الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة بعد شهر...كشف الحساب

محمد نبيل صابر

2023 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


مر على العالم شهر كامل، منذ ان استيقظ على هجوم جرئ للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، تجاوز فيه مقاتلو المقاومة سور اسرائيل العتيد المحاصر لغزة، وتغلبوا بدراجات نارية طائرة على أنظمة الانذار المبكر والرصد والجواسيس البشريين العاملين في قطاع غزة، الاعلى كثافة سكانية في العالم، في هجوم شامل على مستوطنات غلاف قطاع غزة، لترد اسرائيل بحملة بربرية جوا وبحرا وبرا على القطاع كله مستهدفة مبانيه ومدارسه وجامعاته وكافة المدنيين،مع الحرمان المتعمد من الطعام والشراب والوقود، مرتكبة العديد والعديد من جرائم الحرب واستخدام الاسلحة المحرمة دوليا، بلا ظابط او رابط في ظل دعم غير محدود امريكيا واوروبيا بالعتاد والمال ولاحقا الافراد والتخطيط العسكري. لتدق طبول الحرب في المنطقة بأكملها في ظل حكومة اسرائيلية هي الاشد تطرفا وتدينا ويمينية منذ تأسيس دولة اسرائيل.
ورغم تعدد الاسئلة والاستفسارات وعلامات الغموض حول تلك الاحداث، الا اننا سنفتح المرجع الاشهر والاهم في الحرب " فن الحرب" لصن تزو لنرى كيف نكون معيارا للحكم على كل تلك الاحداث لكل من اسرائيل وفلسطين.
يقول صن تزو في كتابه "فن الحرب" أن النجاح العسكري لا يقاس بالانتصار العسكري فقط، بل بالنتائج التي تحققها الحرب. فالنصر العسكري قد يكون مكلفاً للغاية، وقد لا يحقق الأهداف السياسية أو الاستراتيجية المرجوة. لذلك، فإن القائد العسكري الحكيم هو الذي يسعى إلى تحقيق النجاح العسكري من خلال تحقيق أهدافه السياسية أو الاستراتيجية بأقل الخسائر الممكنة.
ويضرب صن تزو مثلاً على ذلك بقوله: "إذا كانت المعركة تؤدي إلى خسائر فادحة، فإنها ليست ناجحة. إذا كانت المعركة تؤدي إلى هزيمة العدو، لكنها لا تحقق أهدافك السياسية، فإنها ليست ناجحة أيضاً. النجاح العسكري الحقيقي هو الذي يحقق أهدافك السياسية أو الاستراتيجية بأقل الخسائر الممكنة".
ويؤكد صن تزو على أهمية تقدير الأوضاع قبل اتخاذ أي إجراء عسكري، ويقول: "إذا عرفت العدو وعرفت نفسك، فلست بحاجة للخوف من نتائج مائة معركة. إذا لم تعرف العدو ولم تعرف نفسك، فأنت في خطر حتى في معركة واحدة".
وبناءً على ذلك، فإن قياس النجاح العسكري معتمداً على نتائج الفعل يعتمد على عدة عوامل، منها:
1. الأهداف السياسية أو الاستراتيجية المرجوة من الحرب.
2. الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها القوات المقاتلة.
3. الأثر السياسي أو العسكري الذي أحدثته الحرب.
وبناءً على هذه العوامل، يمكن القول أن النجاح العسكري هو الذي يحقق الأهداف السياسية أو الاستراتيجية المرجوة بأقل الخسائر البشرية والمادية الممكنة، ويحدث أثراً سياسياً أو عسكرياً إيجابياً.
لذا بعد مرور شهر على الاحداث لنحلل النتائج
اولا: الخسائر البشرية : تجاوز عدد الشهداء الفلسطنيين 10500، اكثر من نصفهم من الاطفال والنساء، في حين بلغ عدد القتلى الاسرائيليين 349 قتيل حتى الآن. ومع اضافة ما اعلنته حماس عن مقتل 60 اسير لدى حماس نتيجة للضربات الاسرائيلية المسعورة فالعدد سيصل الى 409 قتيل. وبالتالي نسبة الخسائر البشرية بالنسبة للفلسطنيين هو 25 ضعف الخسائر الاسرائيلية. وهنا علينا ان ننهي اسطورة ان الفلسطنيين هم الاكثر عددا .. فطبقا لاخر احصاء سكان موجودين على الارض فعليا من النهر الى البحر2022 فالنسبة متساوية تقريبا طبقا للجهاز المركزي الفلسطيني للاحصاء. ووفقاً للجهاز الفلسطيني، فإن "الفلسطينيين يشكلون 50.1 بالمئة من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية، فيما يشكل اليهود 49.9 بالمئة".
وفي أغسطس 2022، كشف عالم ديموغرافي إسرائيلي أن نسبة اليهود في أراضي فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر، لا تتجاوز 47% من عدد السكان، في حين يشكل العرب نحو 48% والذين يسجلون عمراً أصغر ونمواً أسرع.

ثانيا الخسائر الاقتصادية: نبدأ تلك المرة بالجانب الاسرائيلي حيث توافرت معلومات شبه دقيقة عن الوضع مقارنة بأنطلاق الاحداث.يتجه الربع الأخير من عام 2023 إلى إلغاء جميع المكاسب التي حققها الاقتصاد الإسرائيلي خلال العام الجاري. وفي تقريرعن بنك "جيه بي مورغان تشيس"، قال فيه إن الاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11 بالمئة على أساس سنوي. وفقدت القيمة السوقية للبورصة ما قيمته 25 مليار دولار. أوردت صحيفة "غلوبس" المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي، تقريرا تحدثت فيه عن أهمية أراضي مستوطنات غلاف غزة بالنسبة للأمن الغذائي الزراعي للسوق الإسرائيلية. حيث أن 75 بالمئة من الخضروات المستهلكة في إسرائيل تأتي من غلاف غزة، إضافة إلى 20 بالمئة من الفاكهة، و6.5 بالمئة من الحليب. تتضمن الخسائر نحو 20 مليار دولار عجز في الموازنة و18 مليار دولار خسائر للاقتصاد الإسرائيلي بسبب تواصل عدوان الاحتلال على قطاع غزة. بالاضافة الى 7 مليارات و500 مليون دولار تكلفة الحرب العسكرية والدفاعية، بما في ذلك صواريخ القبة الحديدية والعمليات البرية والجوية. وتوقف 30% من المصانع والورش في مستوطنات “غلاف غزة” عن العمل بشكل كلي، وتوقف 17% من المصانع في باقي المناطق جنوبي إسرائيل ومنطقة تل أبيب عن العمل بشكل جزئي. كما تأثرت القوى العاملة باستدعاء 380 الف من الاحتياط الاسرائيلي الى الخدمة، بجانب توقف 140 الف فلسطنيي عن العمل. وتشير التقديرات "المتفائلة" الى ان تكلفة الحرب ستصل الى 10% من الناتج المحلي. كما حذر 300 من كبار الخبراء الإسرائيليين، من أن الاقتصاد الإسرائيلي يمر بوقت صعب، بشكل يستوجب إجراءات فورية لمنع وقوع مزيد من الضرر. حيث وجهوا رسالة الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش كتبوا فيها: "أنتم لا تستوعبون حجم الأزمة التي يواجهها الاقتصاد، يجب أن تتصرفوا بطريقة مختلفة". من بين الموقعين روني حزقيا، المشرف السابق على البنوك والمحاسب العام؛ ويائير أفيدان، المشرف السابق على البنوك؛ والبروفيسور جاكوب فرانكل، المحافظ السابق لبنك إسرائيل. كما تتضمن القائمة، البروفيسور الحنان هيلفمان، من جامعة هارفارد؛ وحاييم شاني، المدير العام السابق لوزارة المالية، والبروفيسور جوش أنجريست، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 202
اما الخسائر الاقتصادية لفلسطين ورغم غياب اي تقديرات رسمية حتى الان ، الا ان الوضع قبل الحرب كان كالتالي: كانت نسبة البطالة في غزة تبلغ 46 بالمئة، بينما 80 بالمئة من السكان يتلقون مساعدات إنسانية، فيما لم يتم إعادة بناء 80 بالمئة من المباني التي دمرت في حرب عام 2014 حتى عشية الحرب الأخيرة قبل شهر من الآن، بحسب تقرير لوكالة "الأناضول". وتشير التقديرات الاولية الى 30ألف وحدة سكنية دمرت أو تضررت بشكل كبير في غزة، ما يتطلب 150 مليون دولار لإعادة الإعمار والتأهيل.
800مليون دولار خسائر في القطاع الزراعي والصناعي والتجاري والخدمي في غزة
200 مليون دولار خسائر في البنية التحتية والمرافق العامة في غزة، بما في ذلك الكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات والطرق والجسور.
100 مليون دولار خسائر في القطاع الصحي في غزة، بسبب تدمير أو تضرر 30 مرفقا صحيا، ونفاد الأدوية والمستلزمات الطبية
50 مليون دولار خسائر في القطاع التعليمي في غزة، بسبب تدمير أو تضرر 285 مدرسة وجامعة
بجانب نحو 1.2 مليار دولار حجم الاحتياجات الإنسانية في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
واستكمالا لنهج صن تزو فأن النتائج العسكرية والسياسية على الارض تشير الى ما يلي: حققت اسرائيل اهدافها المعلنة في فصل شمال غزة عن جنوبه، وتكررت مناظر نكبة 1948 بمشاهد مرور المدنيين الفلسطينيين حاملين معهم متاعهم القليل الى جنوب غزة، جعلت اسرائيل جزء كبير من قطاع غزة غير صالح للحياة بعد تدمير كافة البنى التحتية وامدادات المياه وخزانات المياه الجوفية ووقف الغذاء والوقود والمدارس والجامعات والمستشفيات. دافعة سكان غزة الى الاحتشاد جنوبا لتمثل ضغطا على حدود غزة مع مصر تمهيدا للتطبيق العملي لإحياء فكرة الترانسفير، حيث يتم الضغط على سكان غزة الى سيناء وسكان الضفة الى الاردن. ورغم الهجوم الذي تناله حكومة تل ابيب اليمينية من داخل اسرائيل وخارجها، الا ان وضعها حاليا افضل من وضعها قبل الحرب حيث تلقى خطواتها دعما غير مسبوق من اسرائيلي الخارج. وربما ما تم كشفه عن وجود جروب لعدد 260 اسرائيلي فرنسي من كبار رجال الاعمال والتنفيذيين مسئول عن حشد السلاح والدعم المادي واشاعة الفوضى في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، بل وحتى استئجار متشردين لرسم تهديدات وعبارات مضادة لليهود على مصالح اليهود التجارية والمعابد من اجل اشاعة جو مزيف من العداء لهم، من اجل ضمان استمرار الدعم العاطفي من المجتمع الفرنسي لإسرائيل، يعد اكبر دليل على ذلك الدعم.
من جهة اخرى، ونظرا لغياب أي معلومات عن اهداف حماس من الهجوم، الا ان حماس تخسر سياسيا داخل غزة، بل وتصريحات وزير داخلية حماس الاخيرة التي تلمح الى خروج الفلسطينيين الى سيناء، اعتمادا على الوضع الانساني الصعب، افقد حماس قدرا لا بأس به من التعاطف الشعبي في غزة ومصر، وأثار العديد من التساؤلات حول تماهي اهداف حماس مع اهداف اسرائيل في تلك النقطة.
من جهة اخرى، ابرزت حماس ضعف الداخل الفلسطيني وقدرته على تجاوز الخلاف المستمر بين حماس وفتح، بل وقدرته على انتاج بدائل جديدة، وهو ما يهدد بشكل مباشر قدرة فلسطين على المناورة السياسية. بل ما صدر من تصريحات عديدة تؤكد اهمية انهاء دور حماس السياسي، ووضع قطاع غزة بالكامل تحت اشراف قوات دولية او عربية مشتركة او غيرها، يعني سقوط غزة سياسيا وخروجها من حسبة الاراضي المحررة، واهدار دم ما سيتبقى من المقاومة بين القبائل في ضربة قوية الى العمل الفلسطيني وحرمان المفاوض الفلسطيني من ورقة جديدة على مائدة المفاوضات.
لا احد يمكنه أن ينكر، حق فلسطين في المقاومة، ولا أن ينكر الاعجاب المبدئي بأيام 7 و 8 اكتوبر، و الصفعة الموجهة الى اسرائيل فيهما. ولكن لم تبرز حماس اي تخطيط جدي لما بعد تلك الايام، ولم تبد اي استعداد لمواجهة الرد الغاشم المتوقع من اسرائيل، خصوصا في حالة الحكومة الاسرائيلية السيئة ما قبل 7 اكتوبر، وتفكك المجتمع الاسرائيلي والصراع الداخلي بين الحكومة اليمينية والمعارضة، التي امتدت الى صدامات في شوارع تل ابيب. ولا ادل على انعدام تلك الرؤية من تصريح ابو مرزوق " الانفاق لمقاتلي حماس اما المدنيين في غزة، فهم مسئولية الامم المتحدة واسرائيل". في تصريح كارثي على كافة المستويات وفي توقيت ولا اسوأ لدفن حماس سياسيا.
بعد مرور شهر على الارض ، وبتطبيق تعليمات صن تزو، أصبحت تحركات حماس كارثة وليست هزيمة، بلا تخطيط استراتيجي لمرحلة ما بعد الضربة، ولا اهداف عامة ولا حتى تم تحقيق اي نجاح عسكري او سياسي فعلي .
نذكر حماس والجميع بقول صن تزو: ": "إذا كانت المعركة تؤدي إلى خسائر فادحة، فإنها ليست ناجحة. إذا كانت المعركة تؤدي إلى هزيمة العدو، لكنها لا تحقق أهدافك السياسية، فإنها ليست ناجحة أيضاً. النجاح العسكري الحقيقي هو الذي يحقق أهدافك السياسية أو الاستراتيجية بأقل الخسائر الممكنة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غزة بعد شهر...كشف الحساب
Kamal ( 2023 / 11 / 8 - 16:38 )
شوف بعدك شكاتب في نفس الموقع
https://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=810592


2 - انا لست هذا الكاتب
محمد نبيل صابر ( 2023 / 11 / 8 - 17:07 )
واشكر تعليقك ولكني لست كاتب المقال المذكور في التعليق كما هو واضح من الاسم

اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال