الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبن والشعير والحمير

أبوبكر المساوي
باحث

(Aboubakr El Moussaoui)

2023 / 11 / 4
كتابات ساخرة


في الماضي كان الحمير ينعمون بالشعير و بكثير من الإجلال و التقدير ، إلى أن استنفذ صاحب الحمير ما في خزائنه من شعير بدون أي تبربر ، فلجأ للاستدانة باسم الحمير من الصاحب و الجار و أصحاب الرساميل مقابل أعناق الحمير ، و بين نفاذ مخزون الشعير و توصل صاحب الحمير بمبلغ الدين كان يقدم التبن طعاما للحمير عوض الشعير ، و لأن الجوع سيد الأذواق فقد أكل الحمير بنهم حتى امتلأت البطون ثم غشاهم نوم ثقيل ، و بعد أن استفاقوا من سكرة الشبع و الامتلاء أدركوا أنهم أكلوا اليوم مما كانوا يفترشون بالأمس ، و من شيء كانوا يقذفونه بفضلاتهم بعد أن يأكلوا مما اشتهت أنفسهم و من الشعير.
نهق الحمير احتجاجا، ثم عوى كلاب صاحب الحمير -الذين كانوا مندسين في جلابيب حمير- إيذانا بخطر قادم من جماعة الحمير، نهق الجميع - نهقة – حمار واحد فاهتزت لذلك قطع القصب والقش والخشب المتآكل التي تؤويهم – بعيدا عن إقامة صاحب الحمير- لكن كلاب صاحب الحمير قاموا بالواجب وأدوا المهام المنوطة بهم على أتم وجه كعادتهم، نهيق ثم عواء، ثم نهيق ونهيق، ثم عواء، ثم نهيق ونهيق ونهيق، ثم عواء...ثم نهيق متعب وهن... فصمت رهيب ردا من كلاب صاحب الحمير.
ثم صمتت جماعة من الحمير من فرط الجوع والتعب والملل، ومنهم من صمت لأنه كلب مندس في جلباب حمير، ومنهم من باع نهيقه وركله ورفسه بحفنة شعير، أو شربة ماء نقي أو لمسة حنان مخادع من صاحب الحمير. استبد الجوع بجماعة الحمير فاضطروا لأكل بقايا التبن الممزوج بالروث والبول، وكان من بين الذين أكلوا هذه الوجبة كلاب مغلفون بجلابيب حمير لكنهم رفعوا تقاريرهم إلى صاحبهم بالتفاصيل اللازمة لوضع خطة لإبقاء الوضع على ما هو عليه -حمير يأكلون بقايا تبن ممزوج بفضلاتهم- طبعا هذا مفيد جدا لصاحب الحمير.
نهق الحمير نهيقا مدويا وصلت أصداؤه كغير عادته إلى حدود أسوار إقامة صاحب الحمير، مطالبين بإعادة وجبة التبن النقية عوض بقايا التبن الممزوجة بالروث والبول، أما الشعير فقد أصبح من ضمن الأساطير. ولردعهم، أرسل صاحب الحمير قطعانا من كلابه المتوحشة التي لم يسبق للحمير أن رأوها، ثم اختلط النهيق بالعواء والعض بالركل والرفس إلى أن تراجعت جماعة الحمير إلى ما وراء حدود زمن الشعير.
أدرك صاحب الحمير بمساعدة أصدقائه الذين قرأوا كتاب " الحمير " للكاتب العظيم "ميلودو شلاهبيفيلي " وكتاب " سيكولوجية الحمامير " للكاتب العظيم " موصطاف عُفون" أن حميره قادرون على مواصلة العيش ببقايا التبن الممزوج بالروث والبول، والعمل طوال السنة دون توقف مع احتجاجات في شكل مونولوجات داخلية عميقة جدا مع الحرص على رسم ملامح الفرح والسرور تفاديا لإثارة الانتباه والشكوك، والالتفات يمينا ويسارا بين الفينة والأخرى للتأكد من خلو المكان من عنصر قد يشكل خطرا على سلامة شخص الحمير المحترم. ثم عاش الحمير في ثبات ونبات وأنجبوا صبيانا وبنات، فكانت النتيجة أن بقي الوضع على ما هو عليه، وقد توارث الحمامير أن أحلى وجبة يمكن تناولها هي وجبة التبن الممزوجة بالروث والبول، و أن حدود أحلامهم و مطالبهم هي التبن المنزوع الدسم -عفوا منزوع الروث و البول- أما قصة الشعير فيشعرهم مجرد التفكير فيها بالذعر و الفزع و بحالة من الأصوات و الحركات الهستيرية و الركل و الرفس التي تنتقل بشكل لاإرادي إلى صغار الحمامير، ليتأكد جماعة الحمير بالتجربة و التكرار أن الحديث عن الشعير من أسباب الإصابة بالهستيريا و الذعر و الفزع، لهذا يتم اجتنابه تفاديا للإصابة بما لا يطاق، أما أكل الشعير فقد اختفى بشكل نهائي بفعل عامل تطوري من النمط الغذائي لجماعة الحمير.
وفي ختام هذه المقدمة أقول: احرموا الحمير من التبن واضربوهم عليه كي لا يطالبوكم بالشعير.
بعد خصام طويل مع صاحب الحمير، وبعد طول تفكير، اكتشف جماعة الحمير أن أكل الشعير حق من حقوق الحمير، واكتشفوا أيضا أن صاحب الحمير رهن أعناقهم مقابل دين الشعير في حين أنهم لم يذوقوا طعمه منذ زمن طويل، فعقدوا العزم على تدويل قضية الشعير لفضح صاحب الحمير. طرقوا أبواب صاحب الدين والرفيق والصاحب بالجنب وأصحاب الرساميل، فلم يجدوا من الأجوبة إلا كل مرير، لأن الرفيق والصاحب بالجنب فقير، أما صاحب الدين وأصحاب الرساميل فنفعهم بجانب صاحب الحمير، ولا يهمهم مصير جماعة الحمير.
وقف واحد من الحمير الذي يبدو عليه نوع من السخط وعدم الرضا على ما آل إليه وضع الحمير، استجمع قواه وأخذ نفسا عميقا ليفرغ ما بجعبته ويدلي بدلوه في القضية، فاختلط عليه الشعير بالحمير بالمصير، وتلعثم من شدة الخوف ومن هول وحجم الكلمات التي نطق بها، والتي لا يحتملها المكان ولا الزمان ولا عقول الحمير، تحمس المسكين، فكان الرد والفيصل في الأمر هو سيكولوجية الحمامير، نهيق جماعي وصفير، وأصوات غريبة صدرت عن جماعة الحمير.
رفعت جلسة الحمير على إيقاع الركل و الرفس و النهيق و الصفير ثم مضوا لقضاء حوائجهم فرادى و مثنى و جماعات، مع إشارات بحوافرهم تجاه شخص المتحمس من الحمير، وهمهمات و كلمات مدغمة بعضها في بعض لا يفهم منها الكثير، لكنها تشي بأن بقاء المتحمس من الحمير بين جماعته أصبح مسألة وقت قصير، وأنه سيرسل إلى ما وراء الشمس أو يقذف به من جرف أو يلقى في اليم بعد أن تعلق إلى حوافره تروش من الحجم الكبير، عقابا له على جرأته في طرح قضية الشعير، فتحاشاه الكل واعتزلوه ونبذوه، و سخروا منه في حضور كلاب صاحب الحمير، ليظهروا ولاءهم لولي النعمة صاحب -التبن الممزوج بروث وبول الحمير- وليؤكدوا معارضتهم للمتحمس من الحمير وعدم تبنيهم لقضية الشعير.
فهل هذا خوف من جبروت وعقاب صاحب الحمير أم أنه تعاطف وتماه مع المغتصب ومراعاة لرقة مشاعر صاحب الحمير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان