية شيئا فشيئا، بما فيها تفاهمات صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهمية وتحديدا فيما يخص السيطرة على المسجد الأقصى ومدينة القدس، وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

الإطار المفاهميي الثنائي الرئيسي للمقاربة: التناقضات والمتغيرات
- مفهوم "دبلوماسية إدرة التناقضات" ذاته يقوم على العمل الدبلوماسي والسياسي والعسكري المدمج، وفق سياسة تقتحم التناقضات التي تفجرت في المحيط الحيوي لمصر على المستوى: العربي والإسلامي والمتوسطي والأفريقي والعالمي، أي أن الإطار العام للمقاربة الدبلوماسية المقترحة في كافة مستوياتها يقوم على اقتحام التناقضات وإدارتها وعدم الوقوف على تخومها، والركون إلى خطابات الاستقطابات الصفرية والحدية إرث العقد الماضي.
- مفهوم "الأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية" هو آلية في العمل التكيكي المستمر للمضمون أو المحتوى المطروح دوما على "طاولة العمل"، ووفق هذه الآلية المرتبطة بـ"دبلوماسية إدارة التناقضات" ستقوم مصر بطرح وجهة نظرها وأهدافها والحشد لها على كافة المستويات، انطلاقا من "المشترك الممكن والأهداف المتغيرة" باستمرار، فقد يتحرك البعض معنا في هدف ما ويرفض التحرك في هدف آخر وهذا معنى "الأهداف المتغيرة"، وقد يعمل البعض معنا لمرحلة معينة أو لمدى معين، ثم يقيد حضوره أو تفاعله في مرحلة أخرى وهذا هو معنى "المشتركات المرحلية"..

التطبيقات المقترحة لـ"دبلوماسية إدارة التناقضات" خارجيا:
- قبول التعامل مع الآخر المتنافس مع مستودع "الهوية العربي" بطبقاته ومستوياته؛ والحديث هنا عن "إيران" ومحور المقاومة الشيعي برمته و"تركيا" تحديدا، لأن كل منهما تشترك مع الذات العربية في البعد والطبقة الدينية في مستودع الهوية، ورغم أن كلا منهما يتنافس على صدارة السردية الإسلامية مع الذات العربيةـ إلا أننا في لحظة تاريخية تتطلب البحث عن الاصطفاف بدجات متعددة في مواجهة عدو مشترك.. وكذلك التعامل بالقبول نفسه داخل مستودع الهوية العربي، فمثلا وفق إطار "دبلوماسية إدارة التناقضات" هذه يمكن قبول مشاركة إحدى دول الاتفاقيات الإبراهيمية في هدف ما أو في مشترك مرحلي ما، بغض النظر عن سابق موقفها العام.
- إدارة العلاقة مع الصين روسيا وفق الإطار الدبلوماسي نفسه لإدارة التناقضات والاهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية، فرغم أن الصين وروسيا لم يقفا إلى جانب مصر كرد فعل لتفجير التناقضات التي أدارها ترامب في ملف سد النهضة، إلا ان الاستقطاب الدولي الراهن بينهما وبين الغرب تقف فيه الأزمة الراهنة بوصفها محطة جديدة للصراع على النفوذ، وهو ما يجب على مصر أن تتفهمه وتتقبله وفق دبلوماسية "إدارة التناقضات" وتحرص على تحقيق اهداف الذات العربية في ظل هذا الاستقطاب الدولي وإدارته وفق الأهداف المتغيرة والمشترك المرحلي الممكن قدر الإمكان.
- إدارة العلاقة مع أمريكا اللاتينية بترحاب باعتبار أن هذه الدول تتبنى خطا وسقفا عاليا في مواجهة ساسات دولة الاحتلال، خاصة على مستوى المؤسسات الدولية والأممية.
- إدارة التناقضات التي تفجرت مع الاتحاد الأفريقي وفق مقاربة دبلوماسية إدارة التناقضات، ولكن مع الوعي لضرورة استخدام مقاربة فرعية في هذا المستوى تقوم على "استعادة البان أفريقانيزم وتحريره من المركزية العنصرية السوداء" والتيار الذي تقوده أثيوبيا، ولكن مع الوعي والتأكيد باستمرار الحضور التام لآلية "الأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية" والعمل التكيكي المستمر للمضمون أو المحتوى المطروح دوما على "طاولة العمل" وفق الممكن مع إدارة الاستقطاب مع تيار المركزية السوداء العنصرية.

التطبيقات المقترحة لـ"دبلوماسية إدارة التناقضات" داخليا:
- تسكين رواية "العداء مع حماس" بوصفها ذراع إخواني تفجرت التناقضات بينه وبين مصر في مرحلة ما بعد إزاحة الإخوان، والتأكيد على المشترك في مواجهة الصهيونية والهيمنة الأمريكية، وفق الأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية، مع العمل لتطوير مساحة المشترك العام دوما ودور حماس بوصفها أحد فصائل المقاومة الفلسطينية وتجاوز رواية "حماس الإخوانية" والتناقضات التي صاحبتها.
- تجاوز التمركز الذي تقوم به الإدارة السياسية المصرية حول السردية الوجودية لـ"الصراع مع الإخوان"، بعد عقد كامل من الزمان من إزاحة الإخوان وما أنتجته هذه السردية من تناقضات تسربت إلى مفاصل مؤسسات الدولة المصرية وأصابتها بالارتباك والعجز وإشغال أبنية الدولة لما لانهاية بهذه المعركة والحشد لها، خاصة على مستوى بناء الأهداف الكلية ومبرراتها، من ثم الانطلاق لسردية "ما بعد إزاحة الإخوان" والعمل من خلال أهداف جديدة وفاعلة للجماعة المصرية، وتجاوز تناقضات السياسات الخارجية التي تمت في إطار سردية "الصراع مع الإخوان"، ومنح الأولوية لسردية "استعادة نطاقات الأمن القومي المصري" في مستوياته المتعددة، في ظل التضارب والارتباك بين نطاقات عمل الأمن القومي ومؤسساته، ونطاق عمل الأمن السياسي وبنيته التي تضخمت والتناقضات التي نتجت عن ذلك.

التطبيقات المقترحة لـ"دبلوماسية إدارة التناقضات" عسكريا:
- تحديد هدف عام مصحوب بعدة أهداف صغيرة؛ وفي هذه الحالة الهدف العام هو مواجهة رد الفعل الإسرائيلي إزاء عملية 7 أكتوبر، والهدف العام الفعلي هو كسر وهم التفوق العسكري الذي استرده جيش الاحتلال طوال الفترة الماضية قبل عملية 7 أكتوبر، وفي الفترة بينها وبين حرب 6أكتوبر عام 1973، والتأكيد على كسر هذا الوهم... مع هدف معلن يقوم على فرض السيطرة العسكرية على سيناء ودفع صفقة القرن المعدلة مع بايدن للوراء تحديدا فيما يخص تهجير الفلسطينيين وقطاع غزة إلى سيناء، وما يتطلبه الأمر من عمليات ردع عسكرية ترتبط بالمسارات الدبلوماسية والسياسية، وما يستلزمه ذلك من إدارة حزمة التشابكات والعلاقات ذات الصلة وفق ذلك الهدف العام.
- استخدام الآلية نفسها أي "الأهداف المتغيرة والمشتركات المرحلية"، والتي قد ترى التعاون مع شركاء أو أطراف متعددين لمرة أو لمرات متعددة لتنفيذ أهداف عسكرية تكسر وهم التفوق العسكري لدى جيش الاحتلال والحلفاء الغربيين الموجودين بعتادهم الحربي لدعمه..، أي قبول العمل في المدى القصير والمتوسط والطويل، وفي المجال العملياتي/ العسكري، ورديفه الذي في مجال العلاقات الخارجية الدولية والإقليمية وفق أهداف يحدث التوافق عليها مع أطراف لا يوجد معها تفاهم كامل أو واسع على مستوى مستودع الهوية أو السياسات الخارجية أو الاختيارات السياسية أو النظام السياسي.


خاتمة:
إذا لم تبادر مصر باقتحام التناقضات التي تفجرت في الفترة الماضية، وظلت تدور في تأثيراتها واستقطاباتها المستمرة فقد نقع في الفشل الاستراتيجي ذاته، الذي بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي مع ضرب العراق وغواية أمريكا لها، وهو الفشل ذاته الذي يرجع به البعض لمرحلة سابقة في نهاية السبعينيات.. فتهدف دبلوماسية "إدارة التناقضات" إلى ضرورة تحمل المسئولية السياسية ومواجهتها بما تحمله من ثقل وصعاب جمة وتراكمات طيلة مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الأجنبي، وبعد تفكك سردية الخلافة العثمانية وتفكك سردية القومية العربية ومشروعها، فهي مقاربة تسعى لرفد اللحظة التاريخية الراهنة وتنطلق مع تعريفها للسياسية والمسئولية السياسية التي ترى أن...
"السياسة هي مسئولية التعامل مع اللحظة الراهنة وامتلاك مهارات ذلك، بما فيه النظر للتناقضات التي أنتجت هذه اللحظة الراهنة، واجتراح مقاربات للعبور بها للمستقبل الأمثل قدر الإمكان.."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا