الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يدفع اختراق اكتوبر واشنطن لمراجعة استراتيجتها الشرق اوسطية؟؟.

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2023 / 11 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لم يمض بعد زمن طويل كي ننسى ان الرئيس بايدن ان في خطابات حملته الانتخابية او في خطاب التنصيب انه لفت إلى أنها تتبلورامام فترة رئاسته حاجة لمعالجة ثلاث قضايا رئيسية هي بالإضافة إلى «تعزيز» الديمقراطية في الولايات المتحدة، وتهيئة المواطنين الأمريكيين للانخراط في الاقتصاد العالمي، فإنه ركزعلى عودة أمريكا لقيادة العالم من خلال ما اسماه بالانخراط النشط في مساندة الانظمة الديمقراطية بمواجهة الديكتاتوريات في العالم في إشارة إلى روسيا والصين.
وقد نظر الكثير من المحللين في حينها إلى أن هذه الالتزامات تعد استمرارا للاستراتيجية التي اعلن عنها الرئيس أوباما في العام 2011- 2012 لاعادة تكييف قوة الدولة وفقا لمتغيرات توزيعها على مستوى العالم لتفعيل تقليد أمريكي في فهم السياسة الخارجية يقوم على رصد العدو من الداخل قبل الخروج للحرب معه والعودة.
وفي المقابل كثيرون ايضا لم يصدقوا انذاك، كما لم يصدقوا بعد تقرير مجموعة بيكر هملتون، إن غزو العراق، لم يخرج عن نطاق الحسابات الأمريكية أوروبيا، للانفراد بقيادة أبدية للنظام الدولي.
ولم يقتنعوا أن الاقتراب الأمريكي من النفط العراقي ليضاف إلى النفط الخليجي والليبي والجزائري إنما أراد محافظو أمريكا الجدد من ورائه لي ذراع أوربا لحملها على قبول هذا الانفراد الذي اعقب انهيار الإتحاد السوفييتي وتسبب في خروج أوروبا واليابان من المضلة النووية الأمريكية وخلق حالة من بوادر تمرد على القيادة الأمريكية، استشعرها البيت الأبيض بصورة خاصة أثناء سعيه لتأمين تمويل حرب إخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991.
لقد أرادت واشنطن ببسط نفوذها على مصادر الطاقة العالمية وإخراجها من نطاق أي احتمال تجاذب أن تتموقع في المكان الذي يتيح لها ضبط إيقاع التناقضات في المصالح البينية للدول الغربية التي تفجرت في أعقاب الحرب الباردة من جهة وإبقاء مصادر طاقتها وتطورها الصناعي رهينة الرضا الأمريكي للحيلولة دون عودة ملامح ذلك التمرد من جهة ثانية.
وفي نفس الوقت كانت الولايات المتحدة ترقب ألاوضاع في كل من روسيا والصين، البلدان الأكثر احتمالا للعودة إلى ميدان المنافسة على قيادة النظام الدولي، حيث بلغت المخاوف الأمريكية أوجها مع الزحف الصيني الذي اكتسى طابعا اقتصاديا مقلقا مع تصاعد حاد في حجم المصاعب التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي، وهو ما حدا بالرئيس اوباما وادارته في تلك الابان لتأكيد اعتماد إستراتيجية تعكس متطلبات التطورات الجيوسياسية التي تواجهها الولايات مستقبلا، وخصوصا في منطقة شرق آسيا.
وعلى الرغم من أن تلك الإستراتيجية الجديدة سمحت بتكثيف الحضور العسكري الأميركي في منطقة "آسيا – المحيط الهادئ"، لكنها ابقت على التعاون الوثيق مع الحلف الأطلسي، إلى جانب التيقظ الدائم في الشرق الأوسط، وتحديدا فيما يتعلق بملف العلاقات مع إيران، في إشارة للتأكيد على عزم الولايات المتحدة الاستمرار في تعزيز تواجدها وانتشارها العسكري في معظم أنحاء العالم، لتأمين استمرار انفرادها بقيادة النظام الدولي.
ولكن ورغم هذه اليقضة الشاملة والتحفز الكلي الا أنها ركزت على ما سمي بالتحول المستقبلي في جميع الأنماط الديموغرافية والجيوبوليتيكية والاقتصادية والعسكرية نحو المحيط الهادئ على افتراض ان التحديات الإستراتيجية ستكون في منطقة المحيط الهادئ ومن الدول الواقعة على ساحل المحيط الهندي" في إشارة ضمنية إلى المنطقة الممتدة من جنوب آسيا إلى الخليج العربي.
ولذا فان التحول الأمريكي من شرق أوسط تتحكم بنفطه ولا تحتاج منه لأكثر من 10% ، فيما تبلغ نسبة الحاجة الأوروبية من نفس النفط إلى ما يزيد عن 60%، وتتجاوز بالنسبة لليابان نسبة الـ 90% الى منطقة شرق أسيا والمحيط الهادئ التي تمتلك كل الإمكانيات اللازمة لتأمين تطورها الاقتصادي، كان يؤكد اصرارا على تجديد قوة الدولة وتكييفها للاستمرار في إستراتيجية الانفراد بالسيطرة على قمة النظام الدولي.
وعلى الرغم من ذلك فقد نظر اتباع المدرسة الواقعية لاداء إدارة أوباما على انها لم تتصرف بالقدر الكافي من الواقعية استجابة للتحديات التي فرضها تحرك اتجاه القوة حيث تعاظم حجم وتأثير القوتين الصينية والروسية، وذهب في اعتقاد عدد واسع من صانعي السياسة الخارجية الأميركية أن حالة النظام الدولي الراهن تشبه إلى حد ما حالة الحرب الباردة، الأمر الذي يستدعي صياغة محددة للدور المتصور لواشنطن، وخاصة في المناطق الأكثر أهمية وحساسية لمصالحها في مواجهة ما يعتبر تحدياً جديّاً من قبل روسيا والصين لهذه المصالح عبر قوس المواجهة الدائرة مع روسيا، بدءاً من بحر البلطيق، مروراً بالبحر الأسود وإيران، وفي بعض مناطق الشرق الاوسط كسوريا.
وعلى أرضية هذه الخلفيات الفكرية التي قيّمت سياسات أوباما تم ايصال ترامب ذو النزعة الشعبوية المبنية على الجنوح الانعزالي والقومي إلى البيت الابيض الذي وجد في حالة سيولة النظام ادولي الناجمة عن غياب التوازن في القوة على مستوى قيادته الذي من شأنه ان يحدد قواعد السلوك التي تضبط علاقات القوى العظمى وحلفائها، فرصة لسلوك في السياسة الخارجية اتصف بالتنمر والصقورية كنقيض لما قيل انه ضعف إدارة أوباما التي عرّضت مصالح امريكا وقدرتها على الردع للتآكل، خاصة نحو كل من إيران التي رأى بالاتفاق النووي معها جائزة لا تستحقها، وربط بين بقاء القوات الأميركية في سوريا، ومنع وصول طهران إلى البحر المتوسط، وروسيا الذي ادعى أن إحجام إدارة أوباما عن كبح اندفاعاتها في جورجيا وشبه جزيرة القرم، وتدخلاتها في دول البلطيق، وفي الشرق الأوسط، ودورها في الملف النووي الإيراني؛ قد شجعها على مواصلة نهجها في تحدي نفوذ ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها،اذ لم يفرط بوتين وقتها باي فرصة للدعوة والتأكيد على ضرورة إعادة النظر بانفراد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي.
وفي سياق صياغة هذا النهج الأمريكي المتشدد وبكثير من تعمد اظهار النزوع الاستعلائي والاحساس المفرط بالتفوق وعدم الحاجة للاخر والاستخفاف به والاكتفاء بالذات ترجمة لشعار ترامب الانتخابي أمريكا اولا ذهبت واشنطن للتنصل والانسحاب من عديد الاتفاقيات الدولية في مجالات التجارة الحرة والبيئة والعلاقات الدولية، وتعاملت برعونة كبيرة وغطرسة اكبر في عدد من الازمات الإقليمية على غرار أزمة دول الخليج والحرب في اليمن والقضية الفلسطينة، وصلت إلى حد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل متحدية بذلك مشاعر ليس الفلسطينيين ولا العرب والمسلمين بل حتى حلفائها القريبين منها.
وورد حينها على لسان اكثر من مراقب ومحلل للشؤون السياسية والاستراتيجية الأمريكية ان مرد هذا الاستخفاف الأمريكي بالشرق الأوسط وبالصراع العربي الإسرائيلي يعود اساسا إلى المبالغة بالاحساس بالقوة والتفوق الذي شكل جوهر سياسات ترامب القائمة على البحث عن السلام عن طريق القوة اولا وان مصدر السلام هي حماية ما كان يسميها بثقافة الشعب الأمريكي التي تقف على الضد منها ثقافة التطرف والارهاب اللتان ينطوي الشرق الأوسط على كم كبير منهما في إشارة شديدة الوضوح لاطلاق يد إسرائيل في المنطقة.
وفعلا فقد انعكس ذلك على سياسات إسرائيل على مستويي الاطاحة النهائية بنهج السلام والتفاوض وارتفاع مستوى وحشيتها ضد الفلسطينيين ان بمضاعفة سياسات القتل والاعتقال او بتكثيف مصادرة الأراضي واستيطانها لانهاء احتمال حل الدولتين، وفي الوقت نفسه وفي ظل فراغ عميق لدور قيادة النظام العربي وضعف شديد في تفاعلاته على المستوى الدولي بالإضافة إلى الانقسامات والخلافات والحروب الي شهدتها كثير من دوله، برزت إلى السطح قراءات أمريكية لا تخلوا من عدم دقة حول عجز طويل الأمد قد اصاب عوامل الرد فيه، تولد عنه اعتقاد قوي بان المنطقة ذهبت إلى حالة من الركود.
في هذه البيئة الإقليمية وتزايد القلق الامريكي من تنامي القوة الصينية والتقارب بين بكين وموسكو وعملهما المشترك على خلق منظومات مؤسسية موازية وتجمعات اقتصادية وسياسية وفي ظروف أمريكية داخلية غير مسبوقة تم إيصال جو بايدن إلى البيت الابيض، الذي سارع كردة فعل تصحيحية لسياسات ترامب إلى نقض معظم مقارباته خاصة على مستوى إدارة الشأن الدولي، وعمل بصورة مبكرة على انعاش استراتيجية المواجهة في منطقة الباسفيك، وتكريس كل السياسات الأمريكية في خدمة هذه الاستراتيجية التي ضمنها مؤخرا للتوجهات الجيوسياسية الأخيرة لإدارته من أجل تعزيز مصالح أمريكا الحيوية والتغلب على المنافسة الصينية والتهديد الروسي والتصدي للتحديات المشتركة، فيما استمرت إدارة بايدن كباقي الادارات السابقة في التعامل مع الشرق الأوسط كمنطقة نفوذ خالصة تعمل بين الحين والآخر على إدارة ازماتها وإعادة ترتيب تناقضات دولها، دون ان تعير انتباها كافيا لعوامل تفجر ازماتها، حيث اهملت على سبيل المثال العمل على ايجاد حل دائم وعادل للحقوق الوطنية الفلسطينية، التي ُتركت لعبث اليمين الديني العنصري المتطرف، بل وشجعته على مواصلة عبثه هذا من خلال تمهيد الطريق أمامه عبر موجات من التطبيع العربي الاسرائيلي الذي كان من الجانب الاخر يزرع بذور انفجار الأزمة.
وفي غمرة الانهماك الأمريكي بإعادة ترتيب أوراقه في الشرق الاوسط، الذي أبدت بعض دوله جنوحا للبحث عن بدائل ذات طابع بعيد المدى عن العلاقات مع واشنطن، في محاولة لاحتواء تصاعد النفوذين الروسي والصيني، دون ادنى اهتمام يذكر بأهم عناصر أزمة المنطقة المتمثلة باستمرار الاحتلال الاسرائيلي، كان اختراق السابع من أكتوبر الذي اطاح بهيبة الردع الاسرائيلي ووضع وسائل وتكنولوجيات الانذار المبكر الامريكية التي زودت بها إسرائيل موضع تندر وسخرية من قبل الخبراء الامنيين في العالم، لم تستطع معه إدارة بايدن إخفاء دهشتها وربما هلعها، إذ لم تمض ساعات على الهجوم الفلسطيني حتى كانت فرق خبراء الاستطلاع على الحدود مع غزة لدراسة وفهم كيف حدث ذلك، فيما كانت القوات البحرية الأمريكية تتجه نحو المنطقة لسد فراغ الشلل الذي أحدثته صدمة الاختراق وردع اي أطراف يمكن لها أن تفكر بتوسيع رقعة المواجهة.
وعلى الرغم مما أوحى به الاندفاع الامريكي والاوروبي نحو اسرائيل على انه استعداد لحرب قاسية وواسعة الا أن مجريات الاحداث أظهرت حجم التريث وحتى الخوف الأمريكي من فتح باب الصراع الشامل، بل وعمد الاعلام الأمريكي إلى تسريبات تشير إلى رغبة واشنطن في البحث عن بدائل عن توسيع نطاق الحرب، ترافق ذلك مع إعادة الاعتبار والاهتمام بقضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية التي كانت وستبقى عامل التفجير الدائم.
صحيح ان واشنطن لم تفصح بعد عن وجهة نظر ملموسة لمواجهة تحديات استمرار الاحتلال، ولا زالت تحبذ الحديث في العموميات، غير انها باتت اكثر ادراكا لخطأ اعتبار الشرق الأوسط منطقة نفوذ خالصة دون ان تجد حلا عادلا للقضية الفلسطينة، والارجح الاعم على هذا الصعيد إن واشنطن أرادت أن تمد بوجودها على قمة هرم النظام الدولي وان تنأى بالشرق الأوسط خلال مواجهتها مع الصين وروسيا عن الصراع والتنافس ستعمل على إعادة النظر باستراتيجية الإهمال والتفويض ليمين إسرائيل العنصري للعبث بها، وتضع اسس جديدة لها تقوم على إعادة التوازن للمنطقة بفرض حل الدولتين حلا عادلا وواضحا.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي