الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع الديمقراطيّة و المَثَل الأعلى للديمقراطيّة ( الجزء 2 )

شادي الشماوي

2023 / 11 / 8
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


آتش / شعلة عدد 144 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينينيّ – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 827 ، 6 نوفمبر 2023
https://revcom.us
ملاحظة الناشر :
المقال أدناه نُشر بالفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 144 ، نوفمبر 2023 على موقع أنترنت cpimlm.org . و قد قام بترجمته إلى اللغة الأنجليزيّة متطوّعون من موقع revcom.us وقد وُضعت ملاحظات المترجمين بين قوسين . والجزء الأوّل من هذا المقال نُشر على revcom.us بتاريخ 2 أكتوبر 2023.
والمصدر الأساسي لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب بوب أفاكيان ،" الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " و أعماله الأخرى عن الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
------------------------------------------------------------
في الجزء الأوّل من هذه السلسلة ، ناقشنا كيف أنّ كلّ ديمقراطيّة و دولة لها مضمون طبقيّ و الحديث عن الديمقراطيّة دون الحديث عن مضمونها الطبقي لا معنى له . و قلنا كذلك إنّ الديمقراطيّة البرجوازيّة هي في الواقع دكتاتوريّة برجوازيّة مركّزة على أساس الرأسماليّة ، تحديدا الإضطهاد و الإستغلال الرأسماليّين ( و خاصة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ) . و قلنا إنّ الديمقراطيّة تمارس عمليّا فحسب في صفوف الطبقة الحاكمة ، بينما تمارس الدكتاتوريّة على الطبقة أو الطبقات المضطهَدة . و القوّة العسكريّة تعبير مكثّف لهيمنة طبقة على طبقة أخرى : يمثّل الجيش إحتكار ممارسة القوّة من قبل الطبقة الحاكمة و كلّ المؤسّسات الأخرى بما فيها البرلمان [ أو الكنغرس ] و الانتخابات ثانويّة أو مرتبطة به ، و يمكن حتّى الإستغناء عنها عند الإقتضاء . ( و بالرغم من هذا ، يماثل الناس عادة بين الديمقراطيّة و [ البرلمان و الانتخابات ] ).
بإختصار ، جهاز الدولة – خاصة القوّات المسلّحة و أيضا المحاكم و النظام التشريعي ، و البيروقراطيّة الإداريّة ، إلخ – يوجد بيد طبقة واحدة ، طبقة تهيمن على العلاقات الإقتصاديّة في المجتمع . وحتّى الأفكار والقيم التي تفرزها هذه الدولة ، أفكار مثل " المساواة " ، تتناسب و حاجيات هذه البنية التحتيّة الإقتصاديّة ، و كلّ الحقوق الفرديّة الممنوحة و مقيّدة بإطار هذا النظام . و هكذا ، جهاز دولة الديمقراطيّة البرجوازيّة ليس و لا يمكن أن يكون محايدا ، و لا يمكن لأيّة دولة أخرى ( بما في ذلك الدولة الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة الإشتراكيّة ) أن تكون محايدة .
في الجزء الثاني ، سنتفحّص الأوهام المنتشرة حول الديمقراطيّة و سننظر كذلك في حجج المنظّرين الذين يسعون إلى التوفيق بين التناقض الصارخ لواقع الديمقراطية و المثل الأعلى الديمقراطي .
و تلعب هذه الأوهام دورا هاما في ممارسة غضّ الطرف عن الجرائم ضد الإنسانيّة التي تقترفها الديمقراطيّات البرجوازيّة – وهي تشمل اليوم تدمير البيئة . كلّ الديمقراطيّات الغربيّة تدافع بلا قيد أو شرط عن حرب الإبادة الجماعيّة للجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزّة . تنظّر جميعها إلى هجمات حماس في 7 أكتوبر على المدنيّين الإسرائيليّين كعامل معرقل للديمقراطيّة – ديمقراطيّة تقتضى قتل 2.5 مليون إنسان على كوكب الأرض بإستخدام التكنولوجيا الأكثر تطوّرا من محرقة أوسفيتش !
