الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان خطاب السيد محبطاً حقا ؟

عارف معروف

2023 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ابتداءا ، لا يمكن اعتبار ماحصل من رفع لمستوى او سقف التوقعات الذي جرى ، على قدم وساق ، خلال الايام التي سبقت خطاب السيد عفويا او بريئا فقد تم الشحن باتجاه اعلى التوقعات بصورة منظمة و مقصودة بل ومغرضة وتم النفخ في الحماسات الى الدرجة التي سيكون فيها اي كلام منطقي او موقف ستراتيجي مسؤول ومبني على حسابات واقعية وتقدير موقف سليم ليس غير كافيا فقط وانما محبطا ومخيبا للآمال لكي يتم " الاشتغال" عليه لاحقا بغية التعزيز والاستثمار لذلك فان اي خطاب غير ناري ، شعبوي ، صاروخي .. سوف لن يكن مجديا ... .
ومع ذلك فلم يتمالك البعض " من المحللين " والجنرالات المتقاعدين والاعلاميين زمام نفسه واستبق الاحداث قبل الخطاب بيوم او يومين او حتى ثلاثة لكي " يفّش خلقه " كما يعبر اللبنانيون ، ونال من السيد ودعاه الى ان يصمت الى الابد او ان يعلن هزيمته او حتى ينتحر كما طالب " جنرال " لبناني من الفريق المعادي المعروف ! اي ان الضغط كان مسلطا ابتداءا على الرجل لكي يخطب : " لماذا انت صامت..." ، لكي يقال له بعد ذلك ، وهذا مهيء مسبقا كما اظن ، " اهذا كل ما عندك ... لو بقيت صامتا لكان افضل "!
على هذا الاساس ، كما اظن ، اعلن الحزب اللبناني عن موعد لخطاب بمناسبة تكريم الشهداء ، ولربما كانت قيادته تفضل الاحتفاظ بموقف " الصمت المريب " والغامض بغية تحقيق اثر نفسي في معنويات الاسرائيلين الى اقصى درجة ممكنة او على الاقل امكانية تحقيق مباغتة تاكتيكية على الاقل ...وهذه مجرد تخمينات وقراءة شخصية ...
ان سقف التوقعات العالي وجو الحماسة الذي اشيع، كما سبق القول ، كان يريد خطابا " بطوليا " بالمعنى الشعبوي ، خطابا يهّد اسرائيل على رؤوس الصهاينة وينتقم لمجازرهم الاجرامية بحق غزة واطفالها ،( وهذا ، من جهة اخرى ، تعويض نفسي عن عجز الجماهير عن الفعل المؤثر وحاجتها دائما الى بطل يصنع المعجزات ) بل شاع ، وغذيّ، تصور ان صواريخ الحزب اللبناني ستسبق خطاب السيد او تنطلق معه لتحرق اسرائيل او ان الرجل سيعلن الحرب او ساعة الصفر في الخطاب وهو تصور طفولي وساذج لا ينسجم مع المنطق ، فاذا كان الحزب يريد ان يرّد ردا شاملا لماذا ينتظر الى يوم خطاب في مناسبة معينة ، بعيدة نسبيا ، لكي يعلن ذلك ؟ هل من اجل الاستعراض ام ان ما يجري لا يهمه كثيرا ولا يستفزه للفعل ، او من اجل ان يتهيء عدوه جيدا ويحبط هجومه المرتقب ويقلبه الى هزيمة مروعة ! اقول ان الملفت للنظر حقا ان هذا التصور الشعبوي بل الطفولي الساذج لم يقتصر على الفئات التي نحسب انها دائما بحكم العمر اومستوى المعرفة او درجة الخبرة اسيرة لحماساتها وانفعالاتها ، دون اي اعتبار للواقع وحساباته، بل ان مثل هذه الردود قد صدرت عن بعض من نعتبرهم مثقفين واعلاميين لهم شخصياتهم وتأثيرهم من الموالين او الداعمين للمقاومة !
ان ابسط ضابط ، وليس محلل ستراتيجي او " جنرال متقاعد" ، يعرف ان حركات المقاومة لا تكافيء الجيوش والدول في القدرات والامكانيات ، فما بالك بدولة هي كلها جيش ومدعومة من قبل اقوى جيوش العالم بل وتشكل جزءا عضويا منه ورأس حربة له ، وانها، المقاومة ، تحتاج دائما لكي تسدد لعدوها الضربات المميتة او حتى المؤلمة الى عنصر المباغتة واخذ زمام المبادرة ، والذي كانت قد استفادت منه حركة المقاومة الفلسطينة حماس الى اقصى مدى يوم 7 تشرين الاول واستثمرت فيه الفوز استثمارا امثل الى الحد الذي افقد العدو الاسرائيلي صوابه وجعله يتخبط لكنه بفعل امكاناته وبفعل اسناد الغرب وحضوره وحضور امريكا قد استعاد قدرته على المواجهة واستنفر كل طاقاته وبات متأهبا تماما ، الامر الذي لم يبق للمقاومة اللبنانية القدرة على المباغتة او اخذ زمام المبادئة او تحديد الزمن والمكان المناسب لها للمعركة ولذلك فافضل ما يمكن تحقيقه هنا هو المباغته على المستوى التكتيكي ان امكن ، وهذا ماقصده الزعيم اللبناني " بالغموض" ، ومن البديهي ان ذلك غير ممكن بل ومن المستحيل تحقيقه عبر هجوم او ساعة صفر يعلن عنها بخطاب متلفز ينتظره العالم اجمع !
لقد تضمن الخطاب ماكان يريد قوله الرجل تصريحا وتضمن ، كذلك، ماقاله تلميحا واشارة ، وهو يعرف ويقدر جيدا قواه وامكاناته وفرصه وكذلك معطيات الواقع اللبناني وما يتضمنه من ايجابيات وسلبيات وكذلك الواقع او الاطار العربي والاقليمي وقواه وتفاعلاته وما يظهر منه على السطح وما يجري خلف الاستار واين تحتشد عواطفه كأنظمة ومدى القدرة علىى الفعل والتأثير كجماهير والاهم من ذلك طبيعة موازين القوى الحالية في المنطقة والحضور والحشد العدواني الامريكي الغربي وما يريده ويسعى اليه وكذلك امكانات روسيا على الفعل الجدي في ظل قدراتها وانشغالاتها الحالية و " طبيعة " الصين ومستوى ما يمكن ان تقدمه حقا من فعل ، وايضا الطبيعة الحقيقية للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية كما اشار في الخطاب نفسه .
ان الحرب ، اية حرب ، ومهما كانت الصورة التي تبدو عليها ، هي صراع بين المصالح الكبرى ، ولذلك فان النصر الحقيقي فيها مرتبط الى اقصى مدى بالقدرة على حشد القوى التي تعبر تلك المصالح عنها ماديا ومعنويا وهذا يحتاج الى خطاب تعبوي واعداد مادي ومعنوي يرافق العمل العسكري ، لذلك رأينا ان الرجل يتوجه فيه الى جمهور المقاومة وقاعدتها بضرورة التهيؤ والجهوزية والحضور وكذلك الصبر والصمود لان الفوز ، وهذا شأن كل حركات المقاومة ، سيتحقق ، وعبر معاناة وتضحيات مؤكدة ، بالنقاط " على حد تعبيره وليس " بالضربة القاضية " ، فالشعوب كما اوضحت تجارب الجزائر وفيتنام وافغانستان وقبلها معظم الامم لم يتحقق النصر لها عبر" سحق " العدو "، والذي غالبا ماكان دول كبرى ذات هيمنة عالمية وقدرات هائلة ، والقضاء عليه قضاءا مبرما ، وانما بانهاكه وجعل استمراره مكلفا ولا فائدة منه بل ومستحيلا ، هكذا كان انتصار الشعب الجزائري على فرنسا والشعب الفيتنامي على امريكا وكذلك الشعب الافغاني ...
ان لغة الخطاب اتصفت ، مثل لغة ما سبقها من خطابات ، بالصدق والالتزام والعقلانية ووضع النقاط على الحروف بالقدر الممكن والضروري من الوضوح ولم تنجر الى الحماسة والانفعال والمبالغة والاستعراض ، وهذا هو ديدن القيادات الحقيقية المسؤولة التي يتعين عليها ان تقود هي الجمهور وترتفع به الى مستوى الاداء النافع لا ان تنجّر هي الى اتباع الجمهور في حماساته وعواطفه الانية فتخسر معركتها او صدق التزامها وتصيب ، بالنتيجة ، مصالح ومستقبل جماهيرها بمقتل ، كما حصل مع قيادات عربية سابقة التزمت جانب مقاومة العدوان الصهيوني لكنها لم تُعّد للامر عدته المناسبة ولم تتبع الوسائل القمينة بتحقيق ما نشرته ودعت اليه من آمال وتطلعات .
ان الحزب اللبناني يعرف جيدا ان الاساطيل لم تحضر من اجل مواجهة حماس ، مع كل التقدير لفعلها وحجمه ، لكنها حضرت من اجل معركة اكبر بكثير ، معركة تريد رأسه ورأس حليفه الاساس ، ولذلك فلا شك انه يعرف اين يضع اقدامه ويزن خطواته ويعرف الفرصة والكف ، ويلحظ الامكانية والواقع وما بينهما ولذلك فان المعركة التي بدأت يوم 7 تشرين الاول يمكن لها ان تطول وتتطور الى آفاق اوسع ، ولا بد له من ان لا يرمي كل اوراقه مرة واحدة ولابد له من تقدير موقف سليم وفعل مناسب في كل يوم من ايام هذه المعركة التي وصفها الخطاب بانها : فاصلة ، وحاسمة وتاريخية !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة