الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية طوفان الاقصي واعادة هيكلة الشرق الاوسط

مازن عباس

2023 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لاشك ان المستفيد الاول من عملية طوفان الاقصي واندلاع الحرب في غزة ، كانت روسيا . الامر لا يقتصر علي تخفيف العبء الهائل علي الكرملين عسكريا وسياسيا في عمليته العسكرية في اوكرانيا ، وانما ايضا لانه يفتح ثغرة قد تمكن روسيا من كسر جدار العزلة الدولية وكسر الاحتكار الامريكي لحل ازمة الشرق الاوسط، ما يمكن موسكو من ايجاد سبيل لاعادة جزئية للنفوذ الروسي في الشرق الاوسط وبداية تشكيل تحالف بقيادة روسيا في مواجهة سياسات الولايات المتحدة .
لكن مساحة الحراك الروسي محدودة، اولا بسبب الاحتكار الامريكي، وفشل كل المساعي الروسية علي مدار 20 عام لاستعادة الدور السوفيتي في الازمة، وخروجها من المنطقة. اضافة الي ان حجم المصالح الروسية مع اسرائيل والذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لان يتحدث عام 2016 عن قناعة روسيا باهمية امن اسرائيل،مشيرا الي ان سوريا لن تدخل اي حرب مع اسرائيل. ناهيك عن حجم التبادل التجاري الذي يتجاوز اجمالي حجم التبادل التجاري مع كل الدول العربية والمصالح الاقتصادية ووجود اكثر من مليون ونصف المليون مواطن اسرائيلي من اصول سوفيتية وناطقين باللغة الروسية.
الجانب الاهم والذي يكشف محدودية الدور الروسي هو ان روسيا فشلت في ايجاد حلفاء جدد في المنطقة العربية بعد ان تخلت عن حلفاءها التقليديين، وهو ما كشفت عنه استضافة الرئيس الاوكراني زيلينسكي في اخر قمة عربية وعدم توجيه الدعوة لروسيا للمشاركة، بعد ان كانت مشاركة روسيا منتظمة في كل القمم العربية.
واذا كانت ازمة اوكرانيا قد بدأت لخدمة المصالح الامريكية علي عدة محاور :
اولا : توسيع النفوذ الامريكي ليصبح بالقرب من الحدود الروسية
ثانيا : توسع الناتو ليس شرقا فقط وانما ايضا شمالا
ثالثا : انهاك الاقتصاد الاوروبي واضعافه بعد ان حقق تنامي كبير خلال السنوات الاخيرة واصبح يتطلع لزعامة النظام العالمي الراسمالي وتجلي ذلك في تجاهل المطالب الامريكية التي تتعلق بخط انابيب السيل الشمالي وغيرها
رابعا: الاجهاز علي الطموحات الروسية واخراجها من مناطق نفوذ تقليدية عبر انهاكها عسكريا وتفجير المزيد من الازمات في اقتصادها.
فان عملية طوفان الاقصي قلبت موازين المواجهة راسا علي عقب، لانها ادت لاندلاع حرب ستؤدي لافشال الخطة الامريكية – الاسرائيلية لفرض السيطرة الكاملة علي الشرق الاوسط بواسطة احدي القوي الاقليمية الثلاث التي تتصارع عليه، وهي اسرائيل والتي ترتبط عضويا بالسياسة الامريكية، واخراج ايران وتركيا من مسرح الصراع
بعد نجحت الخطة الامريكية الاسرائيلية في اسقاط بند القضية الفلسطينية وحل الدولتين من اجندة المجتمع الدولي لتسوية ازمات البؤر الساخنة، اضافة الي مد سيطرة اسرائيل علي اراضي محتلة منذ عام 67 عبر نشر المستوطنات الاسرائيلية علي اراضيها ، مرورا بدمج اسرائيل في علاقات منفعة متبادلة مع دول المنطقة ، وانتهاءا بممارسة عمليات يومية لقمع وقتل وتهجير الفلسطينيين من منازلهم ومن اراضيها دون ان تجد هذه العمليات اي معارضة اقليمية او دولية
بعد وصلت هذه الخطة الي مراحلها النهائية جاءت عملية الاقصي لتعيد الوضع السياسي الساخن في الشرق الاوسط للمربع الاول وتهدد النفوذ الامريكي في المنطقة وتهدد الوجود الصهيوني في الشرق الاوسط
بذلك انتقل وضع الصراعات اللدولية من هجوم امريكي لتحسين وتوسيع نفوذ واشنطن الي مرحلة انقاذ مناطق نفوذ يفترض انها خاضعة للسيطرة الامريكية . ولعل اهم نتائج ما يحدث هو عودة الملف الفلسطيني ليحتل الصدارة علي طاولة المفاوضات الدولية، بعد ان تم القاءه في سلة المهملات.
لا اعتقد ان حركة حماس خططت لعملياتها استناد الي هذه الرؤية، لكنها بالتأكيد انطلقت من حقيقة ان المرحلة القادمة تستوجب تصفيتها وتصفيه اي حراك شعبي فلسطيني، ووفق منطق "هرقل" كما يبدو لي انها قررت ( علي وعلي اعدائي) وان الحركة والحراك الشعبي الفلسطيني لن يخسر شيئا ثمينا في هذه المواجهة، طالما ان قرر التصفية قد اتخذ ويقيت اجراءات بسيطة لخروجه لحيز التنفيذ .
وقد لا الوم حماس علي ما تفعله، ليس فقط لانها قررت الدفاع عن وجودها ، وانما ايضا لانها لاتعرف غير هذه الاساليب في النضال الوطني، ورغم انها اساليب مشروعة لمقاومة الاحتلال، لكن يجب دائما ادراك عواقبها ونتائجها واجادة حساب الارباح والخسائر. ولانها قوي تعتمد علي الحشد الحماسي العاطفي دون التعامل مع خطط عملية وواقعية لتحقيق اهداف محددة، هذه قدراتها واساليبها. وكان لها ان تحظي بالريادة لانها القوي الوحيدة في الساحة وفق مبدأ ملاء الفراغ ، حيث لا توجد قوي اخري تعمل من اجل الحقوق الوطنية. والاهم من ذلك ان الشارع العربي لاتزال لديه مصالح ومهام لم تنجز وهي سيادة الشعوب علي اراضيها والحرية والعدالة الاجتماعية، واي قوي تتصدي او تزعم انها تتصدي لتنفيذ بعضا من هذه المهام في ظل العقم الوطني ستحظي بمساندة شعبية.
اما موقف حزب الله فكان يتعارض مع موقف حماس، رغم ان كلاهما الابناء الشرعيين لتيار الاسلام السياسي والاخوان المسلمين، الاول فرع الشيعة والثاني فرع السنة. لكن حزب الله مرتبط بتنفيذ الاجندة الايرانية. وجاءت عملية طوفان الاقصي في وقت تلوح فيه في الافق ثغرة او انفراجة للازمة الايرانية ، او ربما امكانية تفاهم ايراني امريكي، لذا لم يكن علي جدول اعمال طهران الدخول في اي صدامات مع الولايات المتحدة.
المفاوض الايراني البارع والذي تمكن علي مدار اكثر من عشرين عاما من اغراق القوي الدولية في بحر المفاوضات وتجنب اي صدامات مسلحة، ريثما ينجز خطوات اساسية في مشروعه القومي وهو البرنامج النووي، وتمكن من توسيع نفوذه في الشرق الاوسط ليصل الي سوريا ولبنان واليمن مستغلا الغطاء او العقيدة الشيعة، هذا المفاوض كان قد بدأ يحقق تقدما بسيط، واي حرب تندلع وتحديدا في الشرق الاوسط قد تورطه في مواقف وخطوات تفسد كل ما تحقق.
النخب العربية الحاكمة وهي الذراع الايسر للولايات المتحدة ( لان الذراع الايمن هي اسرائيل) رغم ان تاريخ صلاحيتها انتهي، لكنها لاتزال قادرة علي البقاء علي قمة هرم السلطة في بلادها لاسباب كثيرة ... منها غياب البدائل الوطنية وسيطرة هذه النخب علي الاجهزة السيادة والموارد الاقتصادية في بلادها. وبرغم من الغضب الشعبي المتنامي والعلني ضد هذه النخب، الا ان غياب البدائل جعل الحراك الشعبي فاقد التأثير .بالتالي تمكنت هذه النخب من تنفيذ بنود الخطة الامريكية. لكن عملية طوفان الاقصي جاءت لتهددها بالانهيار الكامل لهذه الخطة خاصة اذا توسع الهجوم الاسرائيلي، والذي يمكن ان يكون القشة التي تقصم ظهر بعير الشعوب العربية في تعاملها مع النخب الحاكمة .
عملية طوفان الاقصي جعلت الشارع العربي يشعر بانه لايزال قادر علي المقاومة،وان مقاومته يمكن ان تحقق بعض النتائج الايجابية، واعادت احياء الروح الوطنية التي تدرك ان اخطر محاور الصراع العربي ضد نهب شعوب بلادنا هو الصراع مع اسرائيل، واعادت مجددا مقولة الصراع العربي الاسرائيلي، بعد ان تم اختصاره في كلمة النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.
ان ايقاف حرب اسرائيل علي قطاع غزة يعني نهاية سوداء للانتحاري المعروف بنيامين نتياناهو، والذي ينتظره مصير اسود علي كل الاحوال، وحتي لو حقق انتصارات، ويعني ايضا فشل الخطة الامريكية، والعودة للمربع الاول في مشروع السيادة الامريكية.
واستمرار حرب اسرائيل وتصفية سكان غزة يعني بالضرورة انهيار النخب الحاكمة مما يمكن ان يقود الي حالة فوضي شاملة في المنطقة ونزاعات دموية ، وعلي كل الاحوال سيجلب للسلطة في المنطقة العربية انظمة معادية للولايات المتحدة واسرائيل، ما سيفشل الخطة الامريكية ايضا .
ومنذ عشرات وصف احدهم ملامح مرحلة التغيير الجذري السياسي الاجتماعي بانها تتضمن ثلاثة عوامل
فئات عليا لا تستطيع ايجاد حلول او تنازلات
فئات دنيا لاتريد مساومات
ونشاط خارق لعامل او مركز وطني يقود عملية التغيير
ورغم توفر عاملان في الوضع الراهن ، الا ان غياب العامل الثالث ينذر بمخاطر جدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملثمون يوقفون المحامية سونيا الدهماني من داخل دار المحامين ف


.. نبض أوروبا: هل حدثت القطيعة بين بروكسل ومالي بعد وقف مهمة ال




.. الأردن يُغلق قناة تابعة للإخوان المسلمين • فرانس 24


.. المبادرة الفرنسية و تحفظ لبناني |#غرفة_الأخبار




.. طلاب جامعة هارفارد يحيون الذكرى الثانية لاغتيال شرين على يد