و من الأوهام ، عندما تواجه واقع الديمقراطيّة الذى لا يمكن إنكاره ، هو الإعتقاد في أنّ [ الديمقراطيّة ] يمكن تحسينها و أنّها مثل أعلى لم نبلغه بعدُ لكن يجب أن نظلّ نتحرّك بإتّجاهه . و هذه حجّة من الحجج المستخدمة بالمدافعين عن الديمقراطيّة حينما تواج بالجرائم التي لا يمكن إنكارها للديمقراطيّات البرجوازيّة الكبرى .أجل ، يقولون ، حدث الكثير من الأشياء الرهيبة باسم الديمقراطيّة ، لكن رغم كلّ عيوبها ، لا تزال الديمقراطيّة أفضل شكل ممكن من الحكم . و هذه الطريقة في التفكير منتشرة شعبيّا بالخصوص في صفوف الناس في البلدان التي تحكمها أنظمة إستبداديّة قمعيّة بعنف ( كما هو الحال في إيران ، في ظلّ كلّ من نظام الشاه بهلوي و نظام الجمهوريّة الإسلاميّة .
أثناء تمرّد جينا [ في إيران ] ، شاهدنا نزعة في صفو عديد الشبّان نحو الديمقراطيّة مثلا أعلى . و على سبيل المثال ، إستمعوا إلى كلمات سرينا إسماعيلزاده التي تقارن الوضع في إيران و أثيوبيا و الوضع في لوس أنجلاس بالولايات المتّحدة، و تستخلص أنّ بلوغ " لوس أنجلاس " هو المثل الأعلى الذى يجب العمل في سبيله . (1) لكن هذه النظرة السطحيّة لا يمكن أن تكشف أبدا أنّ إيران / أثيوبيا و لوس أنجلاس و جهان للعملة الواحدة . هنا ، نضع " لوس أنجلاس " بين معقّفين لأنّ مدينة لوس أنجلاس عينها تنطوى على أقطاب مذهلة من الفقر و الثراء ، مثلما يمكن رؤية ذلك بين حفنة جماعاتها مسيّجة فى منازل أقلّية تملك ثروة أسطوريّة ، و آلاف مخيّمات الناس الفاقدين للسكن على طول جانبي طرقاتها . و الآن ، لنضرب مثالا آخر ، الشعر الذى رُفع في بالوشستان [ محافظة من محافظات إيران ] ، " لا مُلُكيّة و لا تيوقراطيّة ! [ نريد ] ديمقراطيّة و مساواة ! " يقترح الديمقراطيّة كبديل لعقود من الإضطهاد و الإستغلال على يد الشاه و الملالي .
و تبيّن هذه الأمثلة النزعات العفويّة الشعبيّة لبلوغ مثل هذا الحلّ لمّا يكونوا تحت ضغط هائل لحكومات إستبداديّة و فاشيّة / دينيّة كالجمهوريّة الإسلاميّة التي تمارس سلطة مطلقة خارج القانون – و المقارنة السطحيّة لإضطهادهم و إستغلالهم الخاصين ب " الجانب الآخر من العالم " في أوروبا و الولايات المتّحدة .
لكن ، إضافة إلى هذه النزعة العفويّة اللاعلميّة التي تبقى الناس بعيدين عن فهم واقع المشكل ، هناك آخرون تنظيرهم " يبرّر "هذا الموقف المميت و اللاعلميّ و يستخدم المنطق الأداتي لتحليل التاريخ لصالحهم الخاص . و هم يعدّون حتّى بانّ النضال من أجل الديمقراطيّة مجرّد " خطوة أولى " في الإطاحة بالجمهوريّة الإسلاميّة ، و بالتعويل على ذلك ، من الممكن بلوغ أهداف أعلى " لاحقا " .
مفهوم التوسيع المستمرّ و التحسين المستمرّ للديمقراطيّة
حجّة من حجج أنّ الديمقراطيّة ، حتّى و إن لم تكن كاملة ، هي على الأقلّ قابلة للتحسين و التوسيع ، تعتمد على سوء فهم تاريخ تطوّر الديمقراطيّة من الأزمان القديمة إلى الحاضر ، بإعتبارها خطّا مستقيما من المدينة / الدولة اليونانيّة إلى الدول الديمقراطيّة اليوم ، و [ أثناء السيرورة ] توسّعت لتشمل فئات من المجتمع كانت قبلا مهمّشة أو يجرى التمييز ضدّها - عبيد، نساء ، فقراء إلخ . و من هذا ، يستنتجون أنّ اليوم يتعيّن علينا أن نظلّ على ذات المسار التاريخّ ، موسّعين الديمقراطيّين لتشمل بلدانا ليست بعدُ ديمقراطيّة ، و في البلدان الديمقراطيّة يتعيّن أن نحاول توسيع الحقوق الديمقراطيّة للمهاجرين و المثليّين جنسيّا و سكّان مهمّشين آخرين ، و دمجهم في المجتمع البرجوازي . لكن لسوء الحظّ ، هذا الفهم للتطوّر التاريخي للمجتمعات الإنسانيّة متعارض مع الماديّة الجدليّة : بكلمات أخرى ، إنّه غير علميّ و منافى للواقع .
و هذا الصنف من الحجج ليس جديدا . فقد تقدّم بها أوّلا الديمقراطي الفرنسيّ آلكسيس دى توكفيل في القرن التاسع عشر " تغيّر المشهد الآن " ، كتب . (2)
لهذه الصورة الجميلة عيب " صغير " : أنّها ليست صحيحة البتّة – لم تكن صحيحة حينها و ليست صحيحة الآن ! ما الذى حصل مع إنحلال الإقطاعيّة عقب الثورة البرجوازيّة لم يكن توسيع الديمقراطيّة دون تمييز طبقيّ بل توسيع للعلاقات الجوهريّة للإستغلال الرأسمالي المعوّضة للعلاقات الإستغلاليّة الإقطاعيّة . لم يكن تعبيرا للسيادة الأكثر إتّساعا على نطاق واسع أبدا ، سيادة الشعببصرف النظر عن المكانة عن المكانة الإجتماعيّة ، بل سيرورات ديمقراطيّة كتعبير و مكوّن أساسيّ لتفوّق الديكتاتوريّة البرجوازيّة على البروليتاريا و أناس مضطهَدين آخرين لأجل الهدف النهائي لضمان و فرض هيمنتها على النظام الاقتصادي الأساسي ( الرأسماليّة و لاحقا ، نظام الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، أو الرأسماليّة العالميّة ).
و مع ذلك ، يجب أن نبقى في الذهن ، إلى حدّ معيّن ، أن " التغيير في المشهد " كان هو نفسه نتيجة قفزة في التنظيم الاجتماعي الإنساني من خلال الثورات البرجوازيّة التي بدورها ظهرت نتيجة تطوّر قوى الإنتاج التي صارت متناقضة عدائيّا مع نمط الإنتاج الإقطاعي . و هذه القفزة غيّرت تغييرا راديكاليّا البنية الفوقيّة السياسيّة و الدعامات الإقتصاديّة ، و لم تكن أبدا سيرورة تدريجيّة و في خطّ مستقيم .
