الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلّ الجهود ضدّ حرب إبادة الشعب الفلسطيني

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2023 / 11 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يوم 7 أكتوبر أسقطت المقاومة الوطنية الفلسطينية أسطورة "القوّة الفريدة" في المنطقة، التي توهّم المتحالفين معها من الأنظمة العربية الفاسدة، بأنها ستوفر لهم الحماية الاستراتيجية.
لقد سقط عنها القناع فجأة. وتبين أنها عاجزة عن حماية نفسها، ممّا دفع المعسكر الأطلسي إلى نجدتها بالبوارج وحاملات الطائرات والمال والخبراء والدّعم المعنوي، وكأنها في مواجهة جيوش جرّارة منظّمة لدول عظمى.

كلّ ما يجري من جرائم ضد الإنسانية ومن إبادة جماعية وتهجير قسري للسكان العُزّل في غزة وفي الضفة أيضا، هو محاولة استعادة صورة "القوّة الفريدة"، والتغطية على خسارة 7 أكتوب العسكرية والاستعلاماتية المُهينة. فقتل الأطفال وقصف البيوت الآمنة والمستشفيات والمدارس والكنائس ومقرات الصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة الدولية واغتيال الصحفيين واصطياد سيارات الإسعاف بالمدفعية، هي جرائم جبانة تُقيم الدليل القاطع على أن هذا الكيان طارئ، بلا روح. لم يولد من التاريخ والجغرافيا كبقية المجتمعات الطبيعية. بل تمّ تصنيعه وفرضه فرضًا بقرار، محكوم بميزان قوى دولي في لحظة من لحظات الزمن، ليحلّ محلّ أهل البلد، الذين يعرفهم زيتون فلسطين ويشهد على جذورهم الممتدة لآلاف السنين.

ولعلّ طبيعة جرائمه التي يُشاهدها العالم يوميا، تدلّ على أن هذا الكيان مجرّد خُرافة مُلفّقة وضعيفة، مسنودة بِجيش مُرتزق بلا قضية، هو في الأصل سليل عصابات الهاغانا الإجرامية. كيان يشكّل الكذب ركنٍا أصيلا في عقدته وسياساته. ولذلك لجأ نتنياهو إلى تلك الأكاذيب، مثل ادّعاء "قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء..." التي سرعان ما تبيّن زيفها الفاضح، الأمر الذي أجبر صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية، بعد فشل إثبات ذلك الادّعاء، على الاعتذار، وكذلك محطة ال "سّاي.آن.آن، CNN. ثم أُجبر الرئيس الأمريكي على التراجع عن ترديده لِما قيل له في تل أبيب.

لا شك أن سطح الأمور يفيد بأن هنالك أبرياء قُتلوا يوم 7 أكتوبر من الجانب الاسرائيلي، إما أثناء تبادل إطلاق النار، أو على يد "المُسلّحين". ولكن ما يتمّ إخفاؤه والصّمت عنه ومنع تداوله في الغرب، منذ سبعين عاما، هو أن غزة مُكتضّة بأكثر من مليوني نسمة اليوم لأن سكانها هم ربع الفلسطينيين الذين تم افتكاك أراضيهم بالقوة وتهجيرهم من القدس ويافا وعكا واللد وباقي مناطق فلسطين عام 1948. وما يُسمّى (غلاف غزة) هي أيضا أراضي فلسطينية مُحتلّة، مُحيطة بالقطاع، هجّر الاحتلال سكّانها الأصليين على مراحل، وبكل الوسائل القهريّة، ثم أقام فيها مستوطنات غير قانونية -بمنطوق الشرعية الدولية- يقطنها مُستوطنون جاؤوا من مختلف بقاع العالم. وهم مُسلّحون يتعاونون مع جيش الاحتلال في ضرب الحصار على الفلسطينيين من جميع الجهات. فالمستوطنون المُسلحون يحاصرون سكان غزة من الشمال والشرق. ومن الغرب تحاصرهم القوات البحرية الرّاسية منذ سنين على شواطئ غزة. فكيف أمكن لإسرائيل إقناع العالم بأن الفلسطيني الذي يُدافع عن شروط بقائه على قيد الحياة إرهابيّ؟ والحال أنه الضحية المُحاصر، الذي تم تهجيره من أرضه وهدم بيته وتشريده مثلما شُرِّد أبوه وجدّه؟ وكيف يمكن لأي آدميّ أن يقبل بهذه المُغالطة الكبرى التي تجعل تاريخ القضية الفلسطينية بدأ يوم 7 أكتوبر 2023؟

لقد استخدم الاحتلال هيمنة اللوبي الصهيوني على قطاع الإعلام في الغرب والشرق لمغالطة الرأي العام العالمي، وإيهامه بأن الفلسطينيين هم المعتدون والاسرائليين هم الضحايا. ونجح إلى حدّ كبير في إخفاء أساس الصراع وسببه الحقيقي المتمثل في اقتلاع سبعين بالمئة من الشعب الفلسطيني من أرضه، وتكريس التطهير العرقي على امتداد أكثر من سبعين سنة، بما جعل هذا الاحتلال الإحلالي منظومة أبارتهايد بكل المقاييس.

كان مشروع اقتلاع الفلسطينيين بشكل نهائي، ومحو فلسطين من الخارطة واضحًا منذ البداية، وليس فقط منذ تاريخ 7 أكتوبر 2023. ولعل أبسط وآخر دليل على هذا المشروع حدث أمس القريب. ففي الدورة العادية عدد 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت في نيويورك ما بين 19 و 26 سبتمبر الفائت، وقف نتنياهو ومعه "خريطة إسرائيل" التي يؤمن بها. هذه الخريطة التي رفعها في وُجوه ممثلي دول العالم، تضم إضافة ألى أراضي 48، الضفة الغربية والقدس والجولان وقطاع غزّة، متحديا بذلك، كما عادة أسلافه، جميع قرارات الشرعية الدولية التي تنصّ على أن هذه الأراضي فلسطينية مُحتلة. وعلى أن إسرائيل لا يحق لها ضمّها ولا بناء المستعمرات عليها.
وهذا ما يُفسّر نوايا الاحتلال اليوم في القضاء على الوجود الفلسطيني في غزة وفي قراها ومخيّماتها عن طريق القتل الجماعي المُتعمّد، وجعل الحياة في القطاع مستحيلة. بمعنى أن الاحتلال استغل عملية طوفان الأقصى لتنفيذ مخططه الجاهز في استكمال الضمّ والتهويد لما تبقى من فلسطين.

يوم 8 أكتوبر، بدأت فصول جريمتي الإبادة والترحيل القسري، بغطاء غربي رسمي واسع وعلني ووقح، وعلى نحو لم يسبق له مثيل.
أولا، وتمهيدا لارتكاب جرائم حرب سافرة ضد الشعب الفلسطيني، شنّ الإعلام الصهيوني في الغرب وأمريكا الشمالية حملة مُضلّلة بالتركيز على نعت المقاومة الوطنية الفلسطينية بكل فصائلها الإسلامية والقومية والماركسية بكونها داعش.

ثانيا، فرضت حكومة نتنياهو حصارًا صارما على دخول المياه والكهرباء والطعام والأدوية، مما سيُسبّب لاحقا كارثة، من المُنتظر أن تكون من أبشع الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث. بحيث تصبح غزة مقبرة وليس مكانا صالحا للحياة.

ثالثا، بدأ القصف الوحشي الكثيف ليلا نهارا، على مدار الساعة، ودون توقّف، بغاية ربح الوقت قبل تصاعد سُخط الرأي العام العالمي. والإسراع في تدمير ساحق للبنية التحتية ولكل البنيان السكني والعمراني، مع التركيز على المستشفيات ومقرات الإغاثة والصليب الاحمر ومآوي الصحفيين وسيارات الإسعاف والمدارس والجامعات والكنائس والمساجد والعيادات والمخابز ومخازن الوقود،، وقتل أكبر عدد ممكن من السكان. باختصار شديد هذا هو المعنى العملياتي للإبادة الجماعية..

رابعا، تمّ شنّ حرب نفسيّة على جمهور الاحتلال، لِمزيد تصعيد منسوب الكراهية والحقد، ضمانا لتماسك الجبهة الداخلية المنهارة، وتبرير الجريمة للخارج، وذلك عبر تواتر التصريحات التي تنزع عن الفلسطينيين إنسانيتهم وتصفهم بالحيوانات وبالمتوحشين وبالدواعش، وبأنه لا يوجد بريء في غزة، فكلهم قَتَلَة بما في ذلك الرُّضّع والحوامل والمرضى والمُسنّين والأطفال.

خامسا، فرض التهجير على سكّان غزة إلى خارج فلسطين. ولتسهيل عملية التهجير بلغ القتل والترويع ذروته، حتى أن الخبراء يقولون بأن حجم القنابل التي قُصِف بها شعب غزّة، فاق ثلاثة أضعاف القنبلة الذرية التي ضُربت بها هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية. والهدف من ذلك هو ترويع كل فلسطيني بقي على قيد الحياة، وإجباره على الرحيل من غزة. وقد خرج الناطق العسكري ليأمر جميع السكّان بالتوجّه نحو صحراء سينا المصرية. ثم طالب مصر علنًا بفتح ممرّ واحد لتهجير الفلسطينيين.

في الخلال، وفي حين كانت غزة تحت جحيم القنابل، عيّن نتنياهو الجنرال غانتس في "المجلس الأمني"المنبثق عن حكومة الحرب على غزة، في خطوة لاحتواء المعارضة وتوحيد الأحزاب الصهيونية حوله. وغانتس هذا له خبرة كبيرة في قتل أبرياء غزة، فلقد شن عليهم ثلاثة حروب سابقة، وهذه الرابعة.
وعلى جبهة الخارج تمّ تجنيد بيدن، الرئيس الضعيف، والحزب الديمقراطي المهدد بخسران الانتخابات. بحيث يحتاج إلى دعم اللّوبي الصهيوني في الانتخابات الأمريكية المرتقبة. هذا بطبيعة الحال، علاوة على تجنيد بقية قادة أروبا في نفس النهج.

على هذا النحو يتّضح المشروع المرحلي لهذا الكيان النّازي في تصفية القضية الفلسطينية، بإفراغ غزة بالكامل، وضمّها على غرار بقية الاراضي المحتلة. ولقد شرع في تنفيذ نفس المخطط في الضفة الغربية على نطاق واسع وتحت جُنح الظلام، مستغلا في ذلك التركيز الإعلامي على غزة. حيث تمّ تسليح جميع المستوطنين، الذين شرعوا في القتل والتعذيب والاستيلاء على البيوت وعلى الممتلكات وتهجير السكان تحت التهديد، حتى أن مراسلة فرانس براس أمس، أكدت على أنها التقت بعض المهجّرين الذين أخبروها بأعمال قتل وسرقة ممتلكات ومواشي، وإضرام النار في البيوت، ونزوح مئتي عائلة إلى حدّ الآن، وما خفي كان أعظم.

إننا أمام نكبة أخرى، واليوم، ليس هنالك مهمة أكثر أولوية مطروحة على جميع الشعوب وقواها الحية، سواء في بلدان الجنوب، أو في بلدان المركز الرأسمالي، من مهمة فرض وقف جريمة الإبادة وإحباط هذا المخطّط الهمجي. ذلك أن إفشاله، هو المقدّمة النوعية لهدم جميع المخططات العدوانية المُعدّة للشعوب التّائقة للحرية والسلام العالمي في هذه المرحلة الخطيرة، مرحلة التعفّن الرأسمالي الأكثر توحّشًا ورجعية.

فلتكن كلّ الجهود ضد الحرب. وكل الجهود من أجل نُصرة الشعب الفلسطيني وحقّه في الحياة والحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام