الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكمة التمرد في قصيدة -الغيوم المثقلة- محمد داود

رائد الحواري

2023 / 11 / 6
الادب والفن


الشاعر المنتمي هو الذي يواكب الأحداث، ويكتب عن المرحلة التي يمر بها شعبه/أمته، "محمد داود" من أولئك الشعراء المنتمين لقضايا الأمة، من هنا نجده يكتب عما تمر به فلسطين وما تتعرض له من إبادة على يد العدو المحتل، بمرأى ومشاهدة الأنظمة الرسمية العربية التي تقف متخاذلة أمام جرائم العدو.
من يقرأ محمد داود يعلم أنه يمتاز بقدرته على صياغة الحكم، حتى أنه يطلق عليه "شاعر الحكم" لهذا نجد شعره لا يخلوا من الحكم التي يصيغها بطريقة سهلة وسلسة، مما يجعلها ترسخ في المتلقي.
"إن شئتَ أن تحيا بأفضلِ مَنزلةْ
فـالشعرُ في حرب التحرر قُنبلةْ
ما كلُّ من ركبَ الخيولَ بفارسٍ
إلا ... إذا شَـرَعَ الحَسامَ وأعملهْ
فـمـئاتُ آلافِ الـجنودِ بِـجُحرِها
ما حركت في الحق قيدَ الأنملةْ"
في قصيدة "الغيوم المثقلة" نموذج لهذا الأمر، يفتتح الشاعر القصيدة بمخاطبة المتلقي مباشرة، لكنه لا يعطي/يصدر أمرا، بل يقدم فكرته عن الأدب/الشعر ودوره تحقيق كرامة الفرد في ظل التخاذل الرسمي العربي، من هنا نجده يركز على الشعر ومكانته في معركة التحرير، معركة الكرامة، فو بهذا يقدم خطاب جديد لم يألفه الجندي/الجيش الذي اعتاد على إطاعة الأوامر وتنفيذها، وهو بهذا يمهد الجندي/الجيش لفكرة جديدة تخرجه من حالة الخمول إلى الحركة والفعل.
ثم ينقلنا إلى دور السلاح/الحسام ودوره في إثبات الفارس من المتفارس، موبخا الجيوش العربية على استكانتها وخمولها وعدم قدرتها على الفعل وحتى على الحركة.
"فـاقرُن حـروفكَ بـالفِعالِ وزكِّها
لـتُـعيدَ أرتــالَ الـحُشودِ مُـحمَّلةْ"
إلى هناك يمكننا الوصول إلى خلاصة الفكرة والمتمثلة في: الجندي/الجيش دون عقيدة، دون محفز للقتال يبقى ساكنا/خاملا، من هنا افتتح الشاعر القصيدة بحديثه عن الشعر ومكانته ودوره في إحداث الحركة للجندي/للجيش، ويؤكد هذا الأمر من خلال جمع/إقران القول بالفعل، بمعنى أنه لا يريد من الجندي/الجيش أن يكون مجرد آلة تتحرك حسب ما يملى عليه، بل يريده أن يكون متحركا حسب الظرف/الحالة، بعيدا عما هو رسمي، لأن الرسمي أذل الجندي/الجيش وجعله بائس، خامل، ساكن لا يقوم بواجبه تجاه الشعب/الأمة.
من أجمل الأبيات في القصيدة هذا البيت:
"كُـن مِـثلَ لـيثٍ لا تهب من كثرةٍ
أو حـبَّـةٍ دُفِـنَـت فـآتـت سُـنـبُلةْ"
فالشاعر يقدم الحركة/الفعل بصورة إيجابية، بصرف النظر عن نتيجتها بالنسبة للجندي، فهو أن أنتصر أو أن استشهد في الحالين سيبقى متحركا، واللافت تركيز الشاعر على لفظ ال"ليث" المكون من ثلاثة حروف، بحيث انعكس على "تهب" المكونة أيضا من ثلاثة حروف أيضا، مما جعل "ليث مقرونا ب "لا تهب"
ونلاحظ قوة الحركة في "دفنت فآتت" فوجود الألف الممدودة جعلت الحركة أطول على صعيد المعنى وعلى صعيد اللافظ معا، وهذا ما يجعل الفكرة تصل من خلال المعنى وطريقة اللفظ، ونجد الكثرة في "حبة سنبلة" فالأولى مكونة من ثلاثة حروف، والثانية من خمسة حروف، وهذه إشارة إضافية إلى أن دفنت/انتهت ستكون وتتحول إلى كثرة، خاصة إذا علمنا أن السنبلة فيها أكثر من حبة.
بعد هذه التعبئة الفكرية يخاطب الشاعر الجندي/الجيش بصورة مباشرة:
"أشـهِر سـلاحَك إن خُذلتَ بعاهرٍ
لا تـخش موتا عند حدِّ المقصلةْ"
فبدا وكأنه يمارس دوره كقائد، حاثا على ضورة التمرد على الحمول والسكون والتقدم من الفعل، حتى لو أدى إلى الموت/دفن الحبة" لأنها ستعود من جديد بصورة أكثر وأكبر مما كانت عليه، بمعنى أن تحرك/تمرد الجندي/الجيش سيكون له صدى وأثر أكبر مما هو متوقع.
"لا تـخش موتا عند حدِّ المقصلةْ
لا يَـنـقصُ الـعُمرُ الـمُقدرُ لـحظةً
أقـحمْ بـنفسكَ في المعامع كلِّها
فـبغير حـزمٍ لـن تُـحلَّ الـمشكلةْ"
بما أن هناك فعل خطير سيقوم به الجندي الذي تربى على إطاعة الأوامر والانصياع (للقائد) فخروجه عما اعتاد عليه يمثل ذروة الثورة/التمرد، لهذا لا بد من تعبئته بفكرة التضحية، الموت، وأن الموت بشهامة وكرامة أفضل من العيش بذل واستكانة.
اللافت في هذه الحكم أنها موجهة إلى الجندي الخشن/المحارب، الشاعر يسهل فكرة الموت من خلال استخدام صيغة المؤنث في "مقصلة، لحظة، المشكلة" وكأنها يقول له أنك أن الجندي القوي الشجاع تواجه (أنثى) فلا تخف أن تلقي بالا لها، فهي ضعيفة وستخضع لك، بهذه السهولة على الجندي مواجهة الموت فهو أنثى ضعيفة فلماذا يهابها/يخافها؟
"لا تـعجلِ الحصدَ المبكرَ بالوغىٰ
وامـشِ الـهُوَينا كالغيومِ المُثقَلةْ
واحـصُد بسيفك جْيدَ كلِّ مُكابرٍ
وأذقـهُمُ بـأس الـوغىٰ والمرجلةْ
لا تُـلقِ سـيفكَ بـعدَ نصركَ برهةً
واجعلْهُ درعًا كي تدومَ المرحلةْ"
عملية التمرد طويلة وشاقة وقاسية لهذا لابد من توضيحها لمن يقوم بها، اللافت في خاتمة القصيدة أن الشاعر يؤكد فكرة أهمية المحافظة على النصر من خلال إبقاء السيف إلى جانب الجندي، وهو بهذا يقودنا إلى فكرة "سهل أن تحقق انتصار، لكي من الصعب الاحتفاظ به" فالشاعر لا يريد من الجندي تحقيق النصر فحسب، بل والاحتفاظ به وإلى الأبد، من هنا جاء "تدوم المرحلة".
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07