لذا ، ما الذى يجعل مفهوم " تحسين الديمقراطيّة " هام جدّا بالنسبة إلى النظرة الديمقراطيّة إلى العالم ؟ مثلما كتب بوب أفاكيان : المثقّف الديمقراطي،
" ...يرغب في النظام الاجتماعي القائم لكن دون تجاوزاته الأسوأ ، بمجال للإصلاح و تلبية مطالب المضطهَدين طالما أنّها لا تهدّد بتفجير النظام القائم و الإنقلاب على كلّ العلاقات الإجتماعيّة القائمة ".(3)
لكن بقطع النظر عن رغبات و تطلّعاتهذه الفئة [ الوسطى ] ، الواقع هو أنّ هذا النوع من الديمقراطيّة ( و كافة تنويعات الديمقراطيّة في ظلّ النظام الرأسماليّ ) لا يمكن أن توجد دون [ الإعتماد على ] " التجاوزات " العنيفة ، دون إستغلال وحشيّ ، و أزمات و حرب و تدمير للبيئة . و إذا ، تمّ ، في لحظات ما و في بعض البلدان الإمبرياليّة ، بلوغ توسيع بعض الحقوق – على سبيل المثال في مكانة المرأة – لا يعود هذا إلى الطبيعة التوسّعيّة للديمقراطيّة ، و لا حتّى ببساطة إلى نضال النساء و المجموعات لكسب مزيد الحقوق . وتفترض هذه النظرة للمشكل أنّ الديمقراطيّة هي التي خلقت " إمكانيّة الصراع" هذه . و متى طبّقناها على بلدان جنوب الكوكب ، تبلغ هذه النظرة نفسها الإتنتاج الشوفيني أنّ سبب عدم بلوغها الديمقراطيّة و حقوق أكبر هو أنّها لم تناضل نضالا شاقا بما فيه الكفاية ! و في حين وقع توسيع بعض الحقوق ، فهذا يُعزى أوّلا إلى الموقع ذي الإمتيازات لهذه البلدان في النظام الرأسمالي – الإمبريالي ما سمح بإستقرار إقتصادي و سياسي قائم على إستغلال بقيّة العالم ، و هذا ليس شيئا كان أو سيكون أبدا ممكنا في ديمقراطيّات جنوب الكوكب – من الهند إلى البرازيل ، إلى إيران .
و ناظرين إلى الإطار الأوسع ، نرى أنّ خطر الثورات و وجود البلدان الإشتراكية في العالم كان له تأثير ذو دلالة ، ممارسا ضغطا على أجهزة الحكم لدي الديمقراطيّات [ الكبرى ] لتمنح بعض الحقوق في إطار نظامها – كي لا يرى الناس تخلّفهم مقارنة بالإشتراكيّة [ الحقيقيّة ]. و مثال سلبي لهذا هو أنّه رغم الإحتجاجات الشعبيّة الواسعة مثل إحتجاجات حياة السود مهمّة ، لم يقع أي تحسين في وضع السود في الولايات المتّحدة . بالعكس ، تحت ضغط أزمات النظام على الصعيد العالمي، حقّقت الفاشيّة بقيادة جمهوريّة كسبا وقوّة ، و قد شنّت هجمات ممنهجة على حقوق مُنحت قبلا و هم يحاولون الإلتفاف عليها.
التناقض بين المَثَل الأعلى للديمقراطيّة و واقع الديمقراطيّة
من جذور هذا المشكل ، رغم كلّ الوقائع المشا إليها أعلاه ، أنّ معظم الناس لا زالوا يعتبرون " الديمقراطيّة الخالصة " مثلا أعلى ، مع أنّ المثل الأعلى للديمقراطيّة يُخالف الممارسة العمليّة ل " الديمقراطيّات " . فمن جهة ، يغرقوننا بكتابات المنظّرين للديمقراطيّة الذين يقدّمون كلاّ من المبادئ العالميّة و الأبديّة و تصريحات المضطهَدين البرجوازيّين الذين يحمون باسم الديمقراطيّة . و من الجهة الأخرى ، لدينا واقع الحياة في ظلّ حكم هذه الديمقراطيّات و في العالم حيث لعقود إحتلّت مواقع القمّة . و بينما يمثّل هذا التناقض مصدرا هاما لفضح النظام و للنضال ضدّه ، التناقض هو ذاته مصدر متكرّر للأوهام حول " إمكانيّة تحسين " النظام الديمقراطي ، أو " التحقيق الفعلي " للمُثُل العليا الديمقراطيّة التي لم تتحقّق بعدُ .
و من نتائج هذا نلفى أنّ التنويعات الراديكاليّة للديمقراطيّة البرجوازيّة تظهر بإستمرار ، التنويع تلو التنويع الآخر ، ضمن معارضي النظام ، و حتّى النزعات الإشتراكيّة التي تشمل جعل الديمقراطيّة مثلا أعلى كمكوّن أساسيّ . و الدولة الإشتراكيّة هي أيضا ديمقراطيّة / دكتاتوريّة طبقيّة [ للبروليتاريا ] . و مع ذلك ، إذا لم تتحرّك هذه الديمقاطيّة بإتّجاه إضمحلال الدولة و الطبقات ( أي بإتّجاه إضمحلالها هي ذاتها ) ، و لا تتقدّم نحو عالم شيوعي ، إذا رأت الإشتراكيّة كهدف في حدّ ذاته ، بالتأكيد ستخسر طابعها الإشتراكي . ( سنناقش هذا الموضوع في المقالات القادمة ).
وكما أشرنا إلى ذلك ، تشويه عدم التكافئ في العالم ( أي إنقسام العالم إلى بلدان إمبرياليّة وبلدان تهيمن عليها الإمبرياليّة )، و قدوم عصر الإمبرياليّة الذى أفرزتهعولمة الرأسماليّة ، قوة ماديّة قويّة تغذّى الأوهام حول تحسين الديمقراطيّة و جعلها مثلا أعلى . و ينهض هذا التناقض بدور سياسي هام في العالم ، ضمن إطار هذا التشويه لتشكيل الأفكار و حتّى معارضات و صراعات . و الإنعكاسات السياسيّة و الإيديولوجيّة للإمبرياليّة في هذه الحال كانت متعدّدة الطبقات و متعدّدة الأوجه . فمن جهة ، " الأوقات العاديّة " ( التي وُجدت لعقود ) في البلدان الإمبرياليّة ، ولّدَت فئة " أرستقراطيّة " من البروليتاريا – فئة من العمّال ظروفهم ليست يائسة ، يساومون من أجل توسيع الحقوق الديمقراطيّة بدلا من البحث عن تغيير راديكالي . و من الجهة الأخرى ،في بلدانتهيمن عليها الإمبرياليّة ، حيث الظروف اليائسة بإستمرار ، عادة ما يرغب الناس في تغيير ثوريّ ، [ بيد أنّ ] آمالهم و أحلامهم تتشكّل و تتلوّن بوضع المجموعة الأولى و إمتيازاتها . و قد أدّى هذا إلى نزعة بارزة في البلدان الإمبرياليّة بإتّجاه الديمقراطيّة الإشتراكيّة في مجال السياسة و الإيديولوجيا و بإتّجاه القوميّة و الديمقراطيّة – البرجوازيّة في البلدان المهيمن عليها .
جوهريّا ، تعكس هذه النزعة السياسيّة و الإيديولوجيّة نظرة الرأسماليّين و الملاّكين الصغار و مثلهم الأعلى هو دولة فيها الثروة و السلطة ليستا مركّزتين بيد فئة قليلة .ف [ مثل تركّز هذه الثروة ] يُعدّ شكلا من أشكال الفساد أو خرقا للديمقراطيّة التي طبّقت أو على الأقلّ جرت محاولة تطبيقها . و المثل الأعلى البرجوازي الصغير لا يعى أنّ كلّ ، أو حتّى معظم ، الذين تقدّموا بهذه النظرة هم أنفسهم ملاّكين صغار أو هم يبحثون ببساطة عن تحقيق مصالحهم الخاصة . تتقاطع هذه النظرة مع تفكير المثقّفين الذين يفهمون أنّه عندما يتمّ تركيز الثروة و السلطة بيد أقلّية ، فإنّه بطريق الحتم سيقع إستعمالها إستعمالا سيّئا . هذه الطبقة تريد النكوص عن عصر الإحتكارات الإمبرياليّة نحو عصر بدايات الرأسماليّة . إلاّ انّها تفتقر إلى فهم أنّ سير و ديناميكيّة بدايات الرأسماليّة ذاتهما هما اللذان أفضيا إلى تطوّر الإحتكارات ، و أنّ الإمبرياليّة نمت على أسس الرأسماليّة عينها .
و مظهر آخر لهذا المشكل هو أنّ البرجوازيّة الصغيرة تنظر إلى المدّعاة " الديمقراطيّة الخالصة " على أنّها فوق الطبقات. و ترى مصالحها الخاصّة على أنّها مصالح جميع الطبقات . و بالتالى ، ترى الرأسماليّة المعدّلة و فيها يكون كلّ شخص قادرا على ممارسة " الديمقراطيّة المباشرة " في مجاله أو في مجالها ، بإعتبارأنّها تعود بالفائدة على كلّ فرد ! هكذا مفاهيم للحرّية و المساواة و الحقوق تتناسب مع موقع المنتجين الصغار للسلع .
ما هو المركزي في هذه النظرة إلى العالم ؟ إنّه المثل الأعلى لسيادة الفرد – ل " التحكّم في المجال الخاص " – الذى يعكس التحويل إلى ذرّات الناس الذين تكون هويّتهم أنّهم ملاّكي سلع و في الوقت نفسه هم عُرضة لإملاءات رأس المال و القوى المحرّكة لمراكمة رأس المال . و هذا يعنى أنّ هذا المثل الأعلى في الوقاع لا يمكن أن تبلغه غالبيّة شعوب العالم ( رغم أنّ الغالبيّة ذاتها لا تفكّر على هذا النحو . )
لذا المشكل ليس أنّ الديمقراطيّة الحقيقيّة " و " حقوق الإنسان الحقيقيّة " أو " المساواة الحقيقيّة : لم يقع تكريسهم بعدُ في أيّ مكان و إنّما كما أشار بوب أفاكيان ، الحديث عن الديمقراطيّة دون الحديث عن مضمونها الطبقي لا معنى له و أسوأ من ذلك . كتب أنّه حتّى إن تمّ تكريس كلّ هذه المُثُل العليا و المبادئ البرجوازيّة ، [ لنعيد صياغة كلمات بوب أفاكيان ]
ستكون النتيجة ذاتها كما هو الحال اليوم ، أي ، ستستخدم أقلّية أيّة فرصة للتمكّن من إستغلال الأغلبيّة و لضمان هذا الإستغلال ، ستستعمل القوّة بصفة مباشرة حفاظا على هذه العلاقات و ستلجأ كذلك إلى فارضين و سياسات فرّق تسُد . و هذا يعنى أنّه لو تمّ تطبيق مبدأ المساواة في الفرص للجميع تطبيقا تاما و ثابتا ، لن يتمّ بلوغ أيّة نتيجة مغايرة . و بكلمات أخرى ، لن يكون لدينا أيّ شيء عدا المجتمع البرجوازي الذى لدينا الآن ، و الذى ينطوى على لامساواة إجتماعيّة و على إستغلال للبروليتاريا . كي نحصل على نتيجة أخرى تتضمّن إلغاء اللامساواة الإجتماعيّة إلى جانب إلغاء الإستغلال ، لا بدّ من المضيّ أبعد من المُثُل العليا و مبادئ المجتمع البرجوازي و الظروف الماديّة التي هي تعبير عنه ، و الإطاحة به . لا بدّ من الإطاحة بالدولة البرجوازيّة وتجاوز ما سمّاه ماركس" الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي"( الفرص المتساوية للجميع ) و كافة العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة التي تعكسه و تخوّل سيره .
منذ زمن حان الوقت لترك الموتى يدفنون موتاهم ، كما وضع ذلك ماركس ، و يشمل هذا فعليّا و بصفة خاصة ما يتّصل بجعل الديمقراطيّة مَثَلاً أعلى .
الهوامش :
1. In a video, Sarina talked about her dreams saying “I know that in the world, there s an Ethiopia and a Los Angeles, and because I am a perfectionist, I prefer Los Angeles." She was 16 when she was killed by the Islamic Republic s mercenaries.
2. Alexis de Tocqueville, “Author’s Introduction” to Democracy in America (New York: Vintage Books), ed. Phillips Bradley, Vol. 1, p. 9.
3. Bob Avakian, Democracy, Can t We Do Better Than That?, p. 85, English edition.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال


.. تصريحات عمالية خلال مسيرة الاتحاد الإقليمي للاتحاد المغربي ل




.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو