الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية -مواجهة الموت-

رياض ممدوح جمال

2023 / 11 / 6
الادب والفن


تأليف: أوكست سترنبرج
ترجمة: رياض ممدوح جمال

الشخصيات:
السيد دوراند: موظف متقاعد في سكة الحديد الحكومية
أدلي: أبنته، 27 عام
آنيت: أبنته، 24 عام
تيريز: أبنته، 22 عام
أنطونيو: مساعد في فوج سلاح فرسان ايطالي في سويسرا الفرنسية في ثمانينات القرن أل 19
بيير: ساعي

(غرفة طعام فيها منضدة طويلة. خلال الباب المفتوح ترى عبر قمم أشجار السرو باحة الكنيسة وبحيرة ليمان وهي مصيف ايفان يغطيه الفرنسيون. إلى اليسار باب يؤدي إلى المطبخ. والى اليسار منه باب يؤدي إلى الغرف الداخلية. يقف السيد دوراند في المدخل ينظر إلى البحيرة بواسطة المنظار المزدوج)

أيدل: (قادمة من المطبخ، ترتدي مئزراً، رافعة أكمامه إلى الأعلى. تحمل صينية فيها مستلزمات القهوة) لم يتبقَ خبزاً لك مع القهوة، يا أبتي؟
دوراند: كلا، أرسلت بيير. لقد كان صدري يؤلمني طوال الأيام القليلة الماضية، وأن صعود التلال يؤثر بي كثيراً.
أيدل: بيير ثانية؟ ذلك سيكلفنا ثلاثة دانقات من أن نجلبها نحن بأنفسنا، مع وجود سائح واحد في المنزل طوال شهرين؟
دوراند: ذلك صحيح، لكن يبدو لي أن آنيت لديها خبز.
أيدل: انك لو رأيت المنزل يدمر بالكامل، فلن تفعل أي شيء لإنقاذه.
دوراند: حتى أنت، يا أيدل؟
أيدل: حتى أنا متعبة، وصمدت لفترة أطول.
دوراند: نعم، لقد صمدت، كنت ولازلت إنسانة، أما تيريز وآنيت فلازلن غير مكترثات. أنا وأنت تحملنا أعباء هذا المنزل منذ وفاة والدتك. أنت كنت تجلسين في المطبخ مثل سندريلا ؛ وكنت أنا أقوم بالاعتناء والخدمة وإشعال النار والمسح والتنظيف، وأقوم بكل المهام الأخرى. أنت متعبة؟ أهذا هو جزائي؟
أيدل: لكن لا يجوز أن تكون أنت متعباً. لديك ثلاث بنات معدمات أهدرت مهرهن.
دوراند: (دون أن يصغي لها) ألا يبدو لك وكأنك تسمعين أصوات قعقعة وهدير في الأسفل؟ لو شبت نار فسيكونوا من المفقودين، لأن الريح ستهب قريباً، هذا ما تخبرني به تلك البحيرة.
أيدل: هل دفعت وثيقة التأمين على بيتنا ضد الحريق؟
دوراند: نعم، دفعتها. وإلا ما تمكنت من رهن العقار.
أيدل: كم بقي من العقار غير مرهون؟
دوراند: ربع قيمة وثيقة التأمين. لكنك تعرفين كم أنخفضت قيمة العقار عندما غيروا مسار سكة الحديد من أمام بابنا إلى جهة الشرق.
أيدل: أفضل بكثير.
دوراند: (بصرامة) أيدل! (مهلة) هل لك أن تعلي النار في المطبخ؟
أيدل: لا يمكنني ذلك يجيء الخبز.
دوراند: حسناً، ها هو قد أتى.
(يدخل بيير حاملاً سلة. أيدل تنظر إلى داخل السلة)
أيدل: لا يوجد خبز! فقط فاتورة.. فاتورتان، ثلاثة...
بيير: حسناً، قال الخباز انه سوف لن يرسل خبزاً بعد الآن حتى يدفع له. وبعد ذلك، وبينما كنت ماراً من أمام الجزار والبقال، رموا هذه الفواتير عليّ، (يخرج).
أيدل: أوه، يا إلهي، هذه هي نهايتنا! لكن ما هذا؟ (تفتح رزمة).
دوراند: بعض الشموع اشتريتها من أجل عزيزي الصغير ريني. اليوم هو ذكرى موته.
أيدل: أنت تسمح لنفسك أن تشتري مثل هذه الأشياء!
دوراند: بعرفي (بشريعتي)، نعم. ألا تعتقدين انه ليس من الذل أن أمد يدي للنزيل حين يغادرنا؟ ألا تدعينني أمارس قناعتي الوحيدة التي امتلكتها.. ألا تدعيني أتمتع بحزني مرة واحدة في السنة؟ لتعيش في ذاكرتي أجمل ما منحتني له الحياة؟
أيدل: لو كان قد عاش إلى الآن، لأمكنك أن ترى كم هو جميل سيكون!
دوراند: ربما لك الحق في أن تسخري.. كما أتذكره، على أية حال، فانه لم يكن مثلما انتم عليه أنت الآن.
أيدل: هل تجد في نفسك القدرة الكافية على أن تستقبل السيد انطونيو بنفسك؟ انه قادم الآن لتناول قهوته من دون خبز! أوه، لو كانت أمي موجودة هنا! إنها تجد طريقاً عندما تقف أنت عاجزاً.
دوراند: أمك كانت ذات طبع جيد.
أيدل: مع هذا كنت ترى عيوبها فقط.
دوراند: السيد انطونيو قادم. لو تتركيني الآن، سأتحدث معه.
أيدل: تفعل خيراً لو خرجت واقترضت بعض المال، لنتفادى الفضيحة.
دوراند: لا يمكنني اقتراض دانق. بعد أن أمضيت عشر سنوات وأنا اقترض! دعي كل شيء يتحطم حالاً، كل شيء، كل شيء، إذا كان لابد من النهاية.
أيدل: إنها نهايتك أنت، نعم. لكنك لا تفكر بنا أبداً!
دوراند: هل تحسدنا على حالنا؟
دوراند: فقط تلوميني بظلم. اذهبي الآن، وأنا سأواجه العاصفة.. كالمعتاد.
أيدل: كالمعتاد.. ها!
(تذهب أيدل. يأتي انطونيو من الخلف).
انطونيو: صباح الخير. سيد دوراند.
دوراند: سيد انطونيو هل كنت في الخارج للتنزه؟
انطونيو: نعم، كنت في الأسفل ورأيت نار المدخنة. والآن مذاق القهوة سيكون لها طعم خاص.
دوراند: لا حاجة أن أقول انه كم أتألم أن أخبرك أن نقص الموؤنة والمستلزمات الأخرى في بيتنا تضطرنا إلى عدم مواصلة العمل.
انطونيو: كيف ذلك؟
دوراند: بصريح العبارة، نحن مفلسون.
انطونيو: لكن، يا سيدي دوراند المحترم، أليس هناك طريقة لمعالجة الأمر؟ أتمنى أن تكون هذه أزمة وقتية.
دوراند: كلا، ليس هناك مخرج محتمل. إن حالة البيت كانت منذ سنين هي فوضى كاملة حيث إني أفضل أن يأتي الدمار حالاً خيراً من أن أكون قلقاً من مجيئه في كل ليلة وكل يوم.
انطونيو: ومع ذلك اعتقد انك تنظر إلى الجانب المظلم للأشياء.
دوراند: أنا لا افهم ما الذي يجعلك تشك في ذلك.
انطونيو: لأني أريد مساعدتك.
دوراند: لا ارغب بأي مساعدة. فليأتي الفقر ويعلم أولادي حياة تختلف عن هذه التي كلها مسرحية. باستثناء أيدل، التي تعتني بالمطبخ حقاً، أما الآخرون فما عملهن؟ اللهو والغناء والتنزه والغزل، ومادام هناك كسرة خبز في البيت فهن لم يعلمن أي شيء مفيد.
انطونيو: لندع ذلك. والتمويلات تحل ويجب أن يكون عندنا خبز في البيت. سمح لي بالبقاء شهراً آخر وسأدفع فاتورتي مقدماً.
دوراند: كلا، شكراً لك، يجب أن نتمسك بهذا المصير حتى لو أزمعنا في البحيرة! وأنا لا أريد الاستمرار في هذا العمل، الذي لا يطعم خبزاً.. لا شيء سوى الإذلال، مجرد التفكير بما حدث في الربيع الماضي، عندما كان المنزل خالياً من النزلاء لمدة ثلاثة أشهر، أحس بالذل. ثم خيراً جاءت عائلة أمريكية وأنقذتنا. في صباح اليوم التالي من وصولهم صادفت ابنهم على الدرج قابضاً يد ابنتي، وكان يحاول تقبيلها. ماذا كنت ستفعل إن كنت أنت في مكاني؟
انطونيو: (مرتبكاً) لا اعرف..
دوراند: اعرف، بصفتي كأب، ماذا كان يتوجب عليّ فعله، لكن.. أب.. مثلي أنا.. لم افعل ذلك. لكن اعرف ما العمل في المرة القادمة.
انطونيو: طبقاً لذلك يبدو لي انه يجب أن تعلم ما يجب عمله، ولا تترك بناتك للمصادفة.
دوراند: سيد انطونيو، أنت الشاب الذي، لسبب لا اعرفه، اكتسب احترامي سواء يهمك ذلك، أم لا، سأسأل شيء واحد. ألم تشكل أي وجهة نظر عني كفرد، أو حول تصرفاتي.
انطونيو: سيد دوراند، أعدك إذا أجبتني عن سؤال واحد، هل أنت سويسري المولد، أم لا؟ سأجيبك على سؤالك.
دوراند: أنا مواطن سويسري.
انطونيو: نعم، اعرف ذلك، لكني أسأل إن كنت قد ولدت في سويسرا.
دوراند: (في حيرة) نعم.
انطونيو: سألت فقط، لأن ذلك أثار اهتمامي. ومع ذلك، يجب أن اعتقد أن راتبك التقاعدي قد أغلق، أريد أن ادفع ما بذمتي. لأتأكد أنها عشر فرنكات فقط، لكن لا يمكنني أن اذهب دون أن ادفع فاتورتي.
دوراند: لا يمكن أن أكون متأكداً من أحقية هذا الدين، وأنا لا احتفظ بالحسابات، لكن إذا خدعتني ستسمع مني ما لا يرضيك. الآن سأذهب لأجلب الخبز. وبعد ذلك سيتوضح كل شيء.
(يخرج. يبقى انطونيو لوحده. بعد ذلك تدخل تيريز، تحمل مصيدة فئران. ترتدي جلباب الصباح وشعرها متدل للأسفل).
تيريز: أوه، أنت هنا، يا انطونيو! اعتقد أني سمعت صوت الرجل العجوز.
انطونيو: نعم، وقال، انه ذاهب لجلب الخبز.
تيريز: ألم يفعل ذلك قبل قليل؟ كلا، أنت تعرف، لا يمكننا إبقاء الخبز أكثر من ذلك.
انطونيو: كم أنت جميلة هذا اليوم، يا تيريز! لكن مصيدة الفئران لا تناسبك.
تيريز: مثل هذه المصيدة للمساومة! لقد نصبتها طوال شهر كامل، لكن أبداً، أبداً لم تصطاد شيئاً حياً، بالرغم من أن الطعم يؤكل كل صباح، هل رأيت ميمي قريباً؟
انطونيو: تلك القطة الملعون؟ عندما آتي مبكراً أراها أمامي وعندما آتي متأخراً كذلك أراها أمامي. أما اليوم فاني سعيد لعدم رؤيتها.
تيريز: يجب أن تتحدث عن الغائبين بالخير، وتذكر أن الذي يحب قطتي يحبني (تضع مصيدة الفئران على المنضدة، وتأخذ صحناً فارغاً من تحت المنضدة) أيدل، أيدل!
أيدل: (عند باب المطبخ) ماذا تطلب صاحبة السمو بصراخها العالي؟
تيريز: تطلب صاحبة السمو حليباً لقطتها وقطعة جبن لفئرانك.
أيدل: تعالي وخذي ما تريدين بنفسك.
تيريز: أبهذه الطريقة تجيبين صاحبة السمو؟
أيدل: هذا الجواب يناسب كلامك. وتستحقين ذلك لأنك تقابلين الغرباء وشعرك غير ممشط.
تيريز: ألسنا نحن هنا أصدقاء قدامى جميعاً، و.. انطونيو، اذهب وكلم العمة أيدل بلطف، ومن ثم ستحصل على حليب لميمي (انطونيو يتردد) هل ستدبر الأمر؟
انطونيو: (بحدة) كلا.
تيريز: ما هذه الطريقة في الكلام؟ هل تريدين أن أضربك بالسوط؟
انطونيو: يا للوقاحة!
تيريز: (بتعجب) ما هذا؟ ما هذا؟ هل تحاول أن تذكرني بموقعي وبضعفي وبديني؟
انطونيو: كلا، فقط أردت أن أذكرك بموقعي وضعفي وديني.
أيدل: (تأخذ صحناً) أصغوا الآن، كونوا أصدقاء جيدين. ما سبب كل هذه الحماقات؟ كونوا أصدقاء.. وسأجلب لكم قهوة لطيفة جداً. (تدخل المطبخ).
تيريز: (تبكي) أنت مللت مني، يا انطونيو، وتفكر بالتخلي عني.
انطونيو: يجب أن لا تبكي، إن البكاء يجعل عيناك قبيحتين جداً.
تيريز: أوه، إذن عيناي ليستا جميلتين كعيني آنيت..
انطونيو: آنيت كذلك الآن؟ لكن انظري هنا، دعي كل الحماقات جانباً، أ ليست كلها كانت في سبيل الحصول على قهوة؟
تيريز: أنت تسحر حتى الرجل المتزوج.. لا يمكنك أن تنتظر قهوتك لحظة.
انطونيو: وكم زوجة محبوبة ستكونين أنت، التي تهدرين زوجك بحماقاتك. (تدخل آنيت بكامل أناقتها وقد رفعت شعرها للأعلى).
آنيت: تبدوان متخاصمين هذا الصباح.
انطونيو: أترين، ها هي آنيت، بكامل أناقتها.
تيريز: نعم، آنيت استثنائية في كل شيء. وهي تمتاز بأنها أقدم مني.
آنيت: لو تكفي لسانك..
انطونيو: أوه، الآن، الآن، كونا جيدتين، الآن يا تيريز!
(يضع ذراعه حولها ويقبلها. يظهر السيد دوراند في المدخل)
دوراند: (مندهش) ما هذا؟
تيريز: (تحرر نفسها من انطونيو) ماذا؟
دوراند: هل حقاً ما تراه عيناي؟
تيريز: ماذا رأيت؟
دوراند: رأيت انك سمحت لرجل غريب محترم لتقبيلك.
تيريز: ذلك كذب!
دوراند: هل فقدت بصري أم انك تتجرئين على تكذيبي بوجهي؟
تيريز: بمناسبة الحديث عن الكذب، ألست أنت من كذب علينا وعلى العالم كله بقولك انك قد ولدت في سويسرا بالرغم من انك فرنسي؟
دوراند: من قال ذلك؟
تيريز: أمي قالت ذلك.
دوراند: (إلى انطونيو) سيد انطونيو، كما اتفقنا، سأطلب منك مغادرة هذا المنزل حالاً، وإلا..
انطونيو: وإلا؟
دوراند: اختر سلاحك للمبارزة.
انطونيو: أتساءل ما نوع السلاح الذي ستحمله غير بندقية صيد الأرنب!
دوراند: إذا أنا لم أفضل العصا، فيجب أن اجلب بندقيتي التي استعملتها في الحرب الأخيرة.
تيريز: بالفعل أنت كنت في الحرب.. أنت من هرب!
دوراند: أمك قالت ذلك، أيضاً، لا يمكنني محاربة الأموات، لكن يمكنني محاربة الأحياء. (يرفع عصا المشي ويتجه نحو انطونيو. تيريز وآتيت ترميان أنفسهما بين الرجلين).
آنيت: فكر بالذي تفعله!
تيريز: سينتهي هذا بكارثة!
انطونيو: (يرجع إلى الخلف) مع السلامة، يا سيد دوراند. احتفظ باحتقاري.. وبفرنكاتي العشرة.
دوراند: (يأخذ قطعة ذهبية من جيب صدريته ويرميها نحو انطونيو) اللعنة على ذهبك، أيها الشقي!
(تيريز وآنيت تتبعان انطونيو)
تيريز وآنيت: لا تذهب، لا تتركنا! أبونا سيقتلنا!
دوراند: (يكسر عصاه إلى قسمين) الذي لا يستطيع القتل يجب أن يموت.
انطونيو: مع السلامة، وأتمنى أن تفقد آخر جرذ في سفينتك الغارقة.
(يذهب انطونيو)
تيريز: (إلى دوراند) أبهذه الطريقة تعامل ضيوفك! فلا عجب أن ينهار المنزل.
دوراند: نعم.. هذه هي الطريقة.. لهكذا ضيوف! لكن اخبريني، تيريز، يا طفلتي.. (يأخذ رأسها بين يديه) اخبريني، يا طفلتي المحبوبة، اخبريني إذا كانت نظرتي خاطئة الآن، أو إني قلت قولاً باطلاً؟
تيريز: (بشكل مشاكس) ماذا؟
دوراند: تعرفين ما اعني. هل يمكن أن يكون هو بريء جداً.. لكن المسألة هي انه هل يمكن أن أثق بأحاسيسي التي أثارتني.
تيريز: أوه، كان يتكلم عن شيء آخر.. مجرد كان يخبرنا عما سنأكله ونشربه اليوم. فكانت تلك كذبة، انه لم يقبلني.
دوراند: إنها ليست كذبة، بحق السماء، ألم أرَ ما حدث؟
تيريز: برهن على ذلك.
دوراند: أبرهن على ذلك؟ هل اجلب شاهدين أم شرطي! (إلى آنيت) آنيت، يا طفلتي، ألا تقولي الحق؟
آنيت: أنا لم أرَ شيء.
دوراند: هذا هو الجواب المناسب. يجب على الأخت أن لا تتهم أختها. أمك تحب أن تكوني هكذا، كما أنت اليوم، يا آنيت!
آنيت: لا تقل أي شيء عن أمي! كان يجب أن تكون هنا مثل هذا اليوم! (تدخل أيدل حاملة قدح حليب، تضعه على المنضدة)
أيدل: (إلى دوراند) هنا حليبك. ماذا حصل للخبز؟
دوراند: لا شيء، يا طفلتي. سنستمر بجلبه كما كنا دائماً ولحد الآن.
تيريز: (تأخذ قدح الحليب من أبيها) لا يهمك أي شيء، سوى تبذير المال، لترغم أولادك على المال.
أيدل: هل بعثر مالاً، التعيس؟ كان يجب أن يوضع في مستشفى المجانين، أمي في وقتها كانت تقول انه مهيأ لمستشفى المجانين. انظروا، هذه قائمة أخرى وصلتني إلى المطبخ.
(يأخذ دوراند القائمة ويبدو وكأنه يقرأ فيها. يصب له قدح من الماء ويشرب. يجلس ويشعل غليونه).
آنيت: لكنه يسمح لنفسه أن يدخن التبغ.
دوراند: (يبدو متعباً، ويتكلم بشكل مطيع) يا أولادي الأعزاء، إن هذا التبغ لم يكلفني أكثر من هذا الماء، لأنه أعطي لي قبل ستة شهور. فلا تزعجوا أنفسكم بلا داع.
تيريز: (تأخذ علبة الكبريت منه) حسناً، على الأقل لا تبدد الكبريت.
دوراند: آه لو تعلمين، يا تيريز، كم من الكبريت قد بددت عندما كنت استخدمها ليلاً لأراك إن كنت قد رميت الغطاء عنك أثناء النوم! لو تعلمين، يا آنيت، كم من المرات أعطيتك الماء سراً عندما كنت تبكين من العطش، لان أمك كانت تعتقد بان شرب الماء يضر بالأطفال!
تيريز: حسناً، كل ذلك أصبح في الماضي وبأنه لا يزعجني. وذلك كان واجبك، كما قلت أنت بنفسك.
دوراند: انه كان واجبي وأكثر أيضاً.
أيدل: حسناً، إذن استمر بأداء واجبك، وإلا لا احد يعرف ما سيحصل بنا. ثلاث بنات شابات تركن مشردات وبلا أصدقاء، ومن دون أي مصدر للرزق! هل تعرف إلى أين يقودنا مصيرنا؟
دوراند: هذا ما كنت أقوله قبل عشر سنوات، لكن لا احد يسمعني، وقبل عشرون سنة توقعت بمجيء هذه اللحظة، ولم أكن قادراً على منعها. إني مثل الجالس وحيداً في قطار سريع متجه نحو الهاوية، وليس لي القدرة على إيقافه.
تيريز: والآن تريد أن نشكرك على نزولك معنا إلى الهاوية؟
دوراند: كلا، يا طفلتي، بل اطلب أن تخففي من قسوتك نحوي. تحرصين على الحليب لقطتك، وتخطفين الحليب من أبيك الذي لم يأكل لفترة طويلة.
تيريز: أوه، أنت، إذن هو من يخطف الحليب من قطتي.
دوراند: نعم، أنا.
آنيت: وربما، هو أنت من يأكل الجبنة من مصيدة الفئران، أيضاً.
دوراند: انه أنا.
أيدل: مثل خنزير.
تيريز: (ضحك) اعتقد انه لكان قد تسمم!
دوراند: للأسف، تعنين، أني لم افعل ذلك!
تيريز: نعم، بالتأكيد لم تستطع تدبر ذلك، أنت الذي كنت دائماً تتحدث عن قتلك لنفسك.. لكنك لم تفعلها إطلاقاً!
دوراند: لماذا لم تقتليني أنت؟ لأنه ستتوجه الملامة نحوك مباشرة. أتعلمين لماذا لم اقتل نفسي؟ لمنعك من دخول البحيرة، يا طفلتي العزيزة.. قولي قولاً آخر أكثر قسوة الآن. إنها كسماع الموسيقى.. اعترف بأنها النغمات التي تطربني.. وتذكرني بالأيام الجميلة.
أيدل: توقف عن مثل هذا الكلام العديم الفائدة الآن. واعمل شيئاً. اعمل شيئاً.
تيريز: هل تعرف ما سيؤول إليهِ مصيرنا إذا تركتنا بهذه الحالة؟
دوراند: انتن ستذهبن إلى السقوط بأنفسكن. هذا ما كانت تقوله أمكم دائماً عندما كانت تبدد مصروف المنزل على شراء بطاقات اليانصيب.
أيدل: اصمت! ولا كلمة عن عزيزتنا، أمنا المحبوبة!
دوراند: (يهمهم مع نفسه) في هذا البيت شمعة تحترق، وعندما يحترق الهدف هو، يكسب، الهدف سيكسب، حالما تأتي العاصفة مع دمار كبير. نعم! لا!
(بدأ الإعصار يهب في الخارج والغيوم قاتمة. دوراند يهب واقفاً).
دوراند: (إلى أيدل) ضعي نار الطباخ في الخارج. إن الرياح والعواصف قادمة.
أيدل: (تنظر في عيون دوراند) لا، لن تهب الريح.
دوراند: ضعي النار خارجاً. إذا شبت النار هنا، فلن نحصل على شيء من التأمين. ضعي النار خارجاً، قلت، خارجاً.
أيدل: أنا لا أفهمك.
دوراند: (ينظر في عينيها، يأخذ يدها) فقط أطيعيني، افعلي ما أقول. (تذهب أيدل إلى المطبخ، تترك الباب مفتوحاً. إلى تيريز وآنيت) اصعدا وأغلقا النوافذ، يا أطفالي، وامنعا التيارات الهوائية. لكن أعطوني قبلة أولاً لأني مسافر لجلب المال لكم.
تيريز: أيمكنك أن تحصل على المال؟
دوراند: لدي وثيقة التأمين على الحياة واعتقد أني ذاهب لأفعل ذلك.
تيريز: كم يمكنك أن تحصل منها؟
دوراند: ستمائة فرنك إذا بعتها، وخمسة الاف إذا أموت. (تزداد تيريز انتباهاً) الآن! اخبروني، يا أطفالي.. يجب أن لا نكون قساة بلا داع.. اخبريني، يا تيريز، هل أنت مقتنعة بانطونيو بحيث انه لا يمكن أن تكوني سعيدة إن لم تحصلي عليه؟
تيريز: أوه. نعم!
دوراند: إذن يجب أن تتزوجيه إن كان هو حقاً يحبك. لكن يجب أن لا تكوني قاسية معه، وإلا سوف لن تكوني سعيدة. مع السلامة، يا عزيزتي، يا طفلتي المحبوبة. (يأخذ بين ذراعيه ويقبل خديها)
تيريز: لكن يجب أن لا تموت، يا أبي، يجب أن لا تموت.
دوراند: هل ترفضين أن اذهب إلى سلامي؟
تيريز: كلا، إذا أنت تريده لنفسك. اغفر لي، يا أبتي، لقد قسوت عليك كثيراً.
دوراند: غير صحيح، يا طفلتي.
تيريز: لكن لم يكن احد قاس عليك مثلي أنا.
دوراند: أحسه قليلاً، لأني أحببتك أكثر. لماذا، لا اعرف. لكن أسرعي وأغلقي الشبابيك.
تيريز: خذ علبة الكبريت، يا أبي.. وهذا هو حليبك.
دوراند: (يتبسم) آه، أنت طفلة!
تيريز: حسناً، ما الذي يمكنني أن افعله؟ ولا املك أي شيء آخر لأعطيك إياه.
دوراند: أعطيتني الكثير جداً من البهجة مقابل لا شيء. اذهبي الآن، فقط امنحيني نظرة حب كما اعتدت. (تلتفت تيريز وترمي نفسها بين ذراعيه) هكذا، هكذا، يا طفلتي، الآن كل شيء على ما يرام. (تركض تيريز خارجة) الوداع، يا آنيت.
آنيت: هل أنت مسافر بعيداً؟ لا أفهم شيئاً من كل هذا.
دوراند: نعم، أنا ذاهب.
آنيت: لكن بالطبع انك ستعود، يا أبي.
دوراند: من الذي يضمن انه باق إلى صباح الغد؟ على أية حال، سنقول وداعاً.
آنيت: إذن، الوداع، يا أبي.. ورحلة موفقة. ولا تنسى أن تجلب شيئاً ما منزلياً لنا تماماً كما كنت تفعل، أليس كذلك؟
دوراند: وأنت تتذكرين ذلك، رغم إني منذ مدة طويلة لم اشتر ِ شيئاً لك، يا طفلتي؟ الوداع، يا آنيت. (تذهب آنيت. دوراند يهمهم مع نفسه) خلال الخير والشر، صغير وعظيم، حيث بذرت، يتجمع الآخرين. (تدخل أيدل) تعالي، يا أيدل، الآن ستسمعين وتفهمي. إذا أنا تكلمت بعبارات مقنعة، فلكي تكوني مرتاحة الضمير من معرفتك بأمور كثيرة. كوني هادئة. إن الأولاد في غرفهم في الأعلى، أولاً ستسألينني هذا السؤال، "هل لديك وثيقة التامين على الحياة؟" حسناً؟
أيدل: (تتساءل بقلق) "هل لديك وثيقة تأمين على الحياة؟"
دوراند: كلا، كان عندي واحدة، لكني بعتها منذ عهد بعيد، لأسدد دين شخص، بعض الأشخاص الذين طفح الكيل به. لكن عندي تأمين ضد الاحتراق، وهذه هي الأوراق. أخفهم جيداً. الآن، سأسألك شيئاً ما، هل تعرفين كم عدد الشموع هناك في السلة، شموع مجموعها خمسة وسبعين سنتمتر؟
أيدل: هنالك ستة شموع.
دوراند: (يشير إلى رزمة الشموع) كم هي عدد الشموع هنا؟
أيدل: خمسة فقط.
دوراند: لان الشمعة السادسة توضع بمستوى عال جداً وعن قريب جداً..
أيدل: يا إلهي!
دوراند: (ينظر إلى ساعته) في غضون خمسة دقائق، ستكون مشتعلة في الخارج.
أيدل: كلا!
دوراند: حسناً، إذن. اعتني بأعمالك. وحول المسالة الآن. إذا غادر السيد دوراند هذا العالم (بهمس) كالحريق، فليس الأمر مهماً، لكن طفلته ستعلم بأنه عاش كرجل شريف إلى هذا الوقت. حسناً، إذن، أنا ولدت في فرنسا، ولكن كان يجب علي عدم الاعتراف بذلك لأول شقي قادم. وحالما بلغت سن الجندية وقعت في حب واحدة وهي التي أصبحت زوجتي لاحقاً. ولكي نكون قادرين على الزواج، جئنا إلى هنا وأخذنا الجنسية. وعندما اندلعت الحرب الأخيرة، وتصورت هي وكأني سأحمل السلاح ضد بلدي، كنت رامياً جيداً ضد الألمان. لم اهرب أبداً، كما كنت قد سمعت أنت.. أمك اختلقت تلك القصة.
أيدل: أمي لم تكذب أبداً..
دوراند: لهذا، لهذا، الآن ستصعد الملائكة وتقف بيننا ثانية. وأنا لا أستطع القيام بشيء ضد الأموات، لكني اقسم بأني أتكلم الحقيقة. هل تسمعني؟ أما موضوع مهر، فان أمك قد بددته بإهمالها وبتوقعاتها الحمقاء باليانصيب.
أيدل: كلا، ليس هذا ما قالته أمي وهي على فراش الموت.
دوراند: إذن، أمك قد كذبت وهي على فراش الموت، تماماً كما كانت تفعل طوال حياتها. وتلك الكذبة التي رافقتني كاللعنة طوال حياتي. فكري كم عذبتني بهاتين الكذبتين لسنوات عديدة! أنا لم أكن أريد أن ألوث شبابك بالشك في. وكنت احمل صليبها في كل تشعبات حياتنا الزوجية، حملت كل عيوبها على ظهري، أتحمل كل نتائج أخطائها وحدي، حتى أني أخيراً اعتقدت إني أنا هو المذنب. وهي أولاً اعتقدت أنها بريئة ثم وبسرعة تحول اعتقادها بأنها ضحية. "تضع اللوم عليّ أنا" متى اشتبكت عليها الأمور. فهي تلوم وأنا أتحمل! لكن الأكثر من ذلك أصبحت تعتقد أنها صاحبة الفضل، بان تظهر كراهيتها أكثر، كراهية لا حدود لها من أعماقها. وفي النهاية احتقرتني، وكانت تقنع نفسها بأنها كانت قد خدعتني. وأخيراً علمتكم احتقاري، لأنها أرادتكم دعماً لضعفها. تمنيت واعتقدت بان روحها الشريرة والضعيفة هذه ممكن أن تموت، متى ماتت هي، لكن الحياة الشريرة تنمو مثل المرض، بينما تتوقف الصلابة عند نقطة معينة وتتراجع. وحينما حاولت أن أغير ما كان خاطئاً من عادات في هذا البيت، كنت إجابة بعبارة "لكن أمنا قالت" وبهذا يكون كلامها حقيقة "اعتادت أمنا أن تفعل هكذا" وبهذا يكون هو الصحيح. وبهذا أبدو في نظركم تافهاً متى ما كنت رحيماً، ومخلوقاً بائساً متى ما كنت حساساً. وشقياً عندما سمحت لكم أن تخربوا البيت بكل الطرق.
أيدل: شرف للموتى أنهم لا يستطيعون دفع الاتهامات عن أنفسهم!
دوراند: (بثبات وسمو) لم أمت بعد، لكن عن قريب. هل ستدافعين عني إذن؟ كلا، غير ضروري ولا تحتاجين ذلك. لكن دافعي عن أخواتك. فكري في أولادي فقط، يا أيدل. امنحي الأمومة إلى تيريز، فهي الأصغر والأكثر حيوية، تندفع بسرعة للخير وللشر، طائشة ولكن ضعيفة. اسعي إلى زواجها قريباً، إن كان هو مؤهلاً. والآن، إني أشم رائحة قش يحترق.
أيدل: ليحفظنا الله!
دوراند: (يشرب من قنينة زجاجية) سيحترق. أما بالنسبة إلى آنيت يجب أن تجدي لها مكاناً كمعلمة، ليمكنها أن تعيش في هذا العالم وتجد شريك حياتها. وتصرفي جيداً بالمال الذي سيأتيك. فلا تجعليها النهاية، وثبتي أخواتك ليكونوا مقبولات من قبل الناس الجيدين. لا تحتفظي بأي شيء سوى أوراق العائلة، الموجودة في الدرج الأعلى من دولابي في الغرفة الوسطية. خذي هذا هو المفتاح. وأوراق التأمين ضد الحريق لديك.
(يرى دخان يشق طريقه بقوة خلال السقف) سيتم كل شيء الآن. حالاً ستسمعين رنين الأجراس من الشارع البعيد. تعهدي لي بشرط واحد. أن لا تبيحي هذا إلى أخواتك أبداً. لأنه فقط سيعكر صفوة حياتهم الباقية. (يجلس بجانب المنضدة) وشيء آخر، لا تسمحي لهن بقول كلمة واحدة ضد أمهن. صورتها أيضاً في الدرج مع الأوراق، لا واحدة منكن عرفت باني وجدت روحها تتجول في البيت كثيراً. تحياتي إلى تيريز، واطلبي منها أن تغفر لي. لا تنسي بأنها يجب أن تملك الأفضل عندما اشترين لها الملابس، أنت تعرفين ضعفها أمام هذه الأشياء وما يمكن أن يجلبه ضعفها هذا عليها. اخبريني آنيت..
(يسمع من بعيد رنين أجراس، الدخان يزداد. يسقط رأس السيد دوراند بين يديه على المنضدة).
أيدل: انه الحريق، انه الحريق! ما الذي أصابك، يا أبتي؟ سيحترق! (يرفع دوراند رأسه، ويشرب ما تبقى من الزجاجة وينظر نظرة إلى أيدل ذات مغزى) لقد.. شريت.. سماً!
دوراند: (يؤمي لها بالإيجاب) هل عندك أوراق التأمين؟ اخبري تيريز.. وآنيت..

(يسقط رأسه. تدق الأجراس ثانية من بعيد. أصوات اشتعال الأشياء في الخارج).
ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال