الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استنهاض المتلقي في قصيدة -وستنتهي مثلما اتفق- عبد الله عيسى

رائد الحواري

2023 / 11 / 8
الادب والفن


استنهاض المتلقي في قصيدة
"وستنتهي مثلما اتفق"
عبد الله عيسى
" وستنتهي ، مثلما اتفق ، الحرب هذه أيضاً .
ولن يكون بمقدورنا ، نحن جميعاً
التعساء
وخائبو الظنّ
باحتضار العالم أجمع بين أذرعنا
أن نخرج الأطفال الذين لم يعتادوا قط النوم في المقابر من غرف الموت المغلقة ،
مثلاً؛
ذاك الّذي لم يمهله رسول القتل أن يتوسله:
" لم أعش بعد كفايتي
فلا تعد بي إلى البيت .
أمّي تنتظرني ، وحدها بعد مقتل أبي وأخوتي معه ،في الحرب الأخيرة ، قبل أن يبرد العشاء".
أو مثلاً
تلك الّتي سمعت تبتهل آناء الليل وأطراف النهار إلى الله ،
ألا تأكل ألسنة النار وجهها ،
فلا تبدو جميلة كما ينبغي في عيني ابن الجيران المودّعتين في غرف الموتى .
ليس بمقدورنا نحن
المستضعفون
وفاقدو الرجاء
بمدّ يد الحياة لكم
مثلاً :
أن يرفع رجال الإنقاذ أشلاء أنّات الضحايا من تحت الأنقاض .
أو أن تحمي مباضع أطبّاء بلا حدود ، من لوثة القصف، أرواح بشر طيّبين لجأوا إلى المشفى كي ينجوا من المجازر.
ليس بمقدور أحد منّا
أن يقرّب نفوق القتلة ، مثل أيّ أحد منكم ، مع كل طلقة تستوطن روحه .
أو أن يتألم أحد مّنا ، أيّما أحد ، مثلكم ، نيابة عنا كلّنا.
ليس بمقدور أيّ منّا نحن
المراؤون
المذلّون
بالوضاعة ذاتها في قلوب شهود الزور ،
المرتعدون
المتهالكون
بهشاشة بلاغة أولي الأمر منّا ،
أن نتظاهر فحسب من أجلكم .
وستنتهي ، كيفما اتفق ، الحرب هذه أيضاً .
ولن يكون بمقدورنا أن نموت من أجلكم .
نحن محض موتى"
الفلسطيني مسكون بفلسطين، لا يمكنه أن يغادرها، حتى لو كان في آخر الدنيا تبقى حاضرة فيه، الشاعر الفلسطيني "عبد الله عيسى" يؤكد حضور فلسطين فيه وبقائها في وجدانه رغم بعده عنها، فهو يعيش في روسيا، إلا أنه سيكونها وحاضرا فيها.
قصيدة "وستنتهي" تأخذنا إلى معاناة الفلسطيني وما يلاقيه من موت، فالقصيدة تتحدث عما يجري في غزة وما يفعله العدو من إبادة جماعية لكل ما هو فلسطيني، من هنا نجد مشاهد المجزرة الصهيونية من خلال الشاعر، فهو لا يقدم مشاهد جامدة، بل متحركة، حتى انه يجعل الموتى يتحدثون ويتساءلون عما جرى معهم قبيل رحيلهم.
يفتتح الشاعر القصيدة بهذا المشهد:
"وستنتهي ، مثلما اتفق ، الحرب هذه أيضاً
ولن يكون بمقدورنا ، نحن جميعاً
التعساء
وخائبو الظنّ
باحتضار العالم أجمع بين أذرعنا
أن نخرج الأطفال الذين لم يعتادوا قط النوم في المقابر من غرف الموت المغلقة"
"نلاحظ أنه يؤخر لفظ "الحرب" وهذا كناية عن سخطه عليها، وما حديثه عن ردة فعلنا نحن "التعساء، خائبو الظن" تجاه الحرب وعجزنا عن القيام بما يمنع الموت: "نخرج الأطفال في المقابر، غرف الموت" إلا من باب التحفيز وإخراجنا مما نحن فيه من تعاسة.
إذن هدف الشاعر إثارة المتلقي وجعله يتخذ خطوة عملية تجاه من يجري من مجازر بحق أهلنا في غزة، من هنا يستخدم الفانتازيا بحيث يحدثنا الأطفال القتلى عما يجول في نفوسهم من أفكار وما يشعرون به:
"مثلاً؛
ذاك الّذي لم يمهله رسول القتل أن يتوسله:
" لم أعش بعد كفايتي
فلا تعد بي إلى البيت .
أمّي تنتظرني ، وحدها بعد مقتل أبي وأخوتي معه ،في الحرب الأخيرة ، قبل أن يبرد العشاء"
فهم يتحدثون بلغة/بعقلية الطفل، من هنا نجده يسهب في تناول حالته الأسرية وما فيها من خصوصية، حتى انه تحدث عن العشاء، كل هذا يؤكد أن المتحدث هو طفل وليس الشاعر، فالشاعر (غاب) وابتعد عن اللغة الشعرية، لهذا جاء كلامه صوته (عاديا).
أيضا نجد لغة الطفل حاضرة من خلال منطقه البعيد عن هول الموت وما فيه من رهبة، وبعيدا عن واقعية الموت وما يحدثه من (سكوت/صمت) فحديثهم ومنطقهم لا يشير إلى تحدي الموت فحسب، بل تحدي العدو القاتل أيضا، وكل متخاذل يرى ولا يفعل، يسمع ولا يرد.
وإذا ما توقفنا عند مطالبهم سنجدها عادلة وموضوعية: "لم أعش كفايتي، أمي تنتظري" فكرة الظلم الواقع عليهم واضحة وتجعل المتلقي يقف معهم وإلى جانبهم، لكن اللافت في طريقة تقديم المطلب أن (الطفل) أستخدم لفظ (صغير) مكون من ثلاثة حروف "أعش، أمي" بتوابع/ملحقات كبيرة "كفايتي، تنتظرني" التي تتكون من ستة حروف.
فالفرق بين الطفل الصغير نجدها في "أعش/أمي" وبين متطلباته/حاجاته/نواقصه "كفايتي، تنتظرني" وهذا ما يجعل الفكرة تصل إلى القارئ من خلال المعنى ومن خلال الألفاظ.
بعد حديث الطفل ينقلنا الشاعر إلى مشهد آخر:
"أو مثلاً
تلك الّتي سمعت تبتهل آناء الليل وأطراف النهار إلى الله ،
ألا تأكل ألسنة النار وجهها ،
فلا تبدو جميلة كما ينبغي في عيني ابن الجيران المودّعتين في غرف الموتى"
نلاحظ أن الحديث متعلق بفتاة، وإن الشاعر يتحدث نيابة عنها، وهذا يجعلنا نتساءل، لماذا جعل الطفل يتحدث بحرية، بينما الشاعر تحدث نيابة عن الفتاة؟
بالتأكيد هناك الجانب الاجتماعي والأخلاقي، فالشاعر لا يريد للفتاة (الخجولة) أن تتحدث عن حبها ونظرتها لابن الجيران، فآثر أن يتحدث هو عنها، وهذا يبقيها بعيدة عن النظرة الاجتماعية المشككة في أي تصرف أو نظر للفتاة.
لكن رغم أن الحديث يدور عن حب عذري، حب إنساني بريء إلا أن هناك موت/قتل لهذا الحب ولمن يحب: "ألسنة النار، غرف الموتى" مما يرسخ لدى القارئ وحشية القاتل وما يحدثه من تشويه لجمال، جمال وجه الفتاة، وجمال عيني ابن الجيران.
قلنا في بداية القصيدة أن الهدف منها حث المتلقي واستنهاضه ليكون فاعلا تجاه ما يجري من مجازر لأهلنا في غزة، من هنا الشاعر يعيد تذكيرنا بعجزنا وعدم قدرتنا على الفعل أو التصرف بطريقة مؤثرة:
"ليس بمقدورنا نحن
المستضعفون
وفاقدو الرجاء
بمدّ يد الحياة لكم
مثلاً :
أن يرفع رجال الإنقاذ أشلاء أنّات الضحايا من تحت الأنقاض .
أو أن تحمي مباضع أطبّاء بلا حدود ، من لوثة القصف، أرواح بشر طيّبين لجأوا إلى المشفى كي ينجوا من المجازر"
نلاحظ أن الشاعر بدأ الحديث عن الطفل ، ثم عن الفتيان، الفتاة والفتى، وها هو ينقلنا إلى بقية الناس بصرف النظر عن أعمارهم وحالتهم الاجتماعية/العمرية، فهو يتحدث عن "أنات" عامة/مجهولة الأصحاب، لكنها تبقى أنات إنسانية، واللافت في طريقة تقديمه أنه لا يتحدث عن (موتى) بل عن أنات تحت الأنقاض، وهذا يجعلنا نتساءل: لماذا لم يتحدث عن ناس ماتوا؟
أن الحديث عن الصوت الإنساني يخدم الفكرة التي يريد الشاعر إيصالها، فهو معني بإسماعنا صوت الضحايا، وهذا يخدم فكرة استمرار معاناتها، لهذا تصدر "أنات" فالمجزرة ما زالت قائمة لهذا نسمع أنات الضحايا.
لن يكتفي الشاعر بهذا التأنيب ووصفنا بالعجز بل سيكرره في موضع أخرى لعل وعسى يجد منا من يقوم ويفعل:
"ليس بمقدور أحد منّا
أن يقرّب نفوق القتلة ، مثل أيّ أحد منكم ، مع كل طلقة تستوطن روحه .
أو أن يتألم أحد مّنا ، أيّما أحد ، مثلكم ، نيابة عنا كلّنا"
نلاحظ أن هنا جمود/سكون يحول دون تفاعلنا/تأثُرنا بما يجري من مجازر، حتى بنتا كالصخر لا تحس ولا تشعر بشيء ممن حولها، فهل هذا وصف (واقعي لنا) أم أن الشاعر يراه السكون الذي يسبق العاصفة؟:
"ليس بمقدور أيّ منّا نحن
المراؤون
المذلّون
بالوضاعة ذاتها في قلوب شهود الزور ،
المرتعدون
المتهالكون
بهشاشة بلاغة أولي الأمر منّا ،
أن نتظاهر فحسب من أجلكم .
وستنتهي ، كيفما اتفق ، الحرب هذه أيضاً .
ولن يكون بمقدورنا أن نموت من أجلكم .
نحن محض موتى"

أن كثرة السلبيات التي وصفنا بها: "المراؤون، المذلون، المرتعدون، المتهالكون" تحمل بين ثناياها فكرة نقيضة، فكرة ضرورة تحررنا مما نحن، وانتقالنا إلى حالة جديدة تتناقض مع حالتنا السابقة، وما جاء في خاتمة القصيدة "نحن محض موتى" إلا من بات الحث على الفعل والعمل والقول، وليس من باب الجمود والسكون.
بهذا يكون الشاعر قد أوصلنا إلى ذروة الاستنهاض من خلال (توبيخنا) بهذا الشكل القاسي الذي يتماثل مع قسوة المجازر التي تحدث في أهلنا في غزة.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07


.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب




.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج


.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت




.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال