الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-سنعبرُ من خلال الظل-.. من نِزاريات الكاتب طلال مُرتضى !

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2023 / 11 / 5
الادب والفن


*انطباع/
-"عند مفترق الحكايا و الحبر التقينا ..هي محطة من محطات المنافي شاءت أن تكون باريسية " يُكتب لي ذات لقاء قبل أكثر من عام العزبز الكاتب "طلال" على بياض الثانية بعد الأولى من منجزه الرّوائي (نِزار) من منجزاته الأدبية .. لقد كفّانا في ذلك الصباح عرين النصر الواهم لمّا تعانقنا عناق الصحبة و الأحبة و الأخوة : ـ يا خضر ! يا خويْ ! -هدّيتْ بها حيل ما تبقى من حيل الصبر على أحاليل المنافي و البرد يا خويْ!.. يا طلال ! لأوّل مرة استشعر طاقة موجبة مهولة تصبّني أخوة و عروبة و أنتَ تلفظها و تضمّنق إليك .. كنتَ لحظتها أُّمي و أبي و أخي و والدي و عشيرتي و وطني الكبير الذي سرقوه منّا بينما كنّا ذات عمر هناك في الجنوب و المشرق نُواعد و نواقع حِسان خيالنا في نص قصيدة لم تكتمل و وجدتني و أيّاك في هذه الألفية في العراء .. و أيّ عراء ،، عراء الفقد و الغيابات فيقسم بردهم الواحد منا إلى نصفين ! و لم أخبرك حينها - وقت لقائي بكَ - أنّي تركتُ حريقا مهولا من حرائقي خلفي و لم أستطع إخماده لكن الشوق إليك آثرت ألا أفوّت فرصة التسليم عليك و الالتقاء بك يا أخويْ.. آثرتك على أهوالي التي لا تنتهِ.
ـ خويا .. أخي .. قِيلت لي في العمر هذه العبارة آلاف المرّات و بمختلف الصور و السياقات لكنّ لم تزلزل في حياتي هكذا عبارة أحشاء لبّ ألباب لبّي الشعوري الإنساني مثل لفظتك التلقائية عند لحظة الالتقاء على ممرات و ميادين : « المدينة المتثعلبة » و أنت تنطقها بتلك اللهجة الجميلة ( خُويْ ) المتلفظة من قبل الشامي العربي المشرقي الدمشقي السوري .. و في ذلك اليوم تحديدا يا رفيق أحباري و ما كسبت من آثام و صالحات - ارتضى - قلبي أكثر بكَ .. بمحاذاة قوس ( النصر) الشهير .. حسبك.. نحن المهزومون/ البؤساء/ الأبديون/و لو حرصنا على ادعاء إفك الانتصارات الواهمة عند كل صولة و عند كل محطة و انحطاط الشعور الإنساني الذي يعيدنا رميا أو رشقا بلا رحمة إلى وجوهنا على أسطح مرايا السفر اللعينة و الكاذبة .. المرايا تكذب هي أيضا .. أنتَ تعلم أيضا ذلك .. أصدق مرايا الإنسان هي ( وجه الله ) و أحببتك لوجه القصيدة و لوجه الله أيها الرحّالة كما غبار طلع و ياسمين الشاّم في أوجّ العطاءات … الرّيح قد تتحوّل إلى غبار و الغبار قد يستحيل ماء و الماء موج قد ينجينا موجه و يقذفنا على السواحل العشوائية البعيدة عن وجعنا و قد يغرقنا بكل آلامنا و آلام المسيح التي ورثناها .. كلّنا في الحقيقة جثث متنقلة تحمل المسيح في دواخلها.. الصلبان هي الطرقات و الشوارع التي أبلت أسمال السير في خارطة المنافي ، فمن أولى بالتنكيل و العذاب و الصلّب و الصّبر و الحيف غيرنا نحن عُبّاد الفكرة و الكلمة.. سبحانك لا شريك لكَ .. و الكلمة التي تلقيها و تلقّنها ! أسفارنا تلك التي لا ندري كيف بدأناها و لا ندري أين و متى ينتهي بنا القطار !!
***
-أنتَ من (تستعيد بعضا ممن عبروا سريعا شريط أخبار حرب البلاد و لم يتسنّ لك ممارسة طقوس التوديع .. ) الحروب العشوائية الباطلة لئيمة يا صاحبي .. -إلى من تحدّوا الموج و حوت الخوف ومخالب الحدود فما التقم معظمهم إلا حوت الخوف و الجوع و ظلمات الظلم!… (… كثيرون .. الذين قضوا في البحر؛ لست أدري ، لكن من باب الأمل ليس إلا هي محاولة لكسر الخوف ، و لماذا الخوف من الخوف …./ .. أليس - الخوف هو حالة صحية لدى الإنسان .. كان عليّ توجّسه في اسطنبول و ليس في أزمير، في اسطنبول كنت رحْ روحْ في شربة ميْ لو لم أعرف إلى هنا .. لماذا الخوف من البحر مادامت أضواء الجزر اليونانية التي ستعبر إليها تُشير لنا من هنا / بعد ساعتين سنحلّ ضيوفا على مضارب الشيوخ العظام أمثال أرسطو و أفلاطون، و أبيقور ، و غيرهم/ -عمّ تضحك على حالك ما.. أفلاطون يا أخو…و أنتَ بدّك تبول بسروالك ؟!"./ -أي لنشوف .. يا معلّم ..أبي يقول : المي تكذّب الغطاس "/…)./ -سألني مرافقي : هل ماء النّهر الذي عبرناه ساخن ؟/ (… بعد ساعة انتظار في الشجرة الكهف، هدأت الأمور تماما، خرجت لتفقد المكان الذي كان خاليا، لكن بقيت هناك معضلة جديدة ألا وهي العبور شرقا لمسافة خمسين مترا للوصول إلى الأشجار الكبيرة حيث الضفة التالية هو ما قد يجعلنا نقع في كمين آخر القمر و لسوء حظنا جعل من بقعة عبورنا منارة و كأنها في عزّّ النهار،شعرت بظل الشجرة يتحرك كلًما اتجه القمر وراءها، قلت لصديقي : سنعبر من خلال الظل! نزار : ص416 من إصدار دار بعل للنشر و التوزيع .2018.
-نزار: كما كتب فيه و عنه الكاتب الفلسطيني : "رواية شاقّة حد التعب !" فليس جديدا على أمثال المبدع طلال أن يبصم الشقاء علي بياض ( نزار)، على الوجع المتعلق بالمأساة الإنسانية أن يزأر !. -إنّها تداخلات سردية سُطّرت بقلم يعرف كيف ينقض غزل البؤس و ينسجه على مقاسه السردي الإنساني حَكيا و تفصيلا من تفاصيلها لن تنتهي أبدًا لكن بنكهة ( طلالية) من دراما إنسانية متواصلة ( مُكرّرة للأسف!) تحديدا في عالمنا العربي المشرقي خاصة و ما لاقاه من تكالب دول الشّر الغربية التي تريد إملاء كل شيء علينا وفق ثقافاتها و معتقداتها ! لأنّ منطقتنا العربية و خاصة الشرق الأوسط كانت و ظلت و لا تزال تلك الحاضنة أو الرّحم الخصب أو الورشة الثرية و الأنسب لتجريب كل السيناريوهات التآمرية الممكنة لفكر إمبريالي صهيوني تغريبي و تمسيخي لهويتنا العربية الأصيلة …
يا لسُخرية أقدارنا يغزون بلداننا فنذهب إليهم لاجئين .. و عندما كشفت المنافي الحُجب عنهم فهمنا متأخرا أن « الميْ » كذابة.. الغطاسون مثلنا و إخواننا الغرقى الذين لم يحالفهم الحظ في تخطي أمواج « الميْ » العاتية بين الضفتين لم نكذب أبدا .. فقط توهمنا أن جمهويات « أفلاطون » حقيقية عندهم .. الفالتون مثلنا من الجنوب لا تنفع أحلامهم الساخنة مع أكاذيب أفلاطون الصقيعية على مدار السنة!
نصطدم بحدّوثة الاغتراب و الغياب .. ما يحيلنا إلى المنجز الآخر .. فهذا هو حال من يحاول استلال نفسه من سطوة الظلمات و الغياب .. في الحقيقة كما يعلم جيدا الكاتب طلال مرتضى في منجزه "العائدون من الغياب " ( مؤسسة الرحاب الحديثة -بيروت /لبنان ) إصدار 2020 ؛ أنّ العودة ـ إلى الذات الأولى ـ ذات كل المنطلقات و كل الطلقات هي كذبة لطيفة ، فإذا غاب أحدنا و جازف بفعل الغياب أو التغييب الإرادي أو القسري من و إلى عوالم مجهولة أو غير مكتملة الملامح ، فإنه حتما سيتشتّت و يتشرذم / قدره الشتات و استمرار الاغتراب بأدق تفاصيله اليومية و اللحظية ؛ فإن ( العودة المكتملة) تكاد أن تكون ممكنة في الحلم فقط ، العائد الوحيد فينا و إلينا هي ( أبعاض مما تبقى منّا أو هي ذكريات لموتاتنا السابقة )… كما يصف " مارسيل بروست" في نصوصه حيوات و مماتات الأنوات les mois successifs من خلال عبقريته السردية التي يلقّن فيها للقارئ وجهات المتعددة. نظره في تفسير الزمن/ العمر / الوقت و علاقته بتفاعلات حياتنا. -كما يعلم الصديق الكاتب الشاعر و الروائي ( طلال مرتضى) أنّي لا أؤمن كثيرا بما يُقدّم من نتاجات و محاولات -يقال عنها نقدا ، أو قراءات منهجية و إلى غير ذلك من الاجتهادات ) و ذلك لاعتقادي الراسخ عن بيّنة و ليس عن غرور بموت ( النقد العربي ) الرصين .. و الجميع يعلم أنّ أشدّ ما يغضبني هي تلك ( الحماقات و الرقصات ) التي أسموها ( نقدا أو انطباعات نقدية ) و في الحقيقة ما هي إلا مجرّد جبر خواطر أو رشاوي كتابية لمآرب وضيعة ضيقة شخصية و سمسرة تعارفية بين القارئ و المقروء بعيدة كل البعد عن الموضوعية في تفكيك النصوص و بحث مواطن قوتها إن كان النص ناجحا إلى حدّ ما و التنقيب عن مواطن الضعف و جرد الأخطاء الفنية ، و السّردية و المنهجية الجزئية لصيرورة الآلية السردية العامة و محاولة تقييم المنجز في نهاية ورشة النقد و التفكيك الدراسي لأي منجز دون الأخذ بعين الاعتبار بالعلاقات الخاصة التي تربط ( القارئ بالمقروء)… لأنّي أعتبر أن النقد متوفٍّ و منتهٍ فلا أريد أن أُرهق نفسي و تضييع وقتي بدور إضافي في مجال الكتابة الأدبية و أنا -دون غرور عليه قويّ مكين - إن شئت ذلك و سمح وقتي ، فلا أريد أن أفتح جبهات كراهية باتجاهي أنا في غنى عنها ؛ كراهية المغرورين و المغمورين من هذا الجيل المبدع في هذه الألفية ..
الكتابة هي افتراء كبير للأفكار مفتوحة على كل المصارع و التأويلات ، فقط شخصيا لا أتحمّل النصوص الافترائية التي تُبرّر القُبح و الوقاحة ، أميل للنصوص الاِفترائية التي تُبرّر الجمال و القيم على حساب القبح بخنق الوقاحات و تنكيسها في أعين و ذهن القارئ؛ إذا كنّا نؤمن بأن النص الإبداعي و الأدبي هم أدوات تربية و تثقيف و توعية فردية جمعَوية لبناء وعي جماهيري شمولي لمواجهة تحديات أي مرحلة و أي حقبة ؟"، و ليس العكس.. باسم حُرّية النّصوص التعبيرية …
لهذا أفضّل المراقبة عن بعد و ترك المشهد يتفاعل بغثه الكثير و سمينه الزهيد .. لهذا فعادة و نادرا ما أتناول قراءة منجزات أشخاص لا تربطهم بي أيّ علاقة خاصة و وطيدة و هذه ( شرطية عمود-فقرية) أو ( نخاع-شوكية) لأي تجربة نقدية و ذلك لكي أتحرر من أيّ حسابات شخصية تشوّش على فعل مدارسة النص و محاكمته إبداعيًا و فنيّا و خاصة أدبيًا .ف ( النصوص تُحاكم و عليها أن تُحاكم … إلا النصوص المقدّسة الإلهية و ليس العكس يا مغرورين !!).
-لكم أسرتني عبارة الكاتب طلال في -نِزارياته السردية- الروائية الدراماتيكية عندما حوصر الأبطال في كنف الشجرة الكهف بالخوف و الشّك :(سنعبر من خلال الظل!)… نعم يا طلال أنتم النّور حملة ( الكلمة) و لا يخترق و يعبر الظلال إلا النور …
-و من المؤكّد أننا ننسحب من الظل للولوج إلى الضوء؛ هي لعبة الظل و الضوء ، تماما كما أفعله دائما في تطبيقاتي التشكيلية الفنّية و في النصوص السّردية تحديدا.
لقد أبدع طلال فنيا في اللعب سردا مع ثلاثية الظلام ، القمر ، الظل) أما العنصر الرابع كان الخوف ، أي محرّك كل القصة الذي لم يكن إلا ( صحّة للأبطال و للنص حسب الثيمة المعتمدة) .. الخوف من مخاطر المجازفة تدفع الأبطال نحو المغامرة في آن لتحدّي الحدود ما بعد الظلال !. دمتَ مبدعاً و أتمنى أن نقرأ جديدا خارج دوائر الظل …
-كان لا يملّ من دعوتي لـ زيارته إلى ( فيَنّا) بالنمسا و يطلب منّي أن أترك تشبثي بباريس قليلا لكن "أهوالي الخاصة التي يعلم ببعضها " كانت تحول للأسف دائما بيني و بين لقائنا هناك .. و هو يهديني ذات لقاء منجزيه على رصيف ميدان الشونز -إيليزي Champs Elysées تذكّرتُ عبارتنا المتداولة لمّا أقول له : -( باريس وحدها لا تكفي .. فيصدّقني .. و لمّا يرددها هو .. أصدّقه أنا بدوري !).. -ها أنا أفِي أخيرا -كما الأحرار - بوعد الاطلاع على العملين الجديرين بالاهتمام للكاتب طلال مرتضى و أنا اقترب في ذات الوقت -إذا شاء الله - شيئا فشيئا من وضع فاصلة مع باريس .. فاصلة تسمح لي أن أعبر من ضوئها اللئيم إلى ظل الضفة الأخرى .. فباريس وحدها لا تكفي !.

— باريس الكبرى جنوبا نوفمبر 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا