الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضاءة على (حركة التحرر الآشورية) المعاصرة

سليمان يوسف يوسف

2023 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


مصير كل شعب يتوقف أولاً وقبل كل شيء على حياة الشعب ذاته ونضاله من أجل حقه في الوجود والعيش بحرية وكرامة. لكن كثيراً ما تلعب الظروف الموضوعية من أوضاع (سياسية وعسكرية ومجتمعية- محلية، إقليمية، ودولية) دوراً كبيراً وأحياناً حاسماً في تقرير مصير هذا الشعب أو ذاك، مثلما حصل للشعب الآشوري . حقيقة، ما من شعب عانى مثل الشعب الآشوري من قهر واضطهاد ومظالم وتهجير قسري. فمنذ سقوط نينوى عاصمة الدولة الآشورية على أيدي الفرس سنة 612 قبل الميلاد وبلاد الآشوريين (ما بين النهرين) كانت ومازالت مسرحاً للحروب والصراعات بين الغزاة الطامعين بالسيطرة عليها.
الشعب الآشوري، شعب مقاوم، لم يستسلم للظروف والأوضاع الصعبة والقاسية جداً، التي فرضها عليه الغزاة والمحتلين. الآشوريون تمكنوا من استنباط الطرق والوسائل التي مكنتهم من الحفاظ على هويتهم الآشورية وتراثهم القومي، من لغة وتقاليد وموروث شعبي . الشعب الآشوري وفي مختلف الأزمنة كافح وناضل لأجل انتزاع حقوقه وحرياته وتقرير مصيره بإقامة (دولة آشورية).. في كل مرة ينتفض فيها الآشوريون ، السلطات الحاكمة كانت ترتكب بحقهم مجازر و إبادات جماعية"جرائم إنسانية". تلاحق وتعتقل المثقفين والمفكرين والصحفيين والسياسيين . منهم من مات تحت التعذيب الشهيد (فريدون آثورايا)، ومنهم من تم إعدامه، الشهيد ( آشور يوسف)،اعدمته السلطات العثمانية 1908 ، والبعض فضل اللجوء إلى المنفى هرباً من بطش الحكومات( نعوم فائق) .
بفضل نضال وتضحيات (حركة التحرر الآشورية)، بزعامة البطريرك الشهيد (مار بنيامين شمعون) إبان الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) ، أُدرجت (القضية الآشورية )على جدول (عصبة الأمم و مؤتمر السلام) سنوات( 1919 – 1932 )، كإحدى القضايا الساخنة التي تتطلب حلاً عادلاً. معظم الشعوب التي خضعت للاحتلال العثماني استقلت وأصبح لها دولها الوطنية بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية ... بيد أن مصالح "الدول العظمى" المنتصرة في الحرب، اقتضت أن لا ترى "الدولة الآشورية" النور.. فرغم انتصار بريطانيا وحلفائها ( روسيا فرنسا إيرلندا)في الحرب العالمية الأولى وتفكيكها للإمبراطورية العثمانية وتقاسم تركتها ، بريطانيا خذلت الآشوريين بل خانتهم بتخليها عن وعودها لهم بإقامة "دولة آشورية" ، لقاء دخولهم الحرب الى جانبها. عن خيانة بريطانيا للآشوريين، قال السياسي والباحث الإنكليزي( و. ا. ويغرام) : "بعد أن خسرت تركيا الحرب العالمية الأولى, كان لا بد من أن تقبل تركيا بشروط بريطانيا لوقف الحرب فيما يخص المطالب الآشورية في مناطقهم التاريخية الخاضعة للسيطرة التركية. لكن بكل أسف عقدت بريطانيا الصلح مع تركيا وتركت الآشوريين هذا الحليف الصغير منسياً ، وتجاهلت حقوقه وقضيته التي كانت مطروحة على عصبة الأمم. حيث وردت الأوامر من الحكومة البريطانية بأن القضية الآشورية يجب أن تنتظر حتى يتم عقد الصلح الرسمي مع تركيا ، وكان التأخير في حل قضية الآشوريين عاملاً قاتلاً بالنسبة لهم ".. فرنسا هي الأخرى استثمرت بالآشوريين واستغلتهم في إطار صراعها على النفوذ مع حليفتها ( بريطانيا) . " وثيقة فرنسية " رسمية تتضمن وعداً فرنسياً بـ" إقامة حكم ذاتي للآشوريين في ولاية ماردين والحسكة" ، اي الأجزاء الشمالية الغربية من بلاد الآشوريين. الوثيقة ،قدمها المندوب السامي الفرنسي على لبنان وسوريا الجنرال (هنري غورو ) للزعيم الآشوري (ملك قمبر) في لقاء جرى بينهما في بيروت 7 تموز 1920. بناء على الوعود الفرنسية ، تحرك قمبر ومعه بعض القادة العسكريين الآشوريين ( آغا بطرس والجنرال ملكيس) و شكلوا قوة عسكرية استعداداً لإدارة المنطقة المقترحة . لكن سرعان ما تخلت فرنسا عن الآشوريين بمجرد حصولها على قرار انتدابها على (سوريا ولبنان) من عصبة الأمم تموز 1922 …
الشعب الآشوري لم يقع ضحية دسائس السياسيين وغدر الحكومات الغربية فحسب ، وإنما حتى (حركة التاريخ) غدرت به . إذ، شاءت الأقدار أن تحصل في روسيا (ثورة أكتوبر الشيوعية 1917 ) ومجيء حكومة جديدة قررت خروج روسيا من الحرب العالمية الأولى . روسيا ، الداعمة للآشوريين في حربهم ضد الإمبراطورية العثمانية ، بخروجها من الحرب تركت الآشوريين المسيحيين يواجهون مصيرهم على أيدي خصومهم المسلمين من ( الأتراك والفرس والكرد). اغتيال البطريرك (مار بنيامين شمعون) يوم 3 آذار 1918 من قبل المجرم الكردي( سيمكو الشيكاكي)، شكل انتكاسة كبيرة لحركة التحرر الآشورية .. سيمكو كان قد دع البطريرك إلى منزله لعقد اتفاقية( صلح وسلام )بين الآشوريين والأكراد. لكن سيمكو غدر بالبطريرك ، اغتاله مع عدد من مرافقيه وهم في ضيافته .
في العراق المستحدث، بدلاً من أن تستجيب (حكومة الكيلاني) للمطالب المشروعة للآشوريين المنتفضين صيف 1933، اعتقلت بطريرك الآشوريين(مار شمعون إيشاي) وجردته من جنسيته العراقية ونفته إلى قبرص، ووكلت قائد الجيش العراقي، الكردي( بكر صدقي)، بسحق الانتفاضة الآشورية السلمية . صدقي وجد فرصته للتخلص من الآشوريين ليخلو الشمال العراقي لأكراده الدخلاء على ( بلاد ما بين النهرين - بلاد الآشوريين). بأوامر من صدقي ، ارتكب الجيش العراقي ،بمؤازرة العشائر العربية والكردية، مجزرة مروعة بحق الآشوريين العزل في سميل والقرى الآشورية في نينوى ( 7 آب 1933). بوحشية قل نظيرها، قُتل أكثر من خمسة آلاف آشوري وهُجر آلاف الآشوريين من مناطقهم التاريخية في الشمال العراقي. مع سحق(الانتفاضة الآشورية)لعام 1933 في العراق المستحدث ، طويت صفحة مشرقة ومؤلمة من تاريخ ومسيرة (حركة التحرر الآشورية) المعاصرة .
فيما يخص (الأحزاب والمنظمات والحركات القومية) السريانية الآشورية، التي برزت في النصف الثاني من القرن العشرين، اختارت النضال السياسي . أهدافها تقتصر على مطالبة حكومات الدول التي تقاسمت (بلاد الآشوريين): الإعتراف الدستوري بالشعب الآشوري ومنحه حقوقاً قومية ( سياسية. ثقافية. لغوية ). إلى تاريخ اليوم لم تتحقق أية من هذه المطالب المشروعة في الدول المعنية. دول محكومة من قبل أنظمة شمولية دكتاتورية فاشية . حتى في العراق الجديد (الفدرالي)، الذي أخرجه الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، الاعتراف بـ(الشعب الآشوري) جاء منقوصاً ومشوهاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على