الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فلسطين عروس المدائن/ غزّة عاصمة الأحلام
الطايع الهراغي
2023 / 11 / 6الثورات والانتفاضات الجماهيرية
" أيّها الوجه المكرّر
أنت لا تحتلّ وجهي
إنّما تحتل قبرك"
(معين بسيسو).
" يا ربِّ كفرت بإسرائيل"
هذا الوهم الملتفّ على الأعناق
إذا قرّرنا يوما
سوف يزول"
(مظفّر النّوّاب )
ما كان يمكن إلاّ أن تكون الحلم المزعج واللّغز المحيّر للغزاة القادمين من أدغال التّخاريف القديمة، وكابوسا يرعب أشباههم، ملوكا اعتلوا عروشا من قصب،أضاعوا الحسب وفرّطوا في النّسب.
غزّة في مغالبة لعهر الزّمان وصلف العربان تصنع من لاشيء أفقا.تذكّرنا بملحمة بيروت (1982)على فداحتها وكارثيّة ما أراده لها ملوك الطّوائف من تهجير عن عاصمة كانت دوما فلسطينيّة الهوى.صرخة محمود درويش في خضمّ حصار بيروت (ياوحدنا) تختزل كلّ المأساة،مأساة ثورة تدافع عن أفق لم يكن يوما أفقا فلسطينيّا بحتا.غزّة- كما كانت بيروت وعمّان ذات يوم -ملجأ لمن تشرّد واستعصى عليه أن يجد ركنا إليه يأوي وظلاّ به يستظل وفيه يدفن أحلامه. لعنة على السّفهاء من أعراب أعاريب، لا زالوا يقسمون بالكتب المقدّسة أنّهم أبرياء من الدّم الفلسطينيّ براءة إخوة يوسف من دم يوسف.
في أمّة برع سلاطينها في تقمّص النّذالة المذهلة وصناعة الكذب المجنّح يصبح قدر غزّة (التي حكمت عليها جملة من الظّروف والملابسات بأن تختزل فعل المقاومة) أن تكون حصنا لتذرير القهر، ويكون ما سواها من أشباح إمارات- قُدّت من قصب- مرتعا لتفريخ العهر.
++ آخر الغزاة/ أوّل الفاتحين
طوبى للفلسطينيّين، آخرَ الغزاة كانوا وأوّلَ الفاتحين.لمّا يُطبق عليهم الحصار ويضيق كما دوما عليهم يضيق،لمّا يقع الرّبّ بمكر عربيّ مبين وخديعة عربيّة خالصة أسيرا في زريبة عروش، ملوكها أجسامهم أجسام بغال وعقولهم لا تتّسع حتّى لأحلام العصافير، ويكون الأنبياء والرّسل في صدارة قوافل الجرحى والمفقودين ساعتها ينتفض الشّهيد، يهزم جراحه، يتحامل على أنينه،يتّكئ على بعض منه، يتوسّد ما تبقّى من بقايا نبض الشّهيد. ويخطر له أن يمتطي صهوة عناده عساه ينبعث من جديد. ويأبى أن يموت قبل أن يرتّل ترتيلا إنجيل العصر في كلّ مصر ومصر:إلى عروس المدائن ترحل كلّ المدائن/ ويظلّ الطّريق دوما هو الصّديق/ ويبقى ما تبقّى من ضلوعك هو فقط الرّفيق.
صنع الفلسطينيّون لأنفسهم تاريخا خاصّا بهم وتصالحوا معه وتقمّصوا هزائمه فباتت تجمعهم بالموت ألفة عجيبة حتّى ألِف كلّ صغير منهم أن يردّد:"لكثرة ما حملت نعوش أصدقائي صار كتفيّ مقبرة".
أين تقع غزّة؟؟ حيث الأرقام تفقد المعنى والدّلالة منذ سابَقَ القصف العدّ فبات منه أسرع، وحيث يكون الوليد نصفه شاهدا ونصفه شهيدا. غزّة حيث الموت يخجل من أنّة الشّهيد فيسبقه إلى الاستشهاد.
في زمن عربيّ ضنين، ليله أليلُ، وصبحه حزين، صار مطلوبا من الفلسطينيّين أينما أقاموا، في شتات مقابر تكرّم بها عليهم بعض الأعراب وفي خيام تهجير تطوّع بها نفر من الأغراب،أن يلجموا أنينهم وأن لا يبكوا موتاهم لكي لا يزعجوا راحة السّادة النّائمين ويفسدوا عليهم أحلام اللّيل وخطرفة النّهار.
يقول طفل هو الآخر لم يصدّق بعدُ كيف استطاع أن يراوغ المنايا لمّا كانت تخبط خبط عشواء ويخاتلها ليسترق مزيدا من لحظات هي نصيبه في الحياة، أسعفته صدفة أخرى عجيبة فأجّلت ساعة موته حتى يعبّ من هواء الأرض وعبيرها ما يؤنسه في رحلته إن اقتلعوا له شبرا من وسط الرّكام فيه يقيمون له قبرا. يقول في ما يقول: تعلّمت من هزائمي كيف أكون الجزء الذي يحيل إلى الكلّ. اخترت أن أحمل عنكم وزر مآسيكم. أقيموا ما شئتم من المآتم والمنادب ودعونا وشأننا. فليس لنا من الوقت ما نضيعه في النّحيب. نحن معنيّون فقط بتشييع موتانا بالزّغاريد وإعداد ما يلزم من متطلّبات عرس الشّهيد. سنعلن في القبائل أنّنا نحن الفلسطينيّين، بكامل التّعقل والتّروّي، رأفة بالحكّام العرب سنناشدهم أن يكتفوا بمواصلة "مراقبة الوضع عن كثب".سنترجّاهم أن لا يزعجوا الأعداء، ففيهم على ما نعلم إخوة وأبناء عمومة.
يقضي الفلسطيني جزءا من عمره الذي استلّه من مخالب الموت في البحث عمّا تناثر من أشلاء بها يهتدي إلى تمثل الأسماء ومع ذلك- وقد يكون بموجب ذلك- يظلّ الرّقم الصّعب في جملة من المعادلات.
++التّحرير البعيد القريب
"الطّريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة. إنّها بمسافة الثّورة.(ناجي العليّ).
دعنا من هرطقات العرّافين-وما أكثرهم- .ودعنا من تخاريف طوابير التّطبيع الذين خلعوا طاقية الحياء والتحفوا الخيانة مذهبا عقائديّا وتميمة بها يتبرّكون صباح مساء وجلبابا بالألوان الفاقعة تباهيا وتحدّيّا لمن لا زال يرى الخيانة "ميتة حقيرة" (غسان كنفاني).فما وقع في قطاع غزّة تسونامي لم يكن أحد يصدّق إمكانيّة وقوعه ولا أحد وضعه موضع تكهّن.
07 أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى) - أيّا كانت مقاربات تحليله وتأويله وأيّا كانت التّباينات- زلزال (باعتراف دولة الكيان الصّهيونيّ ومن ولاها من لوبي غربيّ متغطرس ولوبي عربيّ حقير)سيظلّ حدثا ينضاف إلى جملة الأحداث الفارقة لرحلة العذابات الطّويلة في مسيرة الثّورة الفلسطينيّة منذ الانتداب البريطانيّ. ولكنّه لن يكون الحدث الفاصل. مشوار في معركة التّحرر والتّحرير ولكنّه ليس التّحرير.فدون المعركة النّهائيّة تشعّبات وجملة من العراقيل، على تجاوزها يتوقّف تحقيق مشروع العودة والتّحرير.
كان الحكيم جورج حبش قد نبّه منذ مطلع السّبعينات إلى أنّ تحرير فلسطين ودحر المشروع الصّهيونيّ مسألة قد تحتاج قرنا وأكثر.وكان العفيف الأخضر(لمّا كان ماركسيّا) قد حذّر من أنّ منطق الطّبل والمزمار إذا تواصل قد يدفع بالثورة الفلسطينيّة إلى تراجعات خطيرة ليس أقلها أن تجد المقاومة نفسها ذات يوم في ساحة أبعد ما يكون عن سوح التّماس مع الأراضي المحتلّة.
بعض المعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية مكرهة في أكثر من مرحلة وعلى أكثر من واجهة قد يراها البعض ضربا من المغامرة واليسراويّة، ولكن إذا نظرنا إليها من مدخل آخر وبمقاربات أخرى يمكن اعتبارها اختيارا حتّمته الضّرورة. فعدوّها / أعداؤها يعوّلون على عامل الزّمن والتّقادم لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيّين وعلى شعوب المنطقة برمّتها. لكي تكون القضّية في الواجهة وتطرح نفسها في جدول القضايا العالميّة كان لا بدّ للمقاومة الفلسطينيّة على اختلاف فصائلها أن تخوض جملة من المعارك اختلفت باختلاف المرحلة والإمكانيّات والحاجة. في هذا الإطار تحديدا يمكن تنزيل سياسة الجبهة الشّعبية في خطف الطّائرات مطلع السّبعينات لمّا كانت المقاومة بحاجة إلى لفت انتباه العالم لقضيّة أريد لها أن تُقبر وتوضع في رفوف النّسيان.
وفي ذات الإطار يمكن تنزيل أحداث أيلول الأسود( الأردن 1970) وإلى حدّ ما حصار بيروت مطلع الثّمانينات.
زلزال أكتوبر 2023 بتاريخه الرّمزيّ وإحالته إلى حدث تاريخيّ في وقته (06 أكتوبر1973) يندرج موضوعيا في ذات السّياق،إعلان عن الوجود. فأيّة دلالات للحدث الذي هزّ الكيان الصهيونيّ دولة ومجتمعا وبالأساس المؤسّسة العسكريّة وأمريكا وحلفاءها؟؟.
** لقد دلّلت وقائع الحرب على غزّة منذ اندلاعها وليس التّخمينات التّنظيريّة على أنّ إرادة الشّعوب لا تُقهر. يفعل فيها الزّمن فعله الإيجابيّ، والقضايا المركزيّة لا تفنى بتقادم الزّمن.أمّا الاستثناء فيظلّ دوما استثناء. فهذا جزء من شعب (في حدود مليونين و 300 ألف نسمة) في حيّز جغرافيّ لا يتجاوز مساحة محافظة في بلد صغير( 360 كم مربّع)محاصر في مقاطعة منذ أكثر من 17سنة يجابه منفردا أعتى التّرسانات الحربّية ويفرض عليها وعلى دولتها حالة استنفار قصوى ويملي عليها ما تمليه الحروب النّظامية وليس ما يتطلّبه مجابهة فعل فصيل مقاوم.
** مرة أخرى تكشف الأحداث العورات. فليست فلسطين هي نكبة العرب بل إنّ الأنظمة العربيّة هي النّكبة الحقيقيّة والوبال على شعوبها وعلى القضيّة الفلسطينيّة
** كشفت زيف أسطورة الجيش الذي لا يُغلب ولا تُخترق أجهزة استطلاعاته ومخابراته خاصّة إذا تعلّق الأمر بحرب غير نظاميّة.
**مؤسسات رسميّة كثيرة طالها الخرف والشّيخوخة، وباتت عبئا وزائدة دودية .لم تعد صالحة لغير الحلّ والتّسريح. تشييعها إلى مثواها الأخير خير إكرام لجثثها المتعفّنة: الجامعة العربيّة/ اتّحاد المغرب العربيّ/ مجلس التّعاون الخليجيّ نماذج.
**مشاريع التّطبيع أحيلت عمليّا إلى غرفة الإنعاش، وهي في حالة موت سريريّ يفرض الشّفقة على أنظمة احترفت العهر السّياسيّ وباتت فيه ضليعة حتّى ماتت فيها غريزة حبّ البقاء والدّفاع عن جلد دول هي دولها وعروش هي عروشها.
** أعادت الى الأذهان حقيقة كانت في مرحلة ما راسخة في ذهن شريحة واسعة من الفئات الشّعبيّة وفي الأوساط اليساريّة: الأعداء الحقيقيّون والتّاريخيّون للثورة الفلسطينيّة العدوّ القوميّ وتعبيرته الكيان الصّهيونيّ وحلفاؤه من مصّاصي دماء الشّعوب بقيادة شرطيّ العالم أمريكا، والعدوّ الطبقيّ وتعبيرته أنظمة الولاء والطّاعة والاستغلال والاستبداد مهمها كانت الجبّة التي تزيّنت بها ملكيّة كانت أم جمهوريّة. تختلف الأسماء والجوهر واحد.تتفاوت في الهجانة وتلتقي في الأهداف
** بيّنت بأكثر الأشكال وضوحا كارثيّة الرّهانات الخاسرة على أظمة "أسد عليّ وفي الحروب نعامة"،"كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسد"،أرانب في التّعامل مع العدوّ، ملوك في الاستئساد على شعوبهم. سجلّهم حافل بجليل الأعمال. فما ارتكبوه من مجازر ومؤامرات في حقّ الشّعب الفلسطينيّ وثورته التّحريريّة يكاد يساوي ما اقترفته دولة الاستيطان بل لعلّه أكثر مظاظة كظلم ذوي القربى.
++ فوبيا السّياسيّ
الحياد في القضايا الوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة حذلقة فكريّة، نفاق، تنصّل من مسؤوليّة،بحث عن طهوريّة مفقودة أحيانا وزائفة أحيانا أخرى، ضرب من العهر الفكريّ والسّياسيّ.
في اللّحظات الحاسمة والفارقة يتردّى إلى مستوى الوقاحة وقلّة الحياء. نذالة وخيانة تخجل من الإفصاح عن إسمها. موقف رجعيّ بغلاف ثورجيّ.
في تعاطيها مع ما يجري في قطاع غزّة (كجزء من وطن محتلّ) بين طرفي الصّراع الأساسيين، الكيان الصّهيونيّ من ناحية والمقاومة من ناحية أخرى بفصيلها الأبرز على السّاحة،حركة حماس[مسألة فرضتها معطيات محلّية وإقليميّة] لم تجد بعض الجهات السّياسيّة والفكريّة- أطرافا وذوات- حرجا في اعتبار الصّراع الدّائر نزاعا بين حماس و"إسرائيل" ونتيجته الطّبيعيّة المماثلة بين الطّرفين. تمظهرات الحياد بإدانة الطّرفين مرض،فوبيا الإسلام السّياسيّ مجسّدة في الخلط بين التّباين مع التّيّارات الإسلامويّة(حماس تعبيرة من تعبيراتها) باعتبار مرجعيّاتها وارتباطاتها وطبيعة المشروع المجتمعيّ الذي تبشّر به وفعل المقاومة باعتباره فعلا مشروعا يستجيب لتطلّعات شعبيّة في التّحرّر والتّحرير. بأكثر دقّة ومباشريّة ما يجري في غزّة منذ السّابع من أكتوبر-أيّا كانت التّسميّة- اعتداء على الشّعب الفلسطينيّ وحقّه التّاريخيّ لا فقط في مقاومة الاحتلال بل أساسافي استرجاع أرضه المسلوبة قبل أن يكون انتقاما من هذا الطرف أو ذاك. مشروع تهجير لن يكتب له النّجاج إلاّ بحرب إبادة تستهدف في ما تستهدف اجتثاث تعبيرات المقاومة . فصل ما يجري الآن عن بعده التاريخيّ الذي يعود إلى تاريخ انتصاب الاستيطان " لعب ذراري" واستبلاه للذات قبل أن يكون استبلاها للآخر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الشرطة الباكستانية تشتبك مع متظاهرين بعد حظر جماعة حقوقية من
.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الذكرى الأولى
.. سكان في فلوريدا يسارعون للابتعاد عن مدنهم.. مع اقتراب إعصار
.. شاهد| اعتراض صواريخ أطلقت من جنوب لبنان في سماء قيساريا وحيف
.. حكومة بارنييه تنجو من حجب الثقة، ضوء على استراتيجات اليمين و