الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الحرب على غزة

عبدالله نقرش

2023 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



يعتقد الكثيرون ان حرب غزة، قد تكون بداية لمرحلة تاريخية جديدة على مستوى إقليم الشرق
الأوسط وفي قلبه الوطن العربي. حيث انها تمثل حالة انفجار في بؤرة اعقد الصراعات الإقليمية وربما الدولية، وفي عالم متعدد الازمات، سواء على صعيد النظام الدولي، او على صعيد الأنظمة الفرعية الإقليمية، او على صعيد الأنظمة السياسية والأوضاع الداخلية في كثير من الدول، وخاصة الدول التي تعتبر دولا مركزية في النظام الإقليمي الشرق اوسطي، كالدول العربية التي تحول البعض منها الى دول فاشلة وقد يكون بعضها الآخر في الطريق الى ذلك. الامر الذي يعني بان المشروع السياسي الاستراتيجي الذي مثله واقع التجزئة القطرية العربية، اما انه يتفاقم او يعاد النظر به. كما يعني أيضا، ان مشروع الضبط والسيطرة الذي مثلته "الكيانية الصهيونية" يبدو وكانه مشروع مهدد بالزوال حتى لو كان في اوج توسعه وهيمنته.
باختصار، تقوم الفرضية على ان هناك نظام دولي يتحول، ونظام إقليمي يتشظى، بما يعني انتهاء صلاحية نظام التجزئة السابق والأنظمة السياسية المرتبطة به، واحتمال زوال قوة إقليمية طارئة. سيقتصر الحديث هنا على قراءة ما تفيد به"حرب غزة".
أولا- انها حرب كاشفة، تبين منها انها حرب إبادة جماعية من جهة، وحرب اثبات الوجود من جهة ثانية، فالإبادة الجماعية التي تقوم بها "الكيانية الصهيونية" مدعومة من حلفائها الغربيين، تعكس كوامن الشر في الثقافة الصهيونية على وجه الخصوص، وفي الثقافة السياسية الحاكمة في الدول الغربية على وجه العموم: (كما ورد في مقال سابق) حين جرى الحديث عن العنصرية و الشوفونية، والسلطوية، والمصلحية، والهيمنة، إزاء الاخرين، والحضارات الأخرى. وهذا يبطل فعالية المفاهيم الإنسانية التي اجتهدت نخب الغرب الثقافية لإعلاء شانها، مثل: الحرية والعدالة، المساواة، الغيرية، حكم الضمير، والتعاون الدولي وغيرها من القيم النبيلة التي تقوم على الاعتراف بالآخر وحقه في الوجود والكرامة والتقدم. القيم التي أسست للديمقراطية وللعلاقات الدولية الإيجابية السلمية.
ان ابطال هذه المفاهيم عبر العدوان على الغير، والوقوف الى جانب المعتدي، وما يترتب على ذلك من تدمير وجرائم، لا يذكر الا بالحروب الداخلية )حروب الممالك الأوروبية)او الدولية(الحرب العالمية الأولى والثانية) التي حدثت في الغرب بشكل عام. وتؤكد بان الحضارة الغربية بجانبها السلبي او بالرجوع الى البعد المادي الأكثر وضوحا في افعالها التاريخية، يؤكد بانها حضارة لا تعيش الا بالحروب والصراعات، وربما لهذا لم تحظ تاريخيا برسالات سماوية او انبياء وديانات، على الرغم من انتاجها الغزير في مجال الفلسفة والفكر والعلم.
ربما، لهذه السمات العامة، كانت الحضارة الغربية في مختلف مراحلها على تناقض وعدائية واضحة مع حضارات الشرق، وان هذه السمة العامة تشكل المرجعية الأهم في تعاملها مع الاغيار. وربما لهذا وجد التوافق بين عمومية الحضارة الغربية وخصوصية الثقافة اليهودية، التي تبرر التنكيل والاستعلاء على " الجويم" وكأن عبارة الشعب المختار تنصرف على الغرب المختار كذلك. ومع ذلك، فما هي الاشكال الذي لم يسمح للغرب وصهيونيته الالتزام الحقيقي الأمين بالقوانين الدولية والإنسانية التي وضعها فعليا الغرب بنفسه؟!
هل يمكن القول بان كل مظاهر التقدم الإنساني والحضاري الذي تحقق في الغرب، لم يلغ او يحتوي على الأقل الطبيعة البدائية لهذه الدول ومركزيتها، إزاء غيرها من الدول والمجتمعات والأمم؟
لقد انتجت الحضارة الغربية الكثيرين من الفلاسفة والمفكرين على تناقض فلسفاتهم، الليبرالية والماركسية مثلا، الا ان القاعدة التاريخية لهذه الحضارة تستند الى مزيج من الثقافة اليهودية اليونانية، التي شكلت جذرا للثقافة الغربية، ولما جاءت الثقافة المسيحية بقيمها وبروحانيتها، لم تلغ الثقافة المتأصلة، وجرى تفسيرها بصور متعددة، ما أدى في العصور الحديثة الى ان يتغلب الأصل "اليهودي اليوناني" على الفرع المسيحي الديني، في التاثير على تطور مذاهب الديانة المسيحية (كاثوليك، بروتستانت، وغيرها) كما اثر على سياق العلاقات بين المجتمعات الغربية نفسها (حروب وانقسامات متعددة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي) وانصرف هذا التأثير على طبيعة العلاقات مع الشعوب الأخرى، لاسيما العلاقات عبر المتوسط الذي تنتشر على شواطئه الديانتان المسيحية والإسلامية. ربما تكون الصيغة المادية للحضارة الغربية (القوة والثروة بمصادرها واشكالها كافة) والسمات العامة التي اتخذتها هذه الحضارة، العنصرية والعدائية والاستعلاء، هي خصائص كافية في جوهر تأسيس وتاصيل الثقافة السياسية الغربية، ولم تشذب جوهريا بالقيم التي تبنتها بعض المدارس الغربية كقيم الحرية والعدالة والمساواة والتعاون والغيرية، وحكم الضمير الفردي والجمعي. هذه القيم التي تبدو في العلاقات السياسية الداخلية في الدول الغربية وفقا لمنهاج إدارة الدولة وشعوبها (الديمقراطية)، ولا تكون ذات أثر ملموس في مجال العلاقات الدولية بشكل عام. من هنا سنحاول التعرف بايجاز على مرجعيات مواقف بعض الدول الغربية او بالأحرى الدول الغربية الرئيسية اتجاه ما يحدث في غزة، بعيدا عن الخطاب الدبلوماسي الذي يستبطن اكثر مما يعلن عن النوايا الحقيقية ومرجعياتها.
(2) المواقف الاستراتيجية من الحرب في غزة
المقصود بالاشارة الى المواقف الاستراتيجية من الحرب على غزة اوفي غزة، التذكير بالمرجعيات التي تشكل المواقف بغض النظر عن الانطباعات التي يتركها الحراك الدبلوماسي الذي يعكس السياسة الظرفية التي يقتضيها الحدث.
فلماذا تتخذ بعض الدول مواقفها على النحو الذي ظهر خلال ازمة الحرب في غزة، علما انها تعرف كنه الصراع من جوانبه كافة اكثر من اطرافه، كما انها ليست معجبة بالادارة الحاكمة في الكيان الصهيوني في هذه المرحلة، وتعرف يقينا ان حركة "حماس" ليست حركة ارهابية وانما فصيل من حركة التحرر الفلسطينية كغيرها من المنظمات التي تم الاتفاق عليها دوليا لانشاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؟! ومع ذلك بدت مواقف الدول الرئيسية في الغرب، مواقف عدائية وبدائية وغير موضوعية وفجة.
يمكن ادراج مرجعيات المواقف الرئيسية على النحو التالي:
بالنسبة للموقف الامريكي: يمكن التذكير بان خصوصية الموقف الذي يظهر تورطا اكثر ازاء الكيان الصهيوني، تنبع من المرجعية التي تعكس التماهي بين الصهيونية السياسية والصيغة الانجلوساكسونية البروتستانتية الغربية بشكل عام والامريكية بشكل خاص. وغايته ادارة الازمة لمصلحة الكيان الصهيوني، تجنبا لحرب موسعة من جهة، ورعاية للنفوذ الصهيوني في الاقليم بما يجعله متسقا مع النفوذ الامريكي ومقتضياته، وبما يحول دون استفراد هذا النفوذ المتنامي في الاقليم بما يؤثر على مصالح الولايات المتحدة واولياتها اي انه موقف له محدداته الاستراتيجية الامريكية اولا ومن ثم صهيونيا.
اما الموقف البريطاني: فقد تكون مرجعيته تاريخية، تقوم على ضرورة المحافظة على الصياغة البريطانية لشكل المنطقة حدودا ودولا ومجتمعات، للتأكيد على استاذية الرواية الاستراتيجية البريطانية للعالم وللمنطقة العربية خصوصا، ولاسيما اختلاق المشروع السياسي الصهيوني في فلسطين. فقد تبين بعد قرن من الزمان ان تقسيم المنطقة وشرذمتها وايجاد أنظمة تحت الوصاية فيها، كان مشروعا ناجحا بالنسبة للغرب.
اما بالنسبة للموقف الفرنسي؛ فعلى الرغم من ادعاء فرنسا القومية بدورها التاريخي في الحرية والتحرر وحقوق الانسان وبدورها المركزي في حماية التراث العلماني، وكونها تعتبر نفسها بؤرة اشعاع للمركزية الأوروبية الحضارية، الا ان فرنسا الماكرونية ترى في الكيان الصهيوني بعضا من مخرجات عالمها العلماني الحضاري الأوروبي، وتتجاهل اثر الأسطورة الدينية في إيجاد الكيان الصهيوني وادارته ولا ترى فيه الا كيانا ديمقراطيا يجب المحافظة عليه وتبنيه في هذا العالم غير الديمقراطي.
ولربما ما يزيد من انحيازها، شعورها الطاغي بتفوق الثقافة الفرنسية وخاصة في مواجهة التراث العربي الإسلامي الذي شكل في مرحلة التحرر الوطني للشعوب التي استعمرت من قبل فرنسا، النظرية الثورية لبعض القوى الثورية في حينه. هذا فضلا عن احساسها بالالتزام لضمان النفوذ السياسي الثقافي الفرنسي في أماكن تواجده تاريخيا ومقاومة كل حركة او جهة تمثل الهوية الحضارية الخاصة لاي مجتمع او امة.
قد تكون هذه حيثيات الموقف الاستراتيجي الفرنسي تجاه المنطقة بشكل عام، ولكن ذلك لا يتجاوز المصالح الاقتصادية والسياسية لفرنسا وفقا لكل حالة.
اما الموقف الألماني؛ فالواضح ان عقدة الهولوكوست التاريخية تحكم علاقة المانية بالكيان الصهيوني، وهي عقدة تكفيرية من الالمان الجرمان لليهود، ولكنها تتعارض حكما مع الرؤية الجرمانية العنصرية إزاء الاخرين اقواما وحضارات وخاصة ما تعلق منها بالعرب. ومع ذلك فان هذه العقدة تعبر عن الإذعان المركب للصهيونية من جهة والأمريكية من جهة ثانية. وما يؤكد ذلك ان المانيا اتخذت مؤخرا مجموعة من الإجراءات بحق من يدينون الكيان الصهيوني لم يأخذ مثلها الكيان الصهيوني نفسه، والسؤال هو، هل صحيح ان عقل الاساطير يمكن ان ينسى التاريخ او يمحوه؟!
ويبقى من الضروري الإشارة الى موقف إيطاليا، التي يمكن اعتبار موقفها متساوقا مع التراث التاريخي اكثر من غيره، فتاريخها هو امتداد لتاريخ الإمبراطورية الرومانية التي تم القضاء عليها اكثر من مرة من قبل امبراطوريات إسلامية، كما تم طردها من قائمة دول الاستعمار الحديث عبر قيادة عربية إسلامية (عمر المختار). فهل يا ترى مازال لهذا التراث صدى في المواقف الإيطالية من القضايا العربية؟!

وأخيرا المواقف الرسمية العربية
ربما نستطيع تفهم مواقف الدول الاجنبية التي تعتبر مؤسسة للكيان الصهيوني، والتزامها بدعمه وحمايته ومناصرته على باطله ولكن كيف يمكن ان نفهم مواقف الأنظمة الرسمية العربية التي يتراوح تفسيرها بين اربعة ابعاد:
1- البعد الذي يشير الى احتمالات القبول بما يقوم به الكيان الصهيوني في غزة وحتى التواطؤ معه في ذلك.
2- البعد الذي يفيد بتعارض الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي في الدولة الواحدة.
3- البعد الذي يشير الى قصور الدعم عن حاجة الشعب الفلسطيني في غزة لكل ما يساعده على الصمود والبقاء.
4- البعد الذي يؤشر الى محاصرة الاهتمام بالقضية الفلسطينية بابعادها الحقيقية والعمل على احتوائها في الحدود والمضامين التي كانت سائدة قبل السابع من أكتوبر 2023.
وهذا يبدو من ضعف المبادرات العربية وفعاليتها والتعامل مع المبادرات الخارجية التي تعكس غالبا رؤية ومصلحة الخصم وتحالفاته.
فعلى الرغم من اختلاف المسافات بين المواقف الرسمية العربية بالإجمال الا ان ما يغلب عليها جميعا انها مواقف تكتيكية مرحلية ظرفية، تشير الى محاصرة او القضاء على ما يعتبره البعض تهديدا ويرتبط بحركات الإسلام السياسي والسعي لتحجيم ان لم يكن القضاء عليه. سواء كان ذلك نفاقا للغرب او ضرورة لاستقرار الأنظمة، او يشير ثانيا: الى الحيلولة دون انطلاق انتفاضات ربيع عربي اخر. والهدف الثالث: الذي يفرض نفسه دائما هو احتمال التناقض مع إيران كمشروع نفوذ، وتوجه ديني، وأذرع حركية فعالة. والسؤال هنا، الا تؤدي المشاركة الفعلية في هذه المواجهة مع العدو الصهيوني الى تحجيم هذه التهديدات او حتى الغائها؟! وانها تفتقر الى البعد الاستراتيجي الحاسم والنهائي الذي هو في نهاية المطاف الحل السياسي القومي والتاريخي للصراع.





(3) ماذا حققت المواجهة للان؟
بعد شهر من عملية طوفان الأقصى، او الحرب على غزة او فيها، يمكن الإشارة الى بعض الخلاصات:
أولا- انها حرب كاشفة، اذ تبين ان الوجود الصهيوني في فلسطين، هو انموذج لكينونة غريبة في الأساس، تبرره الوظيفة الاستراتيجية والسياسية اكثر من الادعاءات الدينية والأخلاقية، الامر الذي يجعل منه قاعدة ارتكاز وعمل اكثر من كونه تجسيدا "للامة اليهودية" المدعاة تاريخيا وواقعا. ولهذا فان هاجس زوال هذا الكيان يرتبط عضويا بالوظيفة التي يخدم بها النظام الدولي الذي يسيطر عليه الغرب، ويرتبط مصيره بقدرة وطبيعة الأنظمة السياسية العربية التي تتعامل معه.
ثانيا- اكدت المواجهة العملياتية أهمية المفاجاة في تقليص الفجوة في توازن القوى بين الجيوش المجحفلة والقوى الشعبية المنظمة.وفي هذه الحالة تبدو استحالة ردم الفجوة ماديا وتسليحيا من قبل الفلسطينيين، واستحالة ردمها بشريا من قبل الكيان الصهيوني، وذلك على قاعدة " شهداؤنا في الجنة وقتلاهم في النار".
ثالثا- ثبتت هشاشة الكيانية الصهيونية رسميا وشعبيا (صراع قيادات، صراع نخب، تناقض فيما بين المكونات، اسطورية وزيف الأيديولوجية الصهيونية ومرجعياتها).
رابعا- انكشاف محدودية قدرة الأنظمة الحاكمة العربية على المبادرة والعمل بفعالية، فضلا عن ابطاء إيقاع المستحدث من مشاريع التسويات والتطبيع.
خامسا- إعادة بناء المواقف الشعبية إزاء القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي والتاكيد على الفرق بين الهوية الاصيلة للفلسطينيين العرب والهوية المختلطة والمختلقة للصهاينة، مايترتب عليه الرفض الدائم للبيئة المحيطة بالكيانية الصهيونية لهذا الوجود المفتعل، كما يترتب عليه العجز المستمر عن تشكيل تيار سياسي اجتماعي متعاون مع التوجهات الدافعة باتجاه اندماج الطارئ الدخيل في اطار الأصيل المقيم في الإقليم.
سادسا- تبين على المستوى العالمي ان شعوب العالم قد تكون اكثر من قادتها حساسية والتزاما بالابعاد المدنية للعلاقات الإنسانية، انها تنحاز للعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض الحروب واستعمال القوة، واللجوء للقانون الدولي وحقوق الانسان.
سابعا- التأكيد على عدوانية الحركة الصهيونية العالمية سواء ما يمثله الكيان الصهيوني نفسه او من يؤيده من مختلف دول العالم.
وان حرب الإبادة هي وسيلته لاعادة احتلال قطاع غزة وتهجير من سيبقى من شعبه الفلسطيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة