الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بخاخ أنف للحياة

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2023 / 11 / 4
الادب والفن


قالت لي الطبيبة في الزيارة الأخيرة:
"يبدو أن لديك حساسية أنفية مزمنة".
وصفت لي بخاخ للأنف "هيدروكورتزون" ونصحتني بتحنب مثيرات التحسس .
وضعت خطة لتجنب جميع الأماكن التي تسبب لي التحسس، وفوجئت بعد التفكير والتدبير باكتشاف أن جميع الأبنية في البلدة تصيبني بالمرض.
حتى ذلك المطعم اليوناني الظريف في الساحة قرب الكنيسة يصيبني بالعطاس، بسبب شجيرات الزيتون المزروعة حوله.
وجدت في الحقيقة سبباً لحساسيتي في كل مكان على حدة. سوبر ماركت " زينوس " مثلاً يسبب لي الحساسية بسبب رائحة الشموع المعطرة.
سوبر ماركت البرت هاين ، بسبب مرطبات الخضار والفواكه التي تطلق نفثات من بخار الماء المخلوط ببعض المواد الكيماوية.
الكنيسة مثلا، بسبب وجود محل في أحد مداخلها لتجارة المستعمل من الألبسة والأحذية.
البلدية بسبب وجود مجرى ماء صغير آسن قربها.
أحصيت عشرين مكاناً مختلفاً وعشرين سبب مختلف يصيبني بالحساسية.
كان أمراً غريباً أيضاً ، حين ذهبت لرؤية صديق قديم في أمستردام. فمنذ خروجي من محطة القطارات ، بدأت أشعر بحكة شديدة في فروة رأسي وفي عيوني المحمرة .
رافقتني أعراض الحساسية حيثما ذهبت، في ساحة "الدام"، وفي شارع التسوق، وفي ذلك المطعم الجميل الصغير حيث تناولت البتزا مع صديقي القادم من ألمانيا.
سأكتشف فيما بعد ، أنني أصاب بالحساسية في "أوترخت " حين زرت معرض الكتاب، وفي "لاهاي" حين دعيت لالقاء محاضرة علمية.
وسأكتشف مصادفة أن وجودي في الهواء الطلق هو الذي يسبب لي العطاس والحكة أكثر من وجودي في الأمكنة المغلقة.
ذهبت إلى شاطئ البحر، رغبت في ملامسة جلدي للهواء البارد لإطفاء تلك الحرائق التي أشعر بها.
لم ينفعني هذا في شيء!
وقفت طويلاً على الشاطئ وحدي. كان يوماً من أيام اوكتوبر الباردة. تأملت الأفق البعيد، وخيل لي رؤية كرة ضخمة من الدخان تتقدم نحو الشاطئ .
تأكدت من صحة ما أراه، راقبت السحابة الهائلة التي تسوقها ريح مخالفة لاتجاه الرياح السائد.
ثم طوقتني فجأة ، تلك الرائحة النافذة التي عرفتها قديماً في عام ٢٠١٢ رائحة القصف ، وهبوط الأبنية وتدمير الأحياء .ورائحة رعب الأطفال، وصراخ الجميع، ورائحة الموت الزنخ الذي يرش سمومه وحرابه وقنابله في جسد المدينة المطمئن وقراها المسالمة.
ظهرت فطور حمر فوق جلدي، لم أستطع التنفس.
تكورت على نفسي في الشاطىء، ومنذ لحظتها لم أفكر أبداً بأسباب مرضي.
كان مرضي هو الهواء الذي أتنفس، كان وجودي هو سبب مرضي ، ولن أسلم منه حتى لو هاجرت عبر المحيطات ، أو رجعت بعربة الزمن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا