الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة جمالية في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -قصيدٌ كهذي أفيهَا امتيازْ؟

محمد المحسن
كاتب

2023 / 11 / 8
الادب والفن


"الشعر ديوان العرب..وفلسطين قضيتهم الأولى" (الناقد)

-شعر الشاعر التونسي الكبيرد-طاهر مشي بعيدًا عن الإعلان والإعلام،وأقوى من نباح الرشاشات،وأصدق من نعيق المدافع.(الناقد)

تقديم : القضية الفلسطينية مرتبطة بتاريخنا،بإنسانيتنا،بديننا،بكرامتنا العربية،وأي شكل من أشكال التنصل منها يعني التنازل عن مكون رئيس في كل ذلك،وصرف النظر عما تشهده فلسطين من أحداث يسبب خللا في إنسانيتنا،بل يؤكد وجود تخشب وتكلس في مفاصل هذه الإنسانية.

ليس الشاعر هو من يستطيع أن يمنح شعره بُعدًا إنسانيًّا يتجاوز عبره إطار الجغرافيا ليصبح حاضرًا في التاريخ.
لدى قرَّاء الشعر في العالم سجل حافل بأسماء الشعراء الذين حملوا راية التعبير عن قضاياهم الوطنية،لكن شعرهم اتسع في نفس الوقت ليحمل سمة إنسانية أعمق،ومن ثَمَّ يمكن لقرَّاء أشعار لوركا وبول إيلوار وبريخت وبابلو نيرودا،أن يشعروا اليوم بالكثير من الامتنان لما تمنحه أشعار هؤلاء من مشاعر تفيض بالتضامن الإنساني،وتعزز من حضور القيمة الجمالية بوصفها المعيار الأهم في الحكم على جدارة النص الأدبي.
في مسيرته الإبداعية التي تعبق بعطر الشعر وأريج الكلمة سعى الشاعر التونسي الكبير-د-طاهر مشي ليأخذ شعره إلى فضاء إنساني أعمق من دائرة الالتزام الإنساني اليومي.
وتجسد قصيدته"قصيدٌ كهذي أفيهَا امتيازْ؟" التي كتبها مؤخرا هذا المسعى بوضوح فقد كتب:
قصيدٌ كهذي أفيهَا امتيازْ؟
يقولون شِعري كنَزفٍ بِغزّا
وقصْفٍ (بِقُدسٍ)بِكلِّ ابْتِزازْ
وإني كَما الطّيْفِ أغزُو البَراري
وأشدو بِنَصْري بِكُلِّ اعتزازْ
فيَغدو قصيدي بكُلِّ البيوتِ
فيجري عميقاً تعدّى المجازْ
وبات كَسَيْفٍ بِصدْرِ العدُو ِّ
يدكُّ الحُصونَ بِدونِ انْحِيازْ
فلسطينُ صوْتي إذا هبّ شِعري
وهزَّ المخاضُ لِنبضِي اهتزازْ
أريحا وعكّا جِنينُ وغزّا
وقدسي بأقصى كأرضِ الحجاز ْ
وَكلٌّ بِقلبي عزيزٌ (كتونس)
حبيبٌ إلَيّ بِعُربِ الجَوازْ
إليْكَِ أغُنّي بعَذبِ القوافي
بَيَومٍ لِنَصرٍ على الكلِّ فازْ
وكيف قصيدٌ بِكلٍّ تغَنّى
ولا يحظَى منكم بِكلِّ امتِيازْ ؟!
إذا كان من صفات الأدبي أنه ورشة لصناعة الجمالية،فإلى متى يرضى الإنساني فينا بهذه المفارقة التي تحوِّل "الجرح إلى وردة"؟
لقد عوَّدتنا الحياة على تقديم الفاعلية على الجمالية؟ لكن الأدب يقدم فاعليته من حيث هو أدب،ذو فاعلية،لا من حيث هو فاعلية.
تحرر شعر الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي من المعنى السياسي المباشر،وراح باتجاه صيد التفاصيل الصغيرة،عمل على صياغة مفهوم إنساني للهوية الفلسطينية،منطلقًا من قراءة الأمكنة،متقدمًا على التعريفات التي جعلت من الفلسطيني تابعًا لقضيته وحدها،أو لتوصيفات اللجوء فقط.
قدَّمت في بعض مقارباتي لهذه القامة الشعرية الشاهقة د-طاهر مشي كشاعر رومانسي،لكن بألم مضاعف.فهو مكسور بين الحب والبلاد،الحضور والاغتراب،الذاكرة والحاضر،والنسيان والتمدد في مكان متخيل.لكن نبرته على الرغم من هذه الأثقال،ظلت غنائية،عذبة تدغدغ المشاعر وتداعب الوجدان.
في حوار لي معه يقول "الطاهر": "لم أعد أعبر عن اللحظة السياسية الفلسطينية،بل عن إنسانية الفلسطيني،وانتقلت بالتالي من النمط إلى الإنسان،أي إنني أطرد من صياغتي الخطاب السياسي،وأتعمق في تراجيديا الشرط الإنساني،فقد انتقلت إلى أنسنة الموضوع الفلسطيني، وصرت أربط السؤال الوطني بالسؤال الوجودي العام.."
وعلى الرغم من قدرته المذهلة على صياغة الهم الإنساني في شكل لوحات شعرية ذات سمة جمالية راقية،فإن-الطاهر-ظل يستجيب إلى ألم عميق لا يتوقف عن حفره عميقًا،هو ألم فلسطين في جرحها الدامي،وفي صمودها المذهل،ويؤكد في عدد من قصائده على مفهوم منفتح للعروبة،لا بصفتها هوية مغلقة على نفسها،وإنما مفهوم منظور إليه عبر اللغة بصفتها أداة لهذه التعددية،لذلك ظل يتحاور في شعره مع هويات متعددة وإرث إنساني متنوع..
في هذا السياق لي رأي في التقنيات الأدبية التي يجب أن تتناول تاريخ تلك القضية التي طوّقها التغريب من كل حدب وصوب حيث أقول : أرى أنّ الصورة أسهل وأوضح في التطواف حول العالم،فالتصوير والفنون التشكيلية والموسيقى والفن السينمائي إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة،هي الأسرع وصولًا كتقنيات حديثة واسعة الانتشار يستخدمها الشاعر والأديب والمبدع عمومًا لإيصال صوته وقضيته التي يتبنّاها،والحقيقة أنّ إسرائيل حاولت طمس القضية ودمج فلسطينيي الداخل وتذويبهم داخل الكيان المحتل،لكن هذه الحرب الدموية الأخيرة (حرب غزة..أرض العزة)أوضحت أنّ محاولات الكيان مجرد أوهام لن تتحقق طالما هناك مَن يطالب باسترداد أرضه وحقه.
وللشعر دور كبير في توعية الآخر بالقضية خاصة عندما يكون الشعر هادفًا وراقيًا.كما يتجلى في الأبيات التالية لشاعرنا الفذ د-طاهر مشي :
فلسطينُ صوْتي إذا هبّ شِعري
وهزَّ المخاضُ لِنبضِي اهتزازْ
أريحا وعكّا جِنينُ وغزّا
وقدسي بأقصى كأرضِ الحجاز
أؤكد أن «الشعر ديوان العرب..وفلسطين قضيتهم الأولى»
إذا كان الشعر هو ديوان العرب فإنّ فلسطين هي قضيتهم الأولى،القضية التي يجب وجوبًا حادًا وصارمًا أن تشغل الجميع بشكل يدفع بها للعلن دائما،والشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي بروحه المتحدة مع الكون وضميره اليقظ بالعدالة والإنسانية والمساواة لا تستطيع روحه إلا أن تتجلى فيما يكتب،ولا يستطيع تجاهل قضية عادلة وإنسانية كفلسطين،فالإنسان التونسي الحر ليس بعيدًا عن هذا الجرح النازف وعن هذا الألم الدافق وعن التاريخ الذي يرام له الدفن،وعن الوطن المُغتصَب،والشاعر هو إنسان قبل وبعد كل شيء،إنسان متجذر في الأرض كنسغ وماء يمتص لهفة الكون وأحزان الأرض ووجعها..
الشاعر قضية تمشي على قدمين وجرح يكتب نزفه،لذا لا يمكن له إلا أن يجعل (فلسطين) قضيته ولغته وشعره،يكتب عنها ولها،يكتب فيها كعاشق أضناه البعد وحبيب فُرق بينه وبين محبوبه.وشاعرنا الفذ د-طاهر مشي-يكتب بحب عن الحب،وبلهفة عن الضياع،وبحلم عن العودة،يكتب القضية شعرًا وإنسانًا "وَكلٌّ بِقلبي عزيزٌ (كتونس)/حبيبٌ إلَيّ بِعُربِ الجَوازْ/إليْكَِ أغُنّي بعَذبِ القوافي/بَيَومٍ لِنَصرٍ على الكلِّ فازْ"
فالقصيدة لا تنتهج منهجًا،ولا تستطيع توثيقًا ولا تروم تحقيقًا دقيقًا،الشاعر"الطاهر"هنا ككل شاعر في كل زمان ومكان يُلبِس القضية فتنة الحب واللغة لتكون حاضرة وخالدة..
وهكذا يصبح شعر هذا الشاعر التونسي الكبيرد-طاهر مشي بعيدًا عن الإعلان والإعلام،وأقوى من نباح الرشاشات،وأصدق من نعيق المدافع.
والشعر هو صيغة الخلود لكل شيء يمسّه،ولكل قضية يطرقها من الداخل للخارج ومن الخارج للداخل.
ختاما أقول : الشاعرالتونسي الكبير د-طاهر مشي بتحديده الإقليمي وضميره الكوني كما كل شاعر على هذه البسيطة،يبتكر دائما صورته الخاصة ليشعل قصيدته بالرؤى الجديدة،ويصبّ ملحا على جراحه الوجودية ليكتب بحبر الروح تماما متفنّنا في التقنيات التي تتناول القضية التاريخية ليجعلها حيّة نابضة،كما يجتهد ليجعلها هويّة لكل ضمير حي.
لك مني-ياشاعرنا الفذ-باقة من التحايا..وسلة ورد،فقد اتخذت من النضال الفلسطيني رمزا، ومن الأحداث رواية،ومن المقاومة عنفوانا،ومن الشهادة شعرا،ومن البكاء نشيدا.
قبعتي..يا "الطاهر"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا