الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة متأنية في-قصة قصيرة-جدا منبجسة من ثقوب الوَجَع..-حدث ذات مطر-للكاتبة التونسية المتميزة أ-دليلة الوحيشي

محمد المحسن
كاتب

2023 / 11 / 7
الادب والفن


هذا النص الإبداعي المقتضب للكاتبة التونسية-أ-دليلة الوحيشي-القادمة إلى الحقل الإبداعي بمهارة واقتدار،يعتبر-في تقديري-قصة قصيرة جدا ناجحة من حيث الفكرة و العنوان المشوق والموحي،ومن حيث التكثيف وبساطة السرد والايحاء والمفارقة القوية والخاتمة المفاجئة المدهشة.
علما أن اللغة الابداعية لجنس القصة القصيرة جداً،كما اتفق عليه كل نقاد المعمور،لا يحتمل التفصيلات والشروح والحوارات كما هو الحال في الرواية أو القصة القصيرة أو المقالة أو ما إلى ذلك من الأجناس الأدبية الأخرى..
فالقصة القصيرة جداً لغة إيجاز،وترميز،وإيحاء،تكثيف حاد،وحذف إبداعي،وإيقاعات متعددة في عبارات محددة..
وهنا أضيف :تتجلّى أركان القصة القصيرة جداً في القصصيّة والتّكثيف،فهذا النّوع يتميّز بقصر الحجم والاعتماد على الإيحاء المكثف،بالإضافة إلى سمة التّلميح والاقتضاب،واعتماد النّفس الجملي القصصي المرتبط بالحركة والتّوتر مع الميل إلى الحذف والإضمار،أمّا التّقنيات فتتمثل في خصوصية اللغة والانزياح والمفارقة والتّناص والتّرميز والأنسنة والمفارقة والتّنويع في الاستهلال والإختتام.
بخصوص هذه اللوحة الإبداعية للكاتبة التونسية القديرة أ-دليلة الوحيشي،تبدو لي من ناحية المبنى موفقة جدا خاصة في-السرد القصصي-المكثف بطريقة عجيبة ملفتة للنظر،مع حسن اختيار الكلمات بعناية و دقة ("..كانت أضواء الفوانيس في الشّارع تنطفئ تارة وتشتعل أخرى وكأنّها تسترق السّمع إلى تلك السمفونية الغريبة المتجانسة: نشيج قلب أمّ يحترق، وقع الدموع تنساب حرّى من المقل،ودمع السّماء ينسكب رحمة بهما..)،وجعلها في مكانها المناسب،بحيث تشكل لنا عقد القصة أو مفارقتها التي وصلت إليها برمزية في منتهى الرقي و الجمال اللفظي دون أن ينفلت منها عمق المعنى الذي أرادت أن تصل إليه القاصة،كما نلمس جيدا تلاحم وتماسك المعنى بالمبنى دون أن يطغى أحدهما على الأخر (انتحت ركنا على الرّصيف، ووارت صغيرها عن أعين قطرات المطر تغازل جسده الغضّ، غطّته بكامل جسدها،طبعت قبلا غزيرة على وجنتيه ثمّ رفعت يديها المرتعشتين إلى السّماء قائلة:” ربّاه! أكلّما عششت في قلبي يمامة ناديتها، فطارت إليك تطرب حوريات الجنّة بهديلها وتذرني وحيدة؟!!ربّاه!!)
و هذا راجع إلى حنكة في السرد و حسن استعمال الأدوات الإبداعية عند صاحبة النص.
كما احتوى النص على صياغات أدبية غاية في الجمال،جعلته يرتقي بسرعة في سُلم الأدبية،وذلك بتوظيف تراكيب لغوية متماسكة،دون ترك فراغات سردية تجعل القارئ ينفر من القصة،و قد ساهم هذا في جذب انتباه القارئ و تحريك احساسه و التفاعل وجدانيا مع حدث القصة التي اشتملت على صور بيانية موحية،تحمل ايحاءات رقيقة تارة (أغزل من ضحكته وشاحا يقيني قرّ اليأس)،و تارة أخرى قوية في وقعها على نفسية القارئ ( بسمته حينما تندفع من بين شفتيه تجعل من قلبي مدفأة يؤمّها كلّ ذي جرح غائر،فيسكن الحزن تابوت النسيان ويخرس هدير الهلاك العاصف يعول في أرجاء روحي فتمسي خرابا يبابا خلوا سوى من وجع وشعور بالخواء والعدم.” في تلك اللحظة،)،كأن القاصة تمسك شعوره و تدير دفته حيث تشاء وكما تريد.
هوذا،الإبداع الجميل كلما تعددت تفسيراته يزداد عمقا و ثراءً،بل أُحادية النظرة هي التي تحشره في دائرة ضيقة و محاصر جدا.
ّحدث ذات مطر"” قصة قصيرة جدا ً ”لهذه القاصة الشابة (أ-دليلة الوحيشي) السائرة على درب الإبداع بخطى وئيدة ومدروسة حالاتُ رصدٍ كثيرة بكل تجلياتها وهي التي تواكب اتجاهها الفكري.
وأنت تقرأ بتمعن وروية،كل نص قصصي من النصوص القصيرة جداً التي كتبتها القاصة وفيها من التراتبية الكثير،والحبكة التي تجعلك تدور في فضاء هذه القصص القصيرة جداً منطلقا ً من نمط السارد والشخصية،وهذا النمط كما يقال عنه حيث يستقبل العالم القصصي من خلال وعي الشخصية السارد ورغبته.
والقاصة "دليلة الوحيشي" لها مواهب متميزة في كتابة القصص القصيرة جداً،وهذا دليل على وجود الموهبة المتوقدة الذي تعيش فيها منذ كانت صغيرة وهي على مقاعد الدراسة.
وإذن؟
هي قاصة شابة واعدة وطموحة،لا تكل ولاتمل في بحثها عن كل ما هو جديد ومفيد للمتلقي التونسي بخاصة والعربي عموما.وحتى تتماشى مع أبناء عصرها عملت على تقديم مادتها القصصية عبر هذا الجنس الأدبي،لأن عالمنا هذا الذي أصبح عديم القراءة،والخلود إلى الماديات..! بات الهدف الأهم في هذا العصرالمخيف والمرعب.هدير الباطل يملأ الأجواء وأضواؤه تبهر العيون..!! .
وعند محاولتك سبر أغوار نصوص القاصة التونسيةالسامقة-دليلة الوحيشي-تكتشف أنك تدخل في مشهد متكامل و مستقل،فيه من السيمياء والطرح العميق ما يكشف عن مخيال خصب،وهذه الحكايات التي تكتبها من نسيجها الخاص،حتى تخلق شخصيات مرتبطة بالحياة أكثر من ارتباطها بُمثلٍ أو بعاطفة من عند الكاتبة،وهي تمثل انعكاساً صادقاً للواقع الذي نعيشه،وكتاباتها القصصية القصيرة جدا،مؤطرة ومحددة بكثافة بنائية ترسم لنا الآفاق التي انطلقت منها ،وهي تمتلك خصائصها الواقعية من جهة والدلالية من جهة أخرى،وهذه القصص القصيرة جداً تحرك فيك الكثير من الهواجس والأسئلة بين الذات،والوطن،والإنسان.
والقاصة ” أ-دليلة” كمن يحمل كامرته على ظهره لينقل لنا الثيمات التي فيها من الموضوعية الكثير،وكأنها تقوم بتسجيل الأحداث وتوثيقها عبر لغة بلاغية مكثفة فيها الكثير من الاختزال في المعاني.
ولئن كانت القصة القصيرة جداُ قائمة بطبيعتها على قاعدة تناقض وتعارض ومصادفة وانعدام إحساس بالتوافق،والانسجام مع بعض الأشياء والذوات،فنجد جميع قصصها تتحرك على الورق الأبيض،كأنها تسير إلينا بتأمل وبنظرة ثاقبة من الداخل،وفيها الكثير من الصبر والهدوء الذي تراكم لديها من مجمل حكاياتها(أزعم أني اطلعت على جلها) التي قدمتها لنا خصوص في هذه القصة القصيرة جدا "حدث ذات مطر" التي-دون مجاملة ولا محاباة-داعبت ذائقتي الفنية-ودفعتني -طوعا-إلى مقاربتها عبر هذه القراءة المقتَضَبَة.
ختاما أقول : إنّ تحليل النص الوارد (حدث ذات مطر) يدفعنا إلى الإسترسال والإستفاضة والبحث في تقنيات القصة القصيرة جداً.
والمقام هنا لا يسمح بذلك،وهو ما يمكن أن يكون في دراسات لاحقة حين يختمر عشب الكلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا