الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توثيق مسرح الجريمة في التحقيق الجنائي: (2) التصوير المرئي (الفيديوي) و الفوتوغرافي

رفعت احمد علي

2023 / 11 / 5
دراسات وابحاث قانونية


باحث في مادة مسرح الجريمة

مقدمة

يأتي هذا المقال تكملة للمقال السابق الذي ناقشنا فيه توثيق مسرح الجريمة بالكتابة. وهو في عمومه واحد من سلسلة من المقالات المتتابعة التي تسعى الى تقديم ما يمكن ان نعتبره مدخل جنائي بالغ الإيجاز والتكثيف و الإحاطة بموضوع مسرح الجريمة و ما يتصل به من الموضوعات الاخرى التي تهم ضباط التحقيق و المحققون الجنائيون في المقام الاول و تجعلهم اكثر دراية بها إذا كانوا يرغبون في زيادة معلوماتهم حول هذه المواضيع الدقيقة و الحيوية المهمة.سنناقش في مقالنا هذا توثيق مسرح الجريمة بالتصوير الفيديوي و الفوتغرافي علما ان كلاهما له طرق ووسائل مختلفة دون الخوض في موضوع التقنيات المستخدمة في التصوير الفيديوي او الفوتغرافي والتي تحتاج الى بحث منفصل و مطول. لذا هذا المقال يسلط الضوء على التوثيق الإلكتروني كأحد اهم طرق التوثيق الجنائية التي يتم اعتمادها في توثيق مسرح الجريمة بجميع محتوياته و تسجيل جميع ما يوجد فيه من ادلة مادية و اثار جرمية، والذي يساعد هيئة التحقيق او المحكمة على تحليل الجريمة و الحصول على معلومات او جزئيات معينة لربط المشتبه به بمسرح الجريمة و كذلك ربط المشتبه به بالضحايا. و بالاضافة الى ذلك، فأن التوثيق الإلكتروني يساعد الشهود او الضحايا الذين كانوا في مسرح الجريمة في تذكر الأحداث مع مرور الوقت. عندما نتطرق إلى توثيق مسرح الجريمة بالتصوير المرئي (الفيديوي) او التصوير الفوتغرافي علينا أن نذكر أن هناك منهج بين المصور الجنائي و مسرح الجريمة، و ان ندرك ان التصوير الجنائي هو عمل اخلاقي يتطلب المهنية و الصدق و الامانة في التقاط و تسجيل اكبر قدر من المعلومات و التفاصيل الهامة و الدقيقة. و سنستعرض في هذا المقال اهم طرق التوثيق الجنائي الإلكتروني مع بيان مزايا و عيوب كل طريقة. ومن المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من ان التوثيق الفوتغرافي يمثل الأسلوب او الطريقة الرئيسة لتوثيق مسارح الجريمة في بعض اجهزة الشرطة، الا انه من الناحية المثالية و العملية، فأن الخطوة الأولى في توثيق مسرح الجريمة إلكترونياً هي القيام بأجراء التصوير المرئي او الفيديوي، و التصوير الفوتغرافي يأتي ثانياً، و لذلك فأن هدف المصور الجنائي هو توثيق الأدلة بشكل سليم و دقيق لتمييز الأدلة والقرائن المهمة للحفاظ على سلامة عملية التحقيق.

1. التصوير المرئي (الفيديوي)

أصبح استخدام التصوير المرئي او الفيديوي، اذا توفرت كاميرا الفيديو، هو الخطوة الأولى في عملية توثيق مسرح الجريمة ، فالواقع دائمًا ما يفرض على اجهزة الشرطة أن تواكب كل ما هو حديث و متطور. ومن المعروف أن مستلزمات العمل في الادلة الجنائية بحاجة ماسة إلى التحسين. و ببساطة، يمكننا القول ان التصوير الفيديوي هو وسيلة عرض سمعية-بصرية مؤلفة من صور متواصلة و من الصوت المسجل المرافق لها. حيث يمكن القيام بتصوير لقطات فيديو مختلفة و انواع معينة من اللقطات المقربة و الواسعة حيث تظهر صورة كاملة لمسرح الجريمة. كما ان بأمكان هذه اللقطات الواسعة ان تعطي ضابط التحقيق او الهيئة التحقيقية فكرة عن علاقة الاشياء بعضها ببعض في المساحة المصورة والتي لا يمكن رؤيته بسهولة في الصور الفوتغرافية، ولا سيما في إظهار هيكل مسرح الجريمة وكيفية ارتباط الأدلة المادية بالجريمة. و هناك العديد من الإرشادات و المباديء الأساسية المتعلقة بالتصوير الفيديوي التي يجب اتباعها في توثيق مسرح الجريمة. اذ يجب أن تحتوي كاميرا الفيديو على بطارية مشحونة بالإضافة إلى وظائف عرض التاريخ والوقت على شريط فيديو. إذا لم يكن منشئ العنوان متاحًا ، فيجب ترك حوالي 15 ثانية في بداية الشريط فارغًا. سيسمح هذا بإضافة بطاقة عنوان مع أي معلومات ذات صلة إلى بداية شريط مسرح الجريمة. هذا و تتطلب ممارسات استخدام الفيديو لتوثيق مسرح الجريمة أن يقوم المصور الجنائي في بداية الفيديو بإدراج التاريخ، الوقت، موقع مسرح الجريمة، معلومات تمهيدية، ووصف موجز لما سيتم تسجيله. يجب أن تبقى حالة مسرح الجريمة دون تغيير باستثناء العلامات و المقاييس التي يضعها المحققون وأي أضواء مضاءة أثناء السير و التصوير و يمكن ملاحظة هذه التعديلات على جزء الصوت من الشريط. قبل التسجيل ، يجب مسح نطاق الكاميرا لجميع الأفراد. يجب تحذير أي شخص في منطقة مسرح الجريمة مسبقًا من أن التسجيل على وشك البدء ويجب أن يلتزموا الصمت طوال مدة تسجيل الشريط وذلك لمنع تسجيل أي تصريحات او عبارات قد تكون محرجة او مربكة. وبمجرد أن تبدأ كاميرا الفيديو في التسجيل ، لا ينبغي إيقافها حتى يكتمل التسجيل. و هنا يجب ملاحظة ان مفتاح التصوير الجيد او المثالي بالفيديو هو حركة الكاميرا البطيئة حيث لا يمكن لأي شخص أن يتحرك ببطء شديد عند التصوير بالفيديو ، ومع ذلك فمن السهل جدًا تحريك الكاميرا بسرعة دون أن تدرك ذلك. هذا هو السبب في أن تصوير الفيديو ليس مثاليًا لعرض التفاصيل حيث يميل الأشخاص إلى تجاوز الأشياء بطريقة لا تسمح للكاميرا بالتقاط الدليل بشكل صحيح. هذا هو السبب في أن التحريك البطيء للمنطقة المصورة ضروري ويجب تحريكه مرتين لمنع إعادة اللف غير الضرورية للشريط عند المشاهدة. يجب أن يبدأ التسجيل بنظرة عامة على المشهد والمنطقة المحيطة به. يجب أن يستمر التسجيل في جميع أنحاء مسرح الجريمة باستخدام لقطات بزاوية واسعة ، ومقربة ، وحتى اخذ لقطات شديدة المقربة من الادلة بمسافة أقرب من اللقطة العامة لإظهار اوصاف الدليل وصلته بمسرح الجريمة. في حالة التصوير بالفيديو في مسكن ، يمكن للكاميرا إظهار كيفية ترتيب الغرف ذات الصلة فيما يتعلق ببعضها البعض وكيف يمكن الوصول إليها. وهذا الوصف يضيع أحيانًا في الصور الفوتغرافية والرسومات او المخططات الكروكية. بعد اكتمال التسجيل ، من المفيد ترك حوالي 15 ثانية من الشريط الفارغ لمنع شريط مسرح الجريمة من الاصطدام بأي شيء آخر تم تسجيله مسبقًا على الشريط. يجب بعد ذلك نقل الشريط إلى شريط رئيسي عالي الجودة. يجب إزالة ألسنة التسجيل من الشريط الرئيسي بعد نقل شريط مسرح الجريمة ويجب تخزين الشريط في مكان آمن. هذا لمنع المحو العرضي لشريط مسرح الجريمة. يمكن بعد ذلك عمل نسخ من الشريط الرئيسي. و على المصور الجنائي ان يسجل مشهد واحد فقط على شريط فيديو ولا يجب تحرير شريط الفيديو الأصلي.
و بأختصار، يعد التصوير بالفيديو مفيدًا لإظهار لمحة عامة عن مسرح الجريمة ويجب مراعاته في القضايا الكبرى. في حين أن الفيديو لا يمكن أن يحل محل الصور الثابتة بسبب انخفاض دقته ، فإن التصوير بالفيديو يوفر وسيلة عرض سهلة الفهم تُظهر تخطيط مسرح الجريمة وموقع الأدلة. و من المفيد القول هنا اذا ما تم استخدامها، تعتبر أشرطة الفيديو دليلاً يستخدم للإدانة في المحكمة. و في بعض الأنظمة القضائية لا تُستخدم شرائط الفيديو الخاصة بمسرح الجريمة غالبًا في المحكمة، لكنها تمثل رسومًا إيضاحية قيّمة لشرح المشهد للمحققين الآخرين وغالبًا ما تُستخدم لإنعاش ذاكرة أولئك الذين شاركوا في معاينة و توثيق مسرح الجريمة.

2. التصوير الفوتغرافي

يعتبر التصوير الفوتغرافي من أساليب توثيق مسرح الجريمة و جميع الادلة المادية التي تستخدم في الإثبات الجنائي. و بغض النظر عن نوع الجريمة و المكان الذي وقعت فيه و حالة الضحية و ما الى ذلك، وسواء كان التصوير الفيديوي متوفرا ام لا، فمن الضروري للغاية أن يتم التقاط صور فوتغرافية كافية لمسرح الجريمة والمناطق ذات الصلة و التي تساعد في تذكر الاحداث مع مرور الوقت، و كذلك تساعد الأشخاص الذين لم يتمكنوا من التواجد في مسرح الجريمة الأصلي فالصور الفوتغرافية الثابتة تمكنهم من رؤية مسرح الجريمة والأدلة الموجودة فيه. و مع ان المصورين الجنائيين المحترفين يعرفون كيفية التقاط الصور لجميع اجزاء مسرح الجريمة، الا ان ضباط التحقيق أو المحققين معنيون بلفت انتباههم على المناطق و الأجزاء المهمة التي يختاروها لتصوير كافة التفاصيل الدقيقة الخاصة بتلك المنطقة او ذلك الجزء. وغالبا ما يكون مسرح الجريمة مليء بنشاط و تحرك الأشخاص المتواجدين فيه و كذلك اول الواصلين في بدء عملهم حيث او قد يكون التقاط صور فوتغرافية دقيقة أمراً صعبا لذا على المحققين السيطرة على مسرح الجريمة و تأمينه وجعله في وضع اكثر مثالية لضمان التوثيق الفوتغرافي المناسب. للتصوير الجنائي الساكن عدد من القواعد الأساسية التي يجب دوما اتباعها في مسرح الجريمة، نذكر منها:
1. تصوير مسرح الجريمة من الخارج الى الداخل.
2. تقييم ظروف التصوير في مسرح الجريمة، وهذا يشمل تحديد مستوى الإضاءة (خافتة، مظلمة، اضاءة مفرطة او متباينة) و الحالة الجوية للتصوير ( جو ممطر، مشمس، غائم) و التي يمكن ان تؤثر على دقة التصوير. و هذا الامر يتطلب اعداد و ضبط الكاميرا بشكل يتناسب مع نوع مسرح الجريمة الذي يمكن ان يكون خارجي او داخلي او كليهما و كذلك مع حدود مسرح الجريمة التي يمكن ان تكون واحدة او أماكن متعددة (غرف، طوابق، أمكنة فرعية) و التي شهدت فعل جنائي متصل بالجريمة و الأماكن العامة المستغلة من طرفها.
3. تصوير محتويات و اثار مسرح الجريمة، و التي يجب ان تتم على مرحلتين: المرحلة الأولى تتضمن التقاط الصور قبل وضع علامات الادلة و المرحلة الثانية بعد وضع علامات الادلة و المقاييس حيث يجب تصوير كل دليل بمقياس للإشارة إلى الحجم وبدون مقياس و ذلك لإثبات عدم عبث اي شخص بمسرح الجريمة. و هذا يشمل التقاط لقطات عامة للمشهد بأكمله لبيان موقع او مكان كل دليل و الأماكن و الاشياء القريبة منه و علاقته بالمشهد العام و من ثم التقاط لقطات داخلية و خارجية قريبة و متوسطة و بعيدة المدى و بزوايا مختلفة لكل دليل و الاشياء القريبة منه و تغطيته بصورة كاملة و دقيقة عبر كل منطقة ( مثل الحواف او الزجاج او بقايا الطلاء، اثار اقدام، طبعاات مسار الأحذية والإطارات ، اثار أطارات سيارة، بصمات، و غيرها) والتي تتطلب في كثير من الأحيان استخدام مقياس إشارة الى الحجم لتحديد قياسات للأدلة في الحجم الفعلي لها. اما في ظروف التصوير الصعبة في مسرح جريمة مثلا بسبب العوامل البيئية مثل حركة المرور او العوامل الجوية مثل المطر او الرياح فيجب على المصور الجنائي العمل بسرعة لالتقاط أكبر قدر ممكن من الصور لانه من الأفضل ان يكون لدى ضابط التحقيق صور و تفاصيل دقيقة بدلاً من عدد كبير من الصور المضللة و المربكة لسلامة عملية للتحقيق الجنائي.

4. تصوير الضحايا: و هذا يشمل التقاط سلسة من الصور للضحايا (ان وجدت) و من مختلف الزوايا و الأوضاع لإظهار المواقع و الإصابات (جروح، كدمات، ندبات، تشويه، حروق، الخ) و الحالة و مكان العثور عليهم و ما الى ذلك.

وخلاصة القول في هذا المقال ان كلاً من التصوير الفيديوي و الفوتغرافي يمكن ان يكون وسيلة مهمة لتوثيق مسرح الجريمة و إظهار تخطيط المسرح والمواقع التي تم العثور على الأدلة فيها وتوفير المعلومات للمساعدة في كشف الجريمة. و مع ذلك، فإن التصوير الفوتوغرافي فيه مجال أكبر للخطأ، ويمكن التحكم فيه بسهولة أكبر في قاعة المحكمة ويمكن أن يكون أكثر قابلية للفهم و التصور من قبل المشاهد. و عموما ان لكل و سيلة خصائصها الفريدة التي تميزها عن الاخرى من حيث السرعة و الاتجاه، قدرات التكبير و التصغير، التركيز و العرض، زوايا الرؤيا و الأوضاع، التوقيت، و الضوضاء. فنوع مسرح الجريمة المراد توثيقه عامل أساسي في تحديد نوع وسيلة التوثيق، فتوثيق مسرح الجريمة بالوسائل الإلكترونية قد يكون بالتصوير الفوتغرافي او التصوير المرئي او الفيديوي أو كلاهما معا وهذا مرتبط بالوسيلة التي يختارها ضابط التحقيق او المحقق الجنائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال


.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار




.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم


.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #




.